عملية الوهم المبدد
عملية الوهم المبدد
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – فلسطين
التاريخ 27-6-2006
توقيتها حساس وحرج وهدفها مميز ومعقد ونتيجتها إضافة أسير إسرائيلي وتهديد بالويل والثبور وتحرك عالمي محموم لا نعرف هل هو من اجل الإفراج عن الأسير الإسرائيلي أم لمنع الهجوم على غزة.
طبعا حصلت عمليات كثيرة مشابهة في النوعية والتعقيد العسكري وعمليات أخرى في التوقيت الحساس وتهديدات إسرائيلية بالويل والثبور وتحرك عالمي محموم لاحتواء الأحداث.
الاختلاف يكمن في 4 قضايا
- إنها عملية عسكرية بحتة ضمن حدود حصار الاحتلال لغزة وبعد انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب لم يتم اتفاق عليه.
- تتكون من تحالف فصائل تمثل اذرعا عسكرية لقوى سياسية في الحكم ومنظمات خارجه.
- تحدث عشية التوقع بإعلان اتفاق على وثيقة الوفاق الوطني وما أمله البعض من انحسار للحصار.
- تحدث بعد تأكيد من أبو مازن برفض أي خيار عسكري من خلال كلمته في بلد الصخر( البتراء).
العملية وقعت على الحدود الفاصلة بين ما تعتبره كل الفصائل حقا للمقاومة وتحتويه وثيقة الأسرى بوضوح. والتركيز على الأراضي المحتلة 67 لا يلغي فرضية قبول هذا النوع من العمليات من مؤيدي الوثيقة. وهذا سيكشف بالتجربة الصارخة معنى ما يطالب به مؤيدو الاستفتاء. فان كان موقفهم كذلك فهو ترسيخ للفهم وان لم يكن فهو إحراج في الصميم وعلى كل جهة أن تبحث عن الجواب الذي يعنيها حقا.
تحالف الفصائل المشتركة بالعملية: حماس المنضوية بالحكم ولجان المقاومة التي تتعاون معها دون تحفظ والجيش الإسلامي المجهول الهوية السابقة يمثل محاولة لتأكيد أن هذا العمل لا يخضع للمعادلة السياسية بشكل كامل مع انه يتأثر ويتفاعل معها بشكل كبير.
فهي تقع على الحدود بين تحميل المسئولية للجانب السياسي وتبرئة من تلك المسئولية. وهي بذلك تكشف الفاصل لكيفية تعامل إسرائيل مع الحالة:
فان قررت إسرائيل تحميل حماس كامل المسئولية وتصرفت انتقاميا لإسقاطها ومنعها من المشاركة في الحكم تكون قد حسمت منع استمرار السلطة المنتخبة وبذلك اعترفت بسقوط اوسلو والسلطة وحتى خيار الحل التعايشي. وتسمح لصراع مفتوح اقله كسر شرعية من يحكم في السلطة وأكثره إعادة احتلال مستبعدة.
وان قررت إسرائيل استيعاب الصدمة وسمحت باستمرار حماس تكون قد اعترفت بضرورة توفر حل وسط لا يفترض سقوطها كشرط للتعايش وربما يكسر ذلك بعض الحواجز التي تمنع حلحلة الوضع السياسي أو المعيشي.
والعملية حدثت عندما تكاثر الحديث عن موعد إطلاق الدخان الأبيض (مثل انتخاب البابا) وتأخر هذا الإعلان كثيرا وازداد الهمس بالفشل وإعادة الاختلاف ومطالبات بحل الحكومة فورا.
ومطالبات أخرى بإعادة تعريف المقاومة و المرجعية الفلسطينية وحديث الشرعية الدولية والعربية وأنه لا يكفي الحديث عن قبول فلسطيني بل قبول فلسطيني ينال قبولا عربيا ودوليا. ودوامة من يدخل الحكومة واقتراب نهاية الموعد ( ذكر أبو مازن أن أحداثا رئيسة ستبدأ أول تموز). ولو استمر التفاوض الفاشل لربما كانت النهاية قادمة بحل الحكومة.
جاء توقيت العملية على الحدود الحرجة بين استمرار الحوار ونهايته وحصول الوفاق وسقوطه واستمرار الشراكة وإسقاطها وإقامة الحكومة الطارئة. جاءت العملية لتحسم الأمر فان كان تفاهما فليكن الآن وان كان طلاقا فها هو المبرر.
وكان مستغربا سماع تصريحات بعض المسئولين في السلطة تعليقا على توقيت العملية ما يفهم منه أن الأمل كان بالوصول لاتفاق تفاهم خلال ساعات وان العملية ربما أوقفت ذلك. لماذا يكون لعملية من هذا النوع مانع على توقيع وثيقة الأسرى يا ترى. فإذا كانت لا تخرج عن بند حق المقاومة لماذا تكون سببا في التأخير. المقصود واضح طبعا.
وأخيرا جاءت العملية بعد إعلان أبو مازن الصريح برفض أي لجوء للقوة. والعملية رد عكسي تماما ونجاحها بأسر جندي جعلها أكثر عكسية. فإذا كان الأمر حسم استثناء خيار المقاومة حسب تصريحات أبو مازن فالعملية موقف عكسي صريح سبقه موقف من قيادات كتائب الأقصى والقسام وسرايا القدس والشعبية بانتهاء الهدنة وانتقاد لتصريحات أبو مازن. يبدو أنها النهاية إذن ومن الصعب الاستمرار ولم يبق كما يبدو إلا الحسم والعملية تفرض ذلك بنتائجها.
ستعتمد النتائج على رد الفعل الإسرائيلي بالتأكيد
فان قررت استيعاب الصدمة وقبول الحكم الفلسطيني دون تدخل أو حصار وأعطت لموقف المقاومة مجالا للتعايش وما يعنيه ذلك من استمرار لحكومة حماس أو تعديلها بحكومة وطنية وتوقفت عن فرض الحصار الاقتصادي فسوف يفتح ذلك مجالا حقيقيا لتجربة تعايش رغم تمسك كل طرف بموقفه.
وسوف يفهم من ذلك الاعتراف بوزن موقف التيار المقاوم ( لا يعني ذلك قبوله من إسرائيل) والتعامل معه بدرجة من الشرعية. وهذا يساعد بحسم الموقف الداخلي الفلسطيني بحل يحترم الفلسطيني فيه نفسه مع استعداد لتهدئة معقولة.
وان قررت إسرائيل التصعيد وإسقاط حكومة حماس جملة وتفصيلا واعتمدت القبضة الحديدية فلن يبقى أمامها مؤسسات شرعية منتخبة إلا رئاسة السلطة. وفي مثل هذا الجو التصعيدي ستفقد الرئاسة أي بريق شعبي وأي قدرة على الحكم الفعال وستفتح كل الخيارات. من الصعب التنبؤ بالنتائج مع أن المؤكد منها سيكون مزيدا من العنف والمعاناة والضحايا.
وفي كلا الحالين لا يبدو أن الاستفتاء أصبح ذا علاقة أو جدوى. وربما يكون الاستفتاء احد ضحايا العملية لأن حصوله أو عدمه لن يقدم أو يؤخر.
فان أرادت إسرائيل التهدئة فهي ليست معنية كثرا بمراوغات نجاح فتح أو حماس وما سيهمها في تلك الحالة سيكون كيفية منع التصعيد المطلق وانهيار السلطة. وإسقاط حماس لا يبدو في تلك الحالة خيارا مطلوبا.
وان قررت إسرائيل إسقاط حماس فلا حاجة لها لاستفتاء به قواعد كثيرة تتناقض مع حدود موقفها الدنيا. وهي ليست معنية عند ذلك بمواجهة وثائق تتعلق بحق العودة والمقاومة ليتم إقراراها شعبيا بعد إسقاط حماس من الحكم.
(إذا كان هناك مبرر عند إسرائيل لقبول إجراء الاستفتاء فالعذر انه شأن فلسطيني لحسم تنازع الصراع على الحكم وربما يخدم اتجاه التسوية أكثر من غيره. وإذا تحقق سقوط حماس بسبب الاستفتاء يكون لكل حادث حديث)
يبدو أن الخيارات أصبحت أكثر تحديدا فإما توحيد للخطاب الفلسطيني أو سقوط شامل للسلطة. من الصعب توقع نجاح خيارات التسوية بالطريقة السابقة لمجمل الأسباب المذكورة أعلاه.