تقييم التجربة الديموقراطية الفلسطينية
بسم الله الرحمن الرحيم
تقييم التجربة الديموقراطية الفلسطينية
1-9-2006
د. سلمان محمد سلمان
1- مقدمة
سنحاول في التالي تقييم التجربة الديموقراطية للسلطة الفلسطينية من منظور النمو الداخلي والقابلية العامة لتطبيق الديموقراطية ومحدداتها العامة. وطبعا هذا لا يكفي دون تقييم تجربة الحكم داخل منظمة التحرير وان لم تكن تجربة متصلة أو ملتزمة بنظامها. سوف نتطرق لذلك في النهاية وسنحاول وضع التوصيات لأفضل الاستراتيجيات لممارسة العمل الذي يخدم المصلحة العليا وبالوسائل الديموقراطية أن كان هناك جدوى من ذلك حقا.
في التجربة الأولى: انتخابات 1996 المرحلة التي غطت فترة المجلس التشريعي الفلسطيني الأول لم تكن طبيعية بمعظم مقاييس موضوعية. ومن الصعب تقييم المرحلة والوصول إلى نتائج حاسمة بالنسبة للكثير من المواقف أو التوجهات لان ادوار الاحتلال والمقاومة والانتهازية تداخلت بشكل يمنع في كثير من الأحيان تمييز أداء الأفراد أو المجموعات. ومن جهة أخرى فرضت قسوة الاحتلال على الكثيرين مواقف لا تعتبر حرة مما افقد العملية الديموقراطية ركيزتها الأساسية وهي اتخاذ المواقف الحرة بناءا على توفر خيارات أصلا.
ومع ذلك يمكن الادعاء أن عمق التجربة وحدتها كشفت بعض الغموض بشكل يسمح التقريب للحقيقة من عمق المعاناة. وهذا سيكون منطلقنا في تقييم المرحلة— تقييم الأفضل ضمن الظروف الأسوأ. ونستعير هنا مصطلح المتشائل من إميل حبيبي.
وفي التجربة الثانية: الانتخابات 2006 بعد الانتخابات التشريعية الثانية والانقلاب الكبير في موازين القوة على المستوى الشعبي مع شهادة حيادية بنزاهة الانتخابات يمكن الادعاء بشكل أولي أن الشعب الفلسطيني قد نجح في امتحان الديموقراطية الانتخابي. فهل يعني ذلك نجاح التجربة الديموقراطية بمقوماتها العامة.
وماذا عن نتائج الامتحان الجديد. نجح الشعب في اختيار من يريد رغم الثمن المتوقع والعقاب الذي تم التهديد به وهذا طبيعي لأي شعب يحترم نفسه ويرفض التدخل الأجنبي في خياراته. ولكن ما الذي نتعلمه من الحصار. هل ممارسة الديموقراطية والاختيار الحر تعني أن نتوقع المكافأة من الخارج أم أن علينا دفع الثمن إذا أردنا أن نكون أحرارا.
2- ظروف نشوء وممارسة الديموقراطية في فلسطين
شروط تحقق الديموقراطية
يدعي بعض دعاة الديموقراطية وعلى حد سواء بعض معارضيها أن الشعوب العربية غير مؤهلة للديموقراطية من منظور عدم أصالتها في الثقافة العربية. ويختلف الطرفان في العلاج. حيث يدعو بعض المنظرين إلى تعليم الشعب مفاهيم الديموقراطية من خلال التثقيف وتقليد التجارب الغربية. وبذلك يريدون تطبيق مفاهيم محددة تبدأ عادة من مواقف سلبية من الدين أو دعواى ذات طابع غربي لمفهوم تحرير المرأة أو خصخصة الاقتصاد. ومع أن تلك المفاهيم لا تتناقض مع أسس الديموقراطية إلا أنها ليست بالتأكيد شروطا لها.
فالديموقراطية أساسا هي اختيار رأي أغلبية الشعب مع الحفاظ على حق الأقلية في المعارضة وخضوع الطرفين لنفس القانون دون تمييز. وهي تجربة تنجم عن توازن داخلي لقوى الشعب وتياراته الفاعلة مع درجة عالية من الاستقلال الوطني وتوفر أدوات المحافظة من التدخلات المفصلية للقوى الأجنبية.
وهي تجربة نسبية تبدأ عند تطور مستوى الحرية في المجتمع بعد توفر حريته عن الخارج. وهي أيضا محدودة العمق وتعتمد على تجربة الشعب التاريخية ومسلمات هذا الشعب العقائدية أو الفكرية. ولكنها لا تكتمل دون توفر الشرطين الأساسين وهما الاستقلال وتوفر توازن القوى.
والديموقراطية المطبقة في الغرب تستوفي شرطي الاستقلال وتوازن القوى إلى درجة كبيرة. وفي ما عدا ذلك تختلف تلك الديموقراطيات فيما بينها في كثير من المعتقدات أو وسائل الممارسة. ورغم هذا علينا أن نتذكر أن الاستقلال عن الخارج مسالة نسبية ومن الصعب توفرها بالمطلق. فحتى الديموقراطيات الغربية تخضع لكثير من القيود المفروضة من تأثيرات القوى الخارجية أو تغلغل تيارات المصالح الخاصة.
ويمكننا القول أن طرح شعار الديموقراطية كمفهوم محسوم المعالم وواضح المواصفات يمثل سذاجة فكرية أو توجها مقصودا لتصدير نمط محدد من أنماط الحكم لخدمة قوى ذات مصالح خاصة, أو تمثل امتدادا لقوى خارجية. وهذا يتطلب الحذر الكبير عند تناول تطبيق الديموقراطية كشعار أو ممارسة.
المشكلة الأخرى في الطرح الديموقراطي هي تبسيط المفهوم الديموقراطي بطقوس إجراء الانتخابات لاختيار القيادات الحاكمة دون التعمق في مدلول تلك الانتخابات وشروطها, وطريقة أدائها من خلال قوانين الانتخاب المختلفة. حيث يمكن في كثير من الأحيان لأقلية منظمة أن تخترق النظام الديموقراطي وتسيطر على الأغلبية بأساليب غوغائية أو بهيمنة على مقدرات الثروة الوطنية أو الفكرية. بحيث يتم اختطاف الحكم من الشعب باسمه وبشرعية تفوق كثيرا هيمنة الدكتاتوريات أو الأنظمة الشمولية. وهذا محذور تقع فيه معظم التجارب الديموقراطية لأسباب تطور موضوعية في بنية المجتمع وتوازن قواه أو بسبب التدخل الأجنبي.
وهذا يعني أن التجارب الديموقراطية محدودة في الزمان فوق محدوديتها في العمق أو التعبير الحقيقي عن إرادة الأغلبية.
هل يعني ذلك التخلي عن الفكرة الأساسية. بالطبع ليس بالضرورة, لأن المفهوم الديموقراطي السياسي يظل أفضل الوسائل لتوفير حكم الأغلبية. لكن التجديد والمراجعة الدائمة تمثل أفضل الطرق لإصلاح أو بقاء النظام الديموقراطي معبرا عن موقف الأغلبية.
جاهزية الشعب الفلسطيني لممارسة الديموقراطية
من ناحية الشرط الأول وهو توازن القوى الداخلي في المجتمع هناك درجة عالية من توفر هذا التوازن لأسباب متعددة. أهمها تعدد مشارب الشعب وتجاربه, وعدم خضوعه لقوة مهيمنة داخلية بسبب التشرد وفقدان الاستقلال. لقد خلقت تجربة المعاناة الطويلة للشعب توازنا داخليا لا يسمح بهيمنة قوة وطنية حقيقية بشكل يمنع القوى الأخرى من ممارسة دورها.
وهذا يعني أن الشعب مهيأ داخليا ونفسيا لممارسة درجة عالية من الديموقراطية إذا توفر شرط الاستقلال الحقيقي والضروري لاستقامة التجربة الديموقراطية. وحيث أن هذا الشرط مفقود إلى درجة كبيرة فان ذلك يعني استحالة تطبيق المفهوم الديموقراطي بشكله الفاعل والسيادي.
ما ينتج عن مثل هذا التناقض هو صعوبة تشكيل مؤسسات حكم ديموقراطية فاعلة ومعبرة عن مصالح الأغلبية بسبب فقدان الاستقلال الوطني. مقابل إمكانية عالية لتطبيق الممارسة الديموقراطية موقعيا وبشكل محدود على مستوى الأطر للقوى السياسية أو الاجتماعية. وبشكل يحافظ على الحد الأدنى من الانسجام الوطني.
وهذا يؤدي إلى النتيجة الطبيعية وهي تجنيد تعددية الشعب لخدمة غرض الاستقلال. ومنع تحول اختلاف الرأي إلى اقتتال. واحترام رأي الأغلبية رغم عدم توفر شروط تطبيقها ميدانيا.
وتجربة الشعب الفلسطيني على مدي السنين الطويلة تعبر عن مثل هذه الروح. فرغم المؤامرات الكثيرة لشق وحدة الشعب وتحكم الأقليات سياسيا أو غير ذلك في مقدرات الشعب إلا أنها لم تستطع القضاء على وجود مفهوم شمولي يمثل أغلبية واضحة لتطلعات الشعب الفكرية أو الحضارية.
ويمكن تلخيص أهم هذه المفاهيم السائدة بوجود توجه رئيسي للحفاظ على هوية الشعب ووحدته الوطنية. واحترام الثقافة العربية الإسلامية المتنورة والتي تحترم الآخر وتعطيه نفس الحقوق. مع تطور مناسب في مستوى احترام الفرد والمجموعة. ودون تمييز ظالم بين الرجل والمرأة, مع تمسك كبير بالأسرة الصغيرة والممتدة. وحفاظ كبير على مستوى أخلاقي وإنساني. واحتقار شامل للتبعية للأجنبي, أو التعامل بشكل تفريطي مع حقوق الشعب التاريخية.
إمكانية قيام ديموقراطية ضمن ظروف الاحتلال
من التحليل السابق تظهر صعوبة قيام نظام ديموقراطي متكامل تحت الاحتلال حيث نرى تدخل الأجنبي بشكل عام والاحتلال بشكل خاص في فرض توجهاته بالقوة المباشرة لمنع الإفراز الحر لمستويات الحكم العليا. وفي بعض الأحيان محاولة فرض جماعات تمثل مصالحها أكثر من الوطني وبشعارات مختلفة.
وعند مراعاة التحليل السابق نري أن المستويات العليا معرضة أكثر للتشويه المتنفذ. وتزداد إمكانية الممارسة الديموقراطية كلما انخفض مستوى الأطر ودورها في الحكم. وهذا يعني إمكانية بروز اطر ميدانية ديموقراطية بشكل أفضل من اطر المستويات العليا. وتجربة الشعب والسلطة خلال السنوات الماضية تدل عن مثل هذا الاتجاه. والسبب موضوعي وليس خيارا حرا.
من الطبيعي أن تتم الاستجابة لمثل هذا التوجه من خلال إعطاء المزيد من الوزن للأطر الأدني لتتحمل مسئولة الحفاظ على الثوابت الوطنية أو حتى المصالح الحياتية. وتخفيف الاعتماد على الأطر العليا حتى لا يشكل تأثرها وضعف حصانتها أمام قوى التدخل الخارجي عامل هدم لمصالح الشعب بدل المحافظة عليها أساسا. وتجربة الانتفاضة أثبتت فوائد وجود الأطر الدنيا في حماية الشعب من الانهيار أمام تجربة الحصار الطويلة والمعقدة.
إمكانية قيام نظام ديموقراطي بناءا على توازن القوى الحزبية
وتبعا لما وصفنا أعلاه فان النظام الأنسب لمرحلة التحرر الوطني هو مزيج من دور أساسي لقوى الشعب السياسية والاجتماعية شبه الرسمية تعمل بشكل فعال وجوهري ضمن مظلة مؤسسات الحكم العليا دون شطب تلك المؤسسات من جهة ودون إعطاءها دورا حاسما في تقرير مصير الشعب وهي في حالة من فقدان السيطرة والاستقلال لمنع إمكانية الانهيار.
يعيش الشعب الفلسطيني واقعيا مثل هذه الممارسة دون وعي واضح أو مخطط له من كثير من فعاليات الأطر السياسية العليا. فوجود منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل القوى الإسلامية ومؤسسات المجتمع غير الحكومية مثلت قوى لا تمارس الحكم خلال دورة التشريعي الأولى لكنها وفرت الحماية الحقيقية لتجربة الشعب.
وبالمقابل فان أجهزة السلطة العليا راوحت مكانها في كثير من الأحيان دون تأثير فعال في مصير الشعب مع أن بعض القوى المتنفذة في تلك المستويات شكت من فقدان النفوذ وتعتقد أن وجود سلطة واحدة مهيمنة هو الضمانة الوحيدة لتحقق المشروع الوطني شريطة أن تكون تلك السلطة من نوعية المطالبين طبعا
وقد ظهر العكس بعد نجاح حماس في الدورة الثانية وتبين مقدار نفاق القوى التي أرادت الهيمنة باسم وحدانية السلطة. ولكن أيضا تبين ضعف البنية الفوقية من الحكم في توفير الحلول الحياتية وسهولة ابتزازها لأنها معنونة ومحدودة ومشكلة إدارة الحياة منذ استلام الحكومة الجديدة خير مثال. مع الأخذ بالاعتبار خلفية المواقف السياسية المختلفة للحالتين.
وفي الحقيقية فان ضعف السلطة يمثل لعنة ونعمة في نفس الوقت. فمن جهة فان ضعف السلطة يعني حرمان الشعب من التعبير القانوني والتطبيقي لحقوقه السياسية أو التنموية أو القانونية. لكن من جهة أخرى من الأفضل للسلطة أن تكون ضعيفة بدلا من متحكمة في مصير الشعب وخاضعة في نفس الوقت للابتزاز السياسي.
النظام المناسب يمثل تجربة مزيج من مؤسسات الوطن غير الرسمية كضمانة لمنع إمكانية ابتزاز السلطة من قوى الاحتلال. لا شك أن نجاح هذه التجربة يعتمد على ارتفاع مستوى الوعي لدي القوى والفصائل الفلسطينية غير المؤطرة ضمن بنية السلطة. بحيث تقوم بالفعل من منظور المصلحة العليا وليس من منظور برامجها الخاصة. بالإضافة لهذا فان توفر التزام وطني كاف ضمن مؤسسات السلطة وإطار فتح بشكل خاص يمثل ضمانة لمنع هيمنة تيارات محددة لا تفهم تركيبة وتوازن الوضع الفلسطيني من اخذ زمام المبادرة لسحق القوى الأخرى أو إشعال حرب أهلية.
وهذا يعني ضرورة التعامل الحذر مع شعارات وحدانية السلطة دون التمعن فيما يعنيه ذلك الطرح. هناك وعي موجود لكنه غير كاف داخل فتح لتشجيع ممارسة الحكم المزيج. وهذا يشكل مشجعا لبقاء التجربة الفلسطينية حية وفعالة. وعلى حركة فتح القيام بدور طليعي في ذلك ولا يمكنها التهرب تحت شعار أن ذلك مسئولية الحكومة المساوية.
لا يعني ما سبق أن التجربة الأولى كانت موفقة أو أن الثانية سوف تنجح. فقد دفع الشعب غاليا ثمن ضيق أفق بعض الأطر السياسية خارج السلطة أو داخلها. ويدفع الشعب كثيرا ثمن سلوكيات بعض القوى السياسية وممارسات الفساد أو التسلط وتحقيق المصالح الخاصة.
لكن توازن القوى الحقيقي ووعي الشعب المرتفع يمتص هذه التجارب السلبية لتبقى بوصلة المفاهيم السائدة جيدة بشكل عام. ويمكن القول أن هناك تمسكا بمعظم المفاهيم والثوابت المألوفة على مستوى الوعي الشعبي. مع الاعتراف بعمق وطأة المعاناة وخطر الانهيارات المستقبلية إذا لم يتحقق مستوى معين من الإصلاحات على مستويات أداء الأطر السياسية خارج السلطة أو داخلها.
3- تجربة السلطة التنفيذية والتشريعية – الدورة الأولي
3-1 السلطة التنفيذية:
تمركز السلطة التنفيذية على مستوى حركة فتح
بعد هذا التمهيد المطول نسبيا يمكننا البدء في تقييم المرحلة السابقة. فعلى مستوى السلطة التنفيذية رأينا منذ البداية تمركزا كبيرا لحركة فتح في المستويات العليا للسلطة. وقد مثل هذا التمركز توجهات غير شاملة من حركة فتح. وكلما انخفض المستوى ازداد التمثيل الشمولي لحركة فتح.
وقد نتج من التعيين في المستويات العليا سيطرة توجهات سياسية محددة ذات مواقف سياسية غير شمولية على نسبة كبيرة من القرار السياسي. ومع أن القيادة المركزية ممثلة بالرئيس عرفات مثلت قيادة الحركة التاريخية إلا أن نسبة التواجد في المستويات العليا في السلطة لم تعكس توازن القوى الحقيقي في الحركة.
وقد تم تبرير هذا الأمر بمتطلبات المرحلة وان تقوية التيارات التي يتقبلها الاحتلال أكثر يساعد في الإنجاز أكثر من تمركز القوى المتحفظة. وتم تهميش كبير لقطاعات واسعة من المستويات الفكرية والميدانية للحركة ضمن هذه المعادلة.
وتميز أداء السلطة التنفيذية في المراحل السابقة للانتفاضة بضيق الأفق السياسي والإداري والطبقية والعائلية والمحسوبية. وأدى ذلك إلى مزيد من الانسحاب للقوى الأخرى داخل الحركة.
وبدا كان هناك حركة فتح جديدة تظهر على أنقاض الحركة السابقة. وظهرت أسماء وفعاليات ومسميات ومصطلحات جديدة وبشعارات مختلفة تدعو للتغير في نمط أداء الحركة وتوازنها الداخلي ليناسب المرحلة الجديدة والتي بدا الترويج لها بمرحلة الدولة بدلا من مرحلة الثورة. وتنامى هذا الاتجاه بشكل اثر في أداء الحركة على المستوي الاجتماعي والسياسي والتاريخي. وظهر انفصام بين فتح التاريخية قائدة النضال الفلسطيني, ودورها المشوه كحركة إسناد لسلطة غير فعالة ومتساهلة سياسيا.
ونتج عن هذه الصورة المشوهة للسلطة ودور الحركة بها, انسحاب ملموس لنسبة الدعم الشعبي للحركة. وبروز دعم اكبر للقوى خارج السلطة وخاصة التيارات الإسلامية. وقد دفع الشعب بشكل عام وحركة فتح بشكل خاص ثمنا باهظا, تفاقم بعد تعثر محاولات التسوية وإعلان الدولة.
وأدى كل ذلك مع أسباب أخرى اشمل تتعلق بالموقف الدولي والعربي إلى اندلاع الانتفاضة. والتي أدت ضمن تعقيدات ممارساتها وتحول الموقف الدولي بعد 11 أيلول إلى استهداف تدميري لمؤسسات السلطة الميدانية. ونمو الاتجاهات الراديكالية والعسكرية التي استطاعت السيطرة على نمط الأحداث. وبدت السلطة مؤسسة غير ذات علاقة كما أراد لها الاحتلال وفقدت نفوذها العام.
وقد هدف الاحتلال من خلال تدمير مؤسسات السلطة الدنيا الأمنية والمدنية إلى القضاء على دورها السياسي والخدماتي. وحاول الاحتلال تصفية عناصر الانتماء الوطني داخل السلطة بهدف تهيئة الأجواء لنمو تيارات أكثر تجاوبا مع برنامجه السياسي. ومثلت حملة تهميش الرئيس عرفات عنوانا بارزا لهذه المحاولات التي تنامت إلى أوجها خلال حرب العراق.
وقد ساعد نمو التيارات المقاومة إلى ترسيخ فكرة هوان السلطة. وبدا أن فكرة السلطة نفسها غير مجدية. ورغم ذلك لم يتجاوب الشارع مع الضغط الإسرائيلي. وميز بين عرفات رئيس السلطة الضعيفة, وعرفات صاحب الشرعية الثورية وساعد عرفات نفسه على ترسيخ الفرق.
وبدا كان الرئيس يخوض معركة خاسرة لولا الوعي الشعبي على كافة المستويات والذي دعم عرفات رغم اختلاف الكثيرين مع ادائة أو تكتيكاته. واستطاعت حركة فتح رغم التمزق الذي أصابها لملمة نفسها ووضع سياسية الخط الأحمر لمنع الانهيار وكان للفعاليات الميدانية دورا مميزا في ذلك.
النتيجة أن السلطة التنفيذية فشلت كثيرا في مرحلة ما قبل الانتفاضة وخلالها ودفع الشعب مجمل الثمن. وما يثير الاستغراب هو بقاء العناوين التي مثلث مرحلة الخلل في موقع النفوذ رغم كل النتائج. ولم تقم فتح أو الشعب بتغيير هذه البنية رغم وضوح الصورة.
وهذا يعبر عن هشاشة القدرة السيادية للشعب في اختيار من يحكم مؤسساته العليا. ويؤكد التحليل السابق بان عدم الاستقلال يمثل سببا مانعا لقيام ديموقراطية متكاملة. ويكشف خطورة تسلم مؤسسات الحكم العليا مصير الشعب بشكل حاسم.
فقد أثبتت التجربة سهولة تحييد السلطة وخطر تجيير دورها لأغراض لا تعبر عن طموحات الشعب. ومن جهة أخرى ثبت صعوبة التغيير حتى بعد فشل برنامج القوى السائدة. وهذا فشل كبير للتجربة الديموقراطية لكنه فشل متوقع.
تمركز النفوذ داخل حركة فتح
تميزت حركة فتح مقارنة بالتنظيمات الفلسطينية الأخرى بسهولة الانضمام لها أو تركها. وتميزت بدرجة كبيرة من التعددية في المواقف بحيث رأى الناقدون لها في ذلك دليلا على فوضى وتناقض وفقدان توجه. بينما رأى المؤيدون تجربة ديموقراطية حية. والحقيقة تقع بين الرأيين.
فحركة فتح تحتوي درجة جيدة من التعددية التي تعبر عن تعدد مراكز الفعل فيها. وتشمل توازنات لا يمكن حسمها لخدمة توجه واحد. وفي هذا فهي تشبه تركيبة الشعب الفلسطيني. ويحسب ذلك لصالحها لأنها تمثل احد شروط توفر الديموقراطية.
ولأن فتح حركة نضالية وليست مسئولة أمام الشعب كالسلطة مثلا وحيث يمكنها مقاومة الابتزاز من الاحتلال فهي مؤهلة مبدأيا لتكون ديموقراطية أكثر من أجهزة السلطة العليا ويمكنها الحفاظ على درجة جيدة من التعددية.
لكن انضواء فتح كتنظيم السلطة وحزبها ونمو قوى تمثل تيار الدولة والتعامل مع الحلول السياسية أدى إلى بروز خلافات استراتيجية داخلها تتجاوز تعددية الموقف. وحين تعرضت فتح لمحاولة تغيير الهوية من خلال الحل السياسي نتج انقسام حقيقي في تركيبتها.
وتناقصت تعددية المواقف الفاعلة على المستويات العليا وبدت سيطرة اتجاه محدد, مقابل نمو أكثر رفضا في مستويات الحركة الأدنى. ومع وجود تابعين للمستوى المتنفذ يحاولون السيطرة على المستويات الأدنى فقد ظهر الأمر في الشارع انقساما للحركة أكثر منه تعددية. وفوضى أكثر منه ديموقراطية.
رغم كل ما سبق لم تحسم المستويات العليا لصالح التوجهات الداعمة للحل الحالي. وقد أدى فشل تجربة السلطة وحصار الرئيس إلى تنامي سريع للتوجهات الأخرى وعودة لتأثيرها السياسي. وتعتبر شهداء الأقصى التعبير الأكثر رفضا لتوجهات التيار الأول. واستمرارها بقوة يعني وجود قوى مؤثرة داخل الحركة تدعمها.
النتيجة انه رغم كل محاولات اختطاف حركة فتح من قبل تيارات محددة إلا أن تجربة الانتفاضة أخرت سيطرة هذا التوجه مع أن الأمر لم يحسم ضدها أيضا رغم هزيمة الانتخابات التشريعية والتي من المفروض أن تسارع الحسم. ويمكن القول أن حركة فتح تمر في مرحلة مخاض غير محدد النهاية. وليس واضحا حتى ألان أي تيار سوف يسود.
تمركز السلطة بيد الرئيس
لقد قيل الكثير عن هيمنة الرئيس عرفات على كل شيء سياسي أو مالي في فلسطين. ولا شك أن الرئيس عرفات تمسك بأكبر قدر ممكن من السيطرة على هذين الملفين. واعتبر نفسه الأكثر حرصا على مصلحة الشعب الفلسطيني بحكم دوره التاريخي أو القانوني.
فقد كان رئيس منظمة التحرير التي تمثل كل الشعب الفلسطيني والتي تم تأسيس السلطة بناء على اتفاق بينها وبين إسرائيل. وكان رئيسا دون منازع لحركة فتح طليعة وقائدة الثورة الفلسطينية منذ قيامها ورئيس السلطة الفلسطينية والأكثر قدرة على فتح الحوار مع معظم القوى الفلسطينية. وكان معروفا ومعترف به كقائد على المستوى العربي والعالمي. من الطبيعي أنه تمسك بالملف المالي والسياسي.
لكن تجربة السلطة وفشلها في تحقيق التغيير الاستراتيجي. ونمو تيار الحل على حساب التيارات الأخرى. مع نمو مقابل للحركات الإسلامية التي لا تعتبر السلطة أو منظمة التحرير مرجعيتها ونفاذ صبر إسرائيل والولايات المتحدة من أسلوب الرئيس في الحكم أو إصراره السياسي, كل ذلك أدى إلى نقص حقيقي بقدرة الرئيس على التحكم الفعلي بالملفين السياسي والاقتصادي.
وقد وجد الرئيس نفسه محاصرا من إسرائيل والولايات المتحدة ومجافى من القيادات العربية. ووجد تيارا مؤثرا في الشعب يتهمه بسوء التقدير عندما قبل خوض اوسلو. كل ذلك أدى إلى تناقص حقيقي في نفوذ الرئيس وسيطرته. ولولا مبادرة التيار الآخر من فتح, وارتفاع مستوى الوعي الشعبي, ورصيد الرئيس التاريخي وقدرته المميزة على المناورة, لربما تمت تنحيته قبل يوم وفاته.
والنتيجة هي أن عرفات المسيطر بالشكل الذي يتخيله البعض لم يكن كذلك. فالرئيس عانى في آخر عامين من حكمه الكثير من تحديد قدرته وذلك فوق الحصار المفروض علية.
3-2 السلطة التشريعية
جزئية التمثيل للشعب الفلسطيني وتداخل الصلاحيات مع المجلس الوطني
تم تشكيل المجلس التشريعي الفلسطيني بعد الانتخابات التي تمت عام 96 بناءا على اتفاقيات اوسلو التي حددت تمثيله لمواطني الضفة الغربية وغزة والقدس. ولم يعتبر التشريعي بديلا للمجلس الوطني الذي يفترض تمثيله لكل الشعب الفلسطيني. وتعامل الناس مع التشريعي ككيان محدود الصلاحية ومسقوف باوسلو.
لكن تميز تجربة التشريعي ينبع من كونها انتخابية وتمثل كيانا موجودا على الأرض ولو منقوص السيادة. وقد أمل البعض أن يمارس التشريعي دوره الديموقراطي كاملا. وشكك جزء كبير من الشعب بهذه الإمكانية لأسباب الاحتلال وهيمنة مرجعية منظمة التحرير ومحدودية التمثيل للطيف السياسي الفلسطيني.
والحقيقة أن كلا وجهتي النظر يحمل جزءا من الصحة. فالتشريعي قانونيا مؤهل لممارسة دور ديموقراطي واسع فيما يخص صلاحيات اختيار الحكم وسن القوانين ( ولو المحددة باوسلو وهي كثيرة فيما يتعلق بالمجتمع المدني) وهو مؤهل تنظيميا لتوفير أغلبية متجانسة بحكم أن أغلبية مستقرة منه انتمت لفتح.
لكن التشريعي كان مقيدا عمليا لكون معظم قوانينه المتوقعة حتى بخصوص المجتمع المدني مقيدة التنفيذ الفعلي بسبب التقسيم القسري لمنطق الأرض الفلسطينية بين ا ب ج. ولكون معظم قوى التنفيذ الفلسطينية من أجهزة الأمن والشرطة غير خاضعة فعلا لقرارات التشريعي.
بل أن قرارات التشريعي النظرية والقدرة على سن التشريعات كانت محدودة واقعيا بمرجعية فتح, ومرجعية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير, والمجلس الوطني. فوق هذا فان تركيبة التشريعي الحقيقية لم تعكس تمثيلا لموازين القوى الفاعلة داخل السلطة أو خارجها. بل لم تكن كافية لتمثيل موازين القوى داخل فتح نفسها.
بكل هذه القيود مع الأخذ بالاعتبار هيمنة السلطة التنفيذية وسلطة الرئيس الواسعة. كان واضحا أن دور التشريعي سيكون محدودا ولن ينجح في إجراء تغيير جوهري في مجري سير الأمور الاستراتيجية. وقد ظهر ذلك في الدور المفقود للتشريعي في سير المفاوضات السياسية. والسبب طبعا هو أن مرجعية التفاوض هي منظمة التحرير وليست السلطة الفلسطينية, والتي ليس لها علاقة أساسا بالتفاوض السياسي بل هي ثمرة له.
انتماء غالبية التشريعي لحركة فتح وانعكاس ذلك على الممارسة الديموقراطية
رغم كل القيود أعلاه بقيت إمكانيات للتشريعي. فانتماء غالبية التشريعي لفتح أهل أعضاءه للقيام بدور كتلة تأثير على قرار فتح الداخلي ونقطة جذب لتيارات فتح المختلفة مع أنها لم تنجح في ذلك.
التجربة الفعلية لكتلة فتح في التشريعي لم تكن بمستوى الممكن نظريا. والسبب لأن تركيبة كتلة فتح لم تعكس توازن فتح الميداني بشكل كاف. واختيار كثير من ممثلي فتح تم بقرارات داخلية لم تعكس توازن فتح الميداني. وقد وصل جزء كبير من ممثلي فتح للتشريعي كمندوبين معينين أكثر من كونهم يمثلون قواعد فرضت نفسها. ووصل جزء أخر بناء على مصالح خاصة.
ولأن فتح لم تمتلك برنامجا متجانسا فقد انعكس التفاوت بين وجهات النظر على تركيبة كتلتها البرلمانية. وكانت أغلبية الكتلة تدين للرئيس بشكل يجعلها تابعة أكثر من مقابلة. ومع أن البعض حاول العمل مع فعاليات من خارج كتلة فتح على خلق موقف مستقل لكيان التشريعي إلا أن الظروف الفتحاوية وتوازن القوى الفعلي جعل من هذه المحاولات تمارين في الطرح النظري أو الإعلامي أكثر منها مشاريع فعلية.
ظهر التشريعي بشكل عام كيانا مساندا للسلطة التنفيذية أكثر من كيان مسائل. وظهرت كتلة فتح كجهاز مندوب عن فتح أكثر منها كتلة تشريع للشعب. واستمر هذا الأمر حتى بدء الانتفاضة. وخلال مراحل التصعيد الأولي توارى دور التشريعي أكثر ولم يعد احد يتحدث عنه أو يسأل عن رأيه.
الحلول السياسية والانتفاضة
بعد تطور الأمور وحصار الرئيس وطرح مبادرات ومطالب الإصلاح من قبل الولايات المتحدة وغيرها ظهر دور التشريعي بشكل جديد. فقد وجد الرئيس في التشريعي ملجأ محتملا لرفض الضغط الإسرائيلي والأميركي واستعان بالتشريعي كثيرا لكسب الوقت أمام الضغوط السياسية أو الإصلاحية. واستطاع بإسناد من حركة فتح والشارع تأطير ادوار جديدة ساعدت على وضع بعض الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالحل السياسي أو برامج الإصلاح المقترحة.
لكن هذا الدور لم يصل في أفضل أحواله إلى إعطاء دور مستمر أو متنامي. وتعامل المتعاطفون مع الرئيس من أعضاء التشريعي بمزيج من التعاون مع مبادراته ومحاولات خجولة للحصول على نفوذ اكبر في القرار السياسي. واستطاعوا في بعض الأحيان ممارسة الضغط لتعديل أو رفض بعض التوجهات التكتيكية للسلطة التنفيذية.
في نفس الوقت وجدت إسرائيل والولايات المتحدة في التشريعي مدخلا قانونيا لفرض التغييرات التي تريدها عن طريق تمرير قوانين تضعف من قوة الرئيس. ولأن التشريعي مؤهل نظريا لممارسة دور كابح للسلطة التنفيذية فقد أرادت أميركا وإسرائيل الاستفادة من هذه الصلاحيات استخدام التشريعي لتمرير تغييرات تريدها. واستطاعت إسرائيل والولايات المتحدة تمرير إنشاء منصب رئيس الوزراء كمبادرة مقرة من التشريعي واطر منظمة التحرير.
ولكن ذلك لم يحصل عن طريق تيار مسيطر على التشريعي يقبل التدخل الاميركي. وإنما عن طريق الضغط المباشر على الرئيس لتبني توجهات تجعل التشريعي يقبل ذلك.
وقد تفاوتت مواقف أعضاء التشريعي تجاه هذا الأمر. فالبعض تعامل معه كشر لا بد منه وبتنسيق كامل مع الرئيس. والبعض الآخر اعتقد بإمكانية الاستفادة من الخلل القائم في العلاقة بين إسرائيل والرئيس لبناء سياسة أكثر استقلالية للتشريعي, دون التبعية لأميركا أو إسرائيل بالضرورة. والبعض الأخر تجاوب مع الطروحات الاميركية دون حذر.
لم تختلف نتيجة اجتهادات المواقف الثلاث كثيرا من الناحية العملية. في النهاية تم إيجاد الصيغة بمبادرة من الرئيس نفسه. ولم يكن مهما جدا معرفة خلفية الموقف لعضو التشريعي عند تصويت الأغلبية لصالح الطرح رغم اختلاف الأهداف. لكن التفاوت كان أكثر وضوحا في تفاصيل اختيار المرشحين للوزارة أو طريقة التصويت للثقة أو حجبها.
وفي النتيجة تبنى التشريعي مجموعة قوانين ومواقف تجاوبت مع طروحات الرئيس. وتم إنشاء منصب رئيس الوزراء وتشكيل حكومتين بهذا الشكل واحدة برئاسة أبو مازن والأخرى برئاسة أبو علاء قريع.
أصبحت حركة فتح التشريعي أكثر حرية في ممارسة مواقفها التكتيكية لكن ضمن قيود استراتيجية اكبر. وتأثير الانتفاضة في المراحل الأولي كان تهميشا لدور التشريعي. لكن في المراحل الأخيرة تطور الأمر إلى نمو في قوته التكتيكية.
ولم تتغير علاقة التشريعي مع الحل السياسي. ولم يستطع ممارسة دور رئيسي في المفاوضات. وكما يبدو فلن يتغير هذا الأمر كثيرا في الدورة الثانية.
علاقة التشريعي مع السلطة التنفيذية
يبدو أن علاقة التشريعي بالرئيس كانت حائرة بشكل عام. في البداية كانت تبعية بحكم موازين القوى. وتطورت أخيرا لدرجة اكبر من الاستقلال على المستوى التكتيكي لكن على حساب الاستراتيجي.
عانى الرئيس من الحصار وتعرض للضغط لتقديم التنازلات الإستراتيجية. وهناك قوى فاعلة في الساحة الفلسطينية رغبت منه التجاوب مع هذه الضغوط, مقابل قوى أخرى رفضت ذلك. بسبب ذلك احتاج الرئيس التشريعي للمناورة السياسية والادارية.
وبعد انتخاب أبو مازن وتحديد موعد الانتخابات استمر دور التشريعي ولكن بالأمور التكتيكية. كان من المتوقع أن يزداد دور التشريعي بعد انتخاب أبو مازن بسبب فرق الشخصية مع أبو عمار لكن يبدو أن أبو مازن قد هيمن على التشريعي أكثر من أبو عمار في الفترة الأخيرة من دورته ولعل ما تم في فترة الانتخابات وقبلها خير مثال على اختصار دور التشريعي الأول وعودته معبرا عن إرادة الرئيس.
3-3 تداخل وتدخل المصالح العربية في التجربة الفلسطينية
ينعكس هذا الأمر أكثر على أداء السلطة التنفيذية. والتأثير الجديد نتج عن نمو الدور التكتيكي للمجلس التشريعي ومحاولة تجيير مواقفه من قبل الولايات المتحدة. وظهر التداخل العربي كامتداد أو معارضة للتوجهات الاميركية أكثر من كونه محركا مستقلا. كان سهلا على التشريعي التعامل مع الأمر دون مواجهة معضلات استراتيجية تخرج عن معادلة الصراع مع الاحتلال أو الحوار مع الرئيس.
4- تجربة السلطة التنفيذية والتشريعية – الدورة الثانية
الدورة الجديدة مختلفة عن الأولى بأمور متعددة أهمها مشاركة غالبية القوى الحزبية وكل التيارات الرئيسة في التنافس مما يعطي شرعية حقيقية للنتائج.
وهي تمت من قبل التيارات المعارضة لاتفاقيات السلام السابقة والمؤيدة لها مما يعطي مؤشرا على موقف الشعب من التوجهات السياسية رغم تداخل ذلك مع التنافس الحزبي بشكل لا يسمح بالتصنيف الدقيق.
والأمر الثالث أنها تتم بعد وصول العملية السياسية الى طريق مسدود مع تفكير جدي دوليا وإسرائيليا وفلسطينيا بإعادة النظر في أسس الحل وجدوى الاستمرار في القنوات المقترحة.
وأخيرا تتم الانتخابات بعد تلاشي حقيقي لقيمة منظمة التحرير الفلسطينية وخطر انهيار وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
والنتائج خلقت تحديات لأسس مشروع السلام الذي بدا مع مدريد. وقد بدأ التأثير في اليوم التالي للانتخابات من خلال مشاريع المقاطعة الخارجية والداخلية وانقسام السلطة التنفيذية وهيمنة حماس على قرار التشريعي. ومحاولات مختلفة الأهداف نحو إحياء دور منظمة التحرير الفلسطينية وما يعني ذلك من تحديات للجسم والتجربة الديموقراطية بإجمالها.
4-1 التنفيذية: انقسام السلطة التنفيذية بين الحكومة والرئاسة
انقسمت المسئولية التنفيذية بين الرئاسة والحكومة التي تشكلت من حماس فقط لأسباب مختلفة. وقد ظهر قبل تشكيل الحكومة إمكانية تفاهم كافي بين الرئاسة والحكومة ربطته الرئاسة بتنازل حماس للموقف الدولي وربطته الحكومة بإعطاء الرئاسة كامل الصلاحية القانونية دون ربط ذلك بأي شروط سياسية.
وقد بدأت مقاطعة دولية واسعة وحصار اقتصادي ارتبط بشروط دولية لفك الحصار متناغمة مع الموقف الإسرائيلي. واستمر صراع ومناكفة و تعارض في المواقف بين الحكومة وحماس من جهة والرئاسة وفتح من جهة أخرى تداخلت فبها المصالح الحزبية والنفوذ الفردي مع المواقف السياسية دون أفق لحل التناقض.
والموقف الجديد يمثل خلافا سياسيا وليس به مبرر قانوني. لان الالتزام بالنظام يضمن عدم تقاطع الصلاحيات. وهو يهدد التجربة الديموقراطية من أساسها لان إسقاط الحكومة من قبل الرئاسة ضمن الصلاحيات سوف يخلق فراعا دستوريا وأزمة عير قابلة للحل وإذا تم اللجوء للانتخابات سوف تفهمها حماس تجاوز لحقها الانتخابي وإذا تمت ونجحت حماس في الرئاسة والحكومة ستؤدي الى أزمة اكبر مع العالم.
التهديد بحل الحكومة لا يثمر شيئا ولا مخرج من الموقف إلا بتفاهمات أوسع على المستوى السياسي اضعف الإيمان بها احترام القانون في توزيع الصلاحيات دون الوصول لحافة الهاوية.
دور حماس من خلال الحكومة
تمارس حماس حقها في الحكم وتطالب بتطبيق القانون ولكن ذلك مظهر فقط. فأجندة حماس تختلف جوهريا عن الأجندة السابقة وإذا التزمت حماس بالقانون فهذا حقها ولا يمكن مطالبتها قانونيا تبني مواقف تتناقض مع برامجها.
تركيبة حماس كحركة نضالية منبثقة من حركة إسلامية واسعة وبخلفية فكرية ودينية واسعة المشارب يوفر لها عوامل قوة وصمود ولكنه يثقلها أيضا بمواقف وتحديات محلية. وإذا التزمت حماس بالقانون ومارست الديموقراطية ضمن تياراتها أو ضمن الشعب فان تجربتها سوف ترسخ تقاليد العمل الديموقراطي وستكون أول حركة إسلامية تفوز بالانتخاب الحر وهذا مكسب كبير لها وللحركات الإسلامية عامة.
دور فتح من خلال الرئاسة
حركة فتح تعتقد بإمكانية العودة الكاملة للحكم بعد استنفاذ دور حماس ووصولها لطريق مسدود في الحل وهي تعتمد على دور الرئاسة والمقاطعة الدولية. والعودة حسب ما تأمل فتح تتم من خلال إعادة الانتخابات والنجاح بها.
والسؤال من يضمن نجاح فتح. ومن يضمن حصول الانتخابات حقا. ومن يضمن قبول الشعب الفلسطيني أو المحيط للعودة لما قبل الانتخابات الثانية. أسئلة تكابر فتح عن الإجابة عليها وهذه احد مشاكلها.
المسالة الأخرى أن انقسام فتح الفعلي على مستوى الأطر القيادية والميدان الى موقفين أحدهما يتبنى الحل والآخر يميل لخيار المقاومة يجعل من فتح ساحة صراع يحاول كل طرف فيها السيطرة ولا يمكن لفتح تجاوز هذه المشكلة إلا بالتوافق على حل وسط أو الفرز التنظيمي وما يتبع ذلك من نتائج.
وفي الأغلب أن فتح ستستمر في المراوحة الموقفية حتى تتغير الظروف لصالح موقف مقاوم. والسبب أن موقف تيار الحل هيمن منذ سنوات لكنه لم يستطع حسم موقف فتح لأنه يفتقد الدعم الجماهيري الواسع. أما الموقف المقاوم فسوف يعبر عن رأي القاعدة الجماهيرية ويعيد شعور الاعتزاز لدى عناصر فتح بشكل أكثر فعالية.
تميز الرئاسة وتنافسها مع الحكومة والتشريعي:
الرئيس أبو مازن يختلف ذهنيا عن أبو عمار ويختلف في تعريف مواقفه السياسية وفوق هذا هو غير راغب بالحكم. لكنه أيضا يحمل مواقف مسبقة من تيارات رئيسة ولا يريد مخاصمة الغرب أو إسرائيل ويعتمد على المستشارين بعد موقف غير عميق ويعطيهم الصلاحيات الواسعة مما يصنع تيارا شخصانيا الى درجة كبيرة مع انه يبدأ كممارسة توزيع الصلاحيات.
أبو مازن لن يستطيع حسم الموقف الفلسطيني لافتقاده 3 مواقف: موقف فتحاوي مدعوم جماهيريا ويتناسب مع متطلبات أبو مازن. وحماس متساوقة بما يكفي لأجندة أبو مازن. وقبول إسرائيلي كاف للاستمرار في الحكم. وحتى الآن يفتقد أبو مازن لأي دعم حقيقي من المواقف الثلاث وهذا يحدد قدرته مع انه يمارس الحكم جزئيا ويغذي المحيطين به بشكل يجعلهم طووايس أكثر من مستشارين.
إن بقاء أبو مازن في عزلة مؤسسة الرئاسة سوف يسرع بانهيارها وعلية التوسع لكسب موقف فتحاوي اشمل من دوائر المحيطين. واحترام موقف حماس السياسي أو القانوني ووضعه في ميزان مع التحديات الغربية وعليه ألا يعتمد أكثر من اللازم على موقف الغرب.
4-2 التشريعية
جزئية التمثيل للشعب الفلسطيني وتداخل الصلاحيات مع المجلس الوطني
التشريعي الحالي يمثل شرائح المواقف السياسية أكثر من المرة الأولى لكنه لا يبدو ممثلا للشرائح الاجتماعية بشكل مميز. فاختيار الممثلين الذين نجحوا من خلال التنظيمات لم يكن خيارا يعبر عن توازنات اجتماعية. وولاء الأفراد للحزب أو لتيار من الحزب كما الحال داخل فتح أدى الى تشكيلة للتشريعي لا تغطي الشارع الاجتماعي ولكنها حالة متوقعة وستتحسن قي الدورات اللاحقة إذا استمر نموذج الانتخاب الحر.
جزئية التمثيل أيضا تنبع من تمثيل المجلس للداخل فقط مع أن المواقف الحزبية تمثل مواقف الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج. ومن الواضح أن موقف حماس يتأثر بقيادتها الخارجية ولا يقبل استقلال القرار الحكومي عن موقف الحركة مع أن ذلك يطرح نظريا.
تمثيل الأحزاب لساحات أوسع من تمثيل المجلس القانوني يضع أحمالا أكثر من قدرة أعضاء التشريعي. وحالة فتح أسوا بمرات من حالة حماس بالتأكيد. وتمثيل الأحزاب الأخرى اصغر من طموح تلك الأحزاب ووزنها السياسي في الأطر العليا لمنظمة التحرير أو الانتلجنسيا الفكرية والسياسية.
هذا يعني أن إعادة تشكيل المجلس الوطني وانتخاب مندوبي الخارج أصبحت ضرورة ملحة لضمان اتزان النظام السياسي الفلسطيني. والاعتقاد أن تشكيلة المنظمة القديمة تحقق الشرعية ويمكن أن تضمن استمرار الشكل القانوني أو الفعلي لمنظمة التحرير هو خلل كبير.
تشكيلة التشريعي وانعكاس ذلك على الممارسة الديموقراطية
الأغلبية الحمساوية تجعل إمكانية المناورة وصنع التحالفات مضيعة وقت. فقرار الأغلبية جاهز والنقاش الحر يقع ضمن ما تتمنى حماس سماعه. وعليه لن يكون التشريعي منبرا للصراع القانوني مع انه سوف يستمر منبرا للصراخ والمناكفة مع إصدار قرارات تحقق أغلبية حماس تصطدم مع موقف الرئاسة عند الاعتماد.
ديموقراطية الأداء داخل التشريعي محكومة بموازين القوى خارج التشريعي أكثر منها بالحاجة القانونية. وينطبق نفس الوضع على حالة الرئاسة وهذا يتطلب من الطرفين توخي مواقف متواضعة لحل المتناقضات.
المخرج لهذه المتناقضة هو انتخاب المجلس الوطني باعتباره مرجعية للسلطة. عند ذلك سيتم اعتماد أية قوانين عليها خلاف في التشريعي ضمن الوطني. مما يعطي شرعية أقوى وبجعل أي توجه داخل التشريعي مسالة اجتهاد أولي قبل الاعتماد النهائي. وهذا جيد لصالح الشعب الفلسطيني ووحدته لكنه غير ممكن قبل إعادة تشكيل الوطني.
علاقة التشريعي مع السلطة التنفيذية
التشريعي والحكومة مقابل الرئاسة واللجنة التنفيذية. هذا هو الموقف الحالي وهو موقف مشوه لان التنفيذية تفتقد الشرعية ويتم الاستقواء بها عند الحاجة فقط. مرة أخرى إعادة تشكيل المنظمة هي الجواب.
4-3 تداخل المصالح العربية والمواقف السياسية الدولية في التجربة الفلسطينية
الموقف الدولي صارم وواضح والتشريعي لا يستطيع التدخل في ذلك لاعتبار المنظمة الجهة الممثلة للموقف السياسي وهذا يعيدنا مرة أخرى نحو ضرورة إعادة تشكيل المنظمة.
ينعكس هذا الأمر أكثر على أداء السلطة التنفيذية. والتأثير على التشريعي سببه محاولة تجيير مواقفه تريدها الولايات المتحدة. ويظهر التداخل العربي كامتداد أو معارضة للتوجهات الاميركية أكثر من كونه محركا مستقلا.
من المهم العمل أكثر على إضعاف قوى الضغط لفرض الحل الاميركي. وبذلك يمكن للتشريعي القيام بدور استراتيجي في توجهات الحل السياسي وتحقيق الكثير من نقاط القوة لصالحه ولصالح مؤسسات المجتمع المدني.
الشكل الأفضل للحوار بين مؤسسات السلطة أن يكون هادئا وليس في وسائل الإعلام. وأن يكون استراتيجيا في السياسة تكتيكيا في الصلاحيات. وجديا في المواقف المفصلية وتحقيق الإصلاحات السياسية.
يعتمد الأمر طبعا على تفاصيل مواقف أعضاء فتح وحماس في المجلس التشريعي. وعلى نمو توجه أكثر صمودا واصطفاف يقوم على الموقف السياسي أكثر من الولاء التنظيمي.
5- استنتاجات وتوصيات
نضع مجموعة من التساؤلات مع محاولة الإجابة عليها اخذين بالاعتبار خلفية التحليل السابق:
قانون الانتخابات
قانون الانتخابات المعمول به يعتمد التقسيم الجغرافي والتنظيمي. ومثل هذا القانون مقبول لشعب منغرس في أرضه. ولكن ذلك طبعا يضعف التوجهات الأيديولوجية لشعب مشرد.
إسرائيل تطبق نظام الانتخاب الأيدولوجي لان الشعب لم يكن موزعا موقعيا بناءا على الجغرافيا. فالولاء للجغرافيا الموقعية اقل من الولاء للتاريخ ولجغرافيا الموطن الأصلي وذلك مناسب لهم.
بالنسبة لقانون الانتخاب الفلسطيني من المناسب أن يستمر في التعبير عن الجغرافيا بشكل يسمح للايدولوجيا أو الأحزاب بالتواجد إذا استطاعت توفير مستويات تمثيل كافية على مستوى الوطن. وهو أفضل من نظام تمثيل نسبي كامل مع أن البعض يعتقد بغير ذلك.
والفائدة الرئيسة من النظام المختلط هو ضمان حماية الجغرافيا حيث تبين من الانتخابات الثانية هيمنة الأحزاب أكثر من المتوقع والاستقطاب الحاد في الولاء والأفضل إبقاء الباب مفتوحا لضمان درجة من الحفاظ على الجغرافيا.
الاستفتاء على القانون الأساسي والحلول السياسية
القانون الأساسي يمثل مسودة الدستور وهو سيكون مرجعية الحكم لفترة تطول. واضعف الإيمان أن يعطي الشعب رأيه به. الاستفتاء على القانون الأساسي يجب أن يكون مسلمة كما هي الحال بخصوص الحل النهائي الذي يجب أن يتم باستفتاء شعبي لكل الشعب الفلسطيني.
ديموقراطية المجتمع المدني:
إن توفير الديموقراطية في هذه المؤسسات سوف يخفف المعاناة الشعبية وسيقلل من فرط الاحتقان الشعبي. بل من الأهم للشعب توفر ديموقراطية تتعامل معه في المستويات الوسطى والدنيا على أن تتوفر مؤسسات سلطة عليا منتخبة دون مؤسسات مجتمع مدني منتخبة.
إن إجراء الانتخابات ووضع قوانين الاختيار للمسئولين في مؤسسات المجتمع المدني بشكل يحترم رأي المستويات الدنيا يمثل اقل ما يمكن عمله. ونشر روح الحرية والديموقراطية في الجامعات والنقابات والاتحاديات شرط قابل للتحقيق الآن وليس بحاجة للانتظار.
ديموقراطية التنظيمات
تطرقنا لهذا الأمر وتم التأكيد على إمكانية بل ضرورة وجود بنية ديموقراطية داخل الأطر التنظيمية إذا أردنا فعلا الوصول لأطر سياسية عليا ديموقراطية. بل أن وجود هذه الأطر التنظيمية الديموقراطية أهم من المستويات العليا للسلطة. وليس هناك سبب يمنع ممارسة هذا الدور ألان.
السلطة القضائية الغائبة: تطبيق القانون بموضوعية
تطبيق القانون يتطلب جهازا قويا للقضاء. ودعما كاملا من السلطة التنفيذية والتشريعية. وفوق هذا يحتاج إلى توحيد للقوانين وتحديث لها. وليس هناك ما يمنع ذلك بسبب الاحتلال.
الحل السياسي وانعكاساته
الحل السياسي لن يكون بمستوى الطموح لأحد في المدى المنظور. وهذا يعني درجة من عدم الاستقرار تستمر لمدى بعيد نسبيا. من الصعب قبول بقاء الأوضاع المؤسسية للوطن في حالة معلقة حتى يتم الحل. ومن الخطيئة استخدام الأوضاع كعذر للبقاء هكذا.
الفساد الإداري والمالي في السلطة التنفيذية
ليس هناك مبرر لبقاء من عليهم اتهامات في أي موقع في السلطة التنفيذية أو غيرها. وإذا كان سبب البقاء مرتبط بضغوط من الاحتلال فالمشكلة اكبر. وإذا كان هناك إشاعات كثيرة تخلط الحقيقي بالكاذب لا بد عل الأقل من فرز ذلك للشعب. أما أن نصل إلى نتيجة أن الفساد لا يؤدي للعقوبة فذلك دعوة للفساد.
الفساد السياسي في السلطة التنفيذية والتشريعية والتنظيمات:
نقصد بالفساد السياسي قبول التعامل مع حلول سياسية لا تخدم مصلحة الشعب أو لا تجد القبول من غالبية الشعب من اجل تحقيق مصالح خاصة للأحزاب والأفراد. وحسب هذا التعريف هناك الكثير من الفساد السياسي داخل السلطة وخارجها بشكل فردي أو إطاري.
وهذا يفسر صعوبة الإصلاح لهذا الأمر. كشف الفساد السياسي رغم ذلك أسهل من كشف أنواع الفساد الأخرى. فالفساد السياسي يتطلب اتخاذ مواقف تتناقض مع التوجه الشعبي العام ومن السهل اكتشاف ذلك. الأساس هنا أن نرفض مبدأيا التعامل مع الفساد السياسي لخدمة مراحل مؤقتة. لان الطرف الآخر له استراتيجية أيضا وهو أكثر تأثيرا وقوة من أن نخدعه بالمناورات البهلوانية.
الأمن الداخلي والاحتلال:
الأمن الشعبي داخل التجمعات الفلسطينية الشعبية من مدن وقرى ومؤسسات يعاني من مشاكل كثيرة. دور الاحتلال شامل وموثق. لكن الخلل الداخلي أكثر خطرا واشد فتكا. ويبدو أن الخلل الأمني موجود في معظم التجمعات مع فروق في المواقع. بعض المدن تعاني من مشاكل مستفحلة وتحتاج إلى جهد خاص وبمشاركة قوى واطر شمولية من الوطن لتجاوزها. من الضروري بحث قضايا المدن كحالات محددة لأجل وضع حلول مناسبة.
فتح وحماس
كلا التنظيمين يمثل قاعدة شعبية تزيد عن 80% من الدعم الشعبي. وهي قوى فاعلة وميدانية مع فرق جوهري في تركيبة الأطر العليا لكليهما. فتح تم التطرق لدورها بشكل واسع من خلال البحث. أما حماس فتحتاج لتقييم اشمل.
هناك ضرورة لتقييم أكثر شمولا لتركيبة كل منظمة من المستويات الدنيا وحتى العليا من اجل إيجاد قوا سم مشتركة والتي تتوفر بشكل أكثر في مستوى الأطر النضالية. إن حل إشكالية العلاقة بين فتح وحماس يمكن أن يمثل مخرجا رئيسيا من دوامة الخلل الاستراتيجي في الرؤيا السياسية للشعب الفلسطيني. علينا العمل جديا لإيجاد صيغة لذلك.
منظمة ا لتحرير ا لفلسطينية
دور القوى السياسية والأحزاب الأخرى داخل وخارج إطار السلطة أو المنظمة
انقسمت القوى السياسية الفاعلة خارج إطار السلطة والمنظمة إلى ثلاثة تيارات. الأول معارض لاوسلو ضمن تركيبة منظمة التحرير. والثاني معارض ضمن القوى الإسلامية. والثالث خليط من القوى المرتبطة بالدول العربية أو الغربية التي تعارض وجود السلطة والمنظمة بشكلها الحالي وتريد كل منها حسمها بما يتناسب مع توجهات الجهات الداعمة لها.
ومع أن هناك تداخل بين التيارات الثلاث إلا أن التقسيم يبقى ممكنا من منظور اعتبار التيار الثالث يشمل قوى محدودة القاعدة الشعبية أو لا تحمل صفة رسمية لأطر سياسية تاريخية أو قانونية.
تجربة التيار الأول معروفة ولا داعي للتفصيل فيها. ويمكن تلخيص دورها بأنها قوى تمارس دورا ديموقراطيا ضمن منظمة التحرير وتمارس المعارضة ضمن النظام.
التيار الإسلامي أكثر تعقيدا. فهو من جهة يمثل حجما شعبيا مؤثرا ويحمل مفاهيم وثقافة تنبثق من تاريخ وحضارة الشعب الفلسطيني ويعبر عن الامتداد الطبيعي للشعب الفلسطيني ضمن العالم الإسلامي. ومع أن الحركات المنضوية ضمنه لا تعبر بالضرورة عن كافة توجهات الفكر الإسلامي, إلا أنها معترف بها كتيارات مقبولة في الشارع الإسلامي. وهي إذن جزء لا يمكن منعه أو تجاهله رغم عدم انضوائه ضمن مؤسسة الحكم الرئيسية للشعب الفلسطيني وهي منظمة التحرير. وهنا تبرز المعضلة الحقيقية.
فالتيار الإسلامي قانونيا يبدو خارج التجربة الديموقراطية الفلسطينية, وكأنه كيان أخر أو بديل للمنظمة. ومن جهة أخرى فهو يمثل شريحة حقيقية من الشعب لا يمكن اعتبارها خارج التجربة. فكيف يمكن اعتبار منظمة التحرير وعاء تجربة الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي بينما تتواجد قوى رئيسية لا تقبل أن تكون جزءا منه. تبدو التيارات الإسلامية بديلا لتجربة منظمة التحرير أو نقيضا لها. لكن الحقيقة غير ذلك بالتأكيد مع أن بعض الرموز المؤثرة في التيار الإسلامي نفسه أو في منظمة التحرير تعتقد ذلك.
الفرق يكمن في أن التيار الشعبي المؤيد لهذه الحركات يعتبرها جزءا لا يتجزأ من حركة التحرير الوطنية الفلسطينية. ويرى أن عدم انضوائها ضمن مظلة منظمة التحرير مسألة فنية ليس أكثر. فبرنامجها السياسي بشكل عام يبدو منسجما مع فكرة نشوء منظمة التحرير. وطرحها الإسلامي لا يتناقض مع ثوابت الشعب الفلسطيني. وهي إذن حركة أصيلة سوف تندرج ضمن تجربة الشعب الفلسطيني الشاملة عندما تتوفر الصيغ القانونية المناسبة لذلك.
والسؤال ما الذي يمنع بروز الصيغ المناسبة لاحتواء هذه الحركات ضمن المظلة الفلسطينية: هناك ثلاثة أسباب جوهرية: السبب الأول يتعلق بمنظمة التحرير ومقاومة بعض القوى فيها لفكرة بروز تيار يقلب توازن القوى الداخلي فيها. ويتراوح هذا التيار بين معاداة لفكرة الإسلامية كنقيض للديموقراطية, إلى قوى ترفض الانضمام لأسباب عملية.
السبب الثاني هو رفض تيار متنفذ داخل الحركات الإسلامية لفكرة الانضواء. ويتراوح موقفه بين رفض منظمة التحرير باعتبارها حركة علمانية إلى من يرفض الانضمام لأسباب عملية تتعلق بالاعتقاد أن الانضمام سيلغي تميزها ويجعلها مجرد لاعب عادي في الساحة الفلسطينية. وفي هذا الموقف تغليب للمصلحة الحزبية أكثر من كونه خلافا مبدأيا.
السبب الثالث خارجي, ويتعلق برفض القوى الغربية وبعض العربية لفكرة انضمام التيار الإسلامي. لتعارض ذلك مع نظرة كل منها لشكل دولة فلسطين وهويتها. وينطلق من رفض نمو الإسلام كمحرك للتجربة الفلسطينية. أو بالعكس من خلال تبني التيارات الإسلامية كبديل كامل لمنظمة التحرير.
التيار الثالث ضمن القوى الفلسطينية خارج إطار السلطة هو القوى السياسية الفردية أو التجمعات الفكرية المستقلة نظريا. وهذا التيار لا يملك وزنا كبيرا على الساحة الشعبية لكنه عظيم النفوذ على مستويات السلطة. فهذا التيار الخليط أساسا ليس مؤطرا على شكل تنظيمات ذات هوية محددة. ولكنه يتخذ شكل الاختراق للأطر الأخرى وهنا مكمن نفوذه. وهو بشكل عام يمثل تيارا يخدم مصالح خاصة ويحقق ذاته من خلال ضعف الآخرين دون دفع ثمن مواقفه التي تتميز أصلا بعدم الوضوح أو الثبات.
شرعية النظام بسبب انتهاء فترة الحكم
المسالة تتعلق بشرعية أجهزة المنظمة. فانتهاء الفترة القانونية للوطني واستمرار الوضع الحالي يثار بشكل دوري من قبل القوى السياسية من داخل وخارج المنظمة. موقف اللجنة التنفيذية يتلخص في إهمال الحالة والمماطلة ويستمر اختصار دور المنظمة ببعض الاجتماعات الترقيعية لمواقف تنافسية في السلطة.
واستمرار قانونية المنظمة نفسها من الناحية الشكلية لا يحتمل الاختبار الحقيقي لمعنى الشرعية لأداء مؤسساتها. فشرعية حكومة تسيير أعمال مثلا تختلف عن شرعية حكومة فاعلة وقانونية. الأولى تتجنب اتخاذ أية قرارات استراتيجية أو المبادرة بسياسات جديدة.
وتحصر دورها في تسيير الأمور اليومية بينما تقوم الحكومة الشرعية باستخدام كامل الصلاحيات المتوفرة لها.
حال المنظمة لا يتطلب أصلا تسيير أعمال ودورها الرئيسي تحديد مواقف استراتيجية وهذا يعني ضرورة إعادة تشكيل كل مؤسساتها وأي تعطيل في ذلك يعني تعطيل شرعية وحدة الشعب الفلسطيني.
الشرعية الأساسية هي قبول الشعب. وانتخاب تمثيل الخارج ضروري أينما أمكن وحتى يتم ذلك الانتخاب أو التمثيل من الضروري البحث عن روافد لإسناد الشرعية المؤقتة لدور مؤسسات المنظمة. ويتم ذلك من خلال تأطير قنوات تعبير مناسبة للأطر السياسية والشعبية. واستنهاض مواقف تساعد في ترسيخ حدود وآفاق الشرعية الشعبية المقبولة.
وحوار الفصائل احد هذه الآليات مع انه أيضا لا يعبر عن توازن التمثيل الجماهيري بشكل عادل لكنه بداية طيبة واستمراره يمثل مطلبا ملحا للمرحلة الحالية.
* أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطي