الشيخ والعبيط
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستيطان أولوية متأخرة في زمن الصراع الداخلي. قصة قرية ومستوطنتين
المشهد الأول: الشيخ والعبيط
في هذه الأيام تتراجع الأولويات بشكل محزن. تم الاتصال بعدد من الفضائيات بخصوص اختطاف محمد يوسف صالح الشيخ وعمره 93 عاما من منزله وبالعنف المسلح وتحت أنظار حالة الطوارئ من مدينة قلقيلية فجر يوم الخميس 22-6-2007 بغرض الاستيلاء على أرضه في مستوطنة اورانيت القريبة من كفر قاسم من خلال اخذ بصماته بالجبر ومن ثم تركه على قارعة الطريق عند مثلث حارس في طريق سلفيت وعلى بعد 25 كم من منزله وبالتقدير على نفس البعد من مكان تنفيذ التبصيم في مكتب احد العملاء الكبار وتجار الأراضي المشهود لهم وعليهم بالتزوير المتسلسل.
عندما تم الاتصال بوسائل الإعلام نشر بعضها الخبر دون تركيز وأهملته قنوات عدة ومنها الجزيرة التي تريد الدفاع عن الرأي والرأي الآخر ونسيت الدفاع عن الحق والأرض في زحمة الصراع الذي يمزق وحدة الشعب الفلسطيني. أسفنا لان السيدة شيرين أبو عاقله أهملت الخبر ولم تجده مناسبا للنشر. عتبنا عليك كبير يا ست شيرين لأننا كنا نأمل منك أفضل من ذلك.
تم الخطف رغم حالة الطوارئ بسيارة تحمل نمرة إسرائيلية وبها مسلحون. المسئول عن الخطف شخص معروف بتمرسه بتزوير الأراضي منذ أكثر من عشرين عاما. اسمه جلال العبيط وعمره 47 عاما أبوه يقيم في قرية بيت أمين 10 كم جنوب شرق قلقيلية. أما جلال الابن فيقيم في عريشته المشهورة غرب حاجز عزون عتمه مع فلسطين 1948. أسماء مناطق نكرات في الإعلام الفلسطيني لكنها مواقع استراتيجية في الفهم القومي والأمني السياسي والاقتصادي الإسرائيلي.
الشيخ المسن محمد يوسف صالح الشيخ من أهالي عزون عتمه التي تقع ضمن حلقة جدار داخل جدار داخل منطقة من الجدر من المستوطنات. تم خطفه من منزله في مدينة قلقيلية حيث قام خمسة أشخاص باقتحام وخلع الباب المقفل. زوجته العجوز المقعدة سمعت جلبة اعتقدت انها تحركه لأجل الوضوء. أما أبناؤه المقيمين بشقتين في الطابق الثاني فقد غلبهم النوم ولم يسمعوا شيئا. بل إن كل الجيران لم ينتبهوا. تم الاقتحام بدقائق ودون جلبة كبيرة.
قبل الخطف بحوالي نصف ساعة كانت سيارة بنمرة إسرائيلية تربض على بعد 100 متر من منزل الشيخ وعلى بعد 50 مترا فقط من مقر الأمن الوطني الرئيس. شاهدها شباب يقطنون هناك فاتصلوا بقريب لهم من الأمن الوطني فحولهم الى الشرطة. لم تحضر الشرطة إطلاقا.
اقتادوا الشيخ بسيارتهم بسرعة وخرجوا من قلقيلية رغم وجود حواجز إسرائيلية على مداخلها. توجهوا دون قدرة الشيخ على التمييز لمدة نصف ساعة حيث انزل من السيارة بأرض وعره. جروه وهو حافي القدمين حتى تمزقتا. ولما انهار جسمه حملوه على حمالة مسافة 300 متر أو أكثر الى موقع لم يستطع تحديده. تم حشره بغرفة صغيرة واقفل عليه الباب.
بقي لمدة ساعتين أو أكثر. حضر من فتح له الباب ونقله لغرفة أخرى. شخص واحد كان يجلس قال له:
– “نحن من ” شركة دلتا الإسرائيلية” والتي استصدرت أحكاما عليها بالتزوير والاعتداء على أرضك في جرمان نريد فقط منك التنازل عن هذه الدعاوى ولن نتعبك بعد الآن فنحن نريد تصحيح سمعة الشركة”.
– “ولماذا لم تتصلوا بالمحامي إن كان هذا هو الغرض”.
– “فقط عليك التوقيع وهذا كل ما نريد”.
– “لن أوقع على ما لا اعرف وان كان كذلك فأعطوني نسخا لأطلع عليها المحامي”.
حضر عدد آخر من الأشخاص منهم شخص أشقر قال للشيخ:
– “عليك بالتوقيع شئت أم أبيت لو لزم قطع إبهامك سنعمل”. ووضع سكينا على الإبهام.
– “يمكنك قطع يدي كلها إن شئت”.
– “عليك بالتوقيع”.
– “لن أوقع”.
أمسكه رجلان بالقوة وتم تبصيم إبهامه الأيمن على أكثر من 30 ورقه لا يعرف ما بها.
أحس الشيخ بالمصيبة. تماسك قليلا. قالوا له سنعطيك مالا ما دمت قد بصمت الآن. عدوا أمامه 58 ألف شيكل وضعوها بجيبه في كيس وقالوا له هلا انتهيت.
أخذوه بسيارة بيضاء واستردوا كيس النقود منه مرة أخرى. توجهوا وألقوه عند مثلث كفل حارس الذي يقع بين سلفيت وقلقيلية.
كان جريحا. أرجله ممزقه تحت حرق الشمس الحارة في الساعة الواحدة ظهرا. التقطه أحد طيبي القرية وحمله بسيارته الخاصة الفقيرة وأوصله لمنزله في قلقيلية.
وصل منهار الجسم والوعي. “الحمد لله على سلامتك” هجم عليه عدد من أبنائه وأحفاده ( مجموع أحفاده أكثر من 180 شخصا) والأصدقاء الذين كانوا يملأون البيت ترقبا.
– “لقد بصموني وخوفي تضيع الأرض”. 27 عاما مهددة في لحظه. منذ عام 1980 بدأت القصة.
قام احدهم (عميل تافه) ببيع عشرة دونمات يملكها في موقع مستوطنة اورانيت التي تقع على الخط الأخضر شرق كفر قاسم. باع العشرة دونمات مدعيا انه يملك 400 فالأرض ليست طابو وشهد له عدد من المخاتير بالملكية وبدأت نواة المستوطنة. هكذا بدأت مستوطنة اورانيت بالغش والتزوير.
طبعا حمله وراء حمله وبدأت المستوطنة التمدد بالاعتداء على الأراضي المجاورة. الغالبية وقفوا ضد الاعتداءات ورفعوا قضايا في المحاكم الفلسطينية التي كانت تدار إسرائيليا. حصل البعض على أحكام برفع الاعتداءات ولم يحصل البعض الآخر. ضاعت بعض الأراضي لكن الغالبية بقيت صامدة.
تعاون أصحاب الأراضي ونسقوا جهودهم بتعيين محاميين مشتركين. لم تدفع لهم لجان الأراضي كثيرا ودفعوا من جيوبهم. كان ذلك منذ 1981.
ونعود لشيخنا:
أرضه كانت واحدة من القطع الكبيرة والمميزة الموقع: 103 دونم منبسطة وتقع على حدود البناء للمستوطنة من الجنوب. بالنسبة لشركة الاستثمار فذلك يعني أرباح بأكثر من 50 مليون دولار. اسمها جرمان. يعتقدون أن الألمان هم من سماها كذلك أيام الصليبين. مع أن الحقيقة ربما انها كانت أراض لقبائل الجرامنه التي ربما حلت هناك في سابق الزمان. عندما اشتراها الشيخ وأخوه الأكبر رحمه الله عندما كانوا شركاء قبل عام 1948حدثتهم والدتهم حينذاك “هذه الأرض صعبه يا أبنائي من يشتريها عليه تحمل الخسائر!!”.
اعتدت شركة “دلتا” الاستيطانية على الأرض وجرفتها. قام الشيخ برفع قضية وحصل على حكم عام 1981. واعتدت شركة أخرى اسمها “يوش” واستصدر حكما عام 1983. وجاءت شركة أخرى “بار بيطون” عام 1984 بنت مصنعا للباطون داخل الأرض. رفع قضية ولم يستطع إزالة المصنع حتى عام 1991 عندما قام محام شجاع ( الأستاذ أسامة حلبي) بالتحرك الكافي.
تعرضت الأرض كما حال جاراتها لعمليات تزوير بعد فشل الاغتصاب المباشر. تم التزوير الأول من قبل الملعون أحمد وصفي عودة من حبله وفشلت العملية بسهوله عند فحصها القانوني ( بجهود المحامي أسامة مرة أخرى) وتم تزوير آخر من شخص آخر ملعون من بديا فشلت مرة أخرى عند الفحص.
ومع عام 1991 كانت التزويرات قد كشفت. لكن ضابط أملاك الدولة كان يصر على مصادرتها وتمت مواجهات مع الادعاء بمصادرة أجزاء من الأرض مع أن المنطقة ليست لأي أغراض عسكرية و لم يتم تبرير المصادرة ولم تثبت قانونيا حتى الآن.
عام 1996 قام جلال العبيط بتزوير وكالة بيع للأرض لصالحه. حيث تم كشفها بمجرد الفحص الأولي بالشرطة. كان ذلك عام 1997.
كان المدعو العبيط قد باع الأرض لشركة “دلتا”. وعندما تبين التزوير رفعت “دلتا” عليه قضية لاستعادة أموالها حسب الدعوى والتي تساوي 2 مليون شيكل في حينه ( 700 ألف دولار) وقد ثبت التزوير لأراض أخرى وحوصر الساقط وكاد يسجن.
فقامت شركة أخرى اسمها “ملتون تريد” مسجلة في هولندا بشراء العقود المزورة وتعهدت بتسديد ما “لدلتا” على العبيط مقابل إخلاء طرفه حيث قدمت لشركة دلتا عقد شراء الأرض من العبيط بناء على ادعاء وكالة بيع أخرى من الشيخ.
لم تصدق شركة “دلتا” الأمر. فلو أراد الشيخ بيع الأرض فأسهل له أن يبيعهم. أرسلت “دلتا” نسخة من الوكالة الجديدة لمحامي الشيخ “الأستاذ هشام النصر”. كان سهلا مرة أخرى اكتشاف التزوير الذي تم بانتحال شخصية من قبل مجهول أدعى انه هو الشيخ محمد يوسف صالح. تم التقدم بشكوى ضد العبيط للشرطة الإسرائيلية لأنه قام بالتزوير من خلال التعاون مع منتحل. وأثبتت الشرطة الانتحال وتمت محاكمة العبيط في محكمة كفر سابا عام 2003 وصدر حكم ضده بصفقة تعفيه من العقوبة الجنائية مقابل الاعتراف بالتزوير.طبعا هو يحمل الجنسية الإسرائيلية.
فشل للمرة الثانية وبدأ “الأستاذ هشام النصر” فتح صفقة طابو للأرض ( تسجيل مجدد حيث الأرض مسجلة بقيد مالية أو تسوية حسب سجلات أيام الأردن)
وبدأت مرحلة جديدة:
تبلغ الشيخ من الأجهزة الأمنية انه مستهدف من العبيط وانه يخطط لخطفه. تم الاستنفار للمرحلة وقد أفشلت أكثر من محاولة حتى نجح أخيرا في هذا الشهر عام 2007. نجح بذلك في عز أيام الطوارئ فمبروك لحكومة الطوارئ نشاطها. نجح الاختطاف في عز الصراع بين حماس وفتح وبين انقسام الشرعية وانشغال الشعب ببعضه. فمبروك لقيادات الوطن.
هكذا سوف نخسر كل شيء والشعب مشغول بأخبار الهجوم والهجوم المضاد بين غزة ورام الله وبين حماس وفتح وبين إيران وأميركا كما يريدون إقناعنا.
قصة الشيخ محمد يوسف صالح هي قصة غالبية أصحاب الأراضي الذين تركوا يدافعون عن أرضهم لوحدهم في معظم الأحيان وعندما كانوا ينجحون في تثبيت حقهم كانوا يختطفون.
حصل ذلك مع كثيرين منذ عام 1981. حصل مع (أبي الدنيا رحمه الله) ومع (أبي الغزال) وحصل اقل منه مع آخرين كثيرين.
قصة عزون عتمة الحزينة مع الجدار ومع مستوطنة “اورانيت” ومستوطنة “شعاري تكفا” قصة طويلة سنكتبها في عرض لاحق.
عزون عتمه تعيش الآن محاصرة بجدار حولها وبوابة واحدة فقط تصلها مع أراضي الضفة المفتوحة وهي بلد محظوظ لولا الاحتلال والاستيطان. أراضيها سهلة وخصبه ( أكثر من 5 آلاف دونم ). ومياهها وفيرة (عشرة آبار ارتوازية) وجوها ومناخها طيب تقع على هضبة كفر قاسم وترى البحر ونسيمها عليل كما هي حال معظم قرى الضفة الجميلة.
عرضنا القضية بالتفصيل بغرض تعريف من يعنيهم الأمر بمدى فداحة الخطب ونأمل ممن يستطيع المساعدة تقديمها. هل من الممكن إثارة هذه القضايا خارج المحاكم الإسرائيلية – في محاكم أميركية مثلا.
تقدم الشيخ بالطبع ببلاغ للشرطة الفلسطينية وتم تنسيق بلاغ للشرطة الإسرائيلية في مستوطنة قدوم والمحامي هشام النصر بتابع الأمر. سيتم توكيل محام من إسرائيل للمتابعة في المحكمة الإسرائيلية.
نشكر كل من يستطيع المساعدة معنويا بنشر وتعميم الحالة أو بالدعم القانوني والاستشاري.