قراءة لاتفاق مكة

October 6, 2007 Off By Salman Salman

قراءة لاتفاق مكة

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

6-10-2007

طبعا يسعد كل فلسطيني الوصول لاتفاق يوقف الفتنة ويخفف من معاناة الناس ويعيد بعض الأمل للشعب لتكون القضية في موقعها الصحيح صراعا بين المحتل والشعب المظلوم.

ومن قراءة الاتفاق يبدو انه تكريس لما كاد الفرقاء الوصول له قبل شهرين. فقبل نهاية العام الماضي كان الوعد باتفاق فشل في آخر اللحظات بسبب تدخل أميركي سافر أوقف مسيرة الاتفاق في حينه.

المقاربة الأكبر تمت من الرئيس عباس بقبوله لما تم التوافق عليه سابقا. والاتفاق ينسجم مع وثيقة الوفاق الوطني ويؤكد على ما ورد بها. والدعوة لإعادة تشكيل المنظمة والحكومة تتطابق الى حد كبير لما تم التوافق عليه سابقا ربما ما عدا تحويل الداخلية لمستقل ترشحه حماس بدلا من حمساوي مباشر ويبدو أن المرشح قريب لحماس ويمثل توجها ربما يعبر عن تيار فتح المقاوم عموما.

ما الذي تغير إذن وجعل الاتفاق ممكنا بعد إفشاله قبل شهرين:

أربعة أسباب ربما تفسر ذلك:

الأول يتعلق بفشل الاستراتيجية الأميركية السابقة وبدء الاعتراف بأهمية الرجوع لتقرير بيكر هاملتون الذي يدعو لتخفيف حدة الصراع في فلسطين. وفي أسوأ الأوضاع فالتهدئة الأميركية المطلوبة مؤقتة لتسهيل معارك أميركا في لبنان والعراق وربما إيران. وفي أحسنها فهي لتهدئة الساحة الفلسطينية ضمن مشروع تفاهم أوسع يعطي دورا اكبر لمحور المعتدلين في الدول العربية وإضعاف الدور الإيراني دون ضرورة اللجوء للقوة ضدها بمحاولة إقناعها الالتحاق بالركب الأميركي. الحقيقة ربما تقع بين الحدين.

والثاني يتعلق بتأزم الموقف الإسرائيلي الداخلي وعدم قدرة إسرائيل التقدم بموقف عسكري أو سياسي بعد العجز في لبنان. وهذا يعني ضعف قدرة أبو مازن الضغط سياسيا على حماس لان جعبته بحل مشرف مع إسرائيل خاوية فلا داعي لتصعيد اكبر في الساحة الفلسطينية دون أي مقابل سياسي.

الثالث يتعلق بصراع القوى الميداني الذي حصل في غزة والذي اثبت عدم قدرة الحسم لمعسكر أبو مازن. وان توسيع الصراع لمداه الأقصى لن يؤدي في أحسن أحواله إلا لمزيد من القتل. ومشروع التسلح الداخلي المدعوم من قبل الإدارة الأميركية يشارف نهايته الفاشلة لان الإدارة الأميركية نفسها غير مقتنعة بجدوى مشروع اليوت أبرامز لإسقاط حماس.

أما السبب الرابع فيتعلق بأهمية إبعاد حماس سياسيا عن حزب الله وسوريا وإيران من خلال تقريبها للسعودية القاعدة الطبيعية للفكر الإسلامي السني. لقد تم قبول موقف حماس المطروح منذ اشهر بأمل احتوائها ضمن المشروع العربي المعتدل.

كيف يقرأ الفلسطينيون ذلك:

حماس ربما تشعر بالفخر أنها استطاعت الصمود وتم قبول طرحها بعد كل هذا الصبر والمعاناة وتعتبره انتصارا لموقفها الشعبي مع التذكر أن الم الصراع والاقتتال يدفع بقوة نحو تفادي استمراره.

فتح المقاومة تشعر براحة اكبر لأن الوفاق الفتحاوي الحمساوي يرسخ دورها وهي ستجد مخرجا من الوضع الصعب الذي كانت تعيشه خلال الصراع والذي تمثل بخيار بين القناعة المبدأية والولاء الحزبي.

فتح الحل ربما لا يشعرون بالفرحة لكنهم على الأقل يشعرون لحين من الزمن أن هناك قبول لدورهم السياسي ولو بدون ضمانات تحقيق نتائج.

الشعب لا شك يشعر بانفراج صحوة من كابوس مع أننا لا نعرف ما يحصل بعد الصحوة من الكابوس.

يحق للسعودية الاحتفال بكل البعد شريطة استمرار الاتفاق وستكون انتكاسة كبرى للسعودية إن فشل. ولن يفشل الاتفاق إلا بأيدي إسرائيلية أو موقف أميركي وهذه مشكلة السعودية مع أميركا.

أما سوريا وإيران وحزب الله فربما يشعرون بداية باحتمال انجراف حماس لكن لا مبرر للتخوف فحماس تشعر أنها على ارض اصلب وليس هناك مبرر لان تقلب موقفها الإقليمي.

أما مصر والأردن فمن المهم اعترافهم أن الدور الضعيف خلال الأشهر الماضية سوف يكلفهم أكثر إذا ظلت سياستهم بدون مبادرات.

إسرائيل تشعر بالضيق من الاتفاق لكنها أيضا تشعر بالراحة النسبية بسبب انقشاع خطر توسع الصراع الداخلي الفلسطيني لتصعيد ضدها. وبأفضل الأحوال فموقف إسرائيل لن يكون داعما لكنه لن يجد من يدعمه دوليا بنفس الدرجة السابقة. أميركا سوف تعمل على استمرار الحصار لكن بضغط اقل وأوروبا سوف تعمل مع روسيا على رفعه.

بشكل عام الاتفاق ايجابي لمعظم الأطراف وربما لهذا سوف ينجح وخاصة أن البديل خسائر لمعظم الأطراف أيضا.

ويبقى سؤال: لماذا تبادر إسرائيل بالتصعيد في الأقصى متزامنا مع الاتفاق. هل يريد اولمرت قلب الأوراق الداخلية الإسرائيلية من خلال مبادرة تشبه مبادرة سلفه في زيارة الأقصى التي فجرت الانتفاضة. لعب داخلي ربما يتطور لقلب أوراق الجميع.

نص اتفاق الوفاق الوطني بمكة المكرمة

بناء ًعلى المبادرة الكريمة، التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، وتحت الرعاية الكريمة لجلالته، جرت في مكة المكرمة، بين حركتي ‘فتح’ و’حماس’ في الفترة من 19 إلى 21 محرم 1428، الموافق من السادس إلى الثامن من شباط -فبراير 2007 حوارات الوفاق والاتفاق الفلسطيني، وقد تكللت هذه الحوارات بفضل الله سبحانه وتعالى بالنجاح حيث جرى الاتفاق على ما يلي:

أولاً: التأكيد على تحريم دم الفلسطيني، واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات، التي تحول دون إراقته مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية، كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال، وتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتماد لغة الحوار كأساس وحيد لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية. وفي هذا الإطار نقدم الشكر الجزيل للأخوة في مصر الشقيقة والوفد الأمني المصري في غزة، الذين بذلوا جهوداً كبيرة في تهدئة الأوضاع في القطاع، خلال الفترة السابقة.

ثانياً: الاتفاق وبصورة نهائية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتشكيلها.

ثالثا: المضي قدما في إجراءات تفعيل وتطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتسريع إجراءات عمل اللجنة التحضيرية، استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق.

وقد جرى الاتفاق على خطوات تفصيلية بين الطرفين بهذا الخصوص.

رابعاً: تأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى قاعدة التعددية السياسية، وفق اتفاق معتمد بين الطرفين.

إننا إذ نزف هذا الاتفاق إلى جماهيرنا الفلسطينية، وجماهير أمتنا العربية والإسلامية وكل الأصدقاء في العالم، فإننا نؤكد التزامنا به نصاً وروحاً، من أجل التفرغ لإنجاز أهدافنا الوطنية، والتخلص من الاحتلال، واستعادة حقوقنا والتفرغ للملفات الرئيسية، وفي مقدمتها قضايا القدس واللاجئين والمسجد الأقصى والأسرى والمعتقلين ومواجهة الجدار والاستيطان.

والله الموفق.

مكة المكرمة في 21 محرم 1428، الموافق الثامن من شباط -فبراير 2007