العلاقة الحائرة بين حماس وسوريا
العلاقة الحائرة بين حماس وسوريا
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
16-11-2011
أولا: دعم سوري شامل لحماس
لا ينكر أي عنصر من حماس الدور المفصلي الذي قامت به سوريا في دعم دورها السياسي منذ انطلاقتها عام 1987 لأسباب كثيرة منها موقف الرئيس الراحل حافظ الأسد من الحركة الوطنية الفلسطينية وتحفظاته على سياساتها. وهذا موضوع طويل يحتاج تفسيره فهم ديناميكا العلاقات الفلسطينية السورية التي تقوم على اعتقاد سوريا بالحق في التدخل بشئون دول بلاد الشام بحكم أنها بلد واحد. وهذا لا يعتبر تجاوزا مبدأيا لكنه يدخل أقطار بلاد الشام في مفاصل لا تحصى.
تبنت سوريا موقفا داعما لحركة حماس الوليدة من منظور أنها تمثل موقفا متقدما على منظمة التحرير التي بدأت مسيرة مفاوضات ومواقف اعتبرتها سوريا تتنازلا عن ثوابت فلسطين وعملت لذلك على دعم القوى التي تناهض الموقف الرسمي لمنظمة التحرير.
وقد تلونت العلاقة للفترة 1990-1992 بسبب حرب الخليج وانقسام الموقف العربي حين وقفت سوريا مع الدول الخليجية غير الحليفة ضد العراق الذي تشترك معه بحزب البعث بصراع شقي الحزب المعروف من بدايات حكم البعث في البلدين. وقد ازدادت معارضة سوريا لمنظمة التحرير بسبب ظهورها داعمة للعراق في تلك الحرب. وكسبت حماس دون جهد موقفا داعما من قبل دول إعلان دمشق (سوريا ومصر والسعودية وبقية دول الخليج) رغم العلاقة التاريخية المرة مع الإخوان المسلمين. وتجاوز الرئيس الراحل حافظ الأسد ذلك ضمن معادلات الموقف الجديد ووعود مؤتمر مدريد الذي أملت سوريا منه الكثير. ورغم فشل مدريد استطاعت سوريا الإبحار ضمن مرحلة كلينتون الهادئة نسبيا وظلت العلاقة بين سوريا والخليج جيدة وقطفت حماس دعما مستمرا.
بعد إعلان اوسلو كان الموقف والمزاج العربي العام سلبيا. ورغم عدم معارضة دول الخليج الا أنها لم تعلن موقفا داعما بل شجعت عمليا الموقف الشعبي المتحفظ. وهكذا كان موقف الأردن لأسبابه ولم يكن العراق وليبيا سعداء بهذا التطور أيضا. وكانت الجزائر تعيش بداية الحرب الأهلية التي أهلكت أكثر من 200 ألف ضحية. وبذلك فقدت منظمة التحرير الكثير من الدعم الرسمي والشعبي العربي والشرعية الثورية التي تحلت بها تاريخيا والتي مكنتها من الوقوف أمام مصر عبد الناصر وسوريا حافظ الأسد. وقد تدهور الموقف الفلسطيني في الساحة العربية والإسلامية بسرعة أكبر من تقدمه بالساحة الأوروبية وظهرت منظمة التحرير متهالكة وضعيفة ومرتبطة سياسيا واقتصاديا بالغرب.
مع بداية عام 2000 كان الموقف الفلسطيني الرسمي في أدنى مستويات الشرعية الجماهيرية بسبب اوسلو ووصل إلى طريق مسدود مع إسرائيل والغرب وفقد التسهيلات الغربية. وظهرت نهاية الطريق المسدود لعرفات سلاما بمواصفات إسرائيلية دون ضمان قيام دولة معقولة السيادة مقابل تهديد بوقف دعم السلطة وقطع الطريق على المنظمة. وبخلفية فاقدة للكثير من الوهج الثوري لم يكن أمام المنظمة الا تفجير الانتفاضة التي بدأها عرفات وبذل جهودا هائلة حتى اشتعلت.
تحفظت سوريا وحماس على الانتفاضة في بداياتها واعتبرتها مجرد تكتيك لتحريك الوضع وتبرير الحل السياسي القادم. وامتنعت حماس عن المشاركة من بداية الانتفاضة أيلول 2000 حتى آذار 2001 عندما انتخب شارون رئيسا للوزراء.
من التحفظ إلى دعم الانتفاضة
عند فشل محادثات كامب ديفيد عام 2000 قرر عرفات البدء بانتفاضة بأمل تغيير قواعد التفاوض ووجد دعما معقولا من مصر واليمن والسعودية والمغرب بتحريك مسيرات دعم كبيرة في صنعاء والقاهرة والرباط تحديدا لإثبات شمولية قضية القدس التي طالبت إسرائيل عرفات بالتنازل عنها وأنها قضية إسلامية وعربية خارج حدود القرار الفلسطيني ونجح عرفات في إثبات ذلك. بالمقابل كان باراك بشكل عام راضيا عن الانتفاضة بداية وتصرف بقسوة بأمل إعادة انتخابه وكان كلينتون يدعم بذلك الاتجاه أيضا.
كل ذلك مع الخلفية السابقة رسخ الاقتناع السوري وحماس للتحفظ على الانتفاضة التي دعمتها دول الخليج بسخاء ودعمها العراق لأنه اعتبرها تصحيحا لوضع أعوج. لكن شارون استطاع هزيمة باراك بالانتخابات مما قطع الطريق على أي فرصة للعودة لتفاهمات مع إسرائيل. وقد انتخب شارون بعد استلام بوش للحكم بشهرين وطبعا يعرف الجميع سلبية موقف بوش من فلسطين وعرفات. أسقط بيد عرفات عند هذه النقطة ويمكن القول أنه خدع بشكل أو بآخر من قبل الرئيس مبارك والملك فهد اللذان شجعاه عندما رفض كامب ديفيد بأمل قيام بوش الابن بما قام به بوش الأب من تحول مفصلي. حاول عرفات تصحيح الوضع بقبول مبادرة كلينتون لكن بعد فوات الأوان وسيطرة الموقف الإسرائيلي على مفاصل الموقف الأميركي.
وجدت سوريا فرصة للدخول بقوة وتصعيد الانتفاضة بمشاركة فعالة من حماس بهدف ينسجم مع الموقف التاريخي وبقناعة أن أحدا لن يستطيع إيقاف الانتفاضة لأن كثيرا من القوى تؤيدها. واجتمعت لأول مرة مواقف الخليج والعراق وسوريا وحماس ومنظمة التحرير على دعم الانتفاضة كل لأسبابه. وفي العادة فاتفاق العرب ينبئ بشي خطير ولا يبشر بنصر أو إنجاز. فعندما يتفق العرب يكون هناك عملية تحول استراتيجي وتصمت الأطراف ليحقق كل طرف هدفه بطريقته.
ضعف السلطة وحصار عرفات
استنفذت سنوات الانتفاضة الأولى 2001-2004 كل مقومات الصمود والبقاء لدى منظمة التحرير والسلطة وقوت موقف حماس جماهيريا حيث ظهرت كقوة مناضلة وحاملة الراية مقابل فتح المتهالكة التي تستنكر العمليات الاستشهادية التي يمولها بكرم كبير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي يدعم عرفات. مثل هذه الغرائب مألوفة من الموقف العربي.
نتيجة المرحلة كانت انهيار هيبة عرفات وفقدانه الكثير من عوامل قوته. وقد تعرض لهجمة تحريض غربية وعربية مكثفة وتمت مقاطعته عمليا من معظم أصدقائه في العالم خلال فترة حصاره الطويل من عام 2001-نهاية 2004. وبدأ الجميع مطالبته بالإصلاح كالعادة (فالإصلاح دائما هو سلاح الغرب المفضل لممارسة الاستبداد ضد أي زعيم عربي وفرض التغيير على من لا يعجبهم). وقد قاوم عرفات طويلا لكنه رضخ في النهاية وأجرى تعديلات رسخت نفوذ الموقف المؤيد للحل السياسي المنسجم مع التصور الغربي. وأضعفت الموقف المقاوم ضمن مظلة منظمة التحرير مما وفر فرصة أخرى لتفرد حماس والتيارات الإسلامية للظهور كقوى مقاومة وحيدة.
خلال الفترة 2001 وحتى 2003 ورغم أن حماس كانت من يقوم بالعمليات الأكثر شدة واستفزازا لإسرئيل الا أن الرد الإسرائيلي كان دائما مزيدا من التدمير لمنشئات السلطة بهدف تهديم دور عرفات الفلسطيني والعربي واستغلت إسرائيل عمليات حماس لإضعافه وتقوية تيار الحل.
استمر الموقف السوري بدعم حماس والقوى الإسلامية باعتبارها ممثلة للمقاومة لكنه لم يخف وإن ببطء ملاحظته لمظلومية عرفات وأظهر نوعا من التعاطف معه بعد مؤتمر القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002 وتضييق الحصار عليه. لكن التعاطف مع عرفات كان ضعيفا ولم ينعكس استراتيجيا لدعمه في معركته الكبرى في صراع البقاء.
ولم يتم الانتباه أن إضعاف عرفات ينتج مركبة أخرى وهي سيطرة تيار الحل الذي يسبق حماس في قيادة مرحلة ما بعده. وساعد في عدم ملاحظة السوريين ذلك تزامنه مع حرب العراق التي دمرت أقوى قطب داعم لعرفات وأسقطت إحدى عواصم منظومة القوميين ودولة رئيسة في معادلة الموقف العربي.
لم تكن سوريا سعيدة بانهيار العراق رغم سوء العلاقة مع الرئيس الراحل صدام حسين. لكن الرئيس الأسد لاحظ واعتقد أن تدمير العراق لا يمكن أن يخدم المصلحة العربية. ورغم عدم إعلان ذلك الا أن سوريا وقفت مع المقاومة العراقية منذ أول يوم وهذه نقطة تحفظ لصالحها.
تفاهمات غير مفهومة:
مع نهاية عام 2004 تم القضاء على رموز المقاومة في فلسطين باستشهاد كل من الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي من حماس والرئيس عرفات ممثل المقاومة الفلسطينية التاريخي مما حدد مفصلية تلك الفترة.
بعد استشهاد عرفات تقلد الرئيس أبو مازن رئاسة منظمة التحرير ورئاسة فتح التي كان من المنطقي للقدومي ترؤسها وكان مرشح فتح الوحيد لرئاسة السلطة مع منع أي منافسة وتهديد من يترشح بالفصل من الحركة. ولم تطرح حماس أو تدعم أي مرشح مما ضمن نجاحه. بعيد ذلك وقع أبو مازن تفاهما مع حماس والفصائل الأخرى ما يدعى بتفاهمات القاهرة 2005 والتي تعهد فيها بإصلاح المنظمة واشتمال كل القوي ضمن مظلتها. من الصعب تفسير ما سبق بالصدفة وخاصة أن حماس استعدت للمشاركة في الانتخابات التشريعية بينما امتنعت عن المنافسة في الرئاسية.
بعض التفسير للتفاهمات غير المفهومة
معطيات ربما لا يرغب أحد الاعتراف بها لأنها غير مربحة سياسيا لأحد وهي أن الولايات المتحدة قد ضغطت على سوريا باتجاه عدم ممارسة دور مركزي ضد أبي مازن مقابل استمرار دورها اللبناني وبقاء العلاقة الغربية المستقرة منذ 1991 والسماح بمشاركة حماس في انتخابات التشريعي. وجدت سوريا قبولا بل استعدادا من قبل قيادة حماس الجديدة لهذا التصور. وعليه قبلت عدم ممارسة أي ضغط أو تشجيع حماس تخريب نتائج الانتخابات الرئاسية التي نجح فيها أبو مازن بنسبة لا تتناسب مع وزنه كرئيس فتح ومنظمة التحرير. وهذا يحتمل نتائج مغايرة لو دعمت حماس مرشحا آخر بما يعنيه ذلك من قلب معادلات كثيرة.
طبعا يمكن فهم موقفي سوريا وحماس. بالنسبة لحماس فقد اعتقدت بعد مقتل قيادتها التاريخية أن المشاركة بالتشريعي كافية لهذه المرحلة عند الأخذ بالاعتبار أن مشاركتهم بإسقاط أبي مازن ستمنع مشاركتهم بالتشريعي. وعليه فحساباتهم الحزبية كانت الموجه الرئيس لسلوكهم. أما سوريا فقد وجدت أن ذلك يخدم استقرارها في مرحلة صعبة دون تنازل جوهري عن ثوابتها السياسية وخاصة أن الحفاظ على الورقة اللبنانية وحماس بيد سوريا يمنع أي تحول استراتيجي مناوئ.
ثانيا: التحول الغربي لإسقاط سوريا:
تصاعد الضغط الأميركي على سوريا لمستويات غير مسبوقة
لم تظهر سوريا دعمها للمقاومة العراقية لكن ذلك كان سهل الاكتشاف ومثل سرا معروفا. وبدأت أميركا تطبيق سياسة اعتبار سوريا خارج معادلة إعلان دمشق (وفي الحقيقة فهي كانت تعتبرها كذلك منذ دعمت سوريا الموقف الرافض لمسيرة اوسلو) وتدهورت العلاقة بين دمشق والغرب لمستوى يهدد ببدء حملة قوية موجهة ضدها.
كانت معادلات سوريا عام 2004 متعددة ولم يكن سهلا شطبها بجرة قلم. فأوراق المقاومة الفلسطينية واللبنانية كانت بيدها. ورقة المقاومة العراقية كانت أكثر تعقيدا حيث مثلت مساعدة المقاومة صمام أمان واستوعبت هزات ضخمة ساعدت في تخفيف آلام العراقيين وبالمرافقة خففت الضغط عن قوات الاحتلال مما اعتبرته أميركا تحقيق مصلحة لها رغم كل عيوب الموقف السوري.
حسابات البيدر لم تنطبق مع حسابات الحقل
بعد نجاح أبي مازن بشهرين اغتيل الحريري بطريقة درامية تؤشر معطياتها أن إسرائيل المستفيد الأكبر لكن من السهل تحويلها تهمة مفتوحة ضد أي عدو بحيث أصبحت قميص عثمان. وفتح ذلك المجال لحشر سوريا بزاوية الاتهام وصدر قرار دولي 1559 مطالبا برحيلها من لبنان مما هدد أسس استراتيجية المقاومة وواجهت موقفا صعبا كشف كثيرا من خفايا تركيبة النظام السوري نفسه.
منذ الخمسينات حتى نهاية القرن العشرين كان من عادة الأنظمة العربية الثورية والتقدمية قبول الحاكم الجيد والوطني انزراع عملاء الغرب ضمن تركيبة النظام لتحييد عداء الغرب لأن موازين القوة كانت مائلة لدرجة تفرض قبول عملاء الغرب ضمن الأنظمة بمعرفة الزعيم لكن ليست مائلة بما يكفي لتعميم ذلك على رأس النظام. وكان هذا مألوفا في فترة الحرب الباردة. وبهذه التركيبة الغريبة كانت هناك قنوات تفاهم مظللة بين الأنظمة والغرب مما سهل الطعن في بعض الأنظمة الوطنية.
بعد حرب تدمير العراق لم يعد الأمر كافيا بالنسبة لأميركا بل أصبح المبدأ “أن تعلن انك معنا أو أننا سنعاملك كعدو”. وهذا يعني إعلان رأس النظام الولاء أو التنحي لصالح رجل الغرب. في مصر اكتفي الغرب بوجود عدد من الموالين ضمن نظام عبد الناصر وبعد وفاته أصبح رأس النظام مواليا. في فلسطين اكتفى الغرب بوجود رجالاته ضمن الصفوف الثانية لكن بعد 2003 أصر على تنحي عرفات من رئاسة الصف الأول المقاوم. وفي سوريا اعتقد الغرب لفترة أن بشار الأسد المتعلم في الغرب ربما يكون قابلا للولاء وعندما ظهرت صعوبة ذلك مورست ضغوط من قبل رجالات الغرب ضمن النظام مما افقدها حظوة الرئيس (خدام مثالا) واضطرها للهرب والانشقاق.
كانت سوريا عام 2005 بموقف صعب وخياراتها محدودة. ربما كان ممكنا إجرائيا إعلان الولاء للغرب وقطع العلاقة مع إيران وحماس وحزب الله مقابل تسوية معقولة مع إسرائيل ونفوذ مستمر في لبنان ودعم موعود من دول الخليج. لكن سوريا لم تعتبر ذلك سهلا: فلو قبلت ذلك فمن يضمن عدم الغدر وهم انقلبوا مرات. لم يكن الطرح مناسبا حتى من وجهة نظر براجماتية فكيف يكون إذا أضيف البعد الأخلاقي والوطني والإستراتيجي.
رفض سوريا كان أخلاقيا وبراجماتنا معا. لكن مقابل رفض الولاء كان لا بد من الانسحاب من لبنان. وتم ذلك سريعا وبدا للوهلة الأولي هروبا. لكنه كان بالتأكيد أقل إذلالا من طرد بالقوة لم تكن سوريا مؤهلة لمنعه. فوق هذا فحلفاؤها في لبنان أقوياء بما يكفي والانسحاب الطوعي لن يضعهم بالخطر مقابل التدمير لو أصرت على البقاء.
خطوة سوريا السريعة والمحسوبة في لبنان أثمرت سحبا لفتيل تفجير كبير. لكن التحقيق الدولي بقضية اغتيال الحريري كشف هدف إسقاط النظام السوري فعلا وأثبت احتضان فرنسا لخدام أن حملة تغيير النظام بدأت فعليا. اكتشفت سوريا سريعا زيف الوعود الغربية نهاية 2004 وتصاعدت الحملة لذروتها في تموز 2006 التي هدفت القضاء على حزب الله وتحجيم الدور السوري وإسقاط النظام إن أمكن.
تحول استراتيجي:
فشلت حرب تموز 2006 بسبب الصمود المميز لحزب الله الذي حارب بعقيدة أن للحرب ما بعدها. عدم ظهور الدور السوري كان في مصلحة حزب الله وسوريا معا فلو دخلت سوريا الحرب لتعرضت لهجمات كبيرة من قبل إسرائيل دون فائدة لحزب الله ولأصبح موقف إسرائيل معذورا لأنها تخوض حربا كبيرة. أما اقتصار الحرب مع حزب وطني ضمن لبنان الصغير فقد مثل إهانة وإحراجا عندما لم تستطع إسرائيل هزيمته. وهذا يمثل ذكاءا سياسيا مسنودا بأداء مرتفع النوعية قتاليا.
نجحت سوريا مرة أخري في تجاوز حقل ألغام رهيب لكن ذلك رفع ثمنها الغربي وزاد من التصميم على إسقاطها. من الخطأ الاعتقاد أن الغرب يفقد صبره أو طول نفسه. فهو يملك إمكانيات هائلة ونفس طويل يمكنه تأجيل أي معركة إذا لم تكن الظروف مناسبة دون تغيير الهدف إطلاقا. وعليه من الخطأ الاعتقاد أن نصرا مرحليا يمكن أن يوقف مخططات الغرب: فإن فشلت خطة أ فهناك خطة ب و ج حتى تحقيق الهدف. وهذا يعني أيضا أن التنازل بهدف تخفيف الخسائر المحتملة لا يلغي هدف التطويع الاستراتيجي للمنطقة.
كانت سوريا عام 2007 معافاة نسبيا وظهرت حماس بأقوى أوضاعها في الشارع الفلسطيني مما سهل عليها السيطرة على غزة بعد سقوط حكومة اتفاق مكة. وقوف سوريا السياسي مع حماس خلال تلك المرحلة وفترة الحصار اللاحقة كان مفصليا ولولا سوريا لسقطت حماس بشكل نهائي.
ربما لن يعجب هذا الكلام حماس لكنه الأقرب للحقيقة: فلو تصرفت سوريا تلك الفترة بواقعية وبراجماتية سياسية فقط حتى دون معاداة حماس لأمكنها بناء علاقة مميزة مع محمود عباس عام 2007 الذي كان بحاجة ماسة لها ولأمكنها منع سقوط غزة من خلال تفاهم استراتيجي مع أبي مازن ولحققت سوريا ذلك دون فقدان أي أوراق تتعلق بالمقاومة وبشكر كبير من قبل الغرب والعرب والمسلمين الذين نبذوا حماس وتخلوا عنها.
ومن منظور مصلحي لا يلتزم بقيم أخلاقية (وهذا طبيعي في السياسة) كان خيار إيقاف دعم حماس الأقل كلفة والأكثر ربحا مع العرب والغرب الذي مارس سياسة مكثفة لإقناع سوريا التخلي عنها وحلفائها في تلك الفترة تحديدا. بل ربما توفرت فرصة لحزب الله كسب الكثير من النقاط أيضا لو سار بنفس المسار تجاه إيران وحماس.
رفضت سوريا السير بهذا الطريق الواعد دون خسائر تذكر. في رأيي أن السبب طبيعة الرئيس بشار الأسد فهو يهتم بالمنطلقات المبدأية فوق كونه رجل علم. بالنسبة له فذلك يناقض الموقف التاريخي لسوريا التي دفعت الكثير للحفاظ عليه. وهو يتناقض مع طبيعة العلاقة الاستراتيجية مع إيران التي لا يمكن التخلي عنها خدمة لمصلحة سوريا القومية والتي تضغط وتدعم استمرار حلقة حماس الفلسطينية. وقد تصرفت سوريا بعقلية الشريك الأمين.
ورغم تعرض سوريا لحملة إغراء مكثفة من بداية عام 2007 وحتى نهاية 2010 للتخلي عن حلفائها فقد رفضت ذلك دون تردد. وهذا موقف يسجل لسوريا والرئيس الأسد شخصيا.
وضع سوريا مع نهاية عام 2010:
- موقف متمسك بالحلفاء ورافض للمقايضة والمساومة مع الغرب دون النظر لثمن ذلك المرحلي والتركيز على قيمة التحالف الاستراتيجي. وموقف داعم بنفس الدرجة من قبل الحلفاء دون أي مؤشر على تخلخل في ذلك الدعم.
- نجاح الاستراتيجية السورية في فتح الأبواب لتركيا الجارة القوية التي يبدو أنها تتحسس طريقا للانسجام مع محيطها العربي والإسلامي وقامت بادوار تبدو واعدة في دعم إيران والدفاع عن فلسطين وحماس بل تبدو مستعدة للتوسط لحل قضية الجولان وتمثل بوابة محترمة للتفاهم المعقول مع الغرب.
- هناك فرصة جيدة لتحديث سوريا دون ضرورة تنفيذ تغييرات عنيفة في النظام السياسي أو الاجتماعي ودون الدخول في مساومات مع الغرب تؤدي إلى إصلاحات مشوهة.
ثالثا: وضع سوريا بعد ستة اشهر من “الربيع العربي”
مفاجأة تركيا:
انقلاب الموقف التركي إلى درجة العداء حصل دون مبرر واقعي. حيث يمكن ملاحظة أن سبب العنف في سوريا استخدام السلاح من قبل محرضين ولأن الدعم الغربي المسعور للمعارضة يلزم الاستنتاج أنها تحركات موجهة غربيا ضد سوريا.
الموقف التركي غير مفهوم بشكل عام لكن ربما يكون سببه في أحسن الاحتمالات أن تركيا خائفة من تكرار المشهد عندها وتعتقد أن تقمص الموقف الغربي يضمن منع تقسيمها بل ربما فوق هذا يعطي فرصة تأصيل علاقتها بالغرب ويحسن فرص انضمامها لأوروبا.
في أسوا الأوضاع يمكن أن تكون حكومة اردوغان متآمرة من الأصل وأنها لم تكن أبدا صادقة النية في توجهاتها الغربية أو الإسلامية وإنما تقوم بدور مرسوم لها.
في رأيي أن التفسير الأول أقرب للواقع وهو ينسجم مع الطبيعة التركية التي تتميز بثقافة حائرة موزعة بين الرغبة بالانتماء للغرب والنقمة بسبب رفض الغرب لها وهذا موقف تاريخي قديم يميز عقلية مجتمعات تركيا وروسيا تحديدا.
وربما يفسر هذا انفعالية الحكومة التركية تجاه تقرير الأمم المتحدة بشأن أسطول الحرية. ففي رأيي لم تستطع تركيا استيعاب أن تقوم بكل هذا الدور المتساوق مع الغرب ضد سوريا وليبيا الذين قدما لتركيا أفضل الفرص وأن تجد نفسها مهانة بطريقة فظيعة من قبل اللوبي الصهيوني الذي استكثر عليها قطف نصر معنوي يبرر لها ولشعبها فظاعة التخلي عن سوريا وليبيا. لذلك اعتقد أن تركيا غاضبة فعلا.
لن تجرؤ تركيا على تحديات كبرى للغرب. لكن استبعد أن تتعاون ضد سوريا عسكريا وخاصة أن معادلة بقاء النظام في سوريا تترسخ يوميا. لذلك استبعد أن يكون موقف تركيا ضد إسرائيل تغطية لتبرير مزيد من العدوان ضد سوريا فلن يمر ذلك على أحد بعد أن ظهر أن “نمردة تركيا” بهدف قبول الغرب لم تحقق أي درجة من الاحترام. أما قبولها التعاون مع الغرب في الدرع الصاروخي رغم صفعة الأمم المتحدة فهو يختلف عن حالة سوريا بعذر أن ذلك جزء من التزامات الناتو. لكن كل هذا التناقض يمثل تعبيرا نموذجيا للعلاقة الحائرة بين الغرب وتركيا.
الإخوان المسلون:
من الواضح أن هناك دورا شاملا للإخوان ضمن الثورات العربية وهو ليس دورا طبيعيا وإنما منسق بدرجة عالية مع قوى التدخل الغربي. وهو مهادن للغرب في تونس ومصر والى درجة التعامل الصريح مع الغرب في ليبيا وصريح في تنسيقه في سوريا. وعليه فدور الإخوان متآمر ضد الأنظمة بشعار مصلحة الشعوب.
وبحكم انتشار الإخوان في قواعد كبيرة في الشارع العربي وتمثيلهم قوى معارضة منذ فترة طويلة من السهل عليهم تبرير مواقفهم الهادفة للوصول للسلطة ضمن معادلات الغرب ومن غير المستغرب وجود مواقف ذات وزن ضمن الشارع العربي تدعم الثورات العربية دون تفكير في معطياتها ونتائجها. وعندما يضاف الدعم الخليجي تصبح قاعدة الدعم العامة غريبة الخلطة في لقاء غير مألوف بين حكومات الخليج وشعوب الجمهوريات العربية التي قادت الثورات ضد الملكيات في الستينات والسبعينات.
تكملة ثالثا: وضع سوريا بعد ستة اشهر من “الربيع العربي”
مفاجآت حماس
موقف مؤيدي حماس مثل مفاجأة لمن ميز بين حماس والإخوان. بالنسبة لسوريا شرط الانفصال بين حماس والإخوان هو الذي سمح لعلاقة مميزة. وبظلال هذا الموقف نمت طبقة كبيرة من المثقفين على مر السنوات العشرين الماضية تكونت من خلطة غير طبيعية من الإسلاميين والناصريين والقوميين الذين دعموا حماس بإيمان حقيقي بسبب العلاقة السورية معها.
استفادت حماس بشكل جوهري من هذه الطبقة التي مثلت رافعة المقاومة وناشرتها. وبحكم طول فترة الدعم فقد نشأ فكر سياسي جدي يؤمن بوحدة العروبة والإسلام. واعتبرت حماس نموذجا للوحدة بين الإسلام السني والعروبة ضمن علاقة طيبة مع الشيعة بينما اعتبر حزب الله نموذجا موحدا للإسلام الشيعي والعربي بعلاقة مميزة مع إيران وتفاهم مع السنة.
سوريا تحديدا هي من صنع النموذج ومن رعته ليصبح واقعا. وسقوط النموذج يمثل نكسة كبيرة للفكر القومي والديني لما بعد المذاهب والعروبة ضمن تنسيق متعدد القوميات يشمل كل العالم الإسلامي. ومع أن هذا الطرح ينسجم مع مبادئ البعث والناصرية الا أنها المرة الأولي التي يتمكن فيها نظام قومي من تحقيق معادلة تفاهم إسلامي عروبي بهذه الدرجة من التنفيذ والقوة. وهذا أنجاز آخر يحفظ لسوريا.
تحالف الإخوان مع الغرب في معادلات التغيير العربي أظهر هشاشة وضعف الفرضيات أمام التاريخ الأسود الطويل الذي مزق العرب بين قوميتهم ودينهم والمسلمين بين قومياتهم وطوائفهم. وظهر بسبب “الربيع العربي” ورياح السموم التي تهب معه عودة كل طائفة لأصلها وكأننا أمام أيام الردة بعد وفاة الرسول ( ص). فقد سقطت إلى حد كبير مقولة حماس القومية ولم يظهر كاتب أو مفكر أو مثقف أو حتى سياسي واحد من الإسلاميين يدافع عن سوريا في أزمتها. لم يكن مطلوبا وقوفهم معها ميدانيا أو سياسيا وإنما الحد الأدنى من التقدير لدورها الطويل والتعفف عن الكيد لها.
ما ظهر بدلا من ذلك طبقة غريبة غير منتمية بل حاقدة وعدوانية من مثقفي الإخوان وبعضهم من محاسيب حماس يهاجمون سوريا ليلا ونهارا وفي الأسحار ووقت الضحى يدعون بتوسل “لسقوط هذا النظام الدموي”. اختفت مقولة الأخوة النضالية ولم يبق الا حمأة الحقد في حماة. لماذا كل هذا التحامل علي النظام من مثقفين هللوا لسوريا لسنوات وقرروا الآن مرة واحدة التحول دون سابق إنذار. بالنسبة لمن يعرف جذرية العلاقة بين حماس والإخوان ليس هناك مفاجأة إطلاقا.
يضاف لهذا موقف حماس الرسمية: فهي لم تعلن موقفا ذا قيمة في دعم سوريا وكان موقفها خجولا في أحسن أحوالة وتزامن الهجوم على سوريا مع تحركات للمصالحة مع المنظمة برعاية مصرية. سوريا المهاجمة باركت المصالحة لكن الإشارة واضحة وخاصة أنها لم تثمر موقفا جديدا على الساحة الفلسطينية.
موقف حماس في أحسن الأحوال من نوع موقف تركيا خائفة على مصالحها ومستعدة للعودة إلى جذورها وهاربة من دورها الذي ميزها وجعلها عنوانا للصمود والفداء إلى نفق تاريخ طويل من التماهي مع الغرب لقطاعات هامة من جماعات الإخوان في العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس ومصر. هربت حماس من تجربتها المميزة وتخاذلت عن تقديم دور ريادي لتحقيق الوحدة الدينية والقومية بسبب ما وجدت عليه آباءها. فإن لم يكن هذا حقيقة فهو على الأقل ما يظهر من الأمر.
ربما يبرر أنصار حماس المتحولين الأمر أن نظام سوريا ليس وطنيا أصلا وأن قبول التحالف معه كان بحكم المصلحة وهذا أسوأ تبرير لأنه يعطي إشارة بمدى الانتهازية. وربما يفسر البعض وهن حماس بأن تجربة أبي عمار في دعم صدام والخسائر التي نجمت حينها تلزم الحذر الشديد. وهذا لا يبدو حقيقيا فليس هكذا يكون الحياد أو الدعم السري.
إيران والفرق عن مواقف الآخرين:
إيران دولة كبيرة نسبيا ورغم العلاقة القوية مع سوريا فهناك فروق بينهما من كافة النواحي. وما يعتقد الناس أن سبب التقارب كون النظامين من نفس التوجه الطائفي العام لا يفسر العلاقة. ربما ذلك صحيح من وجهة نظر إيران لكنه ليس كذلك من وجهة نظر سوريا بالتأكيد.
بدأت إيران المعاصرة دولة قومية وبعد الثورة أصبحت قومية شيعية. وما يحكم القرار الإيراني هو نقطة المكسب الأعلى لكلا الموقفين (القومي والشيعي) ولا يسمح بالتناقض بينهما والذي يعتبر تهديدا للأمن الجمهوري الأعلى. وهذا واضح منذ انطلاق الثورة ولم تخفه إيران يوما وهو حق لها ولا ينقص من جديتها. إيران تحاول دائما مزج الموقفين دون تناقض وهي أمة تفتخر بنفسها ومن الصعب سيطرة تيار موال للغرب عليها لتلك الأسباب.
الموقف القومي الإيراني يتعامل مع العرب أنهم جيران لم يكونوا على مدى التاريخ أصدقاء جيدين. وأنهم يمثلون تهديدا محتملا لمصالح إيران وتركة فارس التاريخية. فالعراق كان دائما مركز الفرس ولا تقبل القومية أن يكون خارج نفوذها. ونفس الأمر ينطبق على الخليج الذي تصر إيران على فارسيته وتتحسس من عروبته أو إسلاميته. قومية إيران تدعو لعلاقات متحفظة مع العرب وتشبه في هذا توجه القومية التركية التي يصعب عليها تقبل صداقة العرب أو إيران أو نديتهم.
يقوم الموقف الشيعي الديني على مقولة أحقية الإمام علي ( ض) ونسله بالخلافة وأن اغتصاب الراشدين والأمويين والعباسيين للحكم لا يلغي هذا الحق ويعتبر تاريخ الحكم الإسلامي انحرافا عن النهج الصحيح وأن الإسلام الحقيقي هو ما تؤمن به الشيعة الإثني عشرية. وعليه من الصعب توفير درجة عالية من التفاهم أو التآخي مع المذاهب السنية وخاصة الوهابية ومشتقات ابن تيمية.
وعند مزج الموقفين لتشكيل استراتيجية إيرانية براغماتية نصل إلى مجموعة مواقف أهمها:
- الاعتقاد أن تغيير معظم النظم السياسية السنية العربية من مصلحة إيران. ومع انه لا يلزم العمل على ذلك الا أن حصوله يفيدها عادة. وهذا ظاهر في حالات التغيير العربية الحالية والقديمة. وربما الاستثناء كان التفاهم بين مصدق وعبد الناصر الذين مثلا مواقف قومية معادية للاستعمار.
- ولأن الغرب يهيمن على المنطقة من خلال الأنظمة السنية بالأساس وإيران الثورة التي تحاول التوفيق بين قوميتها وشيعيتها تعتبر نفسها معادية للغرب فمن المتوقع أن تجد قوى الغرب حليفا طبيعيا ضمن الأنظمة السنية وخاصة دول الخليج. لذلك لا تتوقع إيران إيجاد حليف ضمن هذه المنظومة مهما حاولت باسم الأخوة الإسلامية أو الجيرة.
- على إيران بناء قوتها العسكرية الرادعة والنفوذ الجماهيري والاستفادة من الطوائف الشيعية ضمن المحيط العربي لتأمين حماية من هذه الدول أو تحالفاتها الغربية.
- ولأن الأنظمة الشيعية العربية غير موجودة الا بدرجة جزئية في سوريا وحزب الله في لبنان وفي العراق تحت الاحتلال من المناسب العمل على خلق جبهة من هذه الدول تحسن صورة إيران وتخدم مصالحها ومصالح الحلفاء بطريقة عادلة.
- ولأن إسرائيل عدو لإيران الشيعية وتعمل على إسقاطها فمن مصلحة إيران بناء علاقات مع أي قوى عربية سنية كانت أو شيعية تناصب إسرائيل العداء.
لكل هذا تتمسك إيران بموقف مميز في دعم سوريا وحزب الله وحماس ليس من منظور طائفي فقط وإنما من مجموع أسس السياسة الإيرانية وتأمل إيجاد درجة من التفاهم مع مصر الثورة وعلاقة مناسبة مع تركيا. وهذا يفسر موقفها الداعم للثورات في المنطقة مهما كانت جهات دعمها (ما عدا سوريا للأسباب التي ذكرنا) والمبالغة في دعم ثورة ليبيا مع أن ذلك يبدو شاذا من دولة تعتبر الغرب عدوا وتدعم تغييرا يقوده الغرب.
ربما يكون السبب محاولة تعميم التجربة العراقية التي اعتبرتها إيران مكسبا رغم التدخل الغربي الأميركي المباشر. وربما يكون ذلك صحيحا لإيران إلا أن الدمار لا يبرر قبول التغيير ونتائجه. لكن ذلك مختلف قطعا عن ليبيا بسبب عدم وجود طائفة شيعية تستطيع إيران بناء جبهة منها. لذلك لا أري في الموقف من ليبيا الا تأييدا لأي تغيير في الأنظمة يضعف القومية العربية بفرضية أنه يخدم مصالح إيران حسب الأساس الأول. وهذا خطأ في الاستراتيجية الإيرانية.
بالنسبة لسوريا فهي متساوية الانتماء بمزيج قوي من القومية والإسلام خارج الطائفية. ولا أعتقد أن الرئيس الأسد طائفي لأن سلوكه يعكس قناعات عميقة بالانتماء العربي والرغبة في صيغة توافق جديدة مع الإسلام. ودعم سوريا لإيران لا ينطلق من منظور طائفي بمقدار ما هو رغبة صنع حلف يواجه الغرب لحماية حقوق أبناء الإقليم. وهذا يفسر الرغبة السورية في بناء تحالف بنفس القوة مع تركيا.
الدروس والعبر
- موقف تركيا في أفضل أوضاعه ضعيف وانتهازي وفي أسوأها متآمر ومن المهم أن تعيد قراءتها للواقع دون الالتفات كثيرا لإرضاء الغرب فهو لن يرضى.
- هناك حاجة لإعادة نظر إيران في سياستها العربية وعليها الحذر من الوقوع في شبهة الطائفية. ومن المؤكد أن عليها احترام تاريخ العرب وليس حاضرهم الضعيف بسبب الهيمنة الإسرائيلية والغربية.
- موقف الإخوان متآمر على الموقف القومي العربي ويقبل وضع يده مع الغرب في ذلك. واعتقادهم أن سقوط القومية شرط لبزوغ الإسلام يمثل جهلا سياسيا أو سوء نية مبيته.
- موقف حماس مائع ولا يتناسب مع دورها الوطني والقومي والديني المفترض بل يمثل تخاذلا حتى على المستوى الفردي والإنساني.
- موقف حزب الله من سوريا جيد لكن تبعيته المبالغ بها لإيران غير مبررة ولا تخدم حتى الدور الإيراني المفترض.
- يعتبر الموقف السوري الأدق أخلاقيا وعلمية ويمثل أفضل مرجعية للموقف القومي الحر. وهو متطور بشكل كبير عنه عام 1991 أو 2000 بل عن عام 2007.
- سوريا بعد تجربة الثورة داخلها وانقلاب الكثير من مؤيديها عليها دون مبرر ستتبنى فكرا عميقا صقلته التجربة. فإن نجحت ستكون مكسب الأمة العربية الأول وتصبح قبلة الشعوب الحرة وان أسقطت ستنتهي مقولة العروبة لزمن يطول.
- مثلما يؤثر سقوط ليبيا سلبيا وبشكل ملحوظ على آفاق تطور الثورة المصرية فسقوط سوريا سيلغي أي إمكانية لتحقيق حد أدنى من التحرر في مصر وليبيا والعراق وفلسطين وسينعكس بشكل قاتل على لبنان وإيران وتركيا وربما يصل التأثير القاتل إلى روسيا.