انهيار المشروع الغربي في سوريا
انهيار المشروع الغربي في سوريا
د. سلمان محمد سلمان أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية- فلسطين
20-11-2012
يبدو أن المشروع الغربي يفقد طابعه الاستراتيجي ويتحول إلى تجميع مشتتات ومشاغلة واستنزاف للواقع السوري أكثر منه خطة ذات هدف ومعالم.
سقط الرهان الأوروبي الأميركي على إيجاد إرادة دولية فاعلة تضغط الروس وحلفاءهم لقبول حل يغير النظام في سوريا بعد الهجوم المتصل منذ 3 اشهر على كافة مواقع المعارضة المسلحة وتحقيق إنجازات كبيرة في تحييد القوة الضاربة لها وترسيخ قوة الجيش السوري الذي اثبت أنه عقائدي من الدرجة الأولى ومصارع شرس في حروب المدن الصعبة.
فلو تعرضت إسرائيل لربع ما تعرضت له سوريا من كثافة الهجمات وشدتها والحصار الدولي المصاحب لربما انهارت أو استخدمت السلاح النووي قبل مضي عام على الأحداث.
وصمود سوريا وثبات الموقف الروسي والصيني والدعم الإيراني والعراقي مثلت عوامل هامة في بقاء النسق السوري ونجاحه. وقابل ذلك اهتزاز وتراجع مستمر في الموقف الغربي وتخبط كبير في الموقف العربي وتهافت كبير في موقف قطر والسعودية واختناق كبير في موقف تركيا التي انكشف زيف قيادتها وظهرت معارضة شعبية فاعلة بحيث تحول مشروع اردوغان إلى صيحة لتخريب تركيا أكثر من سوريا.
تأكدت معالم التراجع الاستراتيجية من خلال مواقف تركيا والأردن وانسحاب أوروبي وتقدم روسي صيني في الساحة السياسية وانكفاء سريع لدور مصري محتمل وعد به مرسي اثبت هزاله. وانحسار كبير في شعبية الربيع العربي والحركات الإسلامية على المستوى العربي والعالمي بحيث أصبح الحديث عن زيف الربيع العربي أمرا مألوفا في الإعلام والرأي العام.
لا يعني هذا طبعا توقف التدمير والحرب. فوقود الثورة متوفر بما يكفي في سوريا وهناك آلاف المعارضين المسلحين والمرتزقة بمصالح آنية في استمرار الوضع. وهناك توازنات نشأت خلال 20 شهرا تستغرق طويلا حتى تتلاشى. لكن الزخم الاستراتيجي توقف بالتأكيد.
كيف تتطور الأمور
أوروبا منسحبة ولن تبادر أكثر لكنها ستعمل على ابتزاز دول الخليج لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب المادية والسياسية خلال فترة الانسحاب التي تستغرق سنة على الأقل.
لا تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب بالطريقة الأوروبية فهي القابلة القانونية للربيع العربي وصاحبة المصالح الكبرى في المنطقة ولا تستطيع التخلي عن حلفائها في الخليج أو الجدد في دول الربيع العربي. لذلك ستتبنى سياسة مشاغلة عالية صوتا واستنزافية تخريبا بالتوازي مع مفاوضة الروس لإيجاد صيغة معقولة. وستعمل على إعادة هيكلة الثورة السورية لإعطاء انطباع بتقدم الأمور ورفع معنويات المقاتلين لمزيد من عمليات التخريب.
وستبتز دول الخليج ماديا وتستفيد من تفاوت المصالح بينها. وسيكون ذلك على شكل صفقات مالية لصالح الغرب وتنازلات إضافية لصالح إسرائيل. وسيتم تحقير الإخوان بحكم فشلهم في تقديم حل مفيد في كل من ليبيا وسوريا.
أما تركيا فيبدو أن ضغط الرأي العام وصل لدرجة شل قدرة اردوغان على الاستمرار وسيتراجع دعم المعارضة السورية لكنه لن يتوقف مما يعني استمرار عمليات التخريب في سوريا. لكن تركيا لا تحتمل بقاء الانتشار الكبير للمعارضة المسلحة في أراضيها وانعكاس ذلك على وضعها الأمني والشعبي وسيتم ضبط التسلل بطريقة منسقة مع الأميركيين.
سينسحب الأردن من مجمل اللعبة ويتوقف عن دعم المعارضة أمنيا لكنه سيستمر في مشاغلة سياسية منسجمة مع الموقف الأميركي بالتزامن مع حوار سري مع سوريا.
ستدعم روسيا والصين سوريا أكثر لأن الموقف السوري أعادها إلى واجهة المشهد الدولي وألغى مرحلة القطب الواحد. وتحاول روسيا الاستفادة أكثر من خلال ترسيخ تحالف بين سوريا والعراق وإيران ضمن تحالفاتها الدولية.
تستفيد إيران بمجرد نجاح سوريا وستقطف ثمار أخرى. لكن بالمقابل ستقوم دول الغرب بتكثيف الضغط عليها بشكل أكبر سياسيا ومقاطعة. أما الخيار العسكري فمستبعد ولم يكن أبدا خيارا جديا. وما تتقول به إسرائيل في هذا الشأن يهدف لمزيد من المكاسب مع أميركا و لإرهاب الدول العربية واستقطابها ضمن معادلة تبدو غير قابلة للكسر.
ستبذل قطر الغالي والنفيس وتستنزف الموارد لإبقاء شعلة حريق سوريا ويبدو أنها مضطرة لذلك أو لا تدرك نهاية المشروع. وسيعود فريق آذار بخفي حنين وفشل فوق فشل لكنهم لن يتعلموا أو لا يمكنهم ذلك. وسيشهد المشهد السياسي تراجعا عاما في قدرة الإسلاميين على الحكم.
ستضمحل حرب الاستنزاف على مدى السنة فهل يصير السوريون. الأفضل لهم ذلك لأن البدائل أسوأ بكثير.