الوضع في سوريا: تسارع الحسم

February 12, 2012 Off By Salman Salman

الوضع في سوريا: تسارع الحسم

د. سلمان محمد سلمان أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية- فلسطين

12-2-2012

تتسارع الأمور بأكثر من المتوقع نحو حسم عسكري على الأرض في سوريا. وحيث شل مجلس الأمن من اتخاذ أي قرار لصالح الحكومة أو المعارضة فلم يبق أمام حلفاء المعارضة من ناتو وعربان وبعض الإسلاميين إلا تجنيد ما يمكن من طاقات عسكرية غير مباشرة أو العمل على وتر الدين واستصدار الفتاوى التي تحرم الانضمام للجيش العربي السوري وتدعو للجهاد ضد الحكومة ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

 

تنبه الكثير من المراقبين لتزامن ذلك مع تسارع الحسم العسكري الذي تصاعد بعد زيارة سياسية أمنية من قبل الروس. وتعني تشكيلة الوفد السياسية الأمنية تأييد روسيا لرؤية سوريا أن للمسألة شق أمنى لا بد من حله متزامنا مع شق سياسي يتطلب صيغة جديدة للحكم تمنع تكرار الثورة بشعارات بعضها حق.

 

تجنيد الإسلاميين في معركة كسر العظم مع سوريا غير مسبوق. فقد استنفرت كل كتاباتهم وشيوخهم من القاعدة وحزب التحرير والسلفيين والإخوان المسلمين الذين اتفقوا جميعا على الوقوف صفا واحدا لا يتفقون في غيره لكسر ظهر سوريا. وقد تحركت الدول المتحفظة كالسعودية بأكثر من المألوف وضد مصلحتها طويلة الأمد. ويبدو أن موقف الغرب يزداد تهورا وقنوطا. فمن الصعب قبول هزيمة بهذا الحجم دون إنزال خسائر فادحة بالخصم. ولكن يبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه رغم كل جهودهم.

 

موقف الصين وروسيا ويتبعهما كثير من دول العالم لن يتراجع. ربما يفسر تصويت الهند وجنوب أفريقيا لصالح القرار(رغم كون الدولتين من كتلة بريكس) بمؤشر على الجنوح خارج معادلة الفهم المشترك. وربما هناك تخوف هندي أو جنوب أفريقي من مجاراة الموقف الروسي الصيني لأن أيا منهما لا تمتلك قدرات تحدي بمقدار روسيا أو الصين. لكن تفسيرا آخر يبدو أقرب للواقع: ربما تم ذلك بتفاهم ضمني مع الصين وروسيا لإبقاء شعرة معاوية مع الغرب فيما إذا أراد التفاهم حيث يمكن حينذاك قيام الهند وجنوب أفريقيا بدور بناء ومعقول.

 

لأسباب متعددة لا أرى فرصة حقيقية لنجاح تكتل عالمي ضد سوريا غير الأطلسي وبعض العربان وقليل من الدول التابعة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وبعض الدول الصغيرة (ربما يتمكنون من تجميع 40-50 دولة كحد أقصى واستبعد حتى تجنيد كل الدول الأوروبية والعربية) وهذا لا يمثل إجماعا دوليا وستكون نتائجه وخيمة على مجمل العلاقات الدولية يخسر الغرب فيها أكثر من الصين وروسيا وكتلة بريكس.

 

مبادرة الجامعة العربية الجديدة ( 12-2) لا تخرج عن محاولة لتخفيف حدة الحسم على الأرض من خلال محاولة استصدار قرار ربما تقبله روسيا يدين العنف أيا كان مصدرة ونشر مراقبين دوليين. والحقيقة أن قرارا من هذا النوع مع أن سوريا رفضته مسبقا لن يضير سوريا من الناحية السياسية إذا تم تشكيل طاقم دولي متوازن من دول صديقة بنسبة معقولة. لكن التخوف هو استغلال المراقبة لتهريب السلاح وتنظيم وتجنيد حركات تمرد كما كانت الحال عندما تم تبني قرار إرسال المراقبين العرب.  فقد افترضوا حينها رفضا سوريا أولا وان لم يكن فلتوفير مهلة لتنظيم الصفوف. لكنها فشلت في كلا الاتجاهين حين صدر تقرير البعثة بإدانة عنف المعارضة ولم ينجح تجنيد وإعادة تنظيم الصفوف بسبب المتابعة الأمنية القوية التي استطاعت إبادة معظم قوات المعارضة المسلحة خلال فترة قصيرة.

 

فشل الغرب في حسم معركة إسقاط سوريا يتناسب عكسيا مع ارتفاع الضجيج الذي يصدر عن العرب الإسلاميين ليس تعاطفا مع السوريين وإنما صراخ الخوف من السقوط من مواقع القوة الجديدة في مصر وليبيا وتونس والمغرب. ويبدو أن الأمر وصل إلى تهديد غربي صريح بسحب كل ما حققوا في تلك الساحات بل أسوأ من ذلك التخلي عنهم جملة إن لم ينجحوا في سوريا.

 

والحقيقة أن الفشل في سوريا يمكن أن يؤدي إلى تفكيك ما تم من نتائج “لثورات الربيع العربي” خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا (خمس سنوات) بكل ما يحمل ذلك من انكشاف دور الإسلاميين وحلفهم مع الغرب الاستعماري.

 

بقيت حالة نادرة من استمرار موقف إيران غير الواضح والمرتبك والمربك من قوى الثورات في تونس وليبيا وجماعات الإخوان حين تؤيد تلك القوى في الوقت الذي تعارض دورا مماثلا في سوريا. في أحسن الأحوال ربما يمثل ذلك خللا في التحليل الإيراني وفي أسوأها ربما تحركه بعض أوهام تتعلق بظهور المهدي. ناقشت صديقا يميل للشيعة ويؤمن بنبوءة ظهور المهدي حيث أذهلني طرحه عندما قال “إن سقوط سوريا هو أحد علامات ظهور المهدي التي تحقق معظمها ولم يبق إلا سقوط سوريا ومقتل ملك السعودية والحرب ضد الغرب”؟؟.

 

من الأفضل لسوريا تسريع الحسم كلما أمكن ذلك. والحقيقة أن صمود الشعب مع الحكومة كل هذه الفترة يمثل معجزة تسجل للشعب السوري العظيم الذي لن تستطيع السلطة إعطاءه حقه مهما عملت.