باي باي ساركوزي

May 7, 2012 Off By Salman Salman

باي باي ساركوزي

د. سلمان محمد سلمان أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية- فلسطين

7-5-2012

كتبت مقالة عند نجاح ساركوزي في الانتخابات السابقة واستغربت في حينها نجاحه في فرنسا مهد الديموقراطية. http://www.grenc.com/a/smsalman/show_Myarticle.cfm?id=6879 فليس لدى الرجل مقومات غير تمثيله للطبقة الغنية وكونه رجل الصهيونية الأول في أوروبا بل أصبح رجل الصهيونية وعرابها في العالم بعد ذهاب بوش.

وقد أثبت بكل حرفية ولاءه المطلق للصهيونية وحقق مجموعة إنجازات أو تحولات هامة في السياسة الفرنسية أو الدولية في خدمتها لم تكتمل وربما تنهار بعد ذهابه.

  1. حرف الربيع العربي عن مساره الطبيعي والثوري لصفقة في خدمة التيار الصهيوني رغما عن إرادة ثوار العرب أو حتى العسكر الأميركي. وقد دفع القذافي الثمن كاملا حيث تم التشنيع به رغم أرجحية قيامه بتمويل حملة ساركوزي عام 2007. وهو بهذا أثبت قطعيا كم يوثق بالصهاينة وحال إكرام اللئيم وكيف كان تفكير القذافي متعثرا في تلك الفترة.
  2. ترسيخ النفوذ الصهيوني في دوائر القرار الأوروبي بحيث أصبح من غير الممكن تمييز الموقف الأميركي عن الأوروبي. وقد دفعت أوروبا ثمن ذلك من كرامتها السياسية والحضارية التي حاولت تقمصها كحضارة معتدلة مقارنة بالأميركي.
  3. اقتصاديا كان لساركوزي أثر كبير في تشويه النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو وشجع مزيدا من النهب الرأسمالي بحيث أصبحت الأزمة الأوروبية معادلة بل ربما فاقت الأميركية.
  4. المساهمة الفعالة في توسيع طموح مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى مفهوم الشرق الكبير ليشمل روسيا والصين ضمن حملة التغيير التي بدأت في العالم العربي بحيث تم الاقتراب أكثر من أي وقت مضى إلى تهديد الأمن الروسي والصيني مما دفع بالطرفين إلى الرد الحاد بأكثر من موقف وظهر ذلك جليا في حالة سوريا حيث قادت فرنسا حملة مجنونة أجبرت روسيا والصين على الرد الصلب.

وقد نتج عن هذه الانحرافات شهر عسل طويل لإسرائيل لم تواجه خلاله أي ضغط أوروبي أو أميركي وأصبح مجلس حقوق الإنسان منبرا لمهاجمة سوريا ومتسامحا مع إسرائيل.

هذه الأنشطة معرضة للانهيار الآن بعد سقوط ساركوزي رغم تاريخ الاشتراكيين في فرنسا المؤيد للصهيونية وإسرائيل بل الأقرب للموالاة لها. لكن هذا الولاء مختلف بطبيعته عن علاقة الانتماء المطلق لساركوزي ومحكوم بقواعد حزبية لا تسمح لها بالتحلل من أي قيد كما حال ساركوزي الذي قفز على كل الحبال بحيث أصبح حليفا لأكثر الحركات رجعية في العالم وهذا غير ممكن للاشتراكيين.

فأولوية الاشتراكيين سوف تنصب على أوروبا والاقتصاد ومحاولة تعديل المسار الانحداري منذ عام 2000 يوم هجمت رأسمالية بوش المتوحشة وتم تغيير عدد من الأنظمة الأوروبية لتتناغم مع الطرح الأميركي وخاصة بالشرق الأوروبي. وقد ساهم ساركوزي منذ عام 2007 في ترسيخ هذا التوجه بحكم ازدواجية خلفيته الصهيونية أولا والرأسمالية ثانيا في إضعاف الطبقات الوسطي وأنظمة العدالة الاجتماعية والرفاه التي كانت ذات نفوذ كبير في أوروبا خلال الثمانينات والتسعينات.

من المعتقد أن يوقف التغيير الجديد في فرنسا وخاصة بنكهة اشتراكية إن لم يعكس الانحدار الأوروبي. ومن المتوقع أن تشهد أوروبا تحولات ذات أهمية.  ففرنسا ليست أسبانيا التي رغم نجاح الاشتراكيين فيها لم تستطع تغيير شيء ذا قيمة على مستوى القارة. أما سقوط اليونان فاهم أسبابه كان مزدوجة ابتزاز صهيوني للرفيق ابن الاشتراكي باباندريو الذي اغرق اليونان بالدين والولاء للصهيونية معا وبين الكسل الطبيعي لشعب اليونان ورغبة رأسمالييهم في التطفل باعتقاد أن حجم اليونان الصغير مقارنة بأوروبا سيسمح بالعيش الطفيلي على حساب أوروبا. وقد ساعد ساركوزي بحكم رابطته الصهيونية في “شرشحة” اليونان التي تعتبر تاريخيا وشعبيا غير موالية للصهيونية. وعليه من المتوقع أن يخف الضغط على اليونان مقابل إصلاح حالها وتصرفها بدرجة من المسئولية.

على مستوى السياسة الدولية لن تكون هناك تحولات درامية. إلا أن من المتوقع تحسن العلاقة بكتلة بريكس بشكل عام وروسيا بشكل خاص. وربما يتحسن الموقف قليلا تجاه فلسطين وعلى الأقل لن يتم الضحك عليهم من خلال ثعلب رخيص كساركوزي. ومن المتوقع أن يتراجع اهتمام فرنسا بالربيع العربي ويخف التحالف غير الطبيعي بينها وبين الإسلاميين. وربما تشهد العلاقة توازنا يجمع ما بين تأييد الربيع العربي بشكل عام لكن بتحفظ كبير على أي تغيير يوصل الإسلاميين للحكم. وهذا يعني بالنتيجة تخفيفا من الضغط الجنوني على سوريا.

وبشكل عام ربما يضعف الوزن الصهيوني المتطرف ضمن أجندات أوروبا وسيساعد كل هذا على تحسين الموقف الأميركي الآخر (العسكر) مما يمثل حاجزا آخر أمام الإسلاميين.  لكن الأمور لن تأخذ أي منحى دراماتيكي وسيكون التغير بطيئا.

وأخيرا من المتوقع تحسن العلاقة مع الجزائر والمغرب العربي بشكل عام لكن بتقييد نسبي للعلاقة بتونس الإسلاميين ويعاد النظر بشكل ملحوظ في كيفية التعامل مع ليبيا. وبشكل عام لن يكون الدور الفرنسي بنفس سوء زمن ساركوزي.