تكثيف الإساءات للرسول والإسلام في الغرب
تكثيف الإساءات للرسول والإسلام في الغرب: أهداف متعددة
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
23-9-2012
من السهل على البعض تصوير الهجمة الجديدة على المسلمين كتعبير عن الحرية في الغرب وهذا غير صحيح. فهذه الحملات تتم ضمن مواسم وليست عشوائية. وتأتي ردود الفعل بين تشجيع “الرد العنيف والشديد حماية للإسلام” وما ينتج عنه من خدمة إعلامية لغرض المروجين للحملات وبين الإهمال وما يمكن أن يفهم منه ضعف المسلمين وفقدانهم القدرة على فرض احترام الآخر لهم ولرموزهم الدينية وكلها بدائل سيئة.
قبل الدخول بالمقترحات لكيفية حل هذه المشكلة الموسمية والمتكررة منذ القرون الوسطي لا بد من فهم لدوافع من يعملون بهذه الطريقة البدائية في تأجيج الكراهية الدينية والصراع.
تاريخيا تم تشجيع تعبيرات الكراهية بين الأديان وهذا النمط مألوف منذ القدم. وقد هوجم المسيح منذ دعوته وشرد أتباعه قرون طويلة وتم تشويه المسيح والتشكيك بنسبه كثيرا على مر العصور. وحديثا يتم تشويهه بصور مختلفة. وتم إخراج أكثر من فيلم مسيء له شخصيا.
وتعرض الإسلام إلى الهجوم المنتظم منذ بداياته أيضا. وأول من حارب الرسول أبناء عشيرته. وفي الإلياذة تم تصوير الرسول بشكل غير مناسب إطلاقا. وهناك لوحات كثيرة تهاجم الإسلام والمسلمين ورموزهم. وفي أحيان كثيرة تم التهجم على الله جل وعلا باعتباره غير الرب الخالق عند اليهود أو المسيحيين. ويصورن “الله بالغاضب الذي يحمل عقلية البدوي” جل وعلا ذكره عن هذه الأوصاف التي تعبر عن أمراض اجتماعية وأحقاد سياسية وتخلفا حضاريا.
وتكاثفت عمليات الهجوم على المسلمين منذ بداية القرن العشرين وخلال فترة إسقاط الدولة العثمانية وتصاحبت معها هجمات اليساريين على الأديان بشكل عام بعد انتصار الشيوعية. كانت الأفلام والأقلام تنشر بشكل دوري إساءات للمسلمين ولكن بقليل من الهجوم على رموز الإسلام.
وخلال الحرب الباردة تكثف الهجوم ضد “المتأسلمين” وتم تصوير نفاقهم من قبل القوى الثورية واليسارية مصاحبا للتشهير النمطي الغربي (أقرأ نحو الإسلام والاستشراف لادوارد سعيد). وكان من السهل خلط الهجوم على الإسلام دينا ومعتقدا بالهجوم على فساد مشايخ المسلمين.
والحقيقة أن الهجوم على الإسلام يأتي ضمن نمط الهجوم على الشرق أكثر منه نقدا لدين محدد وسبب اختلاط الصورة تداخل هذا النمط مع الهجمة المؤقتة للشيوعيين التي اعتبرت الدين كله مؤسسة لخدمة رأس المال الاحتكاري.
أما نمط الهجوم المشترك على الإسلام والمسيحية فهو الثابت الرئيس المستمر وهو يعكس موقفا يهوديا ضد المسيح ورفضه كما حال رفض الإسلام باعتبار كليهما معطلين لمشروع اليهودية التاريخي لشعب الله المختار. وفي هذه المعارك غير المتوازنة لا يتعرض اليهود للهجوم على أنبيائهم لأن المسيحية والإسلام يعترفان بأنبيائهم كجزء من العقائد. طبعا هذا لم يمنع أتباع المسيحية من الرد العنيف على اليهود واعتبارهم أساس البلاء. وهذا مثل أحد عوامل نمو معادة السامية في الغرب والتي شملت المسلمين أيضا لأن أصل معادة السامية صراع قومي بين الغرب والشرق بشكل عام واعتبار اليهود جنسا شرقيا رجسا يبلبل حياة الغرب.
الحقيقة البسيطة أن معظم الصراع سببه رفض اليهود للأديان اللاحقة. ولأن دينهم معترف به فقد سهل ذلك عليهم الطعن بمن جاء بعدهم دون قدرة الرد عليهم بنفس نمط تهجمهم. وهذا حصل بين الإسلام والمسيحية مضافا له عوامل الصراع بين الغرب والشرق التي قسمت المسيحية للأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت على خطوط الانفصال الشرقي والغربي والمتوسطي والانجلوساكسوني.
في سبعينات القرن الماضي وارتباط الغلاء بالأزمة النفطية تركز الهجوم الغربي على العربي “الوسخ والبشع والغبي” وتم ربطه بالمسلم والحريم. ولكن لم يتم التعرض للإسلام كثيرا ففي أيام الحرب الباردة لم يكن من مصلحة الغرب التهجم على أصول الأديان باعتبارها حليفا للرأسمالية ضد الشيوعية.
الجديد في الهجمات منذ نهايات القرن الماضي وبداية القرن الحالي هو تركيز الهجوم على رموز الإسلام. فآيات شيطانية “تشيطن الرسول وتطعن بالمعتقد” أساسا ورسوم الكاريكاتير التي اشتعلت منذ سنوات تركز على الإساءة للرسول أيضا والفيلم الهابط الأخير يسيء للإسلام والرسول بنفس الدرجة التي يحيي أحقاد اليهود على الإسلام وطلب الانتقام من أتباع الرسول الذي طردهم من خيبر والجزيرة.
ويمكن القول أن التهجم هو المألوف وليس الشاذ في العلاقات مع الغرب وأن المحرض الأول على مجمل الممارسات هم اليهود أولا والمتطرفون المسيحيون ثانيا. والغالبية العظمى من المسيحيين لا تعير هذا الأمر اهتماما. وردود فعل الإسلاميين بالهجوم على الإنجيل أو التوراة غير ممكنة لأنهم يؤمنون بقدسية الكتب والرسل وإن شككوا بمحتوى الكتب وتحريفها.
المعركة قديمة جديدة وغير متوازنة. ومن السهل على أي صعلوك يهودي أو متطرف مسيحي أو منحرف إسلامي إثارة حرب بمجرد نشر شيء من هذا القبيل إذا سمحت الظروف وتوازنات القوى بذلك.
ادعاء حرية التعبير في الغرب كذبة كبيرة. فهذه الحرية مقيدة أكثر مما يعتقد الكثيرون ومن السهل التشهير بعيسى والمسيحية والإنجيل والطعن بأصولهم ومن الأسهل الهجوم على رموز الإسلام.
لكن من غير المسموح نقد إسرائيل أو التشكيك بالمحرقة اليهودية. وهناك رموز كثيرة للغرب مقدسة لا يجوز الاقتراب منها. فلا يمكن مهاجمة الرأسمالية فعليا أو الطعن بقوانينها الجائرة في حرمان الملايين من حق الحياة أو مهاجمة الحروب الاستعمارية التي تتعامل مع الشعوب كمخلوقات أقل نوعيا من الإنسان. ومن غير الممكن الطعن بالعلاقة الشاذة بين الغرب وإسرائيل والتركيز على ضرر هذه العلاقة على الغرب بمقدار أعدائهم بل ربما أكثر.
الجديد القديم في الهجمة الحالية
منذ سقوط السوفييت وتركز هجوم الغرب على تدجين الحضارات الباقية خارج الهيمنة الفكرية الغربية ونحو تطبيق أفكار نهاية التاريخ وصراع الحضارات وبشكل أكثر تحديدا خلال فترة حكم بوش الابن تكثف الهجوم على الرسول في الإعلام الأوروبي تحديدا. وتم ذلك ضمن حملة مبرمجة في مهاجمة الإسلام ورموزه وذلك بعذر ردة الفعل على أحداث أيلول. وانسجم ذلك مع الهجمة الغربية لخلع جذور الإسلام واستسلامهم. كانت الردود الشعبية المستنكرة مألوفة ومتوقعة ولكنها لم تمنع مسيرة التهجم لأنها مبرمجة من دوائر عليا في أكثر من دولة.
ومنذ أوباما تم تخفيف هذه الظواهر بإعلان الرغبة في فتح صفحة جديدة مع المسلمين من خلال التحالف الذي عقد مع قوى الإسلام السياسي وخاصة الإخوان بهدف إعادة السيطرة على المنطقة واستخدام الإسلام والمسلمين لتحقيق الأهداف الغربية. ونجح الغرب في ذلك أيما نجاح من خلال الربيع العربي.
الفشل في سوريا كشف حدود الصفقة الغربية وضالتها. وبدأت القوى التي تدعو لاستسلام معلن ونهائي للمسلمين تشكك في السياسة الأميركية “الغبية الجديدة”. وهناك قوى هامة تتبني عدم جدوى التحالف مع الإسلاميين حتى لو خدمت أغراض الغرب. الحملة الجديدة في الإساءة للرسول موجهة من دوائر محددة صهيونية أساسا لكنها تتقاطع مع أكثر من هدف:
1- العودة إلى استخدام آليات التشهير بالإسلام ووضع المسلمين بالزاوية وتسفيه معتقداتهم متزامنا مع سقوط أرضهم وانهيار عقدهم الاجتماعي بسبب ثورات الناتو المتعددة ليصل المسلمون إلى حالة انعدام وزن على مستوى المعتقد بعدما وصولوا لذلك على مستوى الواقع وهذا استمرار لسياسة حكومة بوش والمحافظين الجدد.
2- اختبار العلاقة الجديدة بين الإسلاميين والغرب ومعرفة حدودها. فالأساس أن تكون علاقة تبعية لخدمة الغرب وهي كذلك في الواقع الفعلي. لكن أوباما وحلفه أعطوا الإسلاميين نافذة تنفس صغيرة وهي الظهور بشرعيتهم الانتخابية وأنهم يمثلون الربيع العربي والحرية.
ولأن سوريا لم تسقط فالهدف الأساس لن يتحقق. ولذلك فالهجمة الجديدة تحرج الإسلاميين وتحدد دورهم. فإما أن يتحدوا الغرب وتفرط الصفقة الجديدة وهذا ما يريده بعض الجمهوريين وحلفائهم أو يبلعوا الإهانة وذلك يخدم الهدف الاستراتيجي الذي أسس للتحالف الجديد من خلال تخفيض سقف احترام الإسلام والمسلمين واستخدامهم بنفس الوقت.
3- استخدام ردة الفعل الشعبية المتوقعة في الاستنكار (وهذه مؤكدة) لتحقيق مكاسب انتخابية ضد أوباما لصالح الجمهوريين.
تتطابق الحملة الجديدة مع فهم المحافظين الجدد وسياسة بوش وتخدم بنفس الوقت هدف تدجين الإسلاميين الذي يتبناه الديموقراطيون رغم إحراجها القريب لأوباما وكلينتون. وفي الاستراتيجيات تهون منافسات الجمهوريين والديموقراطيين فكلاهما أدوات لخدمة الرأسمالية المتوحشة.
ما يتم يشبه آليات الإسقاط المتبعة في العادة. فبعد تنازل السادات واتفاق كامب ديفيد تمت اختبارات صعبة له ولمن بعده لاختبار صلابة العهد الجديد. فقد هوجم المفاعل العراقي في بدايات الانسحاب من سيناء وعند وصوله إلى الممرات قتل السادات بطريقة درامية لاختبار صمود الاتفاق قبل الانسحاب الرئيس. وتمت حرب لبنان واحتلال بيروت قليلا قبل انتهاء الانسحابات النهائية. وقد رسمت الخطوط الحمراء منذ ذلك الحين وهذا يفسر عدم جرأة الإسلاميين على التشكيك باتفاقيات هاجموها على مدى عقود.
نفس الأمر ينطبق على أوسلو فقد تعمد الإسرائيليون إهانة المرحوم عرفات كثيرا لإقناعه أنه فقد مقوماته الثورية وأكثر ما يمكنه عمله هو الاكتفاء بتابع تحت رحمتهم. وعندما نجح جزئيا في تمرد على الأمر الواقع من خلال الانتفاضة الثانية دفع دمه ثمنا لذلك. ويعيش الفلسطينيون حالة انعدام وزن كاملة بسبب محدودية البدائل المتوفرة وضعف البنية الداخلية للمقاومة وبدء تدجين حماس باسم الربيع العربي وسيطرة الإسلاميين الذين يتم تدجينهم بنفس النمط والوسائل.
القصد من الحملة الجديدة خدمة أهداف كبيرة مستمرة وهذا يفسر النفاق الفرنسي في الإصرار على السماح بنشر التهجم ومنع المظاهرات السلمية المعارضة. وهو تناقض مبدأي يكشف هشاشة حرية التعبير.
الهدف الأهم هو التدجين المعلن للإسلاميين بعد تدجينهم السري والميداني في حروب الربيع العربي. ونجاح هذا التدجين سيصل إلى صلب المعتقد وبدأ ذلك واضحا في مصر وتونس وفشل في ليبيا لأنها ليست مستقرة ولا يحكمها الإسلاميون. والقول أن الهجمة تعبير عن الفشل الغربي في مواجهة الصحوة الإسلامية لا يمثل قراءة واقعية للحال ويزيد من الضياع فقط.
كيفية الرد الاستراتيجي والتكتيكي:
من أهم مميزات استراتيجية الأقوياء اختيار ردة الفعل عندما تخدم المصالح بالحد الأقصى وعدم الإنجرار إلى ردات إجبارية. طبعا مهما عظمت قوة الدولة فهي لا تستطيع دائما منع ردود فعل إجبارية لكنها تجعل ذلك بالحد الأدنى. فإسرائيل مثلا تعودت على الرد الصاعق بمجرد حصول أي هجوم ولو صغير على قواتها لأن ذلك لا يمثل تحديا كبيرا. وكلما زادت تكاليف الرد تختار إسرائيل سياسات حذرة.
الرد الجماهيري العفوي يمثل مشكلة للحكام لأنها تعبر عن ضمير الناس. ونية المحتجين بشكل عام سليمة ومن يشكك بحسن نيتهم يظلمهم. فالسكوت مكلف أيضا. وقد ظهر نفاق الإسلاميين في دول الربيع العربي من خلال دعوتهم للحكمة في الرد على الإساءة بينما لم يتحلوا بهذه الحكمة والجنوح للموعظة الحسنة في هجماتهم المسعورة على سوريا.
لا بد من استراتيجيا تقنع المهاجمين أن ثمن التهجم سيكون غاليا وهذا يتطلب تحولات رئيسة في سياسات الدول التي ترفض الإذلال تجاه الدول المحرضة. ولا يتم ذلك من خلال مظاهرات ليومين أو ثلاثة والصراخ بالتعرض للإهانة. فهذه تشبه من تعرض للطعن بشرقه وبدلا من عقاب المعتدي يذهب للشارع صارخا بذلك ليفضح نفسه فوق خسارته ويشجع المهاجم على العربدة أكثر.
تسجيل الثمن الغالي يتطلب استقلالا وروح مقاومة ذاتية مبنية في صلب النظام. عند ذلك سيضطر المهاجمون العد كثيرا قبل المبادرات الحقيرة. يتطلب الأمر تخريجا سياسيا وأمنيا وأهم من ذلك احتراما للذات. فمن لا يحترم نفسه يصعب عليه فرض احترام الآخر. وسياسات الربيع العربي صنعت من العرب والمسلمين مسخرة يطول أمد التخلص منها. وحتى يتم ذلك فسوف يستمر الاستهزاء والتهجم كل يوم يرى فيها المتآمرون مصلحة في ذلك.