معادلات التدخل الروسي في سوريا والعراق

July 10, 2015 Off By Salman Salman

معادلات التدخل الروسي في سوريا والعراق

د. سلمان محمد سلمان أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية- فلسطين

10-7-2015

قيل  الكثير عن أهداف الخطوة الروسية ويحتج الغرب وحلفاؤه في المنطقة أن الهدف حماية النظام في سوريا وتحديدا حماية الرئيس الأسد ويعتبرون ذلك تهمة تستحق الإدانة وكأن هناك قرار سابق من مجلس الأمن بتجريد الأسد من الحكم وما يعطل الأمر فقط أولوية إسقاط داعش.

يعلن الروس ليلا نهارا ومنذ أربع سنوات أنهم يدعمون الدولة السورية بكافة مكوناتها ويعتبرون الرئيس الأسد منتخبا وشرعيا يستحق الدعم إذا طلبه. وحين يضاف لذلك وجود حركات إرهاب دولية في سوريا أجمع العالم على اعتبارها كذلك يصبح دعم سوريا طبيعيا من خلال حماية الدولة ومحاربة الإرهاب. والمستغرب حقا الموقف الغربي الذي يقوم على فرضيات اخترعها الغرب نفسه بفقدان الأسد شرعيته لأنه قاوم ثورات ضده يعرف الجميع أنها مدعومة من قوى عديدة إقليمية وغربية. وقد تم نشر الآف الأوراق والمقالات التي حددت معالم اللعبة على مدى الأربع سنوات الماضية.

لماذا لم تتدخل روسيا عسكريا سابقا ولماذا الآن. حسب ما يعلن الروس فالخطر الإرهابي تعاظم لدرجة لا تحتمل التأجيل المفتوح وخاصة أن معارك الغرب ضده غير جدية وأثبتت فشلا كبيرا. فإن كان فشل الغرب بسبب عدم وجود قوات برية قادرة أو مستعدة فلا بد من دعم القوة الأكثر تأهيلا وهي الجيش السوري. لكن ذلك يعني أيضا اعتراف الغرب أن الثوار الذين يدعون تمثيلهم غالبية الشعب السوري ويعتبرون ذلك حجة لفك شرعية النظام غير مؤهلين لتصفية داعش رغم الدعم الجوي  الغربي. فكيف يراهنون على قدرتهم على هزيمة داعش والنظام معا.

هذا التناقض الغربي واضح وتفسيره أن مهمة المعارضة المسلحة الرئيسة في سوريا هي العمل على تفكيك سوريا وإسقاط مؤسسات الدولة طالما لم يتنازل النظام طوعا. ولا يمكنها لو سقط النظام ضمان النصر على الإرهاب أو بناء دولة مستقرة. ورغم الإعلان المستمر عن محاربة داعش والنصرة وصدور قرارات من مجلس الأمن بهذا الخصوص فتصفيتها لا تمثل أولوية للغرب بل ربما يستفاد منها في إسقاط سوريا ومنع استقرار العراق ليكون كل ذلك ذريعة لمزيد من نهب المنطقة وتبعيتها للغرب. وهذا ينسجم مع المشروع الغربي منذ عشرات السنين.

وبخصوص ما عدا ذلك من القوى المحاربة للدولة السورية هناك انتقائية كبيرة حيث تعتبر تلك القوى إرهابية أحيانا وغير ذلك أحيانا أخرى. مع فتح المجال لتحالفات مؤقته مع الإرهاب الرسمي  كما حال قوى لا تعتبر إرهابية لكنها تدعم موقف داعش عمليا في العراق أو الحال مع جيش الفتح الذي تنضوي ضمنه قوى كثيرة لا تعتبرها القوى الغربية إرهابية لكنهم يقبلون قيادة النصرة. وهذا طبعا يفسر الكثير من السلوك الغربي والإقليمي لأعداء سوريا ويشمل ذلك إسرائيل ودول عربية والغرب.

وعند الأخذ بالاعتبار أن  داعش والنصرة منظمات هلامية متعددة المواقف ولا تأتمر فعلا بمرجعية واحدة كما يصور الأمر في الإعلام يمكن تفسير تعددية مواقف واستراتيجيات الغرب منها. فتعددية داعش  أولا وتناقض دورها المفترض ثانيا تجعل تقييم القوى المختلفة لدورها معاملا متغيرا. وفي التالي نعرض كيف ترى القوى المختلفة دور القوى المعارضة ومن يتحالف معها من القوى المسلحة الأخرى والإرهابية بشكل عام. أما خصوصية الموقف من داعش فسنفرد لها حديثا منفصلا.

روسيا تعتبر داعش والنصرة ومعظم المعارضة السورية المسلحة منظمات إرهابية وتخدم أجندات غربية في النهاية. وترسخ التطرف الذي يتزايد بوتيرة عالية تنبئ بإمكانية انفلات التحكم بها أو نجاح الغرب في استعمالها لإسقاط حلفاء روسيا وضدها لاحقا. ولذلك تتعامل روسيا مع الأمر بضرورة التصفية المطلقة ولا تكتفي حتى بهروبهم.

سوريا تتفق مع روسيا في الوصف لكنها تقبل انسحابهم وهروبهم إن امكن لأنها من يدفع ثمن المعارك كاملا. طبعا هي تقبل القضاء عليهم حرفيا شريط المشاركة الفعالة من الحلفاء.

حلفاء سوريا يتفقون في الوصف مع تفاوت في درجة الإصرار على  تصفية وهزيمة المنظمات المسلحة والثمن مقابل ذلك. فايران مثلا لا تعتبر كل المنظمات متساوية وتتوقع إمكانية تجيير أو تحييد بعضها ولا تتمسك بمنع تقسيم سوريا أو العراق بشكل مطلق.

الموقف الغربي ينقسم إلى موقفين

بعض الولايات المتحدة وأوروبا: يميل إلى حل سلمي يضمن بقاء سوريا كدولة ولا يمانع بتسوية معقولة بين النظام والقوى السلمية من المجتمع. وموقف هذا التوجه يتحفظ على الاعتماد كثيرا على التمويل الخليجي. ويعتبر هزيمة الإرهاب أهم من تغيير النظام. ويقبل هذا التيار التعاون مع أي جهة تحاربه بما في ذلك روسيا. ويقود الموقف قوى رئيسة بالجيش الأميركي وألمانيا من أوروبا وتميل له الأردن والإمارات والكويت والمغرب وبعض الوزن في دول الربيع العربي.

اللوبي الصهيوني ومن يتبعه في الغرب: وهو أكثر تطرفا وعنقا ويدعم التصعيد العسكري ولا يمانع بتمزيق سوريا بلا حدود. ويلتقي مع مواقف السعودية وتركيا وقطر في ضرورة إسقاط الأسد مهما كلف الأمر. وهناك كما يبدو مصالح سياسية آنية للدول ومكاسب ذاتية لبعض من قاد أو  يقود هذا الموقف مثل كلينتون وساركوزي وهولاند وكاميرون لكنها لا تملك هيمنة مطلقة على مراكز القرار الغربي. ويقبل هذا التيار التحالف مع الإرهاب لإسقاط النظام.

تركيا والسعودية وقطر ومركبة نفوذهم في دول الربيع العربي: ضمن تحالفها الجديد تعتبر معظم القوى غير إرهابية وتدعمها بكل الإمكانيات. وبعضها يعتبر النصرة حليفا ممكنا رغم اعتبارها إرهابية عالميا. ومن السهل إثبات ذلك كما حال جيش الفتح المدعوم من قوى إقليمية كثيرة. ويلتقي هذا التيار كثيرا مع الموقف الغربي الثاني.

تمايز موقف مصر كثيرا عن الخليج منذ صعود السيسي للسلطة وتطور علاقته مع الروس. وتعتبر مصر التدخل الروسي إيجابيا بشكل عام ويساعد على حصار الإرهاب مما يخدم مصلحة مصر نفسها. ورغم تأثيرات النفوذ الغربي والخليجي على مصر إلا أن موقفها الاستراتيجي أقرب للموقف الروسي والسوري.

تحرك إسرائيل وتتأثر بالموقف الغربي الثاني: لكنها لا تركن لذلك فهي تحتاج إلى ديناميكية تحرك أسرع من آليات التغيير السياسية الغربية أو الخليجية. وموقف إسرائيل يطابق الموقف الغربي الثاني على المدى البعيد لأنها من تصنعه لكنه يحتمل انعطافات سريعة وسابقة للموقف الغربي إذا تطلب الأمر ذلك أمنيا أو مصالح إسرائيلية عليا. ولا تهتم إسرائيل كثيرا لردود فعل حلفائها أو تخاف من غضبهم. فهي تجرهم خلفها لأن لها أصدقاء كثر في الغرب يسهلون الطرق لاحقا.

 

تعددية أدوار داعش

تمثل داعش مظلة فضفاضة يوحدها التوجه العنفي بلا حدود لمكوناتها وما عدا ذلك من الصعب إيجاد قواعد أخرى تجمعها. ومن منظور الدول الإقليمية هناك تفاوت وانفصال لدور داعش على كل من جبهتي سوريا العراق. وينعكس ذلك على كيفية التعامل الحقيقي لهذه الدول معها رغم إعلان الجميع إدانتها الإعلامية.

تدعم تركيا داعش في العراق لتحجيم الحكومة المركزية والمساعدة في كيان سني متحالف مع تركيا. وفي سوريا تدعم سيطرتها على الحدود أساسا لمنع تمدد الأكراد. لكنها بالمقابل لا تأمن داعش إذا حكمت دولة مركزية لذلك فهي تدعم بقاء داعش في العراق وعلى حدودها ولن تقوم بجهد حقيقي بعكس ذلك.

بالنسبة للسعودية فالأمر أكثر تعقيدا:  فهي ترغب الاستفادة منها وليس هناك بديل في المعركة العراقية وتصفية داعش تعني عمليا هيمنة ايران والشيعة على الحكم.  لذلك فهي ترغب رؤيتها قوية بما يكفي لتحجيم الشيعة وتوفير حلف سني. لكنها لا تريد لها الهيمنة على العراق ولا حتى على الجزء السني لأنها لا تأمن جانبها وخاصة علاقتها التركية. بل ربما  تكون السعودية نفسها الهدف التالي وخاصة أن البيئة السعودية توفر حاضنة طبيعية للفكر المحرك لداعش.

أما في سوريا فالسعودية ترغب بتصفية داعش تماما واستبدالها بجيش الإسلام أساسا وبتحالف مع النصرة والمنظمات الأخرى بعد توفر التنسيق الأدنى مع تركيا. لكن تصفية داعش في سوريا ليست سهلة بحكم تداخلها مع الجبهة العراقية والتي تحتاج فيها داعش كلاعب رئيس بالإضافة إلى محدودية  قدرة القوى الأخرى أن تكون بديلا عن داعش وتسقط النظام معا.

وهذ يفسر الارتباك العام في الموقف ويعطي وزنا للمحاولة الأخيرة في اكتساح الشمال وإدلب وتهديد الساحل السوري من خلال حلف الفتح الذي يشمل القوى المدعومة من تركيا وقطر والسعودية بقيادة النصرة. وربما كان الأمل إن نجحت تلك المحاولة أن يتم بعد ذلك توحيد الجهد لاحتواء داعش أو تصفيتها مع إيجاد بديل معقول في العراق يتعايش مع معادلات ما بعد سقوط سوريا. وعليه فتصفية داعش في سوريا محبذة للسعودية فقط اذا توفرت قوى من المعارضة تستبدلها ومن الأفضل تأجيل ذلك حتى تسيطر تلك القوى وتسقط النظام.

يتفق الموقف السعودي بنسبة عالية مع رؤية التيار الثاني الغربي ويختلف كثيرا مع الأول الذي يعتبر تصفية داعش أولوية وخاصة بعد موجات الهجرة.  لذلك هناك توهان حقيقي في موقف الغرب الإجمالي. ومما سبق نستطيع فهم كيف تعيش داعش على تناقضات القوى التي ترى في تأجيل معركتها مكاسب محتملة لأجنداتها السياسية والعسكرية.

روسيا هي القوة الوحيدة المحسومة استراتيجيا وتؤمن بأولوية تصفية كل المنظمات متزامنا وتنظيف الساحة من الجميع متوازيا. وهذا التفكير الاستراتيجي ممكن لروسيا إذا رغبت التدخل لكنه ببساطة لم يكن متوفرا لسوريا التي عاشت القتل مما جعلها تعطي أولوية لمنع تمدد القوى الأخرى وتعتبر خطر داعش في سوريا أقل آنيا بحكم الجغرافيا والقوى الداعمة.

نرى في المشهد السوري المدعوم روسيا تميزا في التحليل الاستراتيجي ووضوح أهداف وإمكانية تنفيذية بحكم وجود الحليف القوي في الأجواء بالإضافة للموقف القانوني والأخلاقي الذي يعطي روسيا أفضلية للتدخل فوق الجميع. هناك  فرصة حقيقية لنجاح المجهود الروسي ولن تستطيع القوى الدولية إيقاف هذا المجهود أخلاقيا أو حتى عسكريا مباشرة لكنها ربما تبذل جهدا مستترا لإفشال التوجه الروسي اذا لم تستطع روسيا حسم المعركة ضمن فترة زمنية معقولة.

يقول وزير خارجية بريطانيا هاموند وكثير من زعماء الغرب أن عدم تمييز الروس بين المسلحين وداعش سيدفع الجميع لحضن داعش وهي حجة على من يدعيها لأنه  بالمقابل إذا لم تدفع  وحشية داعش المطلقة  الثوار إلى حضن النظام الشرعي مهما كانت عيوبه فهذا يعني قربهم المبدأي من داعش مما يثبت مقولة الروس الذين يعتبرون كل من رفع السلاح ضد حكومة بلده الشرعية غير شرعي ومؤهل ليكون إرهابيا يستحق المحاربة. والحقيقة أن مقولة الروس تنسجم مع القانون الدولي.

 

 

ملحق 1 كيفية الوصول للموقف من الخيارات: 1 إلى 4 من الأفضل إلى الأسوأ بالنسبة للجهة صاحبة الموقف.

  الخيار وكيف تراه القوى المختلفة بقاء النظام والقضاء على المسلحين بقاء النظام وهروب المسلحين سقوط النظام وبقاء المسلحين سقوط النظام والقضاء على المسلحين
1 روسيا وبريكس 1 بقاء النظام مكسب استراتيجي ويقلل خطر الإرهاب. 2 بقاء النظام مكسب استراتيجي وهروب المسلحين يبقي خطرهم. 4 فقدان حليف استراتيجي وزيادة خطر الإرهاب. 3 فقدان حليف استراتيجي لكن يقل خطر الإرهاب.
2 سوريا وإيران وحلفاؤهما 2 تكلفة القضاء على المسلحين رهيبة إنسانيا واقتصاديا. 1 هروب المسلحين يوفر التكلفة إنسانيا واقتصاديا. 4 فقدان الوزن السياسي ومأسسة خطر الإرهاب وسيطرة الطائفية. 3 فقدان الوزن وسيطرة الطائفية.
3 مصر 2 بقاء الدولة مكسب استراتيجي ويقلل خطر الإرهاب. 1 هروب المسلحين يوفر التكلفة إنسانيا واقتصاديا 4 مأسسة خطر الإرهاب وسيطرة الطائفية. 3 فقدان الوزن وسيطرة الغرب
4 الموقف الغربي الأول 2 التخلص من المسلحين جيد وبقاء النظام خسارة استراتيجية دون اتفاق مع روسيا. 4 بقاء النظام خسارة استراتيجية دون اتفاق مع روسيا وبقاء المسلحين ينشر الإرهاب. 3 بقاء المسلحين سيء لكن سقوط النظام مكسب. 1 سقوط الطرفين يمثل وضعا مثاليا لإعادة صياغة سوريا جديدة موالية.
5 الموقف الغربي الثاني 3 نجاح النظام سيء جدا لكن سقوط الإرهاب يخفف من الهزيمة. 4 بقاء النظام خسارة استراتيجية والإرهاب خطير على السلام العالمي. 2 سقوط النظام جيد لكن الإرهاب خطير على السلام العالمي. 1 سقوط الطرفين يمثل وضعا مثاليا لإعادة صياغة سوريا جديدة موالية.
6 تركيا والسعودية وقطر 4 فقدان المسلحين خسارة كبرى وبقاء النظام يعني تحولا نوعيا بمعادلة الشرق. 3 بقاء المسلحين لتهديد الدول الأخرى لكن بقاء النظام يعني تحولا نوعيا بمعادلة الشرق. 1 بقاء المسلحين لتهديد الدول الأخرى وسقوط النظام يعني تحولا نوعيا عكسيا بمعادلة الشرق. 2 فقدان المسلحين لتهديد الدول الأخرى لكن سقوط النظام يعوض الخسارة.
7 إسرائيل 3 نجاح النظام سيء جدا لكن سقوط الإرهاب يفتح تنسيقا مع موسكو 4 بقاء المسلحين غير مفيد لأن بقاء النظام يعني تحولا بمعادلة الشرق. 1 بقاء المسلحين لتهديد الدول الأخرى وسقوط النظام يعني سيطرة إسرائيل على الشرق. 2 فقدان المسلحين لتهديد الدول الأخرى لكن سقوط النظام يعوض الخسارة.
8 الأردن والإمارات والكويت والمغرب ودول الوسط العربي 1 خيار ممتاز للتخلص من الإرهاب وهيمنة قطر والسعودية. 3 بقاء الإرهاب يبقي النار مشتعلة وبقاء النظام يبقي الصراع مع إسرائيل قائما. 4 يزيد فرص التقسيم وهيمنة السعودية وقطر  وتركيا و خطر الإرهاب. 2 يرسخ هيمنة السعودية وقطر وتركيا لكن القضاء على الإرهاب يخفف من الوحشية وتحسن فرص السلام مع إسرائيل.