خصخصة القضية الفلسطينية
خصخصة القضية الفلسطينية 2019
15-11-2019
تم النشر اول مرة 2007
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
نشرت هذه المقالة عام 2006 ولم تتغير قواعد هذه المعادلة لصالح الموقف الوطني حتى الآن.
بدأت فلسطين قضية إنسانية وتطورت في الستينات إلى إسلامية عربية وثورية. وبعد الاتفاق المصري الإسرائيلي وبيروت 1982 وسيادة القطرية أولا، تضاءلت إلى فلسطينية فقط، وتأخرت عربيا وإسلاميا وعالميا الى الدرجة الثانية والثالثة والى ما يريد لها المعنيون.
كانت الانتفاضة الأولى عام 1987 محاولة فلسطينية لإعادة القضية لمستواها الأول فعادت إنسانية، ولكنها لم تستطع العودة إسلاميا وعربيا أو ثوريا لأسباب كثيرة أهمها ترسخ الانسحاب القطري على مستوى العالمين الإسلامي والعربي، وانتهاء فكرة الثورة بعد بدء انهيار السوفييت، وأصبحت مجرد موضة بين الشباب عالميا.
بعد أوسلو أصبحت مشروعا على جزء غير مؤكد من الوطن تتناوبه عواصم الغرب، وانقسم الشعب بين مؤيد ومعارض فتحولت إلى مسالة منقوصة ووجهة نظر قابلة للتأويل واجتهادات تتفاوت بين التنازل المفرط والانغلاق. استمر تقزيم القضية بحيث أصبحت مشروعا اقتصاديا للبعض وشهادة للبعض الآخر ومشروع البحث عن عمل للغالبية.
بقي مشروع الدولة باهتا متهالكا في انتظار رحمة المانحين والمانحات و الرباعية وخارطة الطريق. وتدهورت الأمور حين سقوط الرئيس عرفات بمؤامرة معقدة لم يكشف أحد تفاصيلها.
وجاءت حماس بمشروعها الإسلامي المتفائل وانتخبها الشعب بأمل تغيير الاتجاه وبأمل رفع مستوى الموقف والعودة بالقضية أولوية عربية إسلامية. وراهنت حماس على العمق الإسلامي العربي ويبدو أنها لم تتوقع هيمنة الموقف الاميركي الى درجة امتناع الأشقاء العرب والمسلمين وبعض الفلسطينيين عن أي مساهمة لترسيخ الفهم الجديد.
وبدأت حملة التقزيم بمطالبة حماس بالعودة الى رشدها والاعتراف بتطورات القضية الفلسطينية وتضاؤلها على مر السنين من قضية المسلمين والعرب الأولي الى مشروع وطني جزئي ومشروع شبه دولة ومشروع اقتصادي للبعض.
واستخدم الحصار المالي وسيلة للضغط. وتزامن الحصار الدولي التمويلي بانفتاح تمويلي على جزء من الشعب يبدو انه يمتلك الشهية لابتلاع القضية كلها.
وبدأ الاقتصاد الخاص والاحتكاري والذي لم يشبع خلال سنوات اوسلو من التحكم بجزء كبير من الاقتصاد الصغير. وأراد هذا الاقتصاد الخاص الانتقال من متطفل على المشروع الوطني الصغير الى مدير لهذا المشروع ويعتقد انه الأكفأ لإدارة المرحلة.
وبقبول دولي ودعم عربي وتخاذل وطني يتم الإيحاء ان هذا الاقتصاد الخاص هو المنقذ وأصبح يطرح المبادرات بصفته الاعتبارية وكأنه يمثل قطاعا إنسانيا له جماهيره. وتم الادعاء بقيادته لأكثر من 70% من الاقتصاد وكان ذلك يعني قيادة 70% من الرأي العام.
وأخيرا نسمع الأحاديث عن مشروع تسوية داخلية فلسطينية لخصخصة الحكم الفلسطيني. فبدلا من قيادة القوى السياسية والأحزاب لمسيرة الشعب بناءا على مشاريع وبرامج سياسية يأتينا الخبراء الجدد وبدون أي مبرر أو دعم جماهيري وبالاستناد الى الحاجة والحصار فقط ليمدوا يد الإنقاذ لهذا الشعب المسكين. وكان المشروع الوطني أصبح مشروعا اقتصاديا متعثرا على وشك الإفلاس وبحاجة الى تصفية او إعادة تمليك.
وبعقلية أصحاب المشاريع فان تعويض وراس مال هذا المشروع الخاسر يجب ان يكون قليلا وصغيرا ويتم في العادة تحويله للمالك الجديد بابخس الأثمان لإعادة تأهيله ولتحويله لمشروع مربح( والربح للمالك الجديد طبعا) او تصفيته وبيعه خردة إذا لم يكن ذا جدوى.
وهكذا يتم الحديث عن حكومة خصخصة فكرية ومهنية( كود تكنوقراطية من المستقلين!!) بقيادة (كود: اقتصادية تكنوقراطية مستقلة) بهدف تامين لقمة العيش للغلابى الموظفين. وتوفير فرص العمل للعاطلين والمعطلين مقابل إطلاق يد النخبة الجديدة نحو خصخصة شاملة للمشروع الوطني تبدأ بخصخصة اقتصادية شاملة على نمط خصخصة بعض المشاريع ” الرائدة” التي تمت خصخصتها خلال السنوات الماضية.
والطريق الجديد يتم من خلال خصخصة المؤسسات العامة لتصبح ممتلكات بإدارة قطاع خاص دون حتى دفع الثمن او راس المال وهذا ما حصل فعلا لأحد أهم مشاريع القطاع العام الفلسطينية التي تم تمليكها عمليا من خلال عقود تأجير لم تزيد كلفتها لمدة عشر سنوات عن 60% من ربحها لآخر سنة مع الاعتبار للتطوير خلال السنوات.
وبما ان السياسي لا يصلح بيعه رسميا فلتكن ايجارة مشابهة من خلال توكيل المؤسسات العامة و الحكومية للمختصين بتمليكهم القرار المفتوح والسلطة الكاملة دون مرجعية قانونية وبالاعتماد على احتمال كرمهم وتسهيلهم لوصول الهبات الدولية. ولتكن مكافأتهم تملك القرار والسيطرة الكاملة على الاقتصاد والسياسة ليصبح الوطن مشروعا مجزءا تمتلكه مجموعة من كبار المستثمرين.
هكذا يكتب المحرر الاقتصادي لأحد الصحف الفلسطينية:
“”مشاركة القطاع الخاص كشفت، فيما كشفت، فشل الحكومات الفلسطينية الـمتعاقبة في تسويق الإمكانات الكامنة في الاقتصاد الفلسطيني، القائم على اساس اقتصاد السوق، وما يشمله ذلك من خطط لخصخصة قطاعات أساسية في البنى التحتية، كالـمطار، والـميناء، وإدارة الـمعابر الدولية، إضافة الى قطاعات الخدمات الـمختلفة، التي يشكل قطاع الاتصالات نموذجاً لها يحتذي به.””
“”التطور اللافت في رسالة القطاع الخاص الفلسطيني على الصعيدين الاقليمي والدولي، كان اساسه هنا، حيث خطا القطاع الخاص خطوة متقدمة نحو اخذ دوره الطبيعي، ليس فقط في قيادة وادارة الاقتصاد، وانما في الحياة السياسية وصنع القرار، في مسعى لـمواءمة دوره السياسي مع العبء الكبير الذي يتحمله من حيث الاستثمار في بيئة غير مواتية بعد، والحفاظ على مستوى معقول من التشغيل يجنب الـمجتمع برمته تبعات انهيار مدمر. فلـم تكن “مبادرة القطاع الخاص الانقاذية” دفاعا عن مصالح مجتمع “البزنس”، ولا اظنها ستتوقف عند حدود التوفيق بين طرفين يتنازعان السلطة؛ أي طرفين: حماس-فتح، رئاسة-حكومة، نافذين اعتادوا على الكرسي-آخرين يتوقون الى طعم السلطة … الخ.””
“”وبغض النظر عن تسميته، فان أربعة اشهر من فشل القوة الـمسيطرة حالياً على الحكومة “حماس” في توفير الحد الأدنى من متطلبات الـمعيشة للناس، والإحساس الذي ما زال حاضراً بقوة بشأن سلبيات القوة التي هيمنت لسنوات طويلة على الحياة السياسية للشعب الفلسطيني “فتح”، وما تظهره جميع استطلاعات الرأي من ارتفاع في إعداد الفلسطينيين الذين لا رأي لهم، او ينأون بأنفسهم عن تأييد أيٍّ من قطبي النظام السياسي الفلسطيني بصورته الحالية (“فتح” و”حماس”)، يظهر بوضوح ان بروز قوة جديدة، تتمتع بمصداقية معقولة، وتملك عناصر الديمومة والاستمرار، يحظى بفرصة كبيرة.. أكبر من أي وقت مضى”. “
وفي الخطوة اللاحقة ربما تتم خصخصة قوات الأمن والتنظيمات السياسية دون دفع راس مالها طبعا وإنما فقط بالتأجير طويل الأمد وتبقى المؤسسات برسم العامة مع تمليك فعلي للقرار.
هل هذا ما علينا ان نتوقع عندما تفاءلنا بالعودة بالقضية من مشروع وطني صغير الى قضية المسلمين والعرب الاولى. هل هذا هو المطلوب للعفو عن حماس. وهل تبتلع حماس الطعم من خلال القبول بالحضن الاقتصادي الاحتكاري.
لا أستطيع تصديق ذلك ولن تقبل فتح بذلك أيضا ولكن المؤشرات تجعلنا نقلق. نأمل ان يكون ذلك كابوسا ليليا بسبب نقص الرواتب.