البيع والربا مشكلة التصنيف وجوهر الفرق
البيع والربا مشكلة التصنيف وجوهر الفرق
أشكر ملاحظاتكم وإضافاتكم.
أولا: معرفات الفرق والمتشابه بين البيع والربا
النص القرآني صريح بتحريم الربا وتحليل البيع وأكد على الفرق الجوهري بينهما. المشكلة أن هذا الفرق يتم تصنيفه بطرق متعددة تلغي أحيانا ذلك الفرق. والصحيح أن نعود للمألوف من ذلك زمن الدعوة أو استخلاص المنطقي منه من خلال تقاطعات تحدد ذلك.
البعض يعتبر نسبة الربح والفائدة أساس الفرق. هذا لا يصلح فالتاجر يضع نسبة ربح مثله مثل المرابي ولا تهم التسمية. هذا يظهر أكثر عند تحليل البيع المؤجل بفائدة مرتبطة بفترة تأجيل.
رأي آخر يعتبر الفرق في ضمان الربح في الربا وعدم ذلك في البيع. هذا لا يقف أيضا. فالربا مال وقيمة العملة يمكن أن تسقط والقوة الشرائية أن تتغير. بل إن البيع في هذه يكسب أكثر لأن الربح يضعه أكبر من نسبة الفائدة عادة.
لذلك ما ذكرنا أعلاه لا يصلح كقواعد لتمييز البيع عن الربا وتطبيق الحلال على واحدة والحرام على الأخرى.
ثانيا: الفر ق الجوهري بين البيع والربا
2-1 دورة الربا: الربا يقدم خدمة توفير السيولة وليس كثيرا غيرها. تصور السيناريو التالي وهو ما يحصل في البنوك وشركات التمويل عموما.
- بنك رئيس أو مركزي يملك تريليونات لا يريد الانشغال بزبائن صغار فيتفق مع عدد من البنوك على تمويلهم بنسبة فائدة 5% مثلا ولا يعنيه كيف يتصرفون بها.
- تأتي هذه البنوك فتعطيها لآخرين ممن لديهم ضمانات مالية ويعطوهم القروض بنسبة 10% لان السداد مضمون ولا يعنيهم كيف يتصرفون بها.
- يقوم المستثمرون الذي حصلوا على تسهيلات بنكية بتوفير السيولة لمن لا يمكنهم تقديم الضمانات بنسبة عالية لمعادلة الخطر فيعطي من عليهم ديون أو نفص تمويل أو لا يجدون قوتا بنسبة فائدة 20% والتبريران الفترة قصيرة فلا تجمع والخطر كبير.
في الربا دارت الأموال دورة ربوية من المركز حتى المواطن وانتهت بربح الوسطاء والبنك الأصلي. لم تحقق أي خدمة أو إضافة قيمة لشيء. هذه ما نسميها حلقة ربا كاملة وهي المقصودة بالربا حقا.
2-2 دورة البيع: أما البيع فيتعلق بسلع ومشاريع: أنت تحتاج بضائع وسلع لتسيير الحياة فينتجها الصانع أو يحضرها التاجر ويوفرها الفني إذا كانت خدمات- لك من بلاد بعيدة. يوفرونها لك مقابل ربح لهم أنت سعيد بدفعه لأن البديل قيامك بكل الجهد بنفسك ويكلفك الأمر أكثر. شرط البيع تقديم مساهمة وقيمة مضافة لحلقة إنتاج أو توفير خدمات أساسية وليست مصطنعة. هذا ما يميز البيع.
ثالثا: انعكاسات واستنتاجات
- الربا تمويل يسحب مالا مضافا من الناس دون مقابل إلا توفير المال، والثاني يحرك الحياة والخدمات ويجعل الحياة ممكنة.
- كلما زادت نسبة ما عرفناه بالربا يصبح الاقتصاد أكثر فتكا ونتيجته الغنى الفاحش دون جهد للبعض والفقر المدقع دون حل. كلما زادت نسبة ما عرفناه بالبيع نتيجته نمو الاقتصاد وحركة الحياة. يمكن أن تؤدي أحيانا إلى نقص السيولة عند المستثمرين.
- كل ما عدا ذلك تميزات تمثل في النهاية خدعا لتحليل ما هو محرم أو تحريم ما هو حلال.
عرفنا البيع كما أراده النص فهو معاملات تشمل التجارة والصناعة والخدمات وكل ما يساهم في تحقيق حاجات المجتمع الاقتصادية والحياتية. عليه فالبيع ليس تجارة فقط.
نركز هنا على الفرق بين كل ذلك وبين الربا الذي يقابل التمويل في المصطلح المعاصر. الفرق الأساس أن الربا لا يقدم خدمة لدورة الاقتصاد والحياة من إنتاج وغيره إلا مصطنعا ويمكن توفيره بطرق أكثر منطقية وأقل تكلفة من خلال إزالة الوسطاء والسماسرة. بينما البيع هو تلك الدورة الضرورية وطبعا اذا تواجد كثير من السماسرة والوسطاء تفقد صفة البيع المثالية وتصبح محتوية لنوع من الربا.
رابعا: العملة تمثل وسيلة مقايضة للسلع ولا يجوز أن تصبح سلعة
أصل البيع أن يتم مقايضة شيء بشيء، لكن ذلك ليس سهلا لأن البائع ربما لا يريد أخذ ما يعر ض المشتري لغرض المقايضة. لذلك تم اعتماد الذهب والمعادن الثمينة والتي لا تتلف كمعيار للتبادل. هكذا كانت العملات في العصور القديمة. ارتفاع الأسعار في ذلك الوقت كان يعتمد بالأساس على توفر السلع وندرتها. هذه المقولة تستخدم الآن نظريا لكنها ليست سبب ارتفاع وانخفاض بشكل الي. اهم سبب طارئ لحصول ذلك رغم توفر البضاعة أو عكسه رغم فقدانها هو تحول العملة إلى سلعة وهذا يعني أن لها قيمة تنخفض وتزداد حسب المتوفر. لكن الأصل أنها ليست سلعة فينتج عن كل ذلك اقتصاد التمويل القائم على العملات وأسعارها ومضاربات الأسعار للعملات وغيرها.
بعد فصل الذهب عن العملات أصبحت العملات عديمة القيمة الحقيقية بل رمزية فقط. هذا سهل التلاعب بقيمتها. أصبح التلاعب ممكنا بقيمة العملة والأسهم كسلعة جديدة من خلال حصرها حين تلزم وتوفيرها حين ترتفع قيمتها وهي تجارة وهمية توفر الدخل الرئيس لكل شركات المضاربات والمحافظ الاستثمارية. تلك فضيحة وتدمير للاقتصاد حقا. يمكن لشركة ناجحة تماما الانهيار من خلال ضرب أسعار أسهمها في سوق مالي، ويمكن تعظيم شركة أخرى فاشلة من خلال تمثيليات بيع كبيرة للأسهم. بل يمكن إسقاط عملة دولة من خلال ربطها بعملة أخرى او فرض التعامل بعملة معينة لتسيطر على المضاربات فيضطر الناس إلى شرائها لتحقيق البيوعات وتكسب هي ارتفاع قيمة بسبب استقرار وارتفاع الطلب عليها.
علاقة تجارة العملة مع الربا. لا اعتقد ان ذلك يعرف الربا وان وقعت فيه. الربا الأساس هو جنى أرباح دون مساهمة فعلية في دورة الاقتصاد غير التحكم دون مقابل غير توفير سيولة تسبب في النهاية ضررا فاحشا للمستهدف.
خامسا: أسواق الأسهم طرق ربوية الأساس وتصبح فعالة فقط في نظام ربوي
الوضع الطبيعي أن تقدر قيمة الشركة بمقدار موجوداتها وفرصها الربحية ونجاح بضاعتها وجودتها. حين يريد شخص شراء حصة من الشركة الناجحة في الماضي كان يفاوض المالكين فان رغبوا وفروا له حصة معقولة او لا تتم الصفقة.
مثل ذلك يضع قوة فوق عادية بيد أصحاب الإنتاج واذا تكاثرت لديهم الملكية لمثل هذه المشاريع يصبحون طبقة التحكم في البلد وهذا ما استهجنته الماركسية وطلبت الثورة عليه.
لكن الاقتصاد الرأسمالي منذ قرن تحول كثيرا عن تلك الوصفة المبسطة لشراء وبيع حصص الشركات المنتجة. سوق الأسهم هي تعويم قيمة الشركات من خلال سوق بيع وشراء حصص الشركات باعتبارها سلعة أخرى، وهي ليست سلع في الواقع. بيعها وشراؤها لا يخدم قيمة أو يضيف قيمة إلا لمن يسهل البيع ويأخذ عمولات أو من يحتكر البيع فيحصل على قيم لمشاريع رابحة بأسعار بخسة او العكس
أسواق الأسهم هي وسائل نصب قانونية من خللا تحويل الأسهم إلى سلع.
من الصعب نجاح سوق الأسهم في الالتفاف على أصحاب الشركات الناجحة التي يملكونها فعلا. فتم طرح قوانين الشركات العامة التي يمكنها امتصاص استثمارات من الجمهور لعدد من المؤسسين يملكون أحيانا اقل من 10% من الأصل ويكتتبون اسهما ضمن قوانين تميل لتشجيع سحب المال من الجمهور دون دور للمساهمين إلا المضاربة وبيع الأسهم وشراءها بدلا من تقييم الشركات والتفاوض على ما يملكون.
النتيجة نشوء نظام مالي واقتصاد ربوي يوجه الإنتاج ولا يتبعه وتحول وسائل المقايضة لسلع وقيم الشركات لسلع أخرى مما سهل على المضاربين التحكم بالمشاريع بدلا من أصحابها.
تسيطر المحافظ الاستثمارية وبعض البنوك على حصة الأسد من اقتصاد البلد الربوي والنتيجة تضاعف حصة هؤلاء على حساب الدور المنتج للشركات وخلال جيلين أو ثلاثة تنهار هذه الشركات بشكل دوري ويتم ابتلاعها من شركات أخرى بحيث تصبح حركة المال حصرا على دولة بين الأغنياء. النتيجة تجبر طبقة صغيرة بملكية البلد كلها وليس وسائل إنتاجها فقط. هذا ما نشهده من اقتصاد العولمة الاحتكاري والمركزي.
الوضع المثالي لأصحاب التحكم اختراع عملات رقمية لا وجود لها إلا كأرقام تولدها البنوك المركزية وتتحرك بحيث لا يمكن للفرد الإمساك أو بيع شيء ما بقيمة معينة بل يتم تعريف هذه القيمة من البنك المركزي الذي يحدد السعر. فان سيطرت مجموعة وفرضت بنكا مركزيا عالميا يصبح خلال فترة ملكا لهم ويمكنهم حرمان الناس من العيش. وهذا طبعا لن يطول حتى ينهار أو يتم قتل الإنسانية والاكتفاء بمن يملكون وخدمهم.
سادسا: مكونات النظام الربوي الحالي
- تعويم العملات وقيمتها تؤدي الى احتكار العملات رقميا ولا تصل أيدي الناس دون سماح المتحكم.
- صناعة الأسواق المالية والأسهم للتلاعب بالمضاربات ورفع شركات وإسقاط غيرها دون علاقة حقيقية بين ما تصنع وقيمتها وبهذا يتم سحب الأموال بشكل دوري من الجمهور الذي يتم خداعة بشراء الأسهم وبيعها في المجمل خاسرا ولجيوب الطبقة المتحكمة.
- استمرار نظام التمويل السابق بفوائد دون الاهتمام بهدف سحب المال بل تفضيل من يسحبه لتقوية تحكم النظام الربوي اكثر فاكثر.
- النتيجة تغول الاقتصاد الربوي لدرجة تؤدي إلى ضياع الإنتاج السلعي وانهيار الاقتصاد عموما أو قتل الناس.
- الاحتكار متطلب إجباري ونتيجة حتمية للنظام الربوي الراهن.
- ما يميز الاحتكار عن البيع العادي تسهيل الاستغلال وجنى الأرباح دون مقابل وإمكانية كسر المستفيد. يمكن القول أن الاحتكار احد صفات الربا مع أنه يمكن حصوله خارج الربا أيضا.
الجزء الثاني: التمويل غير الربوي
أولا: تعريفات وحدود
يمكن التمويل دون ربا من خلال ارتباطه جذريا بتحقيق الحاجات دون استغلال المستهدفين بل خدمة الأهداف التي تشترط تقديم خدمات أو سلع لمعيشة الناس وحياتهم وتوفر قيمة مضافة للسلعة المباعة. حين ذلك فالفائدة والأجل لا تمثل المفصل بين البيع والربا. أما تعريف البيع بعقود فذك اختصار ولا يطابق مفهوم البيع عموما.
ثانيا: شروط التمويل غير الربوي
شروط التمويل الذي لا يقع في شبهة الربا والاحتكار ويلتزم روحا ومحتوى بمقولة البيع
المرفوض
أن يكون الممول مشروعا ربويا أو استغلالا أو احتكارا أو يدعم ويخدم استغلالا أو احتكارا أو ربا من ذلك، ولا يوفر للناس منفعة وقيمة مضافة في الدورة الاقتصادية.
المطلوب
ان يدفع دورة الاقتصاد والتنمية للحد الأفضل ويخفض الاستغلال الواقع في المجتمع ويشجع بدائل لا تتعامل بالربا والاستغلال، ولا يحتوي ربا أو احتكار، ويوفر للناس منفعة وقيمة مضافة في الدورة الاقتصادية.
من الواضح أن الربا والبيع نقيضان فما يلزم للأول لا يصح للثاني والعكس. هل يمكن وضع نظام يحقق كل هذا. الإجابة نعم. وقد جربنا ذلك وسنعرضه بنهاية المقالة.
ثالثا: أشكال التمويل غير الربوي
من الأفضل للتمويل أن يكون ملكية عامة ومضبوطا بشكل كبير بالقوانين ومحاربة الفساد إلى درجة انزال عقوبات كبيرة بمن يخرب
هذا لا يعني إلغاء التمويل الخاص ولكن تقييد سطوته وهيمنته ضمن حدود بحيث لا يملك اكثر من نسبة من دورة الاقتصاد يتم تحديدها ضمن نظام أشمل نضعه أدناه.
وضع قوانين لمؤسسات التمويل تضبط التزام الممولين بقواعد البيع وعدم الربوية وتحقق شروط التمويل. فمن أعجبه يستمر ومن لا يرغب ينسحب.
حيث أن نظام العالم الاقتصادي ربوي فمن شبه المستحيل ضبط العملية عالميا وهذا يتطلب تعديلات دورية وبالحد الأدنى للتعامل الخارجي.
رابعا: قوانين الاقتصاد التي تكفل الفصل الصارم بين البيع والربا وضرورة تطبيقها
في الاقتصاد
- أهم تجديد على المستوى الاقتصادي يتم بقوانين تشجع تقسيم الثروة للجمهور من خلال إنشاء المؤسسات الاقتصادية القائمة على ملكية شعبية حقيقية بحيث يكون مالكو الشركات فعلا مهتمين بدور تلك الشركات وليسوا مجرد تجار أسهم. أهم مظاهر ذلك التغيير إضعاف النظام البنكي الربوي وترسيخ النظام الاقتصادي الإنتاجي الموزع وليس الممركز وإضعاف دور الشركات العمومية الكبيرة واستبدالها بتوحدات لمؤسسات أصغر. بحيث تدار تلك المؤسسات بمستويات مختلفة لا تسمح بتغول الإدارات العليا المتخصصة وتتحول الإدارات الفرعية لإدارات تخصص مرتبطة بنوع النشاطات المتعلقة بحيث يزاد دور منتجي السلع الفكرية أو المادية الفعلي على حساب الإدارات العليا ويتم وضع قوانين تشجع الانقلاب.
- وضع ضوابط على حجم أي توحدات مؤسسية( أو تكتلات ذات هدف محدد) ممركزة الإدارة بحيث لا تتجاوز مهما كانت الأسباب نسبة محددة من الدخل القومي الإجمالي. وبحيث لا تستطيع تلك التوحدات التأثير بشكل مفصلي على مسار التطور الاقتصادي الشامل.
- منع تكون تحالفات بحكم القانون بين أية توحدات بحجم الحد الأقصى المسموح لتكوين مصالح خاصة لأي اتجاه إنتاج أو تمويل.
- ضبط التوسع المادي للإفراد في تملك المشاريع المتعددة بحيث لا يمكن لأي فرد مهما كانت الأسباب تملك أكثر من نسبة محددة من الدخل القومي العام. ومنع تكون تحالفات بين مجموعات مالكين من تجاوز الحجم المسموح للتوحدات ويتم وضع القوانين التي تضبط ذلك.
- منع الدولة من التدخل في ملكية وإدارة الإنتاج أو التحكم به تحت أية شعارات. وتحديد تخصص الدولة في الإشراف على ضبط القوانين ووضع الحدود مع توفير الدخل الكافي للدولة لتقديم الخدمات العامة من خلال نظام ضريبي مناسب شريطة ألا تتحكم الدولة مهما كانت الأسباب بأكثر من نسبة محددة من الدخل القومي.
- ضبط إدارة الاقتصاد وسياسة الحكومة من خلال مؤسسات فرعية هيكلية لا تسمح لأي كيان إداري حكومي من تجاوز التحكم لنسبة من الحجم العام للحكومة. وتأطير قوانين اتخاذ القرارات تصاعديا بحيث لا يجوز للأطر العليا القيادية اتخاذ القرارات دون الرجوع للمتطلبات الفرعية وبشكل يحدد سقفا أعلى لحجم تأثير القرارات العليا.
رابعا تصنيف المؤسسات التمويلية غير الربوية
- تقسم وظيفيا إلى مؤسسات سيولة أو بنكية مجازا ومؤسسات استثمار او مساهمة تنموية.
- يشترط أن تكون نسبة التمويل غير الربحي العام بنسبة محترمة من إجمالي التمويل. مثلا إذا كانت قيمة التمويل المطلوب 100 بليون فيجب أن يتوفر استثمار غير ربحي بقيمة 50% على الأقل ويمكن وضع قوانين تحدد هذه النسب بعد تقييم دوري.
- لا يجوز لاستثمار خاص منفرد أن يتجاوز 5% تحت أي ظرف. ولكن يمكن لعدد من الاستثمارات الخاصة غير المتداخلة تغطية نسبة 50% يمنع قطعيا تداخلها بأي طريقة تحت طائلة القانون الجزائي.
- يترك المجال للطرفين بتمويل حسب ما يرون شريطة تحقيق الشرط ومن يستطيع توفير تمويل بتكاليف أقل فله أفضليه تجعل تجربته قيد الدراسة لتوسعة التطبيق.
خامسا: تجارب البنوك الإسلامية والنظم الاشتراكية وعلاقتها بالبيع والربا
1- البنوك الإسلامية
لا تختلف البنوك الإسلامية جوهريا عن العادية وشروطها لا تحقق التعريف الذي أوردنا للتمويل غير الربوي. تختلف عن العادية بعدم تسمية الفائدة مع تنفيذها وتطبيقها بشكل اكثر من العادية ولكن توقف تراكم فوائد وعدم احتسابها بعد انقضاء الأجل. هذا لا يجعلها تحقق تعريف البيع بل هي قدم في البيع وقدم في الربا.
هي أخذت شكليات الفائدة والأجل وقيدتها بما يبدو مختلفا عن البنوك الربوية ولم تقدم أكثر مما تقدم تلك البنوك. بل قدمت اقل وبفائدة أعلى. مميز أن الفوائد لا تحتسب بعد انقضاء الأجل يحمي من وقوع صاحب القرض في الغرم. لكن بالمقابل ارتفاع الفوائد عن العادية وتصل أحيانا 50% اعلى من قيمة الفوائد الكلية للقرض يجعل العملية اكثر احتمالا للوقوع في الغرم أو إفلاس المستفيد.
الفرق الآخر عدم الاستغلال والمساهمة في دفع عجلة الاقتصاد من خلال اشتراط تنفيذ بيوعات حقيقية. لكن كان يتم الدوران حول ذلك بشكليات غير مناسبة.
التمويل الإسلامي خاصة بالشكل المطروح ربما يصلح فقط من قبل دور مؤسسات عامة وليس خاصة، وتضبطه قوانين كما وضعنا أعلاه..
إجمالا تربط البنوك الإسلامية الأمر بتجارة ولا تعطي مالا دون تحديد الهدف ولا تزيد فوائد اذا تأخر السداد. لكنها مقابل ذلك تفرض فوائد أعلى وتربط قيمته بزمن السداد وتطلب ضمانات ولديها الاستعداد لمصادرة الضمانات اذا تأخر السداد.
يعني بمضاعفة الفوائد هي تكسب مقابل التسهيلات الشكلية وننتهي أن البنوك الإسلامية ربما تصبح أسوا اذا كانت خاصة. وقد بادرت بنوك غربية بتبني النمط لأنه أكثر ربحا. عند تساوي الفوائد عندها يكونون أفضل لكن ليس كثيرا. فحصت ما كان يعرض والفوائد ضعف البنكية أحيانا. طبعا وضع البنكين بالتشابه لا يعني تفضيل أي منهما لانهما لا يحققان تعريف غير الربوي.
2- الأنظمة الاشتراكية:
في النظم الاشتراكية يدار الاقتصاد نظريا من قبل القطاع العام الذي يعتبر ملكا للدولة وعليه فليس هناك دوافع لوضع فوائد أو ظهور شبكات السماسرة والمضاربين. لذلك يعرف أن الدول الاشتراكية لا تواجه تواجه مشاكل ربوية حادة لكن واجهتها مشال مستعصية عموما وهي انهيار عملاتها بشكل عام وهذا ربما سببه محاربة النظام الربوي العالمي.
المميز الآخر للأنظمة الاشتراكية أنها لا تشجع الاقتراض عموما والاشتراكية الصحيحة لا تقبل تراكم ديون على الدولة.
المشكلة الأساس مع أن ملكية القطاع العام للشعب نظريا إلا أنها تدار من طبقة تتصرف كأنها تملك ولكنها لا تخسر حين ينهار النظام لا نها لا تملكه قانونيا وهذا ينتج قلة كفاء إدارة وإمكانية فساد عالية ومستوى إبداع ضعيف ( المال السائب يعلم الحرمنة). اذا توفر الصدق والأمانة فالنظام الاشتراكي عموما ينجح. ولكن كيف تحمي من الفساد هي معضلة كل النظم الاشتراكية. ينتج عن ذلك الفقر والجوع ونقص السلع دائما يضاف الى ذلك الاستبداد وهيمنة النخبة وتلك عيوب أصيلة في النظام.
النظام لذي يحقق شروط الإسلام مميز الصلاحية. وقد اقتبسنا ما يلزم لوضع الشروط ولخصنا ذلك في دراسة طويلة باسم مجتمع ما بعد الرأسمالية وكنا نقصد به (النظام الذي يحقق قيود ومحددات الإسلام). لا أحبذ استخدام النظام الإسلامي بل ما يحقق الشرط الإسلامي لأنه عادة يوجد أكثر من نظام يحقق تلك الشروط. تلك رحمة من الله.
سادسا: تجربة المؤسسة العربية للتنمية
أسسنا عام 1989 مؤسسة للتمويل العام وغير ربحية وحصلنا على تمويلات من أوروبا وصناديق التنمية العربية بقيمة وصلت إلى فوق 70 مليون دولارا في سنة واحدة وذلك فترة انتفاضة 1987. وقد تقدم الآف الأفراد بطلبات قروض لمشاريع أو إسكانات وقد حصرنا قنوات التمويل لمشاريع صناعية وخدمات واستصلاح أراضي وإسكان وطبقنا معايير التمويل غير الربوي بالحد الأقصى وحيث ليس هناك ربح مطلوب إلا الإبقاء على رأس المال فقد تمكنا من خدمة الإقراض بنسب صغيرة.
أسسنا عددا من الشركات تقوم على آلية التمويل التي ذكرنا بحيث نغطي نصف رأس المال بقروض ميسرة والنصف الآخر من مستثمرين محليين من بلد الشركة. وقد اشترطنا أن لا يحصل المستثمر على حصة من القرض التي يجب أن تذهب لأفراد من نفس المنطقة يرشحهم المستثمرون بشركات يفترض أنها مدروسة ورابحة ونوفر كفالة لنصف راس مالها من المؤسسة. هم يملكون مساهمات بنصف المال ويحصلون على الربح من أول يوم بينما المقترضون عليهم السداد من الأرباح.
المسألة كانت منطقية المستثمر يريد الربح ومساعدة أبناء بلدته. نحن نريد مشاركته عن طريق تمويل منطقته ومن يختارون ممن تنطبق عليهم شروط الإقراض. الهدف ليستفيدوا من جهة، ولتوفير سيولة للشركة و نكفل المشرع مقابل بقاء الأسهم محجوزة حتى السداد الكامل.
كانت الفكرة مغرية لعدد كافي من المستثمرين الصغار نسبيا ومرفوضة من قبل الحيتان. وقد أبلغناهم لن تحصلوا على دولار واحد دون شروطنا.
شروط الحصول على القروض
- أن يكون مناضلا أو أسرة معدمة أو شابا متعلما في مقتبل حياته ولديه خبرة تقنية أو إدارية.
- تعطي أولية التوظيف للمساهمين ولكن مع شرط تحقق الكفاءة.
- يساهم المستفيدون بنصف مجلس إدارة الشركة والمستثمرون بالنصف الآخر.
- تكون المؤسسة الممولة ضامنا للاتفاق. وتتحمل نسبة من الخسائر.
كان هدفنا التطوير وليس الربح. لذلك كنا نريد للمال الذي نستثمر ألا يتضاءل بل يبقى على قيمته. لهذا احتسبنا التكاليف الإدارية ونقص القيمة الشرائية كإجمالي تكلفة القرض بمعيار اعتبرناه ربما يصل إلى 4% اذا كان التمويل اقل من مليون و3% لأكثر من ذلك خلال سنة تمويل. هذه التكاليف تمت بناء على حسابات المؤسسة التمويلية.
وفرنا للمستفيدين ثلاث طرق للسداد واحتساب رسوم أو سميها فوائد لا فرق تغطي تكاليف التمويل
- نحسب نهاية كل سنة التكاليف الفعلية ونوزعها على كمية التمويل وتحتسب نسبة الخدمة كذلك على ألا تزيد عن 4% سنويا
- نضع نسبة مقطوعة ب 3% سنويا يعني باقل من سقف التكلفة وحوالي متوسطها.
- نساهم بمرابحات بأقل نسب متعارف عليها وافترضنا 20% من الأرباح رقما معقولا طبعا بالنسبة لنا المرابحة تفيد المؤسسة ولا تفيد المشرفين الذين كانوا يعملون تطوعا. وفقط يتم دفع الموظفين الملتحقين.
- غالبية المتقدمين كانوا يفضلون الحل الثاني.
كان الإقبال كبيرا جدا بحيث وصلنا الآف الطلبات التمويلية لكافة القطاعات وكان هناك أولوية لاستصلاح الأراضي والسكان. المهم كان لدينا 70 مليون ووصلنا طلبات بقيمة 200 مليون خلال سنة.
كنا نقوم بدراسات الجدوى على حساب المؤسسة ولا نطلب دراسات مستقلة بل ننجز الدراسة حسب معطياتنا من خلال الإجابة على استمارة مفصلة تستخرج منها الجدوى والمخاطر والربحية واسترداد رأس المال مباشرة.
بناء عليه اعتمدنا مشاريع بتغطية التمويل المتوفر توزع على مدى 3-5 سنوات وتسدد كذلك. اذا طبقنا قواعد التعريف نرى أن التمويل يحقق شروط التمويل غير الربوي.
دراسات وأنظمة المؤسسة متوفرة لكن تمت تصفية المشروع لأسباب سياسية واقتصادية من مناوئي التمويل من طبقة راس المال، ودور الاحتلال في محاربة الإسكان واستصلاح الأراضي.
مشروع الإسكان الذي تقدمنا فيه بتمويل 200 مليون لمرة واحدة لبناء 5000 وحدة سكنية سنويا بقروض سداد 5-10 سنوات. وقد أثبتت الدراسة إمكانية ذلك وتم وضع كافة المخططات الهندسية لكافة النماذج في دراسة ساعدت فيها النقابة تطوعيا عام 1990. حصلنا على اعتماد تمويل ب 60 مليون خلال شهر من تقيم الطلب وتواصلت مؤسسات أخرى لتغطية نسب من بقية المبلغ الإجمالي.
رفضت الإدارة المدنية تنفيذ مشاريع في الريف واقتصرت على المدن والعمارات والأبراج وقد رفضنا ذلك. تمت تصفية المؤسسة عمليا عام 1992 مع بشائر مدريد الذي رفضنا المشاركة به رغم دعوتنا لذلك.
كل عام وانتم بخير.