القرآن والسنة النبوية

January 15, 2025 Off By Salman Salman

القرآن والسنة النبوية

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

التاريخ 7-3-2007

هذه المقالة بالأساس تقييم لموقف ودراسات واجتهادات الدكتور أحمد صبحي منصور الأزهري والذي فصل من التدريس بالأزهر لأسباب خلاف في الرؤية الدينية بينه وبين مشايخ الأزهر وما تبع ذلك من هجرة له للولايات المتحدة واستمراره بنشر مقالات مثيرة للجدل دينيا وسياسيا واقتصاديا. وللتفصيل يمكن الرجوع لموقعه http://www.ahl-alquran.com/English/aboutus.php#intro وهو يعتبر نفسه قرآنيا يكتفي بالقرآن الكريم مرجعا للحقيقة التامة.

لكن المقالة أيضا محاولة لتسوية أمور خلافية يعاني منها الاجتهاد بشكل عام, ولها علاقة بالمنهجية وطريقة التعريف للحقيقة المطلقة مقابل الحقائق الموضوعية الدنيوية وتشتق من ذلك وسيلة لا تبدو خارج المألوف طبعا وتتفق مع أصول الفهم الديني لكنها لم تطبق بما يكفي لتوحيد الفهم الإسلامي على مر العصور.

لست مختصا بالفقه ولا أدعي إلماما كافيا بالتراث لأستطيع تفنيد أو تثبت كل أمر تفصيلي يتعلق بدعاوى الدكتور صبحي منصور “بخصوص كمال القرآن وعدم جدوى الاعتماد على ما يصطلح عليه بالسنة النبوية القولية أو الفعلية”.

لكن بالتحليل المنطقي يمكننا التوصل لبعض النتائج

  1. مقولة الدكتور منصور الأساسية هي “أن القرآن كامل ولا يلزم غيرة للتشريع أو العقيدة وأن القراءة القرآنية الواعية تكفي للوصول لكل ما يلزم”. وحتى هنا فالمقولة صحيحة ولا غبار عليها وهي أصل الدين ومرجعيته. فبدون الإيمان المطلق بصحة وكمال القرآن يفتح المجال واسعا للشك والظن وما يتبع ذلك من الشرك وتداخل التراث بالعقيدة.
  2. بإيراد أدلة كثيرة من القرآن الكريم يحاول الدكتور منصور إثبات أن الحديث النبوي أو ما يروى عن النبي(ص) من خارج الوحي يمثل تراثا لا يلزم تقديسه.
  3. لأجل ترسيخ الطعن وتبريره يتطرق الدكتور منصور بكثير من التفصيل والروتين لإثبات احتمالية الخلل في طرق جمع الأحاديث النبوية أو انفصالها الزمني ويورد أمثلة كثيرة على تناقض في أحاديث مروية بالصحاح للتدليل على صعوبة اعتماد هذه الكتب مراجع توازي القرآن الكريم أو لتكون مرجعية ثانية.
  4. بالتسلسل المنطقي لا يبدو في الموقف شططا حتى هذه النقطة. المشكلة تبدأ عند محاولة الدكتور منصور التعميم بعد ذلك وبإصرار غير مألوف من باحث علمي موضوعي على “عدم جدوى الحديث من أصله وان الحل يكفي بالقرآن”. وبنظره غير موضوعية يبدو كأنه ينكر على الرسول(ص) الحديث بمنطق سليم يدعم ويشرح ويفصل ما ورد من الوحي. وهنا يبدأ الشطط في رأيي.

عندما يحاول الدكتور منصور نفسه الوصول لبعض النتائج مستعينا بالقرآن الكريم فقط يحتاج بالتأكيد إلى إيراد الآيات ذات العلاقة وتفسيرها لغويا وتجميع المتناسب منها واستثناء ما يبدو مناقضا من خلال تفسير زمني أو لغوي يلغي التناقض الظاهري بحيث يصل إلى تسوية للموضوع ذي العلاقة وليعطي اجتهادا له معنى متصلا ومنسجما.

ما دام الشرح والتحليل ضروري للوصول إلى معظم الاستنتاجات أليس من الأولى لمن يستقبل الوحي القيام بهذا الجهد. هل يعقل أن يسمح للمجتهدين تفسير القرآن ولا يحق للرسول( ص) ذلك. طبعا هذا غير معقول.

طبعا سيجيب الدكتور منصور أن هذا ليس ما يقصد. ولا اعتقد أنه يقصد رفض كل ما يقول النبي (ص) مبدأيا. هو يريد الفصل الصارم بين ما يفسره الرسول (ص) وبين ما يوحى إليه وليس في هذا مشكلة. لكنه بسبب اعتقاده بسلبيات الاعتماد على الحديث حسب التراث فهو يعتقد أن ضررها أكبر من نفعها مما يجعله منغلقا ضد كل ما يشير للحديث النبوي وفي هذا تجاوز للموضوعية.

مهما تم الانحراف عن سنة الله كما وردت في القرآن بسبب الاستعانة بأحاديث منسوبة زورا للنبي (ص) فهذا لا يلغي أحقية الرسول (ص) بتفسير القرآن وتوضيح معانيه ولا يمكن أن يلغي الأسوة الحسنة التي يتحلى بها الرسول (ص).

لا أريد الخوض طويلا بالطريقة التقليدية لإثبات تكليف الرسول (ص) بالوحي لكنه أيضا نبي يفقه القرآن الكريم أفضل من كل الناس ومن الطبيعي الاستعانة بما يقول أو يفعل لإدراك الأبعاد التفصيلية للدين بإجماله.

لا يستطيع أي تحليل منطقي قبول اجتهاد من يؤمن بالقرآن الكريم ويتحفظ على أقوال وتفسير الرسول (ص) لهذا القرآن. فهذا غير معقول وغير منطقي وبه معاداة غير عادلة لقيمة الرسول (ص) وحيا أو إنسانا.

طبعا من خلال تحليلات واجتهادات الدكتور منصور نراه يشط أحيانا بفتاوى غريبة تتناقض مع القرآن الكريم نفسه لأنه لا يلم في بعض الأحيان (بعمد أو غير عمد لا اعرف) بكل الحيثيات والآيات ذات العلاقة.

هناك أمثلة من القرآن الكريم تثبت عكس ما توصل إليه الدكتور منصور بخصوص الجزية والدعوة وزواج الكتابي وبعض الأمثلة الأخرى.

بنفس الوقت فان اجتهادات الدكتور منصور تكشف خللا أو ضعفا أو انحرافا في كثير من القضايا صعبة القبول في الدين. لأنها تتناقض مع أصول القرآن الكريم مثل بعض الأحاديث التي تتناقض مع ما ورد في القرآن أو بعض الروايات التي تدعي سقوط آيات قرآنية مثل آية الرجم أو غير ذلك. من السهل قبول تفسير الدكتور منصور لبعض التطور التاريخي الذي أدى إلى نمو بالتراث الديني لا ينطبق بالضرورة مع العقيدة الأصيلة.

ليس صعبا إدراك ذلك وإلا لما واجهتنا انقسامات الشيعة والسنة والمذاهب المختلفة.

لكن كما يقول المثل: إذا نجح الاستنتاج والقياس في بعض الأحيان فربما يؤدي ذلك إلى العدمية في أحيان أخرى extrapolation may lead to absurdity) ) ونربأ بالدكتور منصور الوصول لتلك النهايات من خلال بعض التمادي بالاستنتاج والقياس.

نعم هناك بعض من الخلل في التراث وفي الفهم العام للدين الإسلامي والمذاهب المختلفة خير دليل. وتقديس الأحاديث النبوية دون فحصها أمام القرآن الكريم يعتبر نوعا من الشرك الباطن يسمح للتحريف والتزوير ومن الضروري إيقاف ذلك. لكن لتحقيق هذا الهدف الكبير لا بد من وضع أسس صلبة بمستوى المسئولية:

المسلمات الأساسية

  1. القرآن الكريم مرجعية وافية لا ينقصها أصل أو فرع وأي طرح يضيف لما ورد في القرآن الكريم في الأصول أو يناقض ما ورد به لا يمكن قبوله مهما كانت المرجعيات.
  2. الرسول (ص) صادق ومخلص لرسالة الله المكلف بها ولا يمكن للرسول (ص) أن يفسر القرآن الكريم خطأ أو يضيف عليه تفسيرا غير ما كلفه الله به. ومن المستحيل أن يمارس بحياته ما يتناقض مع القرآن الكريم دون تصحيح إلهي لسلوكه أو وعي من طرفه لتصحيحه. بحيث يبقي ما يقول الرسول (ص) أو يفعل مرجعا يستحق الاعتماد والاعتبار كمرجعية تفصيلية وتفسيرية لما ورد في القرآن الكريم.
  3. لأن من الثابت تاريخيا ادعاء الكثيرين على الرسول(ص) القول والفعل فان ما ينسب للرسول (ص) حديثا أو سلوكا لا يمكن اعتباره خارج الشك أو حتى الرفض بمجرد الادعاء أنه منسوب للرسول (ص).
  4. بسبب ذلك فقد اجتهد الباحثون خلال القرنين الأولين لفرز الغث من السمين بمحاولات مشكورة وتستحق التقدير لتصنيف مستويات الحديث بطرق كانت موفقة بمستويات مختلفة بين عدد كبير منهم لتفاوت في المنهج البحثي أو لتزوير لاحق لنفس هذه الدراسات ربما. وعليه لا يمكن الجزم بصحة كل ما ورد بالتراث بصورة مطلقة واجبية القبول دون تحفظ وخاصة عند تناقض ذلك مع أصول القرآن الكريم.
  5. مهما ارتقى اجتهاد السابقين فمن حق اللاحقين بل من واجبهم الديني إعادة تقييم هذه الكتب والمراجع وتصنيفها بشكل يحقق درجات قبولها ليتم قبول ما يدعم أو لا يتناقض أو يضيف للقران الكريم وما ورد به.
  6. على هذا الأساس لا داعي لإعلان الحرب على التراث النبوي أو الاجتهادي وإنما علينا تمحيص ذلك دوريا بكل الجد والاجتهاد وتصنيف مستويات القبول بنظام أكثر شمولية من المدروس والمطبق تاريخيا.

أسس التقييم للتراث النبوي والاجتهادي

  1. المرجعيات والرواة وتسلسلها تعتبر مرجعية أولية للفرز بمستوى الصفر. وفي هذا المستوى يتم رفض كل المطعون بتسلسله الروائي وقبول كل ما ورد بقوة وهذا يساوي الأسس القديمة والمعتمدة. وبهذا نبدأ من الأحاديث حسب قبولها التاريخي. يتم رفض كل ما هو مرفوض تاريخيا من مستوى موضوع واعتماد ما فوق حسن. وطبعا لا يهم كثيرا التشدد في الاستثناء لان هناك فحوصا أخرى سوف تلغي أي مقولات خاطئة متسربة من الفرز الأولي.
  2. تقيم الأحاديث المقبولة من الفرز الأولي بمحتواها ومعناها وهذا هو الأهم: ويتم التصنيف بأربع مستويات:
    • منسجمة مع القرآن الكريم ومفسرة لآياته.
    • منسجمة مع القرآن الكريم وبإضافات في الفروع.
    • منسجمة مع القرآن الكريم وبإضافات في الأصول.
    • متناقضة مع القرآن الكريم.
  3. طبعا يرفض المستوى الرابع دون تردد. أما المستويات الثلاث الأولى فيتم قبول الأول منها دون تحفظ ويتم قبول الثاني مع الانتباه للإضافات واعتبارها ما يسمي “سنة نبوية” اصطلاحا. وتشجيع تطبيقها لأنها لا تؤدي لخلل في الفهم العام للدين بل تعمقه.
  4. يتم التحفظ على المستوى الثالث بشكل كبير ولا يجوز اعتبار أي منه ملزما بالعقيدة لكن دون ضرورة الرفض التكفيري لها وتبقي ضمن حالة التقييم التراثي.
  5. بهذا التصنيف نصل إلى تقييم جديد لكل ما ورد عن الرسول (ص) أو حتى عن الصحابة. ويتم فرز التراث بشكل يحفظ الأصول ويضمن التكامل مع القرآن الكريم. وفي هذا فمصدر التقييم الشامل هو القرآن الكريم فعلا.

بعد هذه العملية يمكن للمجتهدين والخبراء وضع التوصيات المناسبة بخصوص الفتاوى المطلوبة وذات العلاقة. ويستمر هذا التقييم مفتوحا في الزمان ولكن تطبق وسائل البحث الموضوعي عليها حسب الأصول. هل في هذا مشكلة للسيد منصور.

بهذه الطريقة طبعا ستنشأ خلافات بين المذاهب المختلفة ورفض من المذاهب المحافظة القائمة وربما تؤدي لخلافات أكبر إذا لم تراعى فيها النزاهة والإخلاص في سبيل الله. لكن هذا موضوع آخر يحتاج إلى معالجة منفصلة. نكتفي هنا بالمبدأ العام.

أعتقد أن هذا المنهج يتسق مع أصول مذهب السنة المألوف مع أنه سوف يؤدي إلى بعض الاختلاف في النتائج، وهو بنفس الدرجة سيقبل كمنهج من الشيعة أيضا ولكنه سيجلب بعض الاختلاف لاحقا. لكن المؤكد أن تطبيقه بأمانة سوف يقرب المذاهب نوعيا وبشكل لا يتطلب تنازلات سياسية مسبقة من تلك المذاهب أو أتباعها. وهذا جيد.

ربما يختلف هذا أيضا مع منهج من يعتبرون أنفسهم قرآنيين مثل الدكتور منصور حسب المألوف منهم لأنهم ربما يرفضون البدء أصلا بقبول أحاديث الرسول الكريم وهذا خطأ. فإن أهملنا كل ما قال الرسول (ص) خارج النص القرآني فسوف نحتاج للكثير من التفسير من قبلنا وسوف نرتكب حماقات مؤكدة تحتاج مرة أخرى إلى أبحاث لاحقة تكشف الخلل بها.

أما هنا فنحن لا نرمي بتراثنا الجيد بسبب اختلاطه بغير ذلك. بل نعمق مستوى البحث ونوسع مجال الاجتهاد دون التخلي عن الأصل وهو القرآن الكريم وحقيقة صدق الرسول الكريم. إذا كان ما نشرح ينطبق على فهم القرآنيين فهذا زيادة في الخير ونكون عند ذلك متوافقين.