مصطلحات تائهة
مصطلحات تائهة 2012
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
حكومة الوحدة الوطنية:
تبدو كأنها المنقذ ومع ذلك لا يتفق الجميع على تشكيلها. حكومة الوحدة ليست قدرا للحكم السليم لكنها محبذة عند وجود خطر خارجي داهم واتفاق داخلي كاف لمواجهة الخطر او تنفيذ الهجوم المضاد. في حالة فلسطين فالخطر داهم لكن أهم سبب لقوة ذلك الخطر هو الانفصام الداخلي. مصدر الخطر هو نفس السبب الذي يمنع تشكيل حكومة الوحدة.
توقفت طويلا عند مقترحات الشخصيات العامة للخروج من الأزمة: يقترحون مهلة لحكومة الوحدة فان لم تحصل يتم التوافق على تشكيل حكومة انتقالية من جميع الفصائل( بماذا تختلف عن حكومة الوحدة عند ذلك – ربما بإلغاء اعتمادها من التشريعي فقط. واذا أمكن التوافق فما الذي يمنع تشكيل حكومة الوحدة إذن – ربما التوافق يعني إعطاء وزن متساو للفصائل بدلا من الوزن النسبي. والله اعلم)
حكومة الوحدة لن تكون دون حد أدنى من الاتفاق وهذا غير موجود ويتبع ذلك أن أي حكومة توافق غير ممكنة الا بتغير الوزن النسبي كثيرا.
محددات الحكم:
كثر الحديث عن اتفاق لمحددات الحكومة على اساس وثيقة الوفاق الوطني ومن ثم تراجع حماس عن ذلك. وقرأت البنود ولم أجد فروقا جوهرية عن الوثيقة. أولا لماذا تم وضعها كبنود محددة من خارج الوثيقة ولم يتم الاعتماد كاملا للوثيقة. ريما تم ذلك للخروج من معضلة المطالب الدولية. لو كنت امثل المطالب الدولية لما قبلت باتفاق المحددات أيضا لأنها لا تختلف جوهريا عن الوثيقة. إذن على ماذا الطوشة:
كما يبدو فأميركا تقبل رفع الحصار إذا ضمنت واحدا من ثلاث مواقف( مع التذكير ان الحصار الدولي لم يصدر بأي قرار وليس هناك ما يبرر امتناع العالم عن الدعم غير مجاراة أميركا)
- قبول رسمي لمتطلبات الرباعية بغض النظر عمن في الحكم وهذا لا تقبله حماس.
- قبول ضمني لمتطلبات الرباعية من خلال انسحاب حماس من الحكم وهذا مرفوض من حماس أيضا.
- قبول ضمني من خلال هيمنة على الحكومة موالية للمطالب الدولية.
وكما يبدو كان أمل اتفاق المحددات تحقيق اختراق حسب البند الثالث لكن إصرار حماس تقييد طريقة اختيار الأسماء هو الذي افقد المخرج قيمته بالنسبة لأميركا. فجاء الفيتو وتم اتهام حماس بالتراجع.
المحددات لا تكون اتفاقا داخليا خاضعا لمزاج الفيتو الاميركي. لن يحقق ذلك شيئا. المحددات كانت وثيقة الوفاق ولو امن الجميع بالالتزام الفعلي بها لامكن تخريج حكومة ستكون محاصرة لفترة ولكن بسبب الموقف الموحد لن يستمر الحصار. المشكلة مرة اخرى عدم الاستعداد لاتخاذ مواقف موحدة أساسا.
الهدنة والاعتراف:
يقولون في فتح ان حماس تعترف فعلا بإسرائيل ولكن بشكل مكابر. وان عرض الهدنة وقبول 67 يساوي الاعتراف. كأنهم بذلك يقولون ان حماس حققت شروط الدولية ولكنهم في نفس اللحظة يدينون حماس بسبب تعنتها ورفضها للتجاوب مع المتطلبات الدولية. كيف يستقيم ذلك.
الهدنة لا تفترض الاعتراف أصلا والاعتراف المقصود هنا قبول حق إسرائيل في الأراضي التي تحتلها كيانا بديلا للشعب الفلسطيني. والاعتراف بإسرائيل يعني قبول حقها مسبقا في أراضي 48 مع المساومة على أراضي 67. وهذا يختلف تماما عن الهدنة. فالهدنة إيقاف الأعمال العدائية بين طرفين لا يشترط ان يعترفوا ببعضهم او لبعضهم او أي شيء آخر.
بل ان قبول 67 كحل لا يعني الاعتراف بالاحتلال لما قبل ذلك. انه يعني فقط الاعتراف بالأمر الواقع وقبول هدنة ونسوية مرحلية بحدود 67. وهذا لا يساوي الاعتراف المطلوب من إسرائيل وأميركا. وعلية فهناك مشكلة فعلية لا يمكن القفز عنها بالفهلوة.
قبول المشاركة بالانتخابات يعني قبول اوسلو
الأمر ليس كذلك لان أوسلو أصبحت أمرا واقعا تم فرضه على الشعب بسبب خلل في موازين القوة والشعب لم يستفت في اوسلو للحكم عليه. ولو كان هناك ثقة بقبول الشعب لتم استفتاء بقبول اوسلو او رفضه. فان قبل الشعب يصبح قبول المشاركة في الحكم ملزما باوسلو. لكن ذلك لم يحصل واوسلو تم تمريره بالفهلوة والآن يريدون بالفهلوة منع الشعب حتى من الاعتراض عليه بالطرق القانونية فماذا يبقى.
الإضراب حق نقابي
بأي معنى هو حق نقابي: يكون ذلك عندما تتوفر آفاق وتمويل والحكومة تتنازع مع العاملين على قضايا نقابية. المشكلة هنا ليست كذلك فالمال محجوز وممنوع من الصرف والعاملون لا يقبضون رواتبهم بسبب ذلك فقط.
هذا يعني ان ساس المشكلة النقابية سياسي وكل تحرك ضمن ذلك سوف يخدم الموقف السياسي الآخر. هو مشاركة بقصد او دون قصد في توجيه مستقبل الموقف السياسي القومي مقابل الراتب. هذا عودة لما قبل السياسة حسب مصطلح عزمي بشارة.
لكن الحجة: ماذا نعمل. نحن لا نجد القوت. السؤال هل الإضراب يسرع عملية دفع الرواتب أم يأمل تسريع عملية سقوط الحكومة. ألا يصب ذلك مرة اخرى في صلب توجيه الموقف السياسي.
يبقي رغم ذلك السؤال: ما ذنب العاملين بحرمانهم من رواتبهم. الحق أن هذه مشكلة على الحكومة معالجتها بطرق متعددة حتى بالمتوفر. كما يبدو لم تقم الحكومة ببذل الجهد الكافي او الإبداعي لمواجهة المشكلة او تجزئتها حسب القيمة. هذه مشكلة تحسب على حماس.
لا يكفي قبولنا ان الإضراب يخدم مخطط إسقاط الحكومة لإعفاء الحكومة من بذل الجهد للخروج بحل حتى ضمن الظرف الحرج الذي تعيشه. هي حكومة وثق بها الشعب لاعتقاده بأمانتهم وحسن تقديرهم وإخلاصهم للمصلحة الوطنية ومن أسسها صمود الناس المعيشي.
بقاء الحكومة وانهيار الصمود الوطني يعتبر فشلا استراتيجيا من نفس نوع سقوط الحكومة مع التنازل عن الثوابت مقابل رغيف الخبز. هكذا ببساطة.
الالتزام بالنظام الأساسي يمنع تغييره
مبالغة في التوصيف فالنظام لم يوضع بهذه الطريقة الفجة. مع انه يفترض تحكم إسرائيل إلا انه صمم بطريقة تسمح بالاستقلال أخيرا وهذا يحفظ لمن عمل على وضعه. الالتزام بالنظام هو وصفة قانونية حتى تحقيق التغيير التالي. و الالتزام لا يعني عدم العمل على تغيير النظام مع ان البعض يحاول الخلط.
حق العودة والعودة للاماكن الأصلية
يتم الخلط هنا كثيرا. فالبعض أراد اختصار حق العودة بالعودة للكيان الفلسطيني وليس للممتلكات الأصلية. وأراد أيضا حق التعويض بدلا من العودة وهذا تشويه لمفهوم العودة.
حق العودة حسب القانون الدولي هو العودة للممتلكات الأصلية: اقامة وتملكا واستخداما مع التعويض عن الخسائر بسبب الإبعاد يتناسب مع فترة الإبعاد والضرر. غير ذلك تزوير للنص.
طبعا يقولون وهل من المعقول ان تقبل إسرائيل بذلك. لن تقبل إسرائيل بذلك. لكن هل من المفروض ان نقيد مفاهيمنا وسقوف طموحنا بما تقبل به إسرائيل. ألا يعادل ذلك الاستسلام المطلق.
وحدة الشعب الفلسطيني
من الناحية العملية لا توجد وحدة. بل ممارسة حزبية تمزق الوحدة مع أنها الرابط الوحيد المتبقي للشعب الفلسطيني للصمود والاستمرار.
كيف نقول بوحدة الشعب ونحن نرى تناقض ظروف الناس حتى ضمن الجغرافيا الواحدة: سياسيا او اجتماعيا او اقتصاديا. كيف نوحد الشعب عندما نرى كل مجموعة تعاني منفصلة عن الأخرى:
في السبعينات كان العامل هو السيد والمثقف حمار المجهول والتاجر مستفيد من الاحتلال. في الثمانينات وفترة الانتفاضة الأولي أصبح الطالب والمثقف هو السيد والعامل أصبح الحمار المجهول والمتعاون مع الاحتلال هرب الى إسرائيل.
بعد اوسلو استمر العامل مسلوبا وتم تحويل هوية المثقف وتدجين الطالب. أصبح العائد هو السيد التابع للسلطة ونشأت طبقة اوسلو المنفتحة على الاحتلال.
قبل اوسلو كان الشعب مختلفا في ظروفه لكن رأسة الموجه كان يؤمن بوحدته ويعتبر المستفيدين من الاحتلال عملاء دون روتوش. بعد اوسلو انعكس المفهوم وأصبحت الامتيازات الممنوحة من الاحتلال تعبيرا عن درجة النفوذ الوطني والجاه في السلطة.
في الانتفاضة الحالبة نعرف كيف يتم تمزيق الشرائح الاجتماعية وكيف هادنت طبقة راس المال السياسي من اجل التحكم والهيمنة على مقدرات الناس وأصبحت الامتيازات والاحتكارات محمية دو خجل. أصبح راس المال المدعوم هو السيد والمثقف الحر والعامل والمناضل والطالب الحمير المجهولة. طبعا لا حاجة للتوسع لتقييم شرائح الشعب في الشتات وفي فلسطين 48.
وحدة الشعب تعني انه جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وهذا ابعد ما يكون عن واقعنا.
تطبيق القانون ووحدة السلطة والخروج على القانون
هنا حدث ولا حرج فلن تجد فهما مستقيما أبدا. فعندما احتج معارضوا اوسلو في التسعينات تم عقابهم بشعار تهديدهم المشروع الوطني وتحديهم وحدانية السلطة. وعندما نجحت حماس وشكلت الحكومة باتت وحدانية السلطة مفهوما سابقا وأصبح هناك اكثر من سلطة: منظمة التحرير والرئاسة والحكومة والأحزاب والكتائب وأصبح الفلتان جزءا من تعددية السلطة. عندما حاولت الحكومة إثبات سلطتها أمام المضربين الذين تجاوزوا حسب القانون (ولم يتجاوزا حسب قانون القوى المعارضة للحكومة) أصبح إجراؤها حربا تستحق الرد من نوع مختلف في مكان مختلف.
لقد انهار مفهوم السلطة الواحدة فهما سياسيا او كيانا قانونيا او واقعا تنفيذيا ولن نخرج إلا بحسم من نوع ما. لا بد ان هناك حاجة لاستفتاء جماهيري يسال الناس عن الثوابت وبعض الأمور الأخرى فإذا أعلن الشعب تراجعا عن مبادئه يكون لكل حادث حديث. سبب الانفلات الأمني هو انفلات سياسي وصراع بقاء بين الأحزاب لا يمكن حشره ضمن الصراع على السلطة. وإنما الصراع على قيادة مسيرة الشعب حلا أم مقاومة.
الى اللقاء في مقالة ومصطلحات حائرة جديدة.