مسائل مفصلية لمستقبل القضية
مسائل مفصلية لمستقبل القضية
10/10/2006
د. سلمان محمد سلمان
بعد الماراثون الطويل منذ الانتخابات وما تبع ذلك من حصار ومقاطعة وقيود لا يبدو في الأفق انفراج سياسي سريع. وستكون الخطوات الدولية محدودة لمنع انهيار كامل في الوضع الإنساني والمعيشي والأمني.
وسيعتمد المستقبل على مجموعة عوامل إقليمية ودولية أهمها مستقبل العراق وطبيعة تطور الأزمة النووية مع إيران وحسم الموقف اللبناني وكيفية تطور نفوذ الإدارة الأميركية داخل أميركا. وتتداخل العوامل وتعتمد على بعضها وكل موقف سيؤثر على مواقف الآخرين. وبالنسبة للفلسطينيين والحكومة تحديدا فسوف يكون لثلاثة مواقف داخلية رئيسة تأثيرا مفصليا على مستقبلها ودورها.
الموقف الأول يتعلق بالتعامل مع المطالب الدولية. والنجاح ان تستطيع الحكومة كسر أو إضعاف الحصار الدولي دون التنازل عن المبادئ الأساسية وهي (عدم الاعتراف لإسرائيل بحق السيطرة على فلسطين والمحافظة على حق العودة وعدم التخلي عن حق المقاومة).
وأي تنازل في أي بند سيكلف الحركة والشعب الفلسطيني مسلسلا من التنازلات لا يتوقف حتى تحقيق كامل مطالب الغرب. وأفضل السبل قطع الطريق على الرهانات بتغيير الموقف الحكومي. لأنه كلما استمر أمل بتغيير في موقف الحكومة كلما استمر الضغط. وطبعا يحاول البعض التخويف ان عدم تغيير موقف الحكومة سيؤدي الى إسقاطها ومصائب تحل بالشعب. والحقيقة انه رغم صعوبة حصول ذلك فانه يظل اقل سوءا من التنازل.
الأمر الثاني العمل الحثيث نحو إعادة تشكيل المنظمة بأسرع وقت. ولذلك دور مفصلي في تدعيم الموقف الأول وكل يوم تأخير سوف يكلف القضية والمجتمع. وسيضعف موقف وقدرة الحكومة على التكامل مع الموقف الشعبي ويؤدي الى انهيارات في الوحدة الوطنية.
لقد اجتمعت الفصائل مرتين في سوريا ووضعت خططا لإعادة تشكيل المنظمة ومن المفروض ان يبدأ العمل الفعلي بإعلان تشكيل هيئة تحضيرية وإعلان انتهاء صلاحية اللجان والمؤسسات القائمة واعتبارها مؤسسات تسيير. والبدء بخطوات التشكيل الفعلية دون الدخول في نقاش شرعية وبرامج ما تم اعتماده سابقا فالمجلس الجديد سيد نفسه ويمكنه ومن حقه تقييم كل المواقف السابقة.
وطبعا سوف يصطدم ذلك التحرك مع مواقف معارضة من رئاسة السلطة ومعارضة غربية. ولكنه سوف يخلق ديناميكا دعم جماهيري أوسع ومخرج لمشاركة اشمل للقوى الفلسطينية في الخارج.
لن يكون هناك إمكانية قانونية دولية بسحب شرعية المنظمة لأنها كيان معترف به من الجمعية العمومية للأمم المتحدة ولا يمكن حتى لمجلس الأمن إلغاء ذلك. بل لن تتمكن أميركا من إقناع مجلس الأمن استصدار أي موقف يلغي شرعية المنظمة. مع ان ذلك لن يمنع تحركات خارج القانون الدولي.
ولن ينعكس الأمر ميدانيا أسوأ من الوضع القائم محليا. فما وصل الأمر من حصار ومقاطعة من نصف مؤسسات السلطة للنصف الآخر وتخاذل البنوك لا يمكن ان يصبح أسوأ إلا باحتلال عسكري جديد ونحن في الاحتلال أصلا.
ومن يسلك درب الصمود يتوقع كامل المعارضة من الغرب والاحتلال. ولن يقبل الاحتلال بهم إلا ان يتبعوا ملتهم. ولكن لن تتجاوز العقوبات ما تتم ممارسته من حصار وحرب منذ بداية الانتفاضة ومع صعوبة ذلك إلا انه ليس جديدا.
الموقف المفصلي الثالث يتعلق بعدم الخضوع للمال السياسي: وسيكون لذلك تأثير كبير على قدرة الصمود الداخلي وبقاء الحركة الوطنية والإسلامية ممثلة لطموح مجمل الشعب الفلسطيني وعدم تحولها لخدمة مؤسسة حكم النخبة المالية سياسية كانت أو ثقافية.
الموقف يعتمد على الوفاء للمبادئ التي تعلن الحركة الالتزام بها وبقاءها أمينة للإسلام وللشعب. وألا تسلم أمرها السياسي أو المالي لضغوط الاقتصاد والمال السياسي الذي تشارك به قوى أجنبية وعربية ومحلية.
الصمود أمام إغراءات وتخويف المال السياسي يتم من خلال الاعتماد الأكبر على المال الوطني الحر والعام. وعلى رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة من الداخل والخارج وعلى ضبط الثروة الوطنية وعدم الرهان على راس المال الكبير الذي لن يستطيع الإسناد أو منع الأذى حتى لو أراد لأنه نفسه قابل للابتزاز ومطلوب منه تدجين الموقف الداخلي.
والا كيف نفسر تخاذل البنوك وأين المليارات الفلسطينية التي أودعها المواطنون وأين راس المال الكبير الذي يريد الاستثمار لبناء الوطن والصمود. أين توارت هذه الأموال في اللحظة الحرجة.
ان بقاء الحركة الوطنية و الإسلامية خارج نفوذ وهيمنة راس المال الكبير سوف يبقيها الأقدر على تمثيل القواعد الشعبية الواسعة وسيمنع احتمالات الفساد المرتبطة بوفرة مال النخبة.
وصمود الحركة الوطنية و الإسلامية سيوفر لها الفرصة (ولديها الإمكانية القانونية والعملية) لتكون قوة ضغط وليس العكس لاستخدام المال الوطني في قنواته الصحيحة. وستجد الحركة دعما كبيرا من راس المال المتوسط والوطني بأضعاف ما يمكن جمعه من الغرب أو من فتات استثمارات رأس المال السياسي. وهناك وسائل وطرق يمكنها تحقيق ذلك.
* أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين