نزار قباني: لم أكن أعرف أن لياسر عرفات ابنة اسمها بلقيس
نزار قباني: لم أكن أعرف أن لياسر عرفات ابنة اسمها بلقيس إلا في وقت متأخر. ما سر العلاقة بين عرفات وبلقيس الراوي.
عندما تزوج نزار قباني من ابنة ياسر عرفات قال نزار قباني : لم اكن اعرف ان لياسر عرفات ابنة اسمها بلقيس .. الا في وقت متأخر .. فليس في حياة القائد الفلسطيني ما يشير الى وجود ابنة له في ذلك الحين.
اذن فمن اين جاءت بلقيس وكيف تناديه ( يا ابي ) …ويناديها ( يا ابنتي)
كيف لم اكتشف انني صاهرت ابا عمار وتزوجت ابنته. وانجبت منها زينب وعمر. الا يوم قتلت بلقيس في 15/12/1981 تحت انقاض السفارة العراقية في بيروت ..
في هذا اليوم بالذات ظهر ابو عمار فجأة في منطقة الخراب
كانت امطار الحزن تغطي وجهه وكانت عيناه تشتعلان كجمرتين وكان يصرخ بصوت متهدج :
اين انت يا بلقيس اين انت يا ابنتي ردي على ابيك يا وردة الثورة الفلسطينية.
بقيت الوردة تحت الانقاض خمسة عشرة يوما. كان ابو عمار يذهب كل ليلة ، لينكش بين الحجارة والركام ونثارات العيون والاهداب المحترقة عن ابنته التي زوجني اياها دون ان يدري وتزوجتها دون ان ادري ان ياسر عرفات كان اباها
خلال اربعين يوما كان ياسر عرفات يمد جناحيه الكبيرين علينا ويقعد ساعات الى جانب أم بلقيس يلاطفها، ويداريها، ويواسيها ، ويكفكف دمعها
لا انسى أبداً نورانية وجهه وحنان تعابيره وهو يقدم لها لقمة الطعام بأصابعه وكوب الماء بيده محاولا ان يبدد غمامة الحزن عن عينيها وينتزع الابتسامة من شفتيها بأي ثمن.
في تلك اللحظات المضرجة بالدم والدمع المضروبة بالأعاصير والانواء. النازفة كجرح مفتوح. في تلك اللحظات عرفت الوجه الآخر لياسر عرفات
كلكم يعرف ياسر عرفات مناضلا وثائرا وقائدا تاريخيا للثورة الفلسطينية. لكنكم لا تعرفون ياسر عرفات حين يتحول الى غمامة ماء وجدول حنان ومنارة رحمة. ياسر عرفات عندما يخلع كوفيته وعقاله وجزمته ويترك غرفة العمليات والتقارير والخرائط وسيارة الرينج روفر ليمارس طفولته كأنقى ما تكون الطفولة وابوته كأعظم ما تكون.
ماذا يربط بلقيس بأبي عمار
بعيدا عن تعلق أي امرأة بشخصية البطل ورموز البطولة فإن ثمة سراَ كان يربط بين زوجتي والقائد الفلسطيني الكبير.
سراَ لم يتضح الا بعدما تحولت بلقيس الى غمامة بنفسجية وكوم رماد.
الحقيقة أن حماس ياسر عرفات لبلقيس، واصراره على تشييعها بكل المراسم التي يشيع بها ابطال الثورة الفلسطينية ككمال ناصر، وغسان كنفاني، وابي حسن سلامة، وكمال عدوان، وابي يوسف النجار تلقي اضواء على سر كبير
اما جنازة بلقيس، فحولها ياسر عرفات، الى مهرجان عزة وكرامة وعنفوان. فمشت خلف نعشها كل رموز الثورة المسلحة من دروع، ومصفحات، وصواريخ ومضادات ومقاتلين كأنما قرأ ابو عمار افكار بلقيس، فأراد ان يطمئنها، أن الثورة الفلسطينية لاتزال قوية، وشابة، وواثقة من نفسها
على الطريق من الجامع الى مقبرة الشهداء، كان ابو عمار يشد على يدي بقوة. كانت بلقيس تختال بثوب عرسها الابيض فقد كان من احلامها الكبرى أن تتزوج على هذه الطريقة.
الغريب، أن بلقيس، رغم عشرتنا الطويلة الجميلة التي استمرت اثني عشر عاما، ورغم انني كنت اعرف شؤونها الكبيرة والصغيرة ، فقد بقيت محتفظة بسر واحد لم تعلنه هي، وانما اعلنه الموت.
عندما رجعنا من الجنازة الى مكتب ابي عمار، بدأ القائد الفلسطيني يتكلم عن بلقيس الراوي وبدأ اللغز ينكشف. ..
قال:
في آذار 1968 ، وكنا خارجين من معركة ( الكرامة) ، جاءتني الى منطقة الاغوار في الأردن فتاة عراقية فارعة القامة، تجر وراءها ضفيرتين ذهبيتين.
طلبت مع زميلاتها في ثانوية الاعظمية للبنات في بغداد، تدريبهن على حمل السلاح، وقبولهن مقاتلات في صفوف الثورة الفلسطينية. بالفعل اعطينا الفتيات العراقيات، ومن بينهن بلقيس، بنادق، واخذناهن الى ساحة الرمي حيث تعلمن اطلاق الرصاص ، واساليب القتال .
كانت الفتيات سعيدات بملامسة السلاح ، وكنا سعداء بأن تنضم الى الثورة الفلسطينية هذه الزهرات من أرض العراق .
دارت الأيام وكتب لنا القدر ان نواصل نضالنا في لبنان ، كما كتب لبلقيس أن تعمل في سفارة العراق في بيروت ,
ذات يوم، كنت مدعوا للعشاء لدى أحد الأصدقاء في بيروت، فاذا بالفتاة ذات القامة الفارعة، والضفيرتين الذهبتين التي جاءتني متطوعة الى الاغوار قبل عشر سنوات تدخل وتدخل معها ذكريات نصرنا الجميل في الكرامة وتصافحني بحماسة رفيق السلاح.
والتفت اليّ ابو عمار والدمعة عالقة بأهدابه وقال :
هل تعرف يا نزار أن الفتاة التي تزوجتها، هي رفيقة السلاح التي جاءتنا الى الاغوار في اذار 1968، واكلنا معها خبزاً .. وزيتوناَ وبيضا مسلوقاً.
لذلك اخي نزار، نحن نشيعها كمناضلة فلسطينية .. وندفنها الى جانب الشهداء، ونلفها بعلمي العراق وفلسطين
بلقيس الراوي لم تكن زوجتك، بقدر ما كانت ابنة الثورة الفلسطينية. هكذا تكلم ابو عمار.
في اليوم الثاني ذهبت الى مقبرة الشهداء لأزور حبيبتي فوجدت على رخامة قبرها الكتابة التالية :
الشهيدة بلقيس الراوي
استشهدت في 15/12/1981
يا جبل ما يهزك ريح … يا جبل ما يهزك ريح