إعادة بناء منظمة التحرير

February 3, 2025 Off By Salman Salman

إعادة بناء منظمة التحرير – تحد بحجم القضية الفلسطينية

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية –قلقيلية – فلسطين

التاريخ 28-11-2006

حسب الأخبار يبدو أن هناك اتفاقا بين فتح وحماس على أسس إعادة بناء المنظمة رغم عدم كشف التفاصيل. من المتوقع أن يقوم الاتفاق على ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني ومن المستبعد أن تقبل حماس والفصائل الأخرى بأقل من ذلك.

المسألة الكبيرة طبعا هل سيبدأ التنفيذ حقا. تبدو فرص ذلك أفضل من عكسها وخاصة بعد بوادر تخفيف الاستقطاب والحديث عن التهدئة وتعميمها للضفة الغربية وإمكانية حل مشكلة تبادل الأسرى.

والسؤال الآخر هل سيتم حقا إعادة هيكلة المنظمة من خلال الانتخابات الحرة أينما أمكن وماذا نتوقع من ذلك. هل ستتم في فلسطين وهل ستقبل الأردن وماذا عن فلسطين 48.

يبدو منطقيا وممكنا إجراء الانتخابات في معظم ساحات التواجد الفلسطيني ما عدا فلسطين 48 والأردن وذلك بسبب العلاقة المتداخلة بين المواطنة الأردنية والفلسطينية. وإذا اقتصر الأمر كذلك فلن تكون هناك مشكلة كبيرة حقا.

بالنسبة للضفة والقطاع هل سيتم اعتماد أعضاء التشريعي المنتخبين كممثلين في الوطني كما تم التعارف سابقا ولم يرد نصا في القانون الأساسي أم يتم التوجه لإجراء انتخابات موازية للمجلس الوطني وذلك لضمان تنفيذ نظام القائمة النسبية بشكل موضوعي.

يبدو أجراء الانتخابات في فلسطين منطقيا أكثر لضمان تمثيل نسبي حقيقي. بالنسبة لحماس طبعا يسعدها اعتماد التشريعي. لكن فتح والفصائل الأخرى ستشعر بالغبن.

فوق هذا ربما من الأفضل فصل التشريعي عن الوطني كمؤسسات قيادية. فالتشريعي يختص أكثر بأمور خصوصية للضفة والقطاع وتحمل صفة خدمية بنسبة كبيرة بينما نتوقع من الوطني أن يمثل هموم مجمل الشعب الفلسطيني وبالتالي تحمل صفة سياسية شمولية لقضايا الشعب. ومع هذا ولضمان درجة من التداخل ربما من المقبول السماح لأعضاء التشريعي بالترشيح للوطني ولكن ضمن نسبة محددة وليس بشكل تطابقي.

من الطبيعي لانتخابات الوطني أن تكون سياسية في الصميم وتعتمد على التجمعات السياسية ولا تهتم كثيرا بالجغرافيا الموقعية لان برنامج الوطني لا يركز على الخدمات إلا بالحد الأدنى وهذا يرسخ اعتماد فكرة التمثيل النسبي الشامل لدائرة واحدة للوطن مع أن من الأفضل اعتماد الضفة وغزة بدوائر منفصلة لضمان توزيع عادل للمقاعد بنسب الموقعين ولضمان التعبير عن اختلاف الظروف لكل منهما. فإجراء الانتخابات في غزة لا يحتاج إلى تسهيل إسرائيلي مثلا بخلاف الضفة.

من المتوقع إجراء الانتخابات بسهولة في لبنان وسوريا والخليج والدول العربية وأوروبا وأميركا وليس هناك معوقات قانونية لأن منظمة التحرير عضو في الأمم المتحدة ومعترف بها. أما بالنسبة للأردن وفلسطين 48 فيمكن اختيار المندوبين بالاعتماد على النسب الإجمالية الناتجة عن الانتخابات في بقية الساحات. وتقسيم الساحات يمكن أن يتم بشكل يضمن تمثيل الحد الأدنى لجميع المواقع.

لا تبدو هناك مشاكل جوهرية بخصوص اللوجستيك والأمور الفنية بشكل عام.

ويبقي السؤال: هل ستحصل الانتخابات حقا أم أن توجها سيسود بدعوة للتوافق على اختيار الفصائل لمندوبيها دون إجراء الانتخابات. لن يكون ذلك سهلا أو موفقا بالتأكيد لأسباب كثيرة:

فإذا كان من الأهمية بمكان إجراء الإنتخاب للمجلس التشريعي الذي يمثل خدمات أكثر من السياسية فمن الأولي أن ينتخب المجلس الوطني بأقصى درجة من التركيز على الموقف السياسي. ومن المهم معرفة أسماء المرشحين لأن لذلك تأثيرا وأعدل للاختيار.

فوق هذا فهو يمثل استفتاء جديدا لمعرفة توجهات مجمل الشارع الفلسطيني تجاه قضايا عديدة لم يعط رأيه بها منذ زمن طويل إذا عرفنا أن المجلس الوطني الحالي لم ينتخب أبدا وإنما تم تشكيله بتوافق وتمثيل مؤسساتي يمكن أن يعكس تمثيلا جيدا لشرائح اجتماعية ونقابية وفصائلية لكنة لا يصمد أمام الفحص المباشر للبرامج السياسية المطروحة وللمواقف القائمة.

وبالتأكيد لن تجد الفصائل وسيلة حقيقية لمعرفة الوزن النسبي دون انتخابات شاملة ومن الصعب اعتماد نتائج التشريعي كمقياس وحيد.

الاختلاف واسع في مواقف الفصائل مع أن وثيقة الوفاق قربت الكثير من نقاط الخلاف. بالانتخابات يمكن للجميع معرفة وزن مواقفهم الفعلي وموقف مجموع الشعب تجاه قضايا حساسة كالثوابت وبرامج الحل السياسي ومقارنة برنامج حماس وأبو مازن مثلا بدلا من الاستمرار بالمزايدات على بعضهم كلما تمت انتخابات مجلس طلبة أو نقابة زيادة أو نقصا لهذا الفصيل أو ذاك. الفحص الشامل والاكتفاء بذلك كمقياس للشرعية السياسية يخفف عن الانتخابات النقابية لتصبح نقابية حقا بدون لزوم استخدامها لفحص المؤشرات وما يتبع ذلك من هدر للموارد وشحن شبه يومي للشارع الفلسطيني.

إجراء الانتخابات يمثل خطوة واحدة فقط  يلزم أن تتبعها خطوات كثيرة وأهمها:

إعادة توثيق الميثاق الوطني:

وذلك بهدف إزالة الغموض والضبابية المرتبطة بالتعديل الذي تم في عام 96. وهذا يتطلب إما إعادة صياغة للميثاق أو العودة للميثاق الأصلي والتصويت على استرجاعه.

إعادة تعريف النظام الداخلي:

التغييرات الناجمة عن الانتخاب كوسيلة شاملة مانعة لتشكيلة المجلس الجديد. ويشمل ذلك تغيير النصوص المتعلقة بالتمثيل الفصائلي والمستقلين و النقابات….. الخ. فكل هذا يفقد معناه إذا توفرت انتخابات مباشرة تسمح للكتل بالتشكل خارج الفصائلية ويمكنها تمثيل أي توجه فكري أو سياسي أو اجتماعي أو حتى نقابي.

طبعا يتطلب هذا إقرار قانون عصري ومناسب لانتخابات الوطني. ومن المتوقع من اللجان التحضيرية والفصائل القيام بذلك ويمكن الاستعانة بكل الخبرات المتراكمة. ويكون التوافق أساسا لمثل هذه القوانين.

من المفضل اعتبار هذا القانون أوليا وقابلا للتعديل بشروط ميسرة لأية دورات انتخابية قادمة لمنع الانجراف والوقوع ببراثن نصوص لم تأخذ حقها من الجدل والمراعاة القانونية لتتأهل كقوانين راسخة صعبة التغيير.

تأكيد وتحديد مرجعية المنظمة للسلطة:

فالمجلس الجديد يمثل كل الشعب ويعبر عن وحدته وهذا يتطلب وضع نظام متكامل يحكم العلاقة مع السلطة من النواحي السياسية والإدارية والتمويلية. من المتوقع في هذه الحالة تركيز دور السلطة للجزء المدني والخدماتي وتكون المنظمة مرجعية فعلية.

تشكيل المجلس المركزي:

بالتشكيلة الجديدة لا تبدو الحاجة للمركزي ملحة وطارئة وربما من الأنسب إلغاؤه. فليس هناك طوارئ كثيرة تتطلب مجلسا وسيطا ومن الأفضل للمجلس بمجمل أعضائه الاجتماع بشكل دوري سنويا تكفي لإعادة تقييم الموقف السياسي بشكل فعال وخاصة إذا تم ترشيد عدد أعضاء المجلس بشكل موضوعي.

عدد عضوية المجلس:

من المفضل ألا يزيد عدد أعضاء المجلس عن 200 – 250 عضوا أو ما يعادل عضوا لكل  40- 50  ألف مواطن وهذا تمثيل ممتاز. ففي الولايات المتحدة مثلا يمثل كل 700 ألف مواطن بمندوب واحد في مجلس النواب وكل ولاية ( بعضها يصل سكانها إلى 25 مليون نسمة) باثنين فقط.

وسوف يحصل الشعب الفلسطيني على مكاسب كبيرة من خلال تشكيل الوطني:

النجاح في إعادة تشكيل المنظمة سيحقق نقلة نوعية تحسم الكثير من الفوضى والضبابية في الموقف الفلسطيني وسيكون صعبا على أي جهة القفز عن مجلس يمثل كل الشعب وبانتخابات نسبية تسمح لأي تجمع بحد أدنى التعبير عن وجوده وتفتح المجال لكل من يرغب المشاركة. شرعية المجلس ستكون فوق الجميع وعند ذلك لن يرى أحد عذرا لمن لا يقبل بقيادة المنظمة للشعب الفلسطيني وهذا أول ضمان لوحدة وطنية حقيقية ولقيادة موحدة فوق الشبهة.

وبسبب هذه الشرعية المكتسبة لن يكون سهلا على دول العالم أو الأشقاء العرب رفض مواقف هذه القيادة ويمكن ترسخ شرعية المنظمة عند ذلك بشكل غير مسبوق وهذا سيوفر على الشعب الفلسطيني الكثير من المعاناة في حماية حقوق أبناء الشعب.

وبمثل هذه البنية ستتم تنقية حقيقية لتراكم الركود أو الفساد في أي موقع من موقع المنظمة وسينعكس ذلك بشكل مباشر على تسهيل إصلاح السلطة الفلسطينية مما يخفف من حدة الفوضى القائمة في الأرض الفلسطينية ويعطي الشعب فرصة لالتقاط أنفاسه معتمدا على شرعية شاملة.

وسوف تتوفر موارد دعم للشعب الفلسطيني متعددة الجهات ولن يصبح الشعب رهينة مواقف محددة وبالشرعية القانونية والسياسية المتوفرة أصلا للمنظمة سيكون صعبا على أي جهة حصار الشعب الفلسطيني كما هي الحالة الآن.

ولن يكون سهلا حصول الانقسام كما هي حال السلطة الآن. فسبب الانقسام هو وجود رئاسة تمتلك قرار المنظمة لكنها لا تمتلك التحكم بالسلطة لان المنظمة ليست مرجعا فعليا لها مع افتراض كونها كذلك نظريا. ولان شرعية قيادة المنظمة مطروحة للبحث فان توفر قيادة المنظمة لرئيس السلطة لا يؤهله فعليا لحسم مسالة المرجعية اللازمة للسلطة.

بالتشكيل الجديد للمنظمة لا يمكن للسلطة الخروج عن مرجعية المنظمة لان المنظمة اشمل. ومن المستبعد سيطرة اتجاه في المنظمة متناقض بشكل صريح للاتجاه السائد داخل السلطة أو العكس. وذلك لأن الفصائل والكتل المشاركة بالانتخابات هي في الغالب نفسها مع تفاوت في التمثيل لبعض الفصائل بين الداخل والخارج. لكنها لن تكون كافية لقلب التوازن بمستوى الأزمة.

وهناك فوائد غير مباشرة من المتوقع أن تكون مفصلية لحسم مواقف الفصائل سياسيا وخاصة حركة فتح التي تعاني من انقسام عميق في رؤيتها السياسية. ويمكن الادعاء أن معظم مشاكل فتح تنبع من هذه المسالة بسبب اوسلو وما تبع ذلك من انفصام بين الداخل والخارج والداخل والداخل. الانفصام الحقيقي بين مؤيدي اوسلو ورافضيه نما مع وجود السلطة التي سمحت بتعميق نفوذ المؤيدين على حساب الآخرين.

وكما يبدو فلم تستطع فتح حسم أمرها ولم يكف فقدانها للأغلبية لحسم الأمر مع أن هناك توجها ينمو بهدف حسم الأمر لتأييد الحل وما يتبع ذلك من قفز عن قواعد فتحاوية واسعة في الخارج والداخل والذي سينعكس على وزن فتح الإجمالي.

انتخابات الوطني سوف توفر توازنا جديدا لفتح بالاتجاه الآخر. أو ربما ستؤدي إلى بلورة كلا الموقفين ومعرفة الأكثر قبولا في الشارع مما سيحسم الأمر في النهاية.

سيتم التعبير عن هذا الأمر بشكل أو بآخر لكل الفصائل الفلسطينية وحتى حماس مع الاعتراف أن التأثير الأكثر وضوحا سيكون في الساحة الفتحاوية.

لكن التحديات أيضا كبيرة:

فربما تجد بعض الساحات صعوبة في تعبير أعضائها عن مواقفهم الصريحة وربما تؤثر بعض الدول على جمهور الشعب الفلسطيني عندها لفرز يتناغم مع مواقف تلك الدول.  وربما تتعرض المنظمة نفسها للطعن إذا ما قررت العودة للميثاق الوطني وألغت تعديلات 1996 التي تمت بشكل فوضوي لا يعبر عن موقف مدروس وبمجلس مضخم احتوى معينين أكثر من نصفه.

لكن الثمن يرخص مقابل الإنجاز. نأمل من قوى الشعب الأساسية عدم التخلي عن هذه الخطوة الهامة وأن لا تقف أي قوى داخلية لإعاقة هذا الخيار الجوهري وألا يتم مسخ هذا الموقف بإصلاحات شكلية.