الوضع الفلسطيني – العلاقة مع الأردن

February 3, 2025 Off By Salman Salman

الوضع الفلسطيني – العلاقة مع الأردن

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

19-5-2007

تحركات سياسية ذات دلالة حصلت خلال الأشهر الماضية وتحديدا منذ تشكيل حكومة الوحدة واتفاق مكة.

فشلت حكومة الوحدة في رفع الحصار أو ضبط الأمن أو ضمان السلم التنظيمي أو إيجاد صيغة تفاهم بين الفصائل وتشكيل المنظمة والشراكة السياسية أو تحديد العلاقة مع المحيط العربي.

ببساطة فشلت حكومة الوحدة في كل شيء. وماذا يعني هذا الفشل. إنها رسالة واضحة:  أكثر من 90% من قوى الشعب تشارك في حكومة تفشل في تحقيق أبسط المتطلبات. إنه يعني فشل المشروع الوطني نفسه فهل يقصد من الفشل فعلا الوصول لهذه النتيجة لفتح المجال لحلول أخرى. أم أنه فقط سوء الطالع والعشوائية الارتجالية التي تتحكم في المصير الفلسطيني.

لا شك أن هناك ارتجالية وفوضوية فلسطينية تساهم في إرباك الصورة السياسية والوطنية لكن ذلك غير كاف للوصول للفشل الشامل الذي تعاني منه حكومة الوحدة.

وهل يعقل أن يضيق أفق القوى السياسية الرئيسة لتفشل ريحها بهذا الشكل المزري أم أن جزءا على الأقل من هذه القوى يريد فعلا الوصول بالوضع لنتائج خارج المشروع الوطني نفسه.

ولكن ما هو المشروع الوطني حقا:

المقصود هنا هو مشروع تحرير فلسطين الأصلي والذي تصاغر أو “تطور” حسب رأي من يرغب ليصبح مشروع دولة في الأراضي المحتلة منذ عام 67 وبثوابت مرتبطة بحق العودة والقدس والمستوطنات يتفاوت فهمها بين الفرقاء من الاستعداد لمسحها كليا إلى التمسك الحرفي بها.

مميز المشروع الوطني الرئيس أو نقطة تعريفة المحددة انه مشروع فلسطيني مستقل عن الارتباط بالدول العربية المحيطة وهو مشروع يقصد حق تقرير المصير أصلا والقرار المستقل لاحقا والإنفراد أمام العدو الإسرائيلي والعالم والعزلة عن العرب أخيرا.

المشروع الوطني إذن مهدد في جذوره التعريفية. والتهديد متعدد الجوانب وحائر فعلا. سنحاول هنا بلورة الرؤية لهذا المشروع من وجهة نظر كافة القوى ذات العلاقة.

القوى العربية المحيطة:

الأردن:

لم تقبل عمان فكرة المشروع الوطني الفلسطيني إلا بعد فك الارتباط. وهي تتقبله بتحفظات أهمها أن أي حل حسب مواصفات المشروع الوطني الفلسطيني لا بد أن يؤثر جوهريا على الأردن بحكم تواجد أعداد كبيرة من الفلسطينيين به. ودعاة المشروع الأردني و” الأردن أولا” يؤيدون فكا كاملا مع القضية الفلسطينية ينتهي عند قيام الدولة بين تخيير الفلسطينيين بين الهوية الأردنية أو الفلسطينية وعدم الجمع بينهما.  وهذا يمثل موقف حكومة البخيت الحالية حسب تصريحات رئيس الوزراء الأردني خلال الأسبوعين الماضيين.

طبعا هناك موقف أردني اقل تحديدا ويتمثل بقبول الفصل لكن ضمن وحدة كونفدرالية. ومثل هذا الطرح يأخذ بالحسبان المصالح المشتركة غير القابلة للإلغاء أو التداخل السكاني الذي لا يمكن فصله إلا بتنازل كبير عن حقوق الفلسطينيين في أرضهم التاريخية.

الموقف الأردني حائر وسيظل حائرا بحكم التداخل الفلسطيني الفعلي والانفصال الاقتصادي والإداري والقانوني. وبالتأكيد فان النتيجة النهائية للموقف الأردني تتأثر كثيرا بموقف إسرائيل والغرب وشروط الحل بخصوص حق العودة وسيادة الكيان الفلسطيني والحدود والقدس.

وبشكل عام لن يكون صعبا تحقيق أي شكل من أشكال العلاقة مع الأردن يتم التوصل إليه برضى من القوى الدولية وبضمان كاف من القوى السياسية العربية الفاعلة لتوازن بين الأردنيين والفلسطينيين ومستقبل النظام الحاكم.

وهناك اجتهادان رئيسيان في الساحة الأردنية بتداخل ملفت لموقف مكونيها الأردني والفلسطيني ومختلف أطياف النظام السياسي:

  • الاجتهاد الأول يتمسك بمبدأ الفصل بين الأردن أرضا ونظاما عن القضية الفلسطيني قانونيا وسياسيا. وهو يمثل الموقف الرسمي الحالي. ولكن يتفاوت الموقف بين القوى المختلفة في كيفية التعامل مع امتدادات القضية وخاصة وضع الفلسطينيين في الأردن وحق العودة وطبيعة العلاقة مع الفلسطينيين في الأرض المحتلة في الوقت الراهن. وهذه متفاوتات كبيرة تتراوح بين التطابق مع المشروع الوطني الفلسطيني إلى التماهي مع الفهم الإسرائيلي.
  • الاجتهاد الثاني لا يؤمن بإمكانية الفصل فعلا بين الأردن وفلسطين. ويؤمن بضرورة العودة لوحدة أردنية فلسطينية كاملة والتزام أردني فلسطيني بوحدة حقيقية. ويتفاوت موقف القوى التي تؤمن بهذا التوجه في كيفية ممارسة التكتيك السياسي الذي يعكس اختلاف الوضع القانوني للفلسطيني في الأرض المحتلة عن الأردن. ويشمل ذلك الظروف الأمنية والتدخل الإسرائيلي وحق المقاومة.

وبشكل عام فان من يؤمن بالوحدة الكاملة يستعد لتحمل نتائجها الوطنية مع تداخل لموقف آخر يعتقد بالوحدة الأردنية الفلسطينية بهيمنة باتجاه واحد للنظام على الموقف الفلسطيني لضمان علاقة مستقرة مع الكيان الإسرائيلي. وبمعني أن يكون هناك دور أردني لضبط الإيقاع الفلسطيني وما يحمل ذلك من عودة لسلبيات العلاقة الأردنية الفلسطينية.

من الواضح اختلاف الاجتهادين بالنتائج النهائية. ولكن ما هو غير واضح هو تداخل المواقف الوطنية المخلصة مع المواقف المتساوقة مع التوجه الإسرائيلي ضمن الاجتهادين في نفس الوقت مما يجعل من الصعب دمغ من يؤمن باجتهاد معين بموقف سياسي تاريخي محدد. وأصبح هذا التداخل أكثر تعقيدا منذ دخول حماس للسلطة.

ليس من السهل الآن وصف من يؤمن بعلاقة وحدة مع الأردن بأنه بالضرورة تابع تقليدي للنظام الأردني كما كانت الحال في الثمانينات أو التسعينات. وليس من السهل بالمقابل وصف من يؤمن بالهوية المنفصلة للفلسطيني بأنه حريص على حق تقرير المصير الفلسطيني. تتداخل الأمور الآن بشكل معقد.

ونرى مؤشرات لهذا التعقيد تتبلور عندما نجد تحالفات جديدة لم تكن ممكنة سابقا. فهناك أقطاب أردنية تتبنى الآن فكرة الوحدة الكاملة مقابل أقطاب فلسطينية في الأردن تفضل فك الارتباط. وهناك قوى فاعلة في فلسطين تفكر جديا في إعادة تعريف العلاقة مع الأردن لشكل مختلف عن الطرح التقليدي الذي يؤجل حسم العلاقة إلى ما بعد قيام الدولة الفلسطينية. والحقيقة أن أي علاقة بين الكيان الأردني والفلسطيني لا يمكن أن تصل للوحدة إذا قام الكيان الفلسطيني. وهذا مجرب منذ تم تأسيس النظام العربي منذ سايكس بيكو.

الرؤية السورية:

سوريا تؤمن فعلا بوحدة بلاد الشام وهي لا تقبل الانسحاب عن هذا الوحدة رغم أنها لم تنجح كثيرا في تجاوز حدود سايكس بيكو بل دفعت ثمنا غاليا عندما حاولت ربط لبنان ضمن مشروع وحدوي كان فوقيا ومتزامنا مع تحرك سياسي أميركي إسرائيلي سمح لها بذلك ضمن معادلات تحجيم القضية الفلسطينية.

وكما يبدو فان قراءة الرئيس بشار الأسد أكثر وضوحا في هذا المجال. وهو كما يبدو مؤمن فعلا بضرورة العمل على ترسيخ علاقات وحدة أكثر عمقا تقوم على وحدة سلاح المقاومة أساسا. وعليه فربما يظل الموقف السوري متحفظا على أي وحدة أردنية فلسطينية ربما تخوفا على الدور السوري ضمن الموقف الفلسطيني وبخلفية أن أي وحدة أردنية فلسطينية لا تصب ضمن موقف المقاومة بل ستكون ابتعادا عنها.

لكن تجربة سوريا في لبنان كانت عميقة الأثر بحيث تتردد سوريا الآن في اتخاذ مواقف حاسمة من قضايا الوحدة على المستوى التكتيكي بما يفتح المجال ربما بتقبل سوري أكثر لعلاقة أردنية فلسطينية تقوم على مفاهيم متوازنة بين المقاومة والوحدة المصيرية وبضرورة وجود نوع من القول لسوريا في تطور هذه الوحدة وفي هذا لهم حق بالتأكيد.

لبنان:

بشكل عام لا يهم لبنان كثيرا تعريف عمق العلاقة مع الفلسطيني. ولكن ظهرت أخيرا قوى في لبنان تميل إلى توطين الفلسطيني من منطلق حفظ التوازن الطائفي. بالمقابل فان قوى المقاومة اللبنانية تتمسك بالقوى المقاومة الفلسطينية وعليها بذلك سلوك إجباري لفتح القنوات مع الفلسطينيين في لبنان.  رغم ذلك فإن روية القوى المقاومة من هذا المنظور غير واضحة وابعد ما يفكرون به في المرحلة الحالية إيجاد صيغة شراكة مقاومة ولا يبذلون جهدا كبيرا في تعريف العلاقة بالفلسطينيين في لبنان. وهذه نقطة ضعف رئيسة في الموقف اللبناني المقاوم.

وبشكل عام يميل تيار الحكومة في لبنان لحل فلسطيني يتناسب مع الطرح الدولي مع الاستعداد لاستيعاب الفلسطينيين في لبنان ضمن تسوية لحق العودة. وفي هذا هناك تقارب مع الموقف الأردني الرسمي.

من ناحية مصر

فهي غير معنية إطلاقا حسب النظام الحالي بأية مسئوليات عن الفلسطينيين. وأي علاقة قائمة حاليا محكومة بالجوار والضغط الطبيعي للأحداث والضغط الإسرائيلي الذي يطالب مصر بدور مساند في تهدئة الوضع الفلسطيني. وأكثر من ذلك لا تبدو مصر معنية بتدخل حقيقي في الموقف الفلسطيني وهذا نقطة ضعف في الموقف المصري. قضية الفلسطيني أكثر تعقيدا من أن يتم التعامل معها بدرجة من الهامشية استراتيجيا.

وبشكل عام ليس هناك معارضة استراتيجية من مصر لأية علاقة أردنية فلسطينية مع شك البعض بعدم تقبل لدور أردني مهيمن في فلسطين وغزة تحديدا.

موقف السعودية

حائر نسبيا.  فهي تريد التجاوب مع الموقف الأميركي لكن دون الدخول في مستنقعات التعامل مع إسرائيل وهي تريد تفاهما فلسطينيا داخليا يضمن لها هيبة معنوية ومالية في النظام الفلسطيني كما الحال في لبنان في التسعينات لكنها لا تريد تجاوز ذلك. وهي تفضل كيانا فلسطينيا مستقلا عن الأردن مع أنها لن تعمل جديا لمحاربة أي توجه لو حصل الأمر فعلا.

موقف الدول العربية الأخرى محدود الفعالية ميدانيا رغم التأثير المالي والمعنوي وعلى القرارات العربية وبشكل عام لا يبدو في هذا المرحلة تمسك صارم حيال الفلسطينيين.

 موقف إسرائيل:

المشكلة الكبرى تتمثل في الموقف الإسرائيلي حقا. فإسرائيل من جهة لا تريد نموا أو تواجدا فعليا لأي كيان فلسطيني فاعل ضمن أراضي فلسطين التاريخية أو ضمن دول الجوار. إسرائيل لا تطمئن للفلسطيني لأنه عدوها المركزي. وتتفاوت المفاهيم الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية حسب الرؤية والبدائل.

  • الطرح الأول يؤمن بضرورة تفريغ الأرض الفلسطينية من الفلسطينيين الفاعلين سياسيا على المدى البعيد وان الأردن هي المكان الطبيعي البديل مع ضرورة ضبط تحكم الفلسطينيين بالكيان الأردني وبقاءهم ضمن حالة انفعالية وليس فاعلة مع تشجيع انتشار الفلسطيني بعيدا عن الحدود مع إسرائيل وهذا هو الموقف الأكثر تأييدا من ناحية مبدأية لمعظم الإسرائيليين.
  • لكن الطرح الأول يصطدم بصعوبات كبرى: فزيادة الضغط على الفلسطيني تنعكس على استقرار النظام في الأردن ونشوء كيان فلسطيني هناك يفتح المجال ليصبح راس حربة لحرب دائمة ضد إسرائيل حسب النموذج الفيتنامي. بالمقابل فإن بقاء الفلسطينيين في الأرض المحتلة ونموهم السكاني السريع يهدد الهوية اليهودية غرب النهر. وهذا مزعج أكثر. وإقامة كيان فلسطيني غرب النهر له أضرار وفوائد متعارضة.
  • وقد تبلور موقف إسرائيلي عام يتقبل فكرة التعامل مع نشوء كيان فلسطيني غرب النهر لأسباب كثيرة أهمها ضغط الموقف الدولي وصعوبة التهجير الفعلي الكبير لأسباب لوجستية ولعناد الفلسطينيين واصررهم على البقاء.
  • وتأمل إسرائيل عند النظر بهذا الحل أن يكون الكيان الفلسطيني بأضعف صوره وان يمثل قوة طاردة للفلسطينيين. ويأملون تحقيق ذلك من خلال شروط سيادة مطعونة وتقطيع في الامتداد الجغرافي وفقر مستمر واعتماد على الرحمة الإسرائيلية وضمن شروطها بحيث يكون هذا الكيان دافعا لأهلة للهجرة بحكم بؤس الحياة.
  • تعتقد إسرائيل بإمكانية هذا الحل وأن هناك منافع أخرى ستحصل مقابل إقامة دولة ولو مسخ غرب النهر. والمنافع الكثيرة تستحق المغامرة المحسوبة: فالتطبيع الدولي والعربي مهم جدا وتعميم الانطباع القانوني بحصول حل للقضية الفلسطينية يمسح عن إسرائيل للمرة الأولى مشكلة شرعيتها والتي لا تشعر بالاطمئنان لها طالما بقي الفلسطينيون متمسكين بأرضهم وخاصة حق العودة.

الموقف الإسرائيلي الشامل يختلف بالاجتهادات التفصيلية لكنه يتفق على مجموعة مواقف تمثل الثوابت الإسرائيلية:

  • أن يظل أي كيان فلسطيني غرب النهر ضعيفا اقتصاديا وعسكريا وتحت الهيمنة الإسرائيلية.
  • أن تظل علاقة الكيان الفلسطيني غرب النهر ضعيفة مع المحيط العربي.
  • أن تكون ظروف حياة الكيان الفلسطيني طاردة وليست جاذبة للفلسطينيين.
  • يجب التنازل عن حق العودة قانونيا ودون لبس قبل أي تسوية تسمح بإقامة الدولة.
  • خيار دولة فلسطينية بهذه الشروط أفضل بالتأكيد من إقامة كيان فلسطيني ولو حتى موال لإسرائيل في الأردن لان الكيان الفلسطيني غرب النهر سيظل قوة طاردة للزائد من الفلسطينيين بحيث يمتصهم الأردن لاحقا ولكن بسرعة بطيئة لا تؤدي إلى عدم استقرار في الأردن.

الرؤية الإسرائيلية إذن لا تؤمن حقا بدولة فلسطينية حقيقية غرب النهر أو شرقه.

لكن الرؤية الإسرائيلية صعبة التحقيق فهناك ديناميكيات بسبب قسوة الاحتلال تؤدي إلى استمرار المقاومة وهذا بدورة يهدد كل أسس التسوية التي تخدم إسرائيل.

بعض الاجتهادات الجديدة ( العمل ولفني)

تشك أن فرض تسوية على الفلسطينيين في الضفة والقطاع ضمن شروط إسرائيل غير ممكن بل ربما يؤدي لانهيارات أكثر في السلطة وان حلا يساعد في تنفيس الوضع يمكن التعامل معه: لماذا لا تتم العودة للعلاقة مع الأردن كما الحال قبل 67 مع إجراء التعديلات الإسرائيلية المطلوبة في الحدود والقدس وباشتراط التنازل المسبق عن حق العودة قبل أي تسوية من هذا النوع.

لا يهم كثيرا سيناريو الوصول لهذه النتيجة:  هل يتم من خلال إلغاء السلطة أو تفاهم بين السلطة والحكومة الأردنية.

الاجتهاد الأخر

لا يرى جدوى من إضاعة الوقت لتسوية من خلال الأردن لان أي تنفيس عن الفلسطيني من خلال علاقة جديدة مع الأردن سيعطي الفلسطيني رئة جديدة تجعله اقل استعدادا لقبول أية تسوية فيها تنازل عن حق العودة. ومن الأفضل إبقاء الضغط على الفلسطينيين وأخذ التنازلات المطلوبة منهم قبل أي حل مع الأردن مع الاستعداد للتعامل مع أي حل أردني يدخل على الخط يضمن مستقبلا تنازلا فلسطينيا عن حق العودة.

والأردن طبعا هو العنوان لهذا المشروع بحكم أن حوالي نصف الفلسطينيين خارج فلسطين يقيمون في الأردن. من هنا تم تداول فكرة حل مشكلة حق العودة ومشاركة الأردن في حلها من خلال مشروع تعويضات مركزي تتم إدارته من الأردن وبرأس مال لا يقل عن 40 مليارا.

الموقف الأميركي

لا يخرج عن الاجتهادين الإسرائيليين. ومع أن الموقف الرسمي الأميركي يتبنى حل الدولتين حسب خارطة الطريق إلا أن هناك تيارا فاعلا في السياسة الأميركية وخاصة من خارج إدارة الرئيس الحالي يتبنى رؤية دور أردني مواز حاليا, لمنع الانفجار ولتسهيل دور أردني محتمل في المساعدة على حل مسألة حق العودة.

وهذا الموقف الأميركي تاريخي وليس وليد اللحظة.  لكن روية بوش أكثر ضيقا في افقها وتقترب من موقف أولمرت تحديدا وتراهن على الاستفادة من الضغط الحالي على الفلسطينيين بأمل الوصول لتسوية تلغي دور حماس المعارض من خلال إما تنازل حماس أو طردها من الحكم. وبعد ذلك إيجاد تسوية على المقاس الإسرائيلي يقبلها الموقف الفلسطيني المهيأ في تلك الحالة. وهذا الحل أفضل إسرائيليا من الحل الآخر حسب وجهة نظر بوش والمحافظين الجدد. المشكلة انه أكثر صعوبة ويحمل بذور انهيار للمشروع بمجملة كما الحال في العراق. وهذا مشكلة المحافظين الجدد في كل معاركهم.

يبدو أن هناك موقفين متداخلين في الموقف الغربي والإسرائيلي. وتفاعل ذلك وتقاطعه مع الموقف الأردني والمصري والسعودي يتطلب تحركات متوازية تبدو متناقضة وربما تكون كذلك أحيانا.

الموقف الفلسطيني أكثر تعقيدا

فوصول حكومة الوحدة للفشل أو إيصالها لذلك يفرض على الفلسطينيين بدائل كلها أصعب من بعضها وتتلخص في التالي.

  • قبول الطرح الدولي والأميركي وهذا يمثل الحد الأقصى من التنازل وأسوأ المواقف الفلسطينية على الإطلاق بل هو أسوأ من صوملة الموقف الفلسطيني حسب تحليلنا السابق.
  • رفض الحل الدولي المطروح رسميا وبقاء حالة التوتر القائمة ومشاغلة الأمور حتى تظهر ظروف استراتيجية تسمح بتعديل في الموقف الدولي. انه صمود مفتوح وهذا صعب بحكم تعقيدات ديناميكية الوضع.
  • رفض الحل الدولي مع تصعيد في المقاومة لا يأخذ بالاعتبار انعكاس ذلك على إمكانية حل السلطة وما يحمل ذلك من فرضيات ممكنة والدخول في مرحلة غير يقينية. ويبقى هذا الحل رغم صعوبته على الفلسطينيين أفضل من الأول.
  • العمل على حل السلطة رسميا والانضواء ضمن حل إقليمي أردني مصري وهو ما يمثل موضوعنا في هذا الدراسة.

لالنيبة لممو( بالنسبة لأنو مازن) فان الحل الأول هو الأمثل وفي هذا فإن فتح الرسمية تبذل كل جهدها لإخراج حماس من المعادلة بأسرع وقت بسبب قصر الفسحة المتوفرة لمثل هذا الخيار والمرتبط بنفوذ الرئيس بوش.

حماس تريد المشاغلة والصمود المفتوح وهناك موقف آخر بها يريد الحسم حسب البديل الثالث مع ترك الأمور مفتوحة. وهذا ربما يلتقي مع الموقف السوري والإيراني.

أما الخيار الرابع فتفكر به قوى وجماهير فلسطينية لكن بخلفيات مختلفة:

بالنسبة للجمهور يبدو مهيأ لهذا التوجه من منطلق تخفيف الحصار وإعطاء فترة تنفس للوضع السياسي ولا يحشر الفلسطينيين في زاوية الحل المطروح وربما يعطي مهلة من الوقت تسمح بالمناورة فوق انه ربما يساعد في تخفيف الاحتقان والفلتان السياسي والأمني الداخلي.

طبعا هذه في اغلبها أمنيات أكثر من حقائق متوقعة من الخيار الرابع. وهذا يمثل مأساة المواطن العادي الذي وصل لمرحلة من اليأس من الحكم الحالي يفكر بالأحلام بعودة لما قبل 67.

لكن هذا الطرح أيضا تتبناه قوى سياسية من فتح وحماس بنفس خلفيات التحليل الشعبي. وهناك قوى سياسية تتبناه بديلا بحكم القبول الأميركي المستقبلي ربما. وعليه فالطرح تتجاذبه قوى مختلفة

الذين يريدون التعامل مع هذا الطرح والذي تبلور في محاضرة ألقاها عضو مركزية فتح ومستشار أبو مازن هاني الحسن في عمان بدعوة من رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد السلام المجالي والذي تبعه تحرك مكثف للمجالي مع الإسرائيليين توجه باجتماع موسع في العقبة بين إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين كل هذا ينطلق من فرضية المشاركة الأردنية الفعالة من الآن وليس بعد الحل.

دعاة هذا الطرح لا يفترضون التخلي عن الحل الأول – حسب خارطة الطريق – بالضرورة وعليه فهم يتحركون بهامش واسع.

كما يبدو فان تكتيك هذا التحرك يعتمد الإقناع لكل وجهات النظر أن مشاركة أردنية فعالة الآن هو الأمثل للأسباب التالية:

  • المشاركة الأردنية الفعالة تخفف من احتمالات الانهيار التام المتوقع في الوضع الفلسطيني وربما يخفف ذلك من الحصار أيضا بل سوف يساعد على رفعه. وهذا التحرك يحمل الاحتمالين فهو من جهة يضمن إسنادا للموقف الفلسطيني وفي نفس الوقت يساعد تيار الحل ويضعف موقف المعارضين للتسوية السياسية.
  • المشاركة الأردنية تمثل حلا احتياطيا لانهيار السلطة المفاجئ أو الناجم عن صراع غير مضبوط بسبب صراع حماس مع فتح أو بسبب المقاومة أو الحصار. وهذا يضمن استمرار الحياة الفلسطينية بحدها الأدنى.
  • وللمتمسكين بعدم التنازل عن حق العودة فان المشاركة الأردنية تخفف الضغط السياسي على الفلسطيني للتنازل الآن. وهذا يعطي فسحة وقت لإعادة ترتيب الموقف الفلسطيني.
  • وبالمقابل فان المساهمة الأردنية تجعل مشكلة حق العودة غير ملحة لإسرائيل بل تعطي وقتا لتسوية من هذا النوع تضمن بقاء معظم الفلسطينيين في الأردن دون الحاجة لفرض تسويات تتطلب بالنص التنازل عن حق العودة بدلا من الطرح الحالي الذي يحشر الفلسطيني: إما التنازل عن حق العود ة أو منع الأكل واستمرار الحصار والحرب الأهلية.
  • بالنسبة للمتخوفين من الأردنيين من مخاطر الاندماج الأردني بدور مسبق على الوضع الفلسطيني وما يحمل ذلك من مسئولية على الأردن ربما تحمل في طياتها تهديدا لتوازن النظام القائم فان هناك ما يكفي من الضوابط لمنع تحولات دراماتيكية ومن السهل ضبط الإيقاع لأن الأردن يملك أوراقا كثيرة ويمكنه الانسحاب من المعادلة حسب متطلبات الواقع.
  • التحرك الأردني الفعال الآن لا يشترط بالضرورة إيقاف التحرك الآخر لكنه يفترض وقف الحصار وعدم الرهان على الحرب الأهلية لحل المسالة الفلسطينية.
  • لا يمثل التحرك الأردني بالضرورة تهديدا لحماس بل ربما يستوعب دورها من خلال موقف فلسطيني أردني عام يخفف الخلاف بين النظام الأردني والقوى الإسلامية الداعمة لموقف حماس.

وبذلك يبدو التحرك من خارج موقف النظام الأردني الرسمي لكنه مدعوم بما يكفي لإمكانية تداخل مع موقف النظام إذا توفرت فرص لهذا التوجه.

التحرك الأردني خلال الشهر الماضي يصب ضمن هذا الرؤية وموازيا لتحرك داعم لأبو مازن في تحركه نحو التسوية. وزيارة الملك لرام الله ربما كانت إعلانا بالبدء لدور أردني.

لكن الزيارة ألغيت وغزة تفجرت وتوقف التحرك الأردني.

 ورغم محاولة التحرك إرضاء متطلبات معظم وجهات النظر فإن القوى غير المتحمسة للدور الأردني المزدوج كثيرة:

الدور الأردني المزدوج يحمل موقفين في نفس الوقت مما يجعله صعب القبول حمساويا بل هناك تردد في قبوله من قبل أبو مازن لأنه يحمل فرضية سقوط السلطة وانتهاءها. وهو لا ينال موقفا إسرائيليا موحدا بسبب اختلاف رؤية أولمرت وتفضيله تسوية تقوم على إلغاء حماس أو اندماجها ضمن مسيرة الحل المطروح. ومصر طبعا لا تبدو متحمسة لهذا الدور الأردني المزدوج. وسوريا وإيران لا نتوقع منهما دعما للدور الأردني.

وإذا تم شطب البديل الرابع تبقي الثلاث الأولى. فهل إلغاء التوجه لدور أردني هو الأفضل ضمن الخيارات الأخرى. المسألة صعبة التقدير فعلا. لكن المؤكد أن تعدد أوجه الدور الأردني وازدواجيته تجعل من الصعب قبول دور بهذه الطبيعة.

لو تم حسم الدور الأردني بموقف إسناد بديل للسلطة مع عدم العمل على تسهيل إلغاء حق العودة فهذا سيجد قبولا فلسطينيا شعبيا واسعا لكنه سيصطدم بالمقابل مع انغلاق إسرائيلي يلغي الدور الأردني.

رغم ذلك فان التحرك الأردني سيظل خيارا مطروحا لأسباب كثيرة:

صعوبة ومحدودية البدائل الأخرى.

توجه أميركي رئيسي بدعم دور أردني.

رغبة الفلسطينيين فعلا بعلاقة وحدة مع الأردن على المستوى الشعبي.

صعوبة نجاح تسوية على المقاس الإسرائيلي حسب ما ورد سابقا.

وتبقى مجموعة مواقف:

  • موقف حماس وفتح الصراعي لن يحسم مهما طال الصراع لكن ربما يؤدي ذلك إلى تغير في موازين موقف فتح وهذا جوهري.
  • الدور الأردني ضروري لكن دون اشتراط التنازل عن الثوابت الفلسطينية وأهمها حق العودة وإزالة المستوطنات والقدس.
  • تستطيع الأردن لعب دور مفيد للفلسطينيين دون أن تدفع ثمنا من استقرارها. وليس من الضروري للأردن المساهمة في حل حق العودة للاستفادة. وهذا ما تحاول بعض الدوائر الإسرائيلية والغربية إقناع الأردن به.
  • استقرار النظام الأردني ممكن من خلال علاقة جديدة بين الأردنيين والفلسطينيين تقوم على الاحترام الكامل لحقوق الطرفين مع تسوية تسمح بنظام إدارة حديث يعكس توازن القوى الفلسطينية والأردنية وترسخ الدور الملكي حسب النمط الأوروبي.
  • السعودية لن تكون قوة سلب أو إيجاب رئيسة لأي تحرك فلسطيني أردني شريطة الحفاظ على دور سعودي مالي وديني. ومصر لن تعارض جديا تحركا من هذا النوع.