حكومة الوحدة وأمور أخرى
حكومة الوحدة وأمور أخرى
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
17-3-2007
حكومة الوحدة – حركة فتح – منظمة التحرير – الأزمة مع إيران – العراق ولبنان – مستقبل الحكومة الإسرائيلية – والإدارة الأميركية.
وجدت الحكومة طريقها للنور والحل كما ورد في اتفاق مكة. وحماس تحكم بأغلبية رقيقة جدا. فتح شاركت بوزن متوسط من ناحية المستوى التنظيمي أو الخبرة المهنية وحماس احتفظت بنفس نوعية وزرائها في الحكومة السابقة مع أن وزير الداخلية قفز لموقعه مرة واحدة من خلفية لا علاقة لها بالأمن.
طبعا للسياسة أحكام ولكن بعض الملاحظات:
الخارجية وزياد أبو عمرو:
مستقل فعلا ومميزه أنه مقبول أميركيا وحسب تصريحاته وإصراره على الاستقلالية والاحترام لأبي اللطف عميد الدبلوماسية الفلسطينية هناك أمل جيد بحصول الوزارة على درجة من النجاح في مهمتها.
المالية وسلام الفياض:
بالود الأميركي والدعم الخليجي وتيار رأس المال سيجد الفياض فرصا كبيرة للنجاح لكنه سيكتشف صعوبة تنفيذ سياسات خاصة به. ربما يتم توفير بعض المال له ليتصرف بنوع من النفوذ لبعض المشاريع لكن ذلك سيكون محدودا ولن تتوفر له درجة النقض في هذا. سيجد في فتح وحماس قوى كافية لجعل عمله وزيرا للمال صعبا حقا.
الداخلية وهاني القواسمي:
مستقل قريب من حماس وأهمية دوره تنسيق دور الأجهزة ومنع الاحتكاك السلبي بالإسرائيلي. الوزير الجديد لا يتميز في ذلك بشيء ولكن اختياره ربما يحقق لحماس ملتزما بالتصويت ويضمن لفتح مستوى حياديا نسبيا بحكم حداثة التجربة. مع الأخذ بالاعتبار أن مشروع تأسيس مجلس أمن قومي بقانون جديد ربما يخفف الضغط عن وزير الداخلية. طبعا هناك ملفات معقدة كثيرة ومن غير المتوقع أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة اقل من مجلس الوزراء بإجماله بالإضافة للرئاسة والأجهزة الأمنية.
عدم مشاركة الشعبية والقيادة العامة:
معناه تحفظ من قوى معارضة رئيسة لأوسلو وحليفة تاريخية في الموقف السياسي لحماس. وهذا مؤشر غير مطمئن عن مدى الثقة بثبات حماس. نأمل أن يكون الظن في غير موقعه.
تزامن ذلك مع توجه مركزي لحسم داخلي في فتح:
تم تغيير مفوض التعبئة والتنظيم وتشكيل قيادات ساحات بقرار فوقي ومهمتها الأساس حسم انتخاب لجان الأقاليم وفرز مندوبي الحركة بأمل تسهيل حسم موقف فتح السياسي على كافة المستويات لصالح تيار الحل.
يتشكك البعض بأن هذا مؤشر على تحالف فوقي بين تيار متساوق مع الحل من حماس مع تيار اوسلو التاريخي. وبحسن ظن أفضل قليلا يفسر البعض الصفقة بتنازل من حماس كاعتراف بالأمر الواقع مع ثبات على المواقف المفصلية. وفي مستوى آخر يعتقد البعض أن فتح هي من تنازل فعلا وان حماس حققت ما تريد وأنها تملك القرار في التشريعي والحكومة ولم تتنازل عن بنود جوهرية في وثيقة الوفاق حسب البرنامج المعلن. وان احد أسباب تنازل فتح ربما كسب الوقت لحسم داخلي.
الحقيقة في رأيي تقع كمتوسط للتحليلات الثلاثة. فلا شك أن هناك توجهات من حماس ترغب بتفاهم استراتيجي مع تيار اوسلو لكنها اضعف من التحكم بقرار حماس المركزي. وهناك اعتراف حمساوي بضرورة التعامل مع الأمر الواقع بعد السنة المظلمة والعزلة الرهيبة التي عاشتها. وتناغما مع العلاقة التاريخية مع الحركة الإسلامية في الخليج والعالم كان لا بد من صيغة عملية دون تنازل جوهري.
وقبول فتح المشاركة بهذا الوزن يعني اعترافا داخل فتح بمحدودية خيارات إسقاط حماس. لكن تيار الحل في فتح يأمل خلال فترة التفاهم مع حماس حسم أمر فتح نهائيا لصالحه من مستوى الميدان وحتى القرار المركزي. و كما يبدو فتيار الحل يعتقد بمواتاة الظروف لمثل هذا الحسم بأمل تدجين حماس لاحقا من خلال فتح موحدة وقوى يسار معظمها يقبل طروحات تيار الحل أصلا.
ربما ينجح تيار الحل في بلورة قيادة جديدة لفتح متساوقة مع مفاهيم أبو مازن لكن ذلك غير مؤكد. الأهم أنهم إذا نجحوا من المتوقع ضمور فتح لنصف حجمها الحالي ويتحول النصف الآخر لإنشاء تيار جديد قومي متدين مقاوم متفاهم مع خطوط فتح التاريخية أو انفلاش عام وانضمام لقوى أخرى. وإذا فشل تيار الحل في حسم فتح ستزداد فتح تمزقا. وفي الحالين لن تعود فتح لممارسة دور قيادي مركزي. من الصعب على الفتحاويين طبعا تصور ذلك.
معادلة انقسام موقف فتح موضوعية ومهما تم حصار البدائل أمام تيار فتح المقاوم فلن ينساق بمعظمه لكن طريقة تحركه ستعتمد على حماس وقوى الساحة الأخرى.
فإذا قررت حماس مثلا التعامل مع فتح الرسمية كممثل وحيد لأي فتحاوي ونجح تيار الحل في حسم الوضع لصالحه سيؤدي ذلك لبروز تيار جديد يفرض نفسه بديلا متوسطا لكل من حماس وفتح اوسلو. لكن إذا تجاوبت حماس مع تيار المقاومة واحتفظت بعلاقة نضالية فلن يكون الأمر ملحا لبروز تيار جديد وربما سيمنع ذلك من حسم فتح لصالح تيار الحل.
في كلا الحالين ستجد حماس تيارا مقاوما من فتح عليها التعامل معه إما بالمبدأ أو بالأمر الواقع.
في نفس الوقت سيجد تيار الحل في فتح معضلة في تدجين تيار فتح المقاوم مع أن البعض يتساءل أين هذا التيار يا ترى. انه يبدو متهالكا في الوقت الراهن. ربما لن يبادر هذا التيار لتحركات استراتيجية لكن صوته سيظهر مميزا في أية انتخابات لاحقة.
وأمام تيار اوسلو خيار من اثنين: إما قبول دور التيار المقاوم وإبقاء فتح كما هي الآن تتجاذبها تيارات الحل والمقاومة أو تتم محاولة إقصاء كل رموز تيار المقاومة مع مواجهة انفلاش رئيسي في قاعدتها. لن تستطيع تجاوز هذه الخيارات لأية مواقف استراتيجية حتى لو ظهر الأمر بغير ذلك خوفا أو طمعا.
مستقبل حكومة الوحدة سيتأثر جوهريا بمستقبل العلاقة داخل فتح مثلما يتأثر بالموقف الدولي. ومن المتوقع أن تكون الحكومة مستقرة حتى نهاية استحقاق تشكيل المنظمة وستكون معركة المنظمة مفصلية وحاسمة لمستقبل كل القوى الفلسطينية في الداخل والخارج.
العراق وإيران وأميركا وإسرائيل:
سيتأثر الموقف طبعا بالميزان الإقليمي. ومن الصعب حقا التنبؤ بمصير الوضع مع إيران بسبب صعوبة التنبؤ بمدى نفوذ الرئيس الأميركي الذي لن يتردد حقا في توجيه ضربة إن أمكنه ذلك. فوق هذا هناك تخوف إسرائيلي حقيقي من انعكاسات تدميرية وخاصة بعد تجربة حزب الله. منطقيا لا يبدو خيار الضربة الاستراتيجية محتملا لكن لا يمكننا الاعتماد كثيرا على منطقية المحافظين الجدد. من الصعب توقع انتقال التصعيد مع إيران لمرحلة صراع مسلح رغم احتمال مبادرة غير عقلانية من المحافظين الجدد “كضربة مودع” بغرض توريط الحزب الديموقراطي والعالم بأزمة غير قابلة للحل. ما يضعف هذا الاحتمال أن إسرائيل والنفوذ الصهيوني في الإدارة الأميركية يتخوفون فعلا من صراع مدمر لإسرائيل.
من الصعب استمرار حكومة أولمرت فقد استنفذت نفسها بجميع الجبهات ويبدو أنها تفقد الحظوة عند الإدارة الأميركية. ومن المتوقع سقوطها خلال اشهر مما يخفف مؤقتا طبيعة الحصار على الحكومة الفلسطينية. الحكومة القادمة في إسرائيل غير واضحة فهناك فرص متقاربة لليكود وكاديما والعمل (باراك) لقيادة الحكومة المقبلة مع احتمال اكبر قليلا لحزب الليكود. خيار لفني ممكن أيضا بسبب جاذبية رئاسة امرأة للحكومة على نفس النمط في فرنسا وربما بعد ظهور نجم هيلاري كلينتون التي تشبه لفني بكثير من الأمور.
وإذا نجحت لفني فسيكون هناك تحرك سياسي لكنها لن تستطيع تقديم حلول جوهرية. أما إذا نجح نتنياهو فسيكون حصارا إسرائيليا يفشل قريبا بعد تراجع دور إدارة بوش الحالية.
ما هو دور العرب في المعادلة. لا يبدو كثيرا واكتفي بتعليق على تحليل يتبناه د. بشارة منذ حرب لبنان.
د. عزمي بشارة تأمل أو أراد الاعتقاد أن يكون سبب تهافت الحكومات العربية هو الخوف فعلا من النمرود الأميركي. لكنه وجد منطقيا أن هذا الخوف غير مبرر بعد نجاح حزب الله وفشل أميركا في العراق لان فرصة تكونت بسبب تلك الهزيمة تسمح للقوى العربية ممارسة دور اقل ما فيه إمكانية تحصيل مقابل أكبر. المفاجأة عند د. عزمي اكتشافه وجود محافظين محليين جدد اشد وطأة وبدون روتوش ديموقراطية مما يثر السؤال هل معتدلوا العرب أكثر بوشية من بوش أو أولمرتية من أولمرت.
ربما يحق للدكتور بشارة السؤال لكن الأقرب فعلا للحقيقة أن العادات القديمة والمتأصلة تحتاج لوقت طويل للتخلص منها ولا اعتقد أن النظام العربي يجرؤ حقا على التحدي. بعد انتهاء الأزمة مع إيران (تم ذلك عسكريا أو غير ذلك) ربما يتعلم العرب كثيرا من الدروس في الوقت الضائع للنظام العربي لكن ليس في الوقت الضائع للمنطقة بالتأكيد.