مسائل في انسجام القران: آيات منسجمة فرض عليها التناقض

January 14, 2025 Off By Salman Salman

مسائل في انسجام القران: آيات منسجمة فرض عليها التناقض والنسخ-

هذه محاولة لتوضيح بعض القواعد التي لاقت تفاوتا في فهم بعض آيات القران وما نتج عن ذلك من اختلافات فقهية أو عقائدية ندفع ثمنها حتى اليوم شيعا وأحزابا. ولتوفير الجهد على المهتمين نضع مجموعة القواعد التي ينطلق منها التقييم.

  1. الإسلام دين من الله وهو مرجعه والقران كلمة الله وهو كامل يحتوي ما يريد الله من البشر سلوكا وإيمانا.
  2. الرسول ( ص) ناقل الرسالة الصادق ولا يقبل التلاعب بها وبالتالي لا يمكنه قول ما يناقض القران نصا أو محتوى أو أن يضيف أو يحذف مما ورد بالكتاب.
  3. الدين عند الله واحد وطبيعة الإنسان ومنطقة والعلم الطبيعي ينسجم بالضرورة مع الدين ووجود تناقض يعني خللا في الفهم الديني أو العلمي. وليس من الحكمة محاربة الحقائق العلمية بدعاوي مناقضتها لمقولات التراث.
  4. يضمن القران انسجام المحتوي الديني والطبيعي ويمثل تعبيرا أصيلا لمعنى وحدانية خالق الكون. ويمثل القران رسالة الدين ويحتوي أصولها وما يلزم من تفصيلها وهو كتاب للإيمان والسلوك منسجم مع الفكر الإنساني السليم والاكتشاف الطبيعي المثبت ومن المفترض انسجامه الذاتي.
  5. مفهوم النسخ اللغوي يعني التثبيت وليس الإلغاء واستخدام مصطلح النسخ بمعنى الإلغاء طارئ لغويا ويمثل اعترافا أو ادعاءا بوجود تناقض. فالقران كلمة الله ولا يعقل أن تحمل تناقضا يتطلب حذفا.
  6. حديث الرسول (ص) ينسجم مع القران بالضرورة ووجود تناقض مع القران يعني عدم صحة الحديث. فالأصل هو القران ولا يجوز تحت أي ظرف نسخ الحديث للقران. وليس هناك معنى لنسخ لفظي مع بقاء الحكم أو نسخ اللفظ والحكم فهذا يعني الحذف التام وإذا سمح لآيات غير موجودة أن تلغي آيات موجودة فهذا تزوير للقران.
  7. إذا تم تنقية الفهم الديني حسب القواعد أعلاه من المتوقع وصول المسلمين إلى فهم واحد بل ربما سيكون من السهل توحيد الفهم الإنساني للدين.

سوف نتطرق لمسألة انسجام القران الداخلي ونناقش بعض الأمثلة لآيات اعتبرت منسوخة ونثبت من خلال الطرح عدم وجود التناقض أصلا. وقد اخترنا 4 قضايا شهيرة أثيرت بها فرضية النسخ وسوف نجيب بأقل قدر من التفصيل ونترك للمهتم مراجعة الفهم التراثي حسب المراجع

1- الصيام ورخصه

الآيات من سورة البقرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون(183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(184).

اختلف المفسرون في معنى هذه الآيات (1). ويمكن  تلخيص التفسيرات المختلفة بالتالية:

  1. من اعتبر من يطيقونه بمعنى من لا يطيقونه وعليه يصبح الفداء على من لا يستطيع الصيام بشكل عام. وهذا الحل غير موفق لأسباب كثيرة فهو استعمل عكس المعنى اللغوي الصريح وعمم التطبيق على كل من لا يستطيع الصيام بحيث يصبح التعويض بأيام أخر غير ذي علاقة لمن لا يستطيع الصيام بشكل عام. وأهمل “وأن تصوموا خير لكم” في نهاية الآيات. ولتفسير التناقض لم يجد جوابا إلا بالنسخ.
  2. أن بعض الصحابة كانوا يفهمون “من يطيقونه” بالتعميم على اختيارية الصيام بشكل عام وأنه يمكن للناس الصيام أو الفداء على من يستطع الصيام ولا يريد. وعليه فرخص الإفطار مفتوحة حسب هذه الرواية. وهذا غريب لأن الآية تؤكد كتب الصيام ولا يعقل أن يكون مكتوبا مع إمكانية عدمه. ويعتبرون أن الرخصة ألغيت بعد نزول آية “فمن شهد منكم الشهر فليصمه”. وهذا الحل أيضا ارتكب أخطاء باعتبار الرخصة عامة ولا علاقة لها بالسفر أو المرض. ورغم استخدام المعنى اللغوي الصحيح إلا أن حدود التطبيق مرتبكة واستلزم الأمر استخدام النسخ دون مبرر أو معنى (2).
  3. أن الرخصة لا تجوز للمسافر أو المريض إذا كان يستطيع الصيام وهو ملزم به ولا يجوز الفداء. وعليه فلا فرق بين المسافر والمريض وغيره وليس هناك حاجة لتخصيصهم إن استطاعوا الصيام. ويتم الفداء على من لا يستطيع الصيام من المسافرين أو المرضى. وهنا أيضا تم ارتكاب تفسير المعنى بعكس المعنى اللغوي وأصبح ذكر المريض أو المسافر غير ذي علاقة.

الحل: يمكن التخلص من كل هذا الدوران ببساطة لو التزم المفسرون بالنص والنسق اللغوي. فالنص يفهم منه أن فريضة الصيام أيام معدودات.  وحددت تلك الأيام بشهر رمضان حسب آية “فمن شهد منكم الشهر فليصمه”.  وعليه يلزم صيام شهر رمضان على المسلمين جميعا. وهذا لا يتطلب نسخا لأي آية.

ويستثنى من الصيام بموعده من كان مريضا أو مسافرا (حيث يحتمل المرض أو السفر عدم القدرة على الصيام مبدأيا). فمن كان كذلك يمكنه الإفطار دون فداء وعليه التعويض بأيام أخرى متى أمكن ذلك. أما من يستطيع الصيام رغم حالة المرض أو السفر فيمكنه الإفطار مع الفداء وعليه التعويض بأيام أخرى متى أمكن ذلك. والفداء خير لكن الأفضل له الصيام دون فداء أو تعويض طبعا. وبهذا تتحقق كل شروط الآيات ويمكن فهم استخدام كافة الجمل بمنطق منسجم ولا حاجة للتفسير الملتوي بالنسخ أو تحميل الكلمات عكس معناها.

2- حدود قدرة المؤمنين (3)

الآية 65 من سورة الأنفال ” يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون(65)”. والقول أن ما بعدها نسخها “الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين(66)”

لا إلغاء لأي شيء. فلا الأولى تناقض الثانية ولا الثانية تلغي الأولى: ومعنى الآية الأولى أنه يمكن للمؤمنين المثاليين هزيمة عشر أمثالهم. لكن لأنهم يحتوون نسبة من الضعف فقد اعتبر سبحانه الحد المقبول من المجتمع المسلم بالقدرة على هزيمة مثليهم. والآيتان متكاملتان والفهم الحقيقي أن الجزء الأول يحدد سقف قدرة المؤمنين والجزء التالي يحدد عتبة تلك القدرة. فمن ينطبق عليه تعريف المجتمع المؤمن يتمتع بقدرات مواجهة قيمتها العظمى النصر على عدو عشرة أضعاف المؤمنين والصغرى ضعفه. وهذه مقولة واحدة محكمة.

ويفهم منها أن من الصعب لمجتمع مؤمن هزيمة عدو بأكثر من عشرة أمثاله.  وعليه إذا كان عدوك أقوى بأكثر من ذلك يصبح القتال أقرب للتهلكة (مؤتة). أما إذا كان بقوة أقل من ضعف المجتمع المؤمن فهزيمة المؤمنين تعني افتقاد المجتمع صفة الإيمان. لا أرى ناسخا أو منسوخا هنا.

من الملفت أن كل حروب الرسول (ص) ومعظم المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي تميزت بنسبة 3:1 وبذلك فقد حققت شرط الإيمان العام. أما الهزائم فقد حصلت لخلل تكتيكي في الأداء ( ترك الرماة جبل أحد) أو غرور القوة (حنين) أو لخلل عام بالمجتمع( هزائم عصر الصليبيين والمغول والعصر الحديث).

3- الخمر والسكر

الآية (67) من سورة النحل: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً) (4-1)

وفهم منها أن السكر مسموح وهي لا تعني ذلك. فما تعنيه الآية إمكانية استخدام العنب والتمر لصناعة المسكرات أو للرزق الحسن. ويفهم منها ضمنا أن السكر لا يعتبر رزقا حسنا.

الآية 219 من سورة البقرة (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) وهي تأكيد لنفس المعنى للخمر الميسر والقول أنها تحتمل الخير والشر وأن الضرر أكبر وهي تنسجم مع الآية السابقة.(4-2)

الآية 43 من سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) (4-3)

وموضع الآية هنا الصلاة بحالة الوعي وأنها ممنوعة على غير الواعي سكرانا بالخمر أو مستخدما للحشيش أو الحقن المخدرة أو فاقدا للوعي. فكل من انطبقت عليه حالة السكر وفقدان الوعي المميز لا تجوز له الصلاة. وهذا يشمل الخمر كأحد المسكرات لكنه لا يطرح تحليله خارج وقت الصلاة. كل ما تختص به الآية هو عدم قرب الصلاة بحالة غير وعي.

آية تحريم الخمر في سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (4-4)

تتعلق بتحريم الخمر والملاهي الأخرى التي لها أضرار كثيرة تشمل عدم جواز الصلاة في حالة السكر وغير ذلك. وهي لا تلغي شيئا من الآيات السابقة وعليه لا داعي للقول بنسخها لأي شيء.

4- حكم وضع الزوجة بعد وفاة الزوج (5)

القول أن الآية من سورة البقرة “والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج(240)” نسختها الآية “والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا(234)”.

لا علاقة أو نسخ آية للأخرى: فالأولى تتعلق بمن يموت ويترك زوجة بعده فالوصية للزوج ان تبقى مدة عام ببيت زوجها وتصرف من ميراثه دون إخراج وبعد ذلك يمكنها البقاء على حسابها ويستمر هذا ان لم ترد الزواج. أما الثانية فمن توفى عن زوجة قلا يحق لها الزواج قبل أربعة اشهر وعشر للتأكد من عدم الحمل ويمكنها بعد ذلك الزواج ولا أرى تناقضا.

مراجع

  • البحث مقتبس بتصرف من مجموعة دراسات للدكتور سلمان محمد سلمان تتعلق بانسجام الفكر الديني مع الفكر الحديث والحياة المعاصرة تم نشرها على مجموعة مقالات للفترة 2006-2012
  • مجموعة الروابط أدناه تتعلق بالقضايا المحددة التي تمت الإشارة إليها

1- http://www.tafsir.net/vb/tafsir27451/.
2- http://www.binbaz.org.sa/mat/8393

3- http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=50&ID=2260

4-*1 http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=51&ID=916

4-*2 http://www.elsharawy.ebnmaryam.com/sharawy1/albakara/219.htm

4-*3 http://www.hodaalquran.com/details.php?id=2494

4-*4 http://forum.al-wlid.com/t65233.html

5- http://www.elsharawy.ebnmaryam.com/sharawy1/albakara/240.htm