عودة الى ليبيا وسوريا
عودة الى ليبيا وسوريا
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
ضياع دليل مثقفي الثورات وشيطنة القذافي
20/4/2011
أود توضيح أن مقالة شيطنة القذافي المقصودة منشورة على جزأين وهي مقالة لكاتبة افريقية نشرت بمجلة اميركية تم وضع عنوانها بمقدمة الترجمة لمن يريد العودة. وعليه من غير المناسب الرد على شخصيا لأن دوري اقتصر على نشر منشور وهو دور صحفي أكثر من كاتب. هذا لا يعني معارضتي لما ورد في المقالة ولكنه يعني أن التعليق الموضوعي يرد على محتوى المقالة وليس على من ترجمها. المسألة الأخرى أنني لم أعط رأيي بعد والحقيقة أنني اختلف مع بعض التحليلات لكن البعد الأفريقي مهم لفهم تعقيدات وضع ليبيا.
وبشكل عام وكما ورد في مقالات سابقة أنا لا أقيم الثورات العربية من منظور حزبي أو جهوي. ولا أعطي نفسي الحق في تقييم أداء الحكام تجاه شعوبهم لأن هذا مقصور على تلك الشعوب للبت به. وما أتدخل به فقط ما ينعكس على الأمن القومي العربي والإسلامي وما يمثل خروجا عن قواعد الحق والأصول المرتبطة بذلك الأمن. أتحدى أي معلق أن يناقش المحتوى ويثبت ادعاءا واحدا كاذبا. أما أن يقف البعض ليمنع إبداء الرأي في وطنية بعض الحكام فهذه دكتاتورية غير مقبولة من دعاة الثورة والحرية. لم أدافع بكتاباتي عن أحد ولم أهاجم أحدا أيضا لكنني قارنت بين سلوكيات والحق يجب أن يقال مهما كانت عقد البعض. كنت أحاول إعطاء تقييم موضوعي دون إدخال رأيي بذلك. من الصعب على الإنسان أن يكون حياديا تماما لكن عليه أن يكون نزيها على الأقل.
مقالة طويلة من الأخ سري سمور: سأحاول الرد مع أنني فوجئت من قلة الاختلاف الموضوعي بالقضايا التي حاولت إظهار الخلاف بها.
فليس صحيحا مثلا أنني اكتفي بوطنية النظام لتبرير دكتاتوريته وهذا أبعد شيء عما أقول. ما قلته يعني فقط إذا خيرت بين وطني دكتاتور وعميل دكتاتور يدعي الديمقراطية أكون غبيا إن اخترت الثاني. وقضية أخرى تستنكر على طلب التنسيق بين القوى المستهدفة مثل سوريا وليبيا والجزائر واليمن ومصر وتتساءل ضد من. أليس واضحا من المقصود ولم تتساءل إذن.
تستغرب اعتقادي أن لمعركة ليبيا انعكاسات واسعة على الدول الأخرى من سوريا الى تركيا الى إيران وأضفت أنت حماس. وكيف يكون رأيك لو استمعت الى سياسيين وخبراء من روسيا والصين وتركيا. الحقيقية أن ما قلته في مقالتي يمثل صيغة مخففة لما يتخوفون منه. هل تعتقد أن تسخيف القذافي والأمل بانسحاقه تحت سنابك الفرنسيين والبريطانيين سيحقق نصرا ألهيا. ما الذي دهاك.
الخطير في سابقة ليبيا أنها تشرعن طلب اللجوء لمعونة الأجنبي للوقوف مع طرف ضد آخر ضمن نفس الدولة. وإذا أصبح هذا مقبولا من قوى تعتبر نفسها ممثلة للدين فهذا أخطر. ما الذي سيمنع أي قوة غير جوهرية من اللجوء مستقبلا للتدخل الدولي لكسر ميزان ضعفها أمام قوى شعبية أقوى منها. كيف ستعمل هذه الديمقراطية إذا أصبح تدخل القوى الأجنبية ضمن الوسائل الشرعية في ممارسة الوصول للحكم.
توسعت عن سوريا ولم تتورع عن نقدها وقد كنت أكثر دفاعا عنها مني أيام العز فما الذي حصل هنا أيضا. طبعا أنا استهجن موقف عزمي بشارة. لا أريد الخوض بهذا الموقف أكثر ولكنني اختلف مع معظم تفاصيلك ولا تعجبني نبرة توقع الهزيمة واستباق النتائج لسوريا. أعتقد أن سوريا سوف تتجاوز الأمر وسيخسر كثير من الإخوان من مجمل الثورة العربية. آمل أن تحافظ حماس على علاقة مبدأية وليس منفعية مع سوريا.
نعم لقد توسعت يا أخ سمور لكنني لم أجد خلافا حقيقا بيننا بما عدى نقطة رئيسة. ولولا ثقتي بنزاهتك لظننت بك بعض الظنون. فكما يبدو أنك تؤيد الثورات التي يؤيدها الإخوان بغض النظر عن خلفيتها أو نتائجها وموقفك يقترب كثيرا من تنظيم الإخوان الدولي أكثر من أي موقف آخر وأنا لا أحمل هذا الرأي بالتأكيد.
وقد تم نقاش ذي علاقة أيام الثورة المصرية بمقابلة على قناة العالم شارك بها شخص لا أذكر اسمه من تنظيم الإخوان الدولي من بريطانيا لم يخف فيها أن هناك تفهما كبيرا من قبل القوى الغربية لحتمية وضرورة التعامل مع الإسلام السياسي كممثل لحركات التغيير في العالم العربي. وحدد أن المقصود جماعة الإخوان وكرر ذلك بأكثر من زاوية. وهذا يفسر طبعا سهولة تجاوب القرضاوي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مع نفس التحركات واستثناء المغرب والبحرين ومعارضة التغيير فيهما.
فان كان رأيك ضمن هذا الخط فنحن مختلفان لأنني لا أعتقد أن الغرب سيركن الأمر للإسلام السياسي لكنه في أفضل الأحوال يستعملهم كما حصل ذلك أكثر من مرة في الماضي. ولأنه إذا قبل الإسلام السياسي هذا الدور فسيفقد الكثير مما جمع منذ قامت حركة حماس وأعطت بعض الضوء المشرق على خلفية تنظيمها السياسي.
المسألة الهامة في معرض تقييم الثورات الحالية هي إهمالك ربما دون انتباه الأهداف الاستعمارية من مشروع الشرق الأوسط التي تتلخص بهدفين أساسيين:
الهدف الأول تحطيم مفهوم الأمة العربية وهذا يتطلب القضاء على أي أنظمة ذات خلفية قومية وينطبق هذا على سوريا والعراق والجزائر وليبيا والسودان وتونس ومصر واليمن ( إجمالي 250 مليون نسمة). ليس المقصود هنا الحاكم بمقدار الجمهور والمفهوم طبعا.
الهدف الآخر تمزيق المفهوم الديني المرتبط بعلاقة ايجابية بالقومية: الانفصام التاريخي بين القومية والإسلام له أسباب كثيرة ساعد الغرب في بلورتها نهاية أيام الدولة العثمانية حينما دعم هذا الانفصال من خلال دعم الحركات القومية ضد العثمانية وبنفس الوقت دعم نشوء حركات إسلامية بديلة عن الخلافة العثمانية. وترسخ الانقسام وبقي مؤثرا سلبا حتى الآن.
بعد حروب تدمير العراق ولبنان تأملنا قليلا أن تؤدي المصيبة الى خفوت الانفصام بين العروبة والإسلام وتأملنا ذلك أكثر بعد نجاح الثورات في مصر وتونس إيمانا أن النظرة المجتمعية التي تبناها عبد الناصر والتيار القومي بشكل عام تساعد المجتمع على التعايش مع نفسه. وتؤكد على استيعاب القوى من خارج الإسلام واحترام دور المسيحيين الذين يمثلون قوة ايجابية جاذبة لوحدة المجتمعات وبقائها اشمل من البنية الدينية.
وبالمناسبة نعم أعتبر فكر عبد الناصر في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية من أفضل النماذج التي طرحت منذ الحرب العلمية الثانية ( للمقارنة راجع مجتمع ما بعد الرأسمالية) ولا أشتري كثيرا الاتهامات بالدكتاتورية التي أسندت له فعبد الناصر كان زعيما شعبيا من الطراز الأول. وعليك تذكر أن معظم خصومه لم يكونوا أنبياء في الديموقراطية.
هذه الصيغة المنسجمة مطلوب تهديمها وبناء أطر سياسية متخلفة تقوم على العصبية العرقية والإثنية والمذهب الطائفي. وقد ناقشنا مشروع الشرق الجديد وأثبتنا سهولة فشله بقليل من الوعي ( راجع دراسة مسائل في الآمن القومي العربي والإسلامي).
المشكلة أن الدور الجديد الذي تقبل به بعض تيارات الإسلام السياسي أصبح يهدد البقاء العربي والإسلامي معا ويفتح المجال للمشروع الغربي بحلة جديدة ممهورة بفتاوى إسلامية. أرجو أن تنتبه كثيرا لهذا الدور الاستعمالي للإسلام السياسي وهناك من لديهم الاستعداد لشرب الكأس حتى الثمالة ولا يغرنك شعاراتهم أو وسائلهم التمويهية.
أخيرا
كنت آمل من مشاركاتي إعطاء رأي مستقل وحر وبموضوعية يعبر عن القناعة الحقيقية. لا أتوقع اتفاق الجميع مع أو ضد أي فكرة والطبيعي أن تختلف وجهات النظر لكنني توقعت التمييز هنا بين نقاش الموضوع والمهاترات. يمكنني كتابة مقالة دون معنى استفز بها رد الكثيرين بطريقة تهريجية لكنني لست كذلك ولا ارغب باستقطاب ردود من هذا النوع. آمل نقاشا معمقا للأمور واشكر من رد بقيمة وقيم الأمور بوزنها ورفض التهريج والجدل دون علاقة بموضوع البحث.