التوجيهي: امتحان توتر أم ضرورة تعليمية

January 15, 2025 Off By Salman Salman

التوجيهي: امتحان توتر أم ضرورة تعليمية

5/11/2018

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

يشكو كثير من الأهالي وبعض المربين من الرهبة والتوتر الذي يصيب الطلبة خلال الأشهر الأخيرة من العام الدراسي والتي تشمل فترات التجريبي والتحضير للتوجيهي والذروة خلال تقديم الامتحانات ومن ثم الانتظار حتى صدور النتائج. وطبعا للبعض الآخر من الراغبين بالتفوق المميز أو المهددين بالرسوب ويرفض أهلهم ذلك تكون كل سنة التوجيهي سنة عذاب وربما انهيار. لا شك أن الحكمة المرجوة من التوجيهي تفقد الكثير من محتواها بسبب هذه التجربة المتوترة.

ومن سلبيات هذه التجربة أن بعض الطلبة لا يحققون ما يعبر عن مستواهم الثقافي العام أو قدراتهم أو حتى التحصيل المنهجي المبني على منهاج التوجيهي نفسه، بسبب التوتر أو اختلاف منهجيتهم التعليمية عن المقياس المعتمد والذي لا يعبر بما يكفي عن أفضل مقاييس القدرات. باحتمالية قريبة هناك أيضا نسبة يحققون علامات عالية في التوجيهي ولكن لا يفلحون كثيرا في الجامعة.–

مع كل هذا يمكن القول أن نسبة تعبير التوجيهي عن حقيقة تميز الطلبة وتراتبهم ربما تصل إلى 80%. بمعنى أن احتمال أن يكون الطالب الذي حقق علامة أعلى من زميله أفضل منه فعلا في الأداء العام يصل الى نسبة 80%. تعتبر هذه النسبة عالية ومحترمة بكافة المقاييس. وهذا يعني أن التوجيهي يمثل مقياسا هاما من الصعب إلغاؤه لكن ربما من الممكن استبداله بامتحان شبيه لكنه مطور بشكل أفضل.

في الولايات المتحدة مثلا يتقدم الطلبة الى امتحان اختياري يسمي السات (SAT)، وهو بمستوى التوجيهي لكنه ليس إلزاميا لإنهاء المرحلة الثانوية. الامتحان مصمم بعد خبرات طويلة لقياس قدرات الطالب التراكمية وليس سنة التوجيهي فقط. ويستخدم تحصيل الطالب فيه كمرجع هام لقبول الطلبة بالجامعات، بالإضافة إلى نسبة أخرى تحتسب لعلامات الطلبة في المرحلة الثانوية.

للوهلة الأولى يبدو النموذج مغريا للاعتماد ولا يظهر ما يمنع محاولة تطبيقه. لكن هناك مشاكل فنية ومنهجية تعيق آو ربما تضعف من فرص وضعه أو تطبيقه بشكل أفضل من التوجيهي، فوق مشاكل أخرى تتعلق بكيفية احتساب مرجعية القبول بالجامعة، هل يعتمد عليه فقط كما التوجيهي أم تعتمد سنوات الثانوية أيضا. هل يكون امتحانا شاملا أم ينظم منفصلا للتخصصات المختلفة ( العلمي والأدبي والتجاري والصناعي).

هناك ثلاث مسائل تواجه التحول بشكل عام:

المسألة الأولى فنية:  وتتعلق بفرق العمل التي تضع الامتحان وهذا يتطلب طواقم مدربة ومؤهلة لوضع الأسئلة وتقويمها.  طبعا يمكن الاستعانة بنماذج السات نفسها لكن ذلك غير مأمون العاقبة، لأن أسئلة السات مصممة لثقافة أخرى واستيعابها يتطلب قياس الفرق الثقافي والنفسي للمجتمع. كل هذا يحتاج فترة استعداد واختيار وتدريب طواقم عمل مميزة تشمل وضع نماذج الأسئلة وتصميمها وتصحيحها… الخ.

المسألة الثانية منهجية: وتتعلق بكيفية تحويل علامة الطالب بهذا الامتحان لمرجعية قبول وخاصة أن قبول الجامعات حاليا يعتمد علامة التوجيهي حصريا تقريبا. فلو تم اعتماد شبيه السات مرجعا وحيدا لن يكون هناك فرق كبير عن التوجيهي في حالة الطلبة الراغبين بإكمال التعليم رغم أنه سيكون أقل توتيرا لأنه ليس مرتبطا بدراسة كتب محددة أو زمن محدد.

لكن هذا ربما يكون محبطا للطلبة الذين تعودا على نمط الحفظ وحل الأسئلة النموذجية ودورات التقوية. فمثل هذه المقويات لن تكون ذات فرق كبير. ومع أن هذا لا يمثل سلبية في الحقيقة بل هو ايجابية كبيرة، لأنه سيضعف مركبة البصم والتحفيظ إلى نهج التفكير والإبداع، إلا أن عملية الانتقال والتحول ليست سهلة نفسيا أو منهجيا.

إذا تم إعفاء الطلبة غير الراغبين بإكمال الدراسة الجامعية من تقديم الامتحان سيزول تأثيره عليهم. لكن هذا سيحمل في طياته فرص تخرج أعداد كبيرة بثانوية غير مؤهلة. وتبرز مسألة معالجة وضع مثل هؤلاء الطلبة (من انهي دراسته الثانوية دون امتحان) وهل يمكن منعهم من التقدم لإكمال الدراسة بدول أخرى. طبعا لا أحد يريد تهرب الطلبة من الامتحان والحصول على قبولات.  مثل هذا الأمر يصب باتجاه ضرورة إلزامية تقديم الامتحان لكل من يريد الحصول على الدراسة الجامعية وبهذا يصبح قريبا للتوجيهي، لكن بشكل تدريجي ومخفف الأثر الاجتماعي والنفسي، بسبب عدم الزاميته المرتبطة بالنجاح والرسوب الذي يحرم منافع إنهاء المرحلة الثانوية لأغراض العمل والتوظيف.

المسألة الثالثة تتعلق بالاعتماد بالتداخل مع علامات الدراسة الثانوية: فمثل هذا الاعتماد يبدو منطقيا لإعطاء فرصة تأثير تخفف من علامة الامتحان المقابل كمرجع وحيد.

المشكلة تكمن في صعوبة الأخذ بعلامات المدارس. ليس هناك مصداقية كافية أو ثقة في علامات المدارس للاعتماد كمرجعية. ومن السهل أن يخسر كثير من الطلبة الذين تتشدد مدارسهم في التقييم، مقابل مدارس أخرى سهلة التقييم. بل ربما تكون هناك علاقة عكسية بين العلامات المرتفعة والأداء ببعض المدارس لرغبتها إعطاء طلبتها فرصة منافسة رغم ضعف الطلبة أو التدريس.

فوق هذا من السهل السقوط بدوامة التنافس بين مدارس المحافظات أو داخل المحافظة الواحدة، حيث كل يريد إعطاء علامات أكثر لتحقيق فرص أفضل لإكمال الدراسة. وسيكون هناك تأثير كبير للواسطة والمحسوبية فوق مزاجية المدرسين التي ربما تظلم المبدعين لصالح المدعومين. كل هذا يجعل الاعتماد على علامات سنوات الدراسة مسألة مشكوك بها، وخاصة للقبول بالتخصصات شديدة التنافس مثل الطب والهندسة وبعض التخصصات الأخرى.

من الصعب إذن طرح إلغاء التوجيهي دون تفكير عميق بما أثرنا أعلاه قبل طرح بديل يمنع السلبيات المتوقعة ويضمن تقييما أفضل منه ويوفر فرصة تقديم الامتحان دون جو توتيري، ويقلل الاعتماد على البصم والحفظ دون هدم بنية المجتمع القائم على مثل هذه المركبة على مدى سنوات طويلة.

نحو امتحان نموذجي يحقق ايجابيات التوجيهي ويمنع سلبياته:

دون تنازل عن المستوى أو السماح للمحسوبية والمزاجية من المناسب للبديل أن يكون مشابها لامتحان السات على أن يكون مصمما بشكل دقيق وتكون مرجعيته المناهج المدرسية للمرحلة الثانوية بنسبة احتساب متناقصة لمستويات قبل التوجيهي ويقدم دوريا نصف أو ربع سنوي.

تقديم الامتحان بشكل دوري يزيل التوتر، والنمط الجديد يضعف الاعتماد على البصم ويوفر مقياسا للقدرات وكفاءة التفكير والمنطق بالإضافة للمعلومات. نقترح تقييم هذا النمط جديا وتصميم امتحان مشابه للسات يكون مركزيا ومعتمدا من وزارة التعليم.

مواصفات ومرجعية الامتحان:

  1. أن يكون على نمط امتحان يمكن تقديمه اليكترونيا أو ورقيا مثل السات أو التوفيل.
  2. يتم وضع نماذج عديدة له تقدم على مدى 5 سنوات كمقياس مواز للتوجيهي قبل اعتماده بديلا عنه وتتم خلالها مقارنة موضوعية بين الأداء لكل منهما وكيفية أداء الخريج بالجامعة.
  3. يستعان بخبراء وتربويين من مراجع مختلفة لتقليل نسبة الحفظ تدريجيا قبل الاعتماد بحيث يتعود المدرسون والطلبة على النمط الجديد.
  4. يعتمد النجاح بالامتحان كشرط للحصول على شهادة تؤهل لإكمال الدراسة الجامعية ويكون بهذا بديلا للتوجيهي.
  5. لا يعتبر الامتحان شرطا لإنهاء الدراسة الثانوية ولا تعتمد العلامات المدرسية كمرجع مواز للقبول بالجامعات.