تعريف المؤمنين
بين آيتي سورة البقرة 62 وسورة المائدة 69 وتعريف المؤمنين.
9/8/2022
أثار الأخ د. عبد الرازق طوقان مسألة دقيقة تستحق التوضيح المستقر لأن لها انعكاسات على فهم دقة القرآن وربما على فهم العلاقة بأهل الكتاب. وهذا أمر هام كما أعتقد.
إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصرى والصبئين من ءامن بالله واليوم الأخر وعمل صلحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون- البقرة 62.
إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابؤن والنصرى من ءامن بالله واليوم الأخر وعمل صلحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون المائدة -69 .
السؤال: لماذا تم حذف عبارة (فلهم أجرهم عند ربهم) في آية المائدة ورفع الصابئين مقارنة مع آية البقرة.
من غير المرجح تغيير النص دون معنى لمجرد تكرار نفس المعنى. هذا يستحق بحثا إن أمكن إيجاد تفسير دقيق.
أولا: قبل الدخول في بحث التفسير نود التأكيد على ما يلي
1- تأكيد أن الدين عند الله الاسلام
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه – آل عمران 85.
إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب – آل عمران 19.
الآيات 19 و85 تعني أن هناك دينا واحدا عند الله وهو الإسلام منذ آدم. وما حصل من تفرق سببه فساد وبغي وليس اختلاف في جوهر الدين. الثانية تؤكد عدم قبول أي دين غير دين الله الوحيد.
هذا هو الفهم الدارج بين المسلمين وهو يوحد الإنسانية. من الطبيعي توقع ثبات سنة الله والدين عنده.
هناك من يستطرد في طرح تعديل الدين وتطوره كأنه كائن حي يتطور من سمكة إلى ثديات مثلا. هذا غير صحيح البتة. قوانين الفيزياء منذ خلق الكون هي نفسها لم تتغير وما تغير ترتيبات مختلفة منها تنتج أعمالا مختلفة.
الاسلام هو القانون الأساس للخلق الإنساني وكيفية عيشه وتطوره في السلوك والأعمال لكنه لا يتغير. لذلك من المتوقع رفض أي دين يخرج عن أسس هذا الدين ليس بالتسمية فقط وإنما المحتوى.
لكن الرسل امتدت منذ آدم حتى محمد ونشأ عن ذلك أديان تحورت مع الزمن مما أفقدها الصفة التي كانت عليها حين اعتمدت. هذا يعني سقوط اعتمادها وعدم جواز استمرارها بأي شيء يخرج عن الأسس وهذا طبيعي أيضا.
2- تأكيد انسجام القرآن وتناسقه وثباته
بمعنى أنه منسجم ومتناسق ولا تلغي آية اي آية اخرى. لأن الإلغاء يعني النقض. آيات القرآن تسند بعضها وتكرر نفسها أحيانا للتوكيد، وتخصص من عام، وتعمم من خاص. هذا منطق سليم لا اعتراض عليه منطقيا أو وجدانيا.
3- عربية القرآن
القرآن مكتوب باللسان العربي وهو لسان آدم الذي تعلمه من الله تعالى، وعليه فالعربية أم اللغات كلها والأصيلة منها. لها طرق اشتقاق عميقة ودقيقة كقوانين الطبيعة تسمح بالتطور والتعدد، لكن أسسها تظل ثابتة واي انحراف من ذلك يعتبر إفسادا. وقد تطورت لغات العالم عن العربية على مدى ما لا يقل عن 10 آلآف عام وكثير منها بالتالي خرجت لغويا أو لسانا عن دقة الأصل. لفهم القرآن يلزم الفهم التام للسان العربي. وقد حفظ القرآن أصول اللغة بما يكفل الإبقاء على دقة فهم ما يريد القرآن.
ثانيا: تفسير آيات 82 البقرة و69 المائدة
هذه الآيات تطرح مواصفات المؤمنين ونوعياتهم دون تحديد زمني وفقط شروط تعريفهم وكيفية حسابهم.
حسب نص آية البقرة: هناك أربعة أنواع من المؤمنين: الذين آمنوا من أتباع الرسل وبعض الذين هادوا، وبعض النصارى وبعض الصابئة من التابعين. شرط اعتبارهم كذلك الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح. أما جزاء ذلك: فلهم أجرهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. تمييز الأجر لكل منهم مرتبط بحين كانت أديانهم هي المعتمدة ولهم الحاكمية. هنا هم أربعة اصناف ووردوا منفصلين كأسماء إن ولذلك جاءت منصوبة.
حسب نص المائدة 69 بعد اعتبار رسالة محمد النسخة الوحيدة المعتمدة وحاكميتها فالمؤمنون صنفان
1- أتباع الرسول محمد ورسالة الإسلام النهائية المعتمدة.
2- الذين هادو والصابؤن والنصارى. هؤلاء اعتبروا هنا صنفا واحدا فجاء ذكرهم مرفوعين والجملة كاسم إن ثاني بعد الذين آمنوا من أتباع رسالة الإسلام بعد اعتماده وحاكمية مرجعيته.
يعترف بالصنف الثاني على ديانتهم ويشترط إيمانهم بالله واليوم الاخر والعمل الصالح. يعني يحققون شروط الإيمان الاسلامي لكن تنقصهم الحاكمية وبذلك تم وضعهم ضمن صنف خاص مؤمنون باسم اخر دون حاكمية.
تبقى مرجعية الحاكمية للإسلام فقط. لهذا تم حذفها من الآية الثانية لأن الحاكمية ليست مشتركة مع الصنف الثاني. وقد تم تفسير (أجرهم عند ربهم) بالحاكمية لأنها المشترك بين الاصناف الأربعة في الأولى بينما فقدت مشتركيتها في الثانية.
التأكيد على حاكمية الإسلام عند الله مطلقة والسماح باستخدام أسماء أديانهم كأديان تسمح بوجود مؤمنين منهم فتح المجال لإبقائها ولكن دون حاكمية مرجعية. طبعا هذا مفهوم لأن تلك الأديان لم تبق على أصلها ولا يمكن اعتماد نسخها الحاضرة. أما المؤمنون منهم فهم مسلمون عند الله.
أما أتباع الأديان الأخرى فليس هناك تاريخ موثق لاعتمادية أديانهم عند الله ولذلك فكل من يؤمن منهم بالله واليوم الآخر يصبح مسلما تحصيل حاصل.
بهذا التفسير تنسجم كل الآيات. فالدين عند الله الإسلام وهو المرجعية دائما للمؤمنين من النصارى واليهود والصابئة. يستمر الحفاظ على أسماء دياناتهم وللمؤمنين منهم معاملة الاستثنائية وهذا تحصيل حاصل. مجموع الآيات يحفظ عدم تناقض رفض أي دين غير الاسلام مع قبولهم على أسماء أديانهم دون مرجعية تلك الأديان خارج الاسلام ويصبح منسجما مع إعطائهم الاستثناء. ربما يبرز السؤال لماذا لا يغيرون انتسابهم إذا كانوا مسلمين حقا. في الواقع أن بقاء أسماء تلك الأديان ضمن دائرة المعترف بها يفتح مجالا واسعا لنشر الدعوة دون ضغط.
ربما هذا يفسر العلاقة الخاصة مع أهل الكتاب
- لأن منهم مؤمنون حقا حتى لو لم يغيروا دينهم من المفيد زواج من صلح منهم من النساء من مسلمين لان ذلك يعزز انسجامهن مع الاسلام وتوسيع دائرة إسلام النسل. حتى لو لم يكن من النوع المؤمن فقوامة الرجل تضبط ذلك
- تحريم زواج النساء المسلمات من غير مسلمين بسبب عدم ضمانة إيمان الزوج وهذا يقلب تطور الأمر لأن القوامة للرجل.
- تحريم زواج المشركات من غير أهل الكتاب لتشجيع تحولهم للإسلام عموما.
أيات ذات علاقة
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5]
{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون} (البقرة:221).
ثالثا: نقاش مفهوم الايمان عموما
الإيمان اساسا إدراك وليس تفكير واعي. لذلك فالإيمان ميسر للجميع. المشكلة ان هناك من يعمل على منطقة الإلحاد وتصبح موضة يتبعها كثيرون جهلا او تقليدا. هذا ما يحصل في الغرب حاليا. إذا حافظنا على قاعدة الإيمان بالله ورفض أي منطق ينفيه نستطيع تحقيق نتائج. مشكلة الليبراليين انهم يريدون فرض منطقهم عليك وان افكارهم هي الحقيقة لأنه يقولون ذلك وليس لأن لها أي اساس واقعي. تصبح الحياة عديمة الجدوى اذا اصبحت درجات احترام او الاستماع لمن يقول الحقيقة الموضوعية 90% من الوقت اقل ممن يهلوس 95% هذا ما يحصل من حضارة الووك فعلا. لا بد ان تظل هناك علاقة صلبة نسبيا بين الاسس للحقيقة وبين فهم الناس لها. يمكنهم الاختلاف والاجتهاد في كثير من التفاصيل دون ضرر بل بفائدة.
الفلسفة عمل منطقي في الاساس ولا تستند على التجربة والبرهان في تعميماتها دائما والا اصبحت علما تجريبيا ورياضيا. المشكلة ان المنطق لا يكفي لمعرفة الحقيقة حصرا. نعم المنطق مهم جدا للوصول الى نتائج كثيرة لكنه لا يكفي. فالإدراك الوجداني يأتي من خارج المنطق عموما وهو خبرة ذاتية يشعر بها الإنسان. فإن توفرت لديه يسير بطريق الإيمان وان لم تتوفر لأي سبب فلن يؤمن مهما تفلسفت عليه او خوفته او اغريته او اغويته.
المشكلة الأخرى ان المنطق يمكن ان يكون فاسدا واستطيع ان أصنع لك منطقا متناسقا لكنه لا يقوم على أي واقع صحيح. شرط صحة المنطق ليست المعلومات المدخلة والنتائج بل تناسقه الداخلي وهذا ممكن دون تجربة ويتم كشف خلله فقط حين تضع الحقائق والاكاذيب وترى ما يحصل فلن يعطك استنتاجات صحيحة. لذلك لا ثقة مطلقة بالمنطق أساسا
الثالثة ان جزءا من الفلاسفة غاوون ويتفلسفون بأنواع من مغالطات المنطق بتوجيه من محاربين لأفكار صحيحة. هذا نمط متبع في الإفساد. لذلك من حق المؤمنين رفض أي فلسفة تتناقص مع أسس الإيمان مهما تم فلسفتها وتنظيرها لان الارجح وجود مغالطات معقدة تخفي الخلل فيها. وقد نشرت مقالة قبل لفترة اوضحت فيها كيف يصنع الشيطان منطقا من قلب المنطق الصحيح فيظهر منطقيا بنسبة جيدة لكن في مواقع محددة يتبين الخلل، ولمن يتبعون المنطق المقلوب لا يدركون ذلك لانهم يعمهون في اعتقاد أن منطق الشيطان هو الاصل. دون علمهم أنه منطق شيطاني.
كثير من التراث ملوث بمثل ذلك واكثر من ذلك من الفكر الحديث غارق في منطق شيطاني. لذلك اتمنى عليك ألا تثق بالليبرالية فهي منطق شيطاني شبه كامل.
لا يجوز الاعتماد على المنطق فقط، بل نحن بحاجة لعلامات واشارات ودلائل من الله ترشدنا في صحراء أو غابة الدنيا لكن ذلك لا يقلل من أهمية البحث الموضوعي والعلمي بل والمنطقي شريطة التقيد بحدود الله. دون ذلك تضيع الأمم. افضل مثال ما يحصل الآن من قبل حركات الووك في الغرب.
اعتقد ان الذين آمنوا هم كل من آمن بالله وملائكته ورسله إلى بقية الآية. من هؤلاء من سبق محمد ومنهم من اتبعه. لذلك الذين امنو بالنداء او الوصف يشمل من اتبع محمدا ومن اتبع كل الرسل من قبله.
كثير من النداءات مخصصة لاتباع محمد لكنها ليست دائما كذلك. اما لماذا أطلق على اتباع موسى من هادوا وأتباع عيسى النصارى فلأنهم اختلط عندهم المؤمنون الأصلاء بتعليمات تم تحريفها فاصبح شرط قبول اليهود والنصارى بمؤمنين انهم من الذين آمنوا بالله واليوم الآخر ومن لا يحقق ذلك فهو يهودي او نصراني لا يحقق شرط الإيمان. لهذا لم يتم شطب أهل الكتاب جملة لأن بينهم مؤمنون بالله واليوم الآخر.
نفس الامر ينطبق على كثير من أتباع محمد فمنهم مسلمون وجزء فقط منهم مؤمنون. ولهذا استخدمت تسمية مسلمين لكل من اتبع محمدا والمؤمنون من آمن بالله واليوم الآخر إلى اخر الشروط.
اخيرا علينا تذكر أن دين كل الانبياء هو الإسلام فمن اتبعه من قبل محمد وكان مؤمنا فهو مسلم أيضا ومن اتبعه بعد رسالة محمد فهو مسلم حتى لو لم يحقق شروط الايمان كلها بحكم ان رسالة الاسلام النهائية هي ما تم توثيقه في القران الى محمد.