لماذا تمت شيطنة القذافي

January 17, 2025 Off By Salman Salman

لماذا تتم شيطنة القذافي

بقلم كاتبة افريقية مترجم عن مقالة منشورة بصحيفة الصوت المعارض

Dissent Voice April 21st, 2011

http://dissidentvoice.org/2011/04/why-is-gaddafi-being-demonized/

لقد كانت ليبيا القذافي من قدم لكل أفريقيا أول ثورة حقيقية في العصر الحديث من خلال توصيل كل مناطق القارة بخطوط التلفون والتلفزيون والراديو وخدمات اتصالات أخرى مثل التدريس والمساعدة الطبية عن بعد. شكرا لوصلة الراديو قليلة التكاليف التي تم توفيرها لكل القارة بما فيها المناطق الريفية.

بدأ كل ذلك عام 1992 عندما أسست 45 دولة افريقية “منظمة الاتصالات الأفريقية ARSCOM” من أجل أن تمتلك أفريقيا قمرا صناعيا يخصها لتوفير تكاليف استئجار خدمات الأقمار الباهظة. حصل هذا عندما كانت تكاليف الاتصال مع أفريقيا وضمن بلدانها الأعلى في العالم بسبب الرسوم الباهظة المعادلة 500 مليون دولار سنويا التي تدفعها بدلا من خدمات القمر الأوروبي ” انتيلسات” للاتصالات التلفونية. وقد شمل ذلك حتى المكالمات الداخلية لنفس البلد.

التكلفة الاستثمارية لامتلاك قمر صناعي لا تتجاوز 400 مليون دولار. من الجنون الاستمرار بدفع 500 مليون دولار سنويا بينما تستطيع توفير الخدمة بشكل دائم بما يعادل أجرة سنة. بمثل هذه الجدوى الاقتصادية من المفروض أن لا يكون هناك أي مشكلة مع أي ينك دولي لتمويل المشروع. رغم هذا لم يقبل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي تمويل هذا المشروع.

فقط القذافي من بادر للحل ووفر على أفريقيا كل هذا التكاليف والفوائد المركبة التي ترتبط بها. فقد تقدمت ليبيا بدفع مبلغ 300 مليون دولار نقدا من أصل ال400 مليون وتم تمويل الباقي من بنك التنمية الأفريقي بمبلغ 50 مليون وتقدم بنك غرب أفريقيا بمبلغ 27 مليون وبدأ المشروع العمل منذ عام 2007. وقد لحقت كل من روسيا والصين بعد ذلك بمساعدة جنوب أفريقيا والجزائر ونيجيريا وأنغولا. وتم إطلاق قمر صناعي آخر لأفريقيا عام 2010. وسيتم إطلاق أول قمر كامل التصنيع فوق التراب الإفريقي عام 2020 والذي سينافس الأقمار العالمية بتكاليف اقل من 1/10 التكاليف العالمية.

هكذا أنتجت تلك المبادرة الرمزية من ليبيا بقيمة 300 مليون دولار تغيرا رئيسا لحياة أفريقيا. إنها ليبيا القذافي التي أغضبت الغرب. فقد خسر الغرب مبلغ ال 500 مليون سنويا وفوقها بلايين الدولارات بدلا من فوائد القروض التي كان يمكن أن تتجمع لو استمر الوضع بشروط ممولي الغرب الجشعين والتي كانت تستخدم لإذلال أفريقا فوق إفقارها.

يكثر الحديث عن ثروة القذافي التي تم تجميدها في الولايات المتحدة. تلك الثروة في الحقيقة ملك لبنك ليبيا المركزي وقد تم إيداعها وحجزها كمشاركة ليبية لثلاثة مشاريع افريقية كبرى مرتبطة بالاتحاد الإفريقي. وهي بنك الاستثمار الأفريقي في سرت والذي أسس عام 2011. وصندوق النقد الأفريقي في يواندي برأس مال يساوي 42 بليون دولار والبنك المركزي الأفريقي في أبوجا نيجيريا. هذه المشاريع الثلاثة تهدف لبناء اقتصاد أفريقي مستقل والذي سيقضي على الفرنك الأفريقي الذي استطاعت فرنسا تثبيته ضمن بعض الدول الأفريقية خلال 50 عاما الماضية. هذا طبعا يساعد في تفسير النقمة الفرنسية على القذافي.

من المتوقع أن يستطيع صندوق النقد الأفريقي تغطية معظم الأنشطة في أفريقيا. وعندما نتذكر أن صندوق النقد الدولي استطاع بمبلغ لا يزيد عن 25 بليون دولار إذلال كل القارة الأفريقية من خلال برامج الخصخصة المشبوهة ليس مفاجئا أن يكون رد الأفارقة في اجتماع 16-17 12-2010 الرفض بالإجماع انضمام أي دولة أوروبية لصندوق التنمية الأفريقي.

من الواضح أن المستهدف بعد ليبيا في أفريقيا ستكون الجزائر. فمخزون الطاقة في الجزائر يتجاوز مئات مليارات الدولارات. إنهم يهاجمون ليبيا الآن وراء المال والنفط وخاصة أنهم جميعا مفلسون: فالولايات المتحدة تنوء بدين قومي تجاوز ال 14 تريليون وفرنسا وبريطانيا كل منهما مدينة بحوالي 2 تريليون بينما كل ديون أفريقيا ( 46 دولة) لا تتجاوز 400 بليون.

إثارة الحروب في أفريقيا تهدف ضمن ما تهدف له توفير مصادر تمويل لهذه البلدان المفلسة التي تغرق كل يوم لفشل أنظمتها الاستغلالية وستنهي دورة انهيار الغرب التي بدأت منذ عام 1884 منذ مؤتمر برلين.

وكما توقع ادم سميث عام 1865 عندما أعلن دعمه للينكولن في تحرير العبيد فقد قال (الاقتصاد الذي يعتمد على عبودية الآخرين مكتوب عليه السقوط في الجحيم عندما تصحو أمم هؤلاء العبيد).

الكتل الإقليمية تعطل تكون الولايات المتحدة الأفريقية

يعمل الغرب على تحطيم مستقبل الاتحاد الأفريقي الذي تم بمبادرة ودعم القذافي ويحتمل تهديدا للغرب من خلال الانتقال الى وحدة أكبر بإنشاء الولايات المتحدة الأفريقية. منذ البداية حاول الاتحاد الأوروبي وفشل في خلق بدائل إقليمية من خلال مبادرة ساركوزي إنشاء اتحاد المتوسط. فقد تم التركيز في ذلك الوقت أن شمال أفريقيا يختلف عن وسطها وجنوبها باستخدام حجج عنصرية بأن العرب أكثر تطورا من بقية أفريقيا. لكن هذا التوجه فشل بفضل القذافي عندما رفض هذا الفصل لأفريقيا. لقد فهم القذافي الهدف الاستعماري عندما تمت دعوة عدد قليل من دول شمال أفريقيا مقابل 27 دولة أوروبية لا يقع معظمها على المتوسط.

بدون الروح التي أسست للاتحاد الأفريقي فقد فشل مشروع المتوسط قبل أن يبدأ خلال رئاسة ساركوزي ونائبه مبارك. يريد وزير خارجية فرنسا إحياء الفكرة الآن معتمدا على سقوط القذافي. ما لم يدركه كثير من زعماء أفريقيا انه طالما مول الاتحاد الأوروبي الاتحاد الأفريقي فسوف يبقي هذا دون قيمة أو استقلال. وهذا يتماشى طبعا مع مبادرات الاتحاد الأوروبي تقوية التجمعات الإقليمية على حساب وحدتها الكبرى.

ليس مفاجئا طبعا أن يكون التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا والذي له ممثلية في بروكسيل ويعتمد في معظم تمويله على الاتحاد الأوروبي أحد معارضي نمو الاتحاد الأفريقي. لقد حارب لنكولن النزعات الانفصالية في الحرب الأهلية الاميركية لأن تلك النزعات تدمر الأصل. وهذا ما يريده الأوروبيون الآن. ما لم يفهمه الأفارقة أن الغرض من الكتل الإقليمية يقصد به تدمير فرص تكون الكتلة الأم ونجاحها. وهكذا انتهت أفريقيا بتجمعات “كومسا” و”يوياك” و”سادك” و”المغرب العربي”. لكن القذافي ظل يدعو لوحدة أفريقيا الكاملة وليس تجزئتها. لقد كان القذافي الأكثر إدراكا للمخاطر منذ البداية.

القذافي هو الذي نظف أفريقيا من ذل التمييز والفصل العنصري

لمعظم الأفارقة يعتبر القذافي رجلا كريما إنسانيا معروف بإيثاره وبدعمه الطويل والدائم للنضال ضد النظام العنصري الذي كان يحكم جنوب أفريقيا. لو كان القذافي رجلا مزيفا أو مكابرا لما أقدم على استعداء الغرب عندما قدم دعمه المستمر بالسلاح والمال في الحرب الطويلة ضد التمييز العنصري. وهذا يفسر موقف مانديلا عند الإفراج عنه بعد 27 عاما من الاعتقال عندما قرر كسر الحصار على ليبيا عام 1997. قبل ذلك ومنذ عام 1992 لم يكن مسموحا لأي طائرة الهبوط في ليبيا. كان على المسافر النزول في جربة في تونس والسفر برا لمدة خمس ساعات حتى يصل الى الحدود الليبية عند بني غردانة ثم السفر برا ثلاث ساعات أخرى للوصول الى طرابلس. البديل الآخر كان استخدام الرحلات البرية ذات الخدمات السيئة من مالطا. رحلات جهنمية لكل الشعب لعقاب شخص واحد.

كان مانديلا صارما في رده على كلينتون الذي احتج على مبادرة كسر حصار ليبيا فقد قال ” لا يحق لأي دولة أن تكون شرطيا للعالم ولا يجوز لدولة تحديد ما تعمله الدول الأخرى. هؤلاء الذين كانوا أصدقاء أعدائنا لا يحق لهم اليوم الاعتراض على زيارتي لصديقي وأخي معمر القذافي. إنهم يطلبون منا أن نكون ناكري الجميل لأصدقائنا الأوائل.”

قطعا فالغرب يعتبر بيض جنوب أفريقيا إخوتهم الذين يحتاجون حمايتهم. وهذا يفسر لماذا تم التعامل مع أعضاء حزب المؤتمر الأفريقي ومنهم مانديلا كإرهابيين طول الوقت. فقط بتاريخ 2-7-2008 تم رفع اسم مانديلا من قائمة الكونغرس السوداء ليس لأن بقاءه كان عملا غبيا فقط ولكن لأنهم رغبوا توثيق عيد الميلاد التسعين لمانديلا. لو كان الغرب آسفا فعلا لدعمه السابق لنظام التمييز العنصري وصادقا عندما أطلق اسم مانديلا على الشوارع والميادين فكيف يمكنهم إعلان الحرب على أقرب صديق لمانديلا ومن جعل نضاله ينتصر. انه القذافي.

هل من يصدرون الديمقراطية ديمقراطيون حقا (قياس مع جان جاك روسو)

ما رأيكم لو عرفتم أن ليبيا القذافي أكثر ديمقراطية من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكل الدول التي تعلن الحرب على ليبيا الآن. بتاريخ 19-3 2003 بدأ بوش قصف العراق بذريعة نشر الديموقراطية. وبعد 8 سنوات بالتمام والكمال وفي 19-3-2011 بدأ قصف ليبيا بشعار الديمقراطية. ويدعي السيد أوباما حامل جائزة نوبل للسلام أن إطلاق الصواريخ يقصد به نشر الديموقراطية وإسقاط الدكتاتور.

هل هذه الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي تدعي القتال من أجل نشر الديموقراطية وتسمح لنفسها بقتل الليبيين كل يوم هل هذه الدول ديموقراطية حقا. وإن كانت كذلك فهل هي أكثر ديموقراطية من ليبيا القذافي. الجواب لا كبيرة والسبب بسيط: لأن الديموقراطية غير موجودة في هذه الدول وهذا ليس رأيا شخصيا ولكنه رأي ابن جنيف التي تستضيف مقرات هيئة الأمم المتحدة. انه رأي جان جاك روسو الذي ولد في جنيف عام 1712 وكتب في الفصل الرابع من كتابه الثالث المشهور بالعقد الاجتماعي أن ” لم يكن هناك أبدا أي ديموقراطية حقيقية وربما لن يكون ذلك أبدا”.

روسو يضع أربعة شروط لتحقق الديموقراطية. ولو طبقنا ذلك على ليبيا القذافي نجدها تحققها أكثر من تلك الدول التي تقاتله. شروط روسو للديمقراطية تتلخص بالتالي:

1- حجم الدولة: كلما كبر حجم الدولة كلما كانت الديموقراطية أقل تحققا. وحسب روسو يجب أن تكون الدولة صغيرة جدا حتى يمكن لأهلها التجمع ومعرفة بعضهم وحتى يتم نقاش القضايا قبل التصويت. لأنه بدون النقاش يفقد التصويت قيمته التمثيلية ويصبح طريقة لتثبيت الديكتاتور.

الدولة الليبية تقوم على تحالفات قبلية والقبائل بالتعريف تمثل تجمعات نسبية أصغر عددا وأكثر تقاربا وبالتأكيد فان روح الديموقراطية أكثر وضوحا ضمن القبيلة أو القرية مقارنة بالمدينة أو الدولة الكبيرة. والسبب الأهم أنهم في القرية أو التجمع الصغير يعرف بعضهم بعضا ويشتركون بحياة متشابهة ولهم تنظيم أخلاقي عرفي متشابه ورقابة ذاتية مشتركة.

حسب هذا المفهوم ليبيا تحقق شرط روسو أفضل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لأن تلك الدول تمثل مجتمعات مدنية منفصلة بحيث لا تعرف من جيرانك وربما لا تقول لهم صباح الخير. هذه الدول اعتمدت لتصويت الذي صمم بطريقة تخفي حقيقة أن تصويت المواطن على مستقبل البلد ليس له معنى عندما لا يعرف الشخص أهل البلد الآن. وهذا طبعا أصبح يمتد لإعطاء حق التصويت لمن يحمل الجنسية ولم يعش في بلد التصويت. الانتخاب أساسا يتطلب الحوار المسبق لمعرفة وتعريف الفروق.

2- البساطة

العادات والسلوك تمثل مخارج هامة لمن يريد تجاوز قضاء معظم وقته يناقش مسائل قانونية وإجرائية إذا أراد التعامل مع المتناقضات المختلفة والكثيرة التي تنشا في مجتمع كبير. المجتمعات الغربية تعتبر نفسها متحضرة بتركيبات اجتماعية معقدة بينما ليبيا تعتبر دولة بدائية بمجموعة بسيطة من القوانين والعادات. هذه المواصفات تتناسب مع متطلب روسو الثاني المتمثل في البساطة. في الحضارات المعقدة تحسم الصراعات المعقدة عادة لصالح من هم أكثر قوة ونفوذا. وهذا يفسر لماذا يستطيع الأغنياء التهرب من العقوبة على جرائمهم لأنهم يملكون المال الكافي لتعيين محاميين متنفذين يغيرون من صيغ القوانين لتركز على عقاب المجرمين الصغار والعفو عن مرتكبي الجرائم والمخالفات الكبيرة. فعقاب من سرق موزة من السوبر ماركت أسهل وأسرع من محاكمة من سرق بنكا.

3- التوازن في توزيع الثروة والوضع الاجتماعي

وهو شرط روسو الثالث لتحقق الديمقراطية. ولو نظرنا لمجلة فوربس 2010 نجد قائمة أغنى الأغنياء كبيرة في تلك الدول التي تقصف ليبيا الآن ونرى التفاوت الرهيب بين الأغنياء والفقراء. فالغني يمثل أكثر من مليون ضعف للفقير. مقارنة مشابهة لليبيا: توزيع الثروة في ليبيا يكشف أن لدي ليبيا الكثير مما تعلمه للغرب في هذا المضمار. هنا أيضا فشرط روسو ينطبق على ليبيا أكثر من تلك الدول. في الولايات المتحدة 5% من السكان يملكون 60% من الثروة مما يجعلها الأسوأ من ناحية توزيع الثروة.

4- استحالة الترف

حسب روسو لا يمكن أن يكون هناك إمكانية للترف في مجتمع يطبق ديموقراطية حقيقية. يقول روسو أن الترف يتطلب الغنى الفاحش ويصبح قيمة قائمة بذاتها. وعند ذلك يصبح أولوية قبل مصلحة الآخرين. والترف يفسد جميع الناس: انه يفسد الغني بسبب تملكه أدوات التحكم ويفسد الفقير بسبب الغيرة والحسد. وهذا يقسم الأمة ويجعلها أكثر قبولا للتحكم والسيطرة ويخضع الناس لعبودية رأي الآخرين.

من لدية ترف أكبر ليبيا أم فرنسا. انتحار العمال في فرنسا ساركوزي بسبب الضغط النفسي لتحقيق الربح الأكبر للمالكين يمثل ظاهرة ملفتة. وهو بالمقابل معدوم في ليبيا.

قال عالم الاجتماع الاميركي سي رايت ميلز عام 1956 أن الديموقراطية الأميركية تمثل ديكتاتورية النخبة. وحسب ميلز فالمال هو الذي يصوت في الانتخابات وليس الناس. بعد بوش الأب والصغير يتحدثون عن بوش صغير آخر لانتخابات عام 2012.

وقد أوضح ماكس ويبر انه بسبب اعتماد القوة والنفوذ السياسي على البيروقراطية ولأن بيروقراطية الولايات المتحدة تتكون من جيش من حوالي 43 مليون بيروقراطي وعسكري فهم من يتحكم بمجرى الأحداث فعلا دون انتخاب أو مساءلة أمام الناس. نعم يتم انتخاب شخص غني لكن الأهم أن يبقى النفوذ بيد الأغنياء الذين يتم ترشيحهم سفراء ووزراء وجنرالات ومبعوثين وخبراء.

مقارنة بالديمقراطيات التائهة ضمن العالم الثالث: كم من شعوب هذه الديموقراطيات المزيفة يعرف أن دستور البيرو يمنع الترشح للانتخاب أكثر من مرة واحدة. ومن يعرف أن الرئيس في غوتيمالا لا يستطيع إعادة الانتخاب بل إن عائلته ممنوعة من الترشح أيضا وحتى لمناصب عليا. ومن يعرف أن رواندا هي الدولة الوحيدة التي لديها 56% من البرلمانيين نساءا. ومن يعرف أنه حسب إحصائيات الاستخبارات الاميركية فإن من بين أفضل الحكومات في العالم تقع واحدة من كل أربعة منها في أفريقيا وأن أفضل دولة بالحكم الرشيد ماليا هي غينيا التي يصل دينها لأقل من 1.1% من دخلها القومي مقارنة بالولايات المتحدة التي يصل دينها لأكثر من 100% من دخلها القومي.

يؤكد روسو أن الحروب الأهلية والتمرد صفات مرتبطة بتحقق الديمقراطيات. فإذا لم تكن الديموقراطية هدفا شكليا بحد ذاته وإنما تمثل عملية مستمرة ودائمة في تثبيت حقوق الناس فإن عليها النضال المستمر للوقوف أمام من يحاول دائما التلاعب بها من قبل الطغم الحاكمة الذين يختطفون الحكم من أهله وهذا يحصل في كل مكان وزمان.

وما دام الإفساد دائما فالإصلاح من خلال التمرد والثورات يمثل متطلبا دائما لمنع الانحراف. وعليه حسب روسو فإن هدوء دولة ما لفترة طويلة دون احتجاجات يدل على أن النظام جائر بما يكفي ليمنع أي احتجاجات أو متنفذ لتفريغها من محتواها ولا يعبر بالضرورة عن هدوء ناتج عن القناعة.

ليس هناك ما يمنع ثورة الليبيين. السيئ هو ادعاء المتحكمين بالعالم أنهم يحمون هذا الحق لأهل ليبيا. وكما قال روسو “لو كان للآلهة نظام حكم لحكموا أنفسهم بنظام ديموقراطي والديموقراطية ليست للبشر” وعليه فإن فتل الليبيين تحت شعار تحقيق الديموقراطية يمثل كذبة كبيرة.

الدروس لأفريقيا

بعد 500 عاما من العلاقة غير المتكافئة مع الغرب من الواضح أننا لا نتفق في تعريف الخير أو الشر. لدينا آمال وطموحات مختلفة. كيف يمكننا عدم إدانة دعم 3 ديمقراطيات من جنوب الصحراء للقرار 1973 ( غابون وجنوب أفريقيا ونيجيريا) الذي عمد بشعار حماية المدنيين وأعطى شرعية للنظريات العنصرية التي تريد فصل شمال الصحراء عن جنوبها. كيف أمكن لهذه الدول التصويت على القرار.

لقد تعاملنا كأن تونس ومصر وليبيا والجزائر ليست جزءا من أفريقيا وأهملت الأمم المتحدة الأخذ بجدية موقف الاتحاد الأفريقي بخصوص أعضائه. الهدف طبعا عزل جنوب الصحراء عن شمالها وهذه خسارة كبرى لجنوب الصحراء. علينا الأخذ بالاعتبار أن مساهمات الجزائر ( 16 بليون) وليبيا ( 10 بليون) تمثل 62% من إجمالي رأس مال صندوق التنمية الأفريقي بقيمة 42 بليون. من المعيب أن اكبر دولة افريقية (نيجيريا) وتتبعها جنوب أفريقيا تتذيل المساهمة بما لا يزيد عن 3 بليون لكل منهما.

من غير المريح القول انه لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة يتم إعلان الحرب على شعب دون أدنى محاولة للبحث عن وسائل سلمية لحل الصراع. هل بقي أي شيء من أفريقيا للاتحاد الأفريقي. لقد قبلت نيجيريا وجنوب أفريقيا التصويت بنعم لكل ما يريده الغرب لأنهم بسذاجة يعتقدون بإمكانية تحقق الوعود الزائفة بتوفير مقعد دائم للام المتحدة لأفريقيا. لكنهم ينسون أن هذا مثل حلم إبليس في الجنة فلو كان ذلك ممكنا لتم توفيره قبل ذلك لألمانيا.

إصلاح الأمم المتحدة غير وارد في الأجندة. إن أفضل الطرق استخدام الطريقة الصينية. على كل دول أفريقيا الخمسين الانسحاب من هيئة الأمم المتحدة حتى تتحقق مطالبهم من خلال توفير مقعد دائم لأفريقيا بمجلس الأمن. مثل هذا الأسلوب السلمي يمثل السلاح الوحيد المجدي لشعب أفريقيا الفقيرة. علينا ترك هذا التنظيم الدولي لأنه أصبح سلاحا بيد الأقوياء والمتسلطين.

علينا ترك الأمم المتحدة لتسجيل موقف رافض لوجهة النظر التي تقوم على القضاء على المستضعفين في العالم. يمكن للأمم المتحدة الاستمرار في غيها لكننا لن نكون جزءا من ذلك. علينا رفض أن نكون جزءا من مؤسسة لا تستشيرنا حتى في قضايانا وأهملت رأينا الذي أبديناه بوضوح يوم 19-3-2011 في نواكشوط عندما رفضنا استخدام القوة ضد ليبيا.

أحداث اليوم تجرنا للمقارنة بما حصل مع الصين في الماضي. اليوم تعترف الدول بحكومة قتارا( في ساحل العاج) كما اعترفت بعض الدول بعد الحرب العالمية بتايوان ممثلا للشعب الصيني بدلا من حكومة ماو التي مثلت معظم الصين. لقد استغرق الأمر 26 عاما عندما اضطر العالم يوم 25-10-1971 تمرير قرار 2758. على كل الأفارقة الإطلاع على هذا القرار حتى يتعلموا من نفاق الغرب. لقد تم قبول الصين حسب شروطها التي رفضت قبول العضوية دون حق الفيتو. وعندما تحقق طلبها هذا وصدر القرار استغرق الأمر سنة كاملة حتى تكرمت الصين بالرد بالقبول عام 1972 ولم يحتو كتاب وزير خارجية الصين أي شكر لأحد وإنما أكد على تمسك الصين بحقوقها الدولية وضرورة احترام العالم لهذه الحقوق.

ما الذي تأمله أفريقيا من الأمم المتحدة دون اللعب بخشونة. رأينا كيف تصرفت الأمم المتحدة فوق القانون في ساحل العاج. إذا كان طموحنا من دخول الأمم المتحدة البقاء عبيدا بأمل دعوتنا للجلوس على نفس الطاولة والأكل من نفس الصحون التي غسلناها سابقا فهذا يمثل السخف والغباء.

عندما قبل الاتحاد الأفريقي اعتماد انتخاب قتارا في ساحل العاج وتجاهل تقارير مناقضة تطعن في صحة انتخابه كيف يمكننا توقع أن نكون محترمين. كيف يمكن التوفيق بين ما قاله زوما في البداية عن عدم صحة فوز قتارا وتحوله بعد ذلك لمباركة فوزه بعد زيارته باريس. علينا عند ذلك التشكك في مصداقية مثل هؤلاء الزعماء الذين يمثلون أفريقيا.

قوة أفريقيا وحريتها تتحقق فقط عندما تتخذ قراراتها بنفسها وتتحمل نتائجها. فالاحترام والهيبة لهما ثمن فهل نحن مستعدون لدفع هذا الثمن. إن لم نكن كذلك علينا الانصراف للمطبخ لخدمة الأسياد.