الوضع العربي: تحديات كبيرة 2011

January 17, 2025 Off By Salman Salman

الوضع العربي: تحديات كبيرة 2011

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

1/9/2011

في دراسة سابقة تقدمنا بطرح لتفسير المواقف السياسية المختلفة من قبل القوى الغربية والعربية تجاه الثورات المتفجرة. وأشتمل الطرح تقييما للقوى الخارجية المؤثرة ومقومات النجاح والفشل. وحسب ذلك فنجاح الثورات يعتمد في الأساس على توفر ظروف داخلية وإرادة كافية. لكنه أيضا يتطلب توفر حد أدنى من القبول الغربي خارج النفوذ الصهيوني رغبة في تسهيل الوصول إلى حل سياسي مستقر.

مقابل ذلك هناك جهود معاكسة تقوم بها القوى الصهيونية والموالية لها لإفشال هذه التوجه من خلال خلط الأوراق وإحباط الثورات الجيدة بثورات مصطنعة أو غير مؤهلة. وأفضل ما تحمل بداخلها مزيدا من التقسيم والتشرذم وتصب ضمن مشروع الشرق الجديد الذي تم الترويج له أيام الرئيس الأميركي بوش (أنظر الوضع العربي: انهيار النظام العربي أم إعادة تشكيل).

لكن هناك نظرية أخرى تقوم على أن الغرب ربما يدرس إمكانية التفاهم مع الإسلام السياسي على مستوى العالم الإسلامي بصيغة تعاون تحقق استقرارا. ويتم ذكر نموذج تركيا والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وجماعة الإخوان كلاعبين رئيسيين.  ومع وجود مؤشرات لذلك إلا أن الإيحاء بالأساس يتم من قوى ضمن الإسلام السياسي (التنظيم الدولي للإخوان) كتقرب للغرب بإعادة دور له مثلما كان خلال الحرب الباردة أكثر منها مؤشرات ضرورية.  جدية النظرية تبقى لأن الحركات الإسلامية في العادة أقدر على تنظيم نفسها. يتم التوسع أحيانا لإقناع الغرب أن تحالفا من هذا النوع مع الغرب بمظلة سعودية وخليجية يمكن أن يمثل رافعة صلبة لتحييد إيران.

من المعطيات المستجدة يبدو أن هناك قوى ضمن الإسلام السياسي ضالعة بمثل هذا الوضع بدرجات متفاوتة. لكن تطور الأحداث السريع يضعف هذه المركبة. فهناك تبرؤ قوى غربية كثيرة من التوجه بسبب عدم إمكانية التوفيق بين قبول الإسلام السياسي للأهداف الغربية والثمن المطلوب بحل قضية فلسطين بالحد الأدنى وبما يسمح لحماس بدور مركزي في إدارة القضية. فمثل هذه الصفقة غير ممكنة بسبب رفض إسرائيل واختلاف حماس عن التوجه الإخواني العام لعدم قبولها أو قدرتها تقديم المطلوب لخصوصية القضية الفلسطينية.

العامل الآخر أن الإسلام السياسي اعتقد بإمكانية اللعب على محورين. فهو قبل التدخل الغربي لإسقاط أنظمة غير موالية للغرب وفي نفس الوقت اعتقد بإمكانية استخدام ورقة التحالف الضمني مع إيران من خلال منظومة المقاومة. وربما اعتقدت إيران بإمكانية تحالف مع الإخوان بما يضمن موقفا ضد الغرب بشكل عام. فغضت الطرف ولو جزئيا من خلال تقبلها عمليا للدور الغربي في ليبيا والتحكم في مصر وتونس. لكنها اصطدمت بقوة مع التوجه نحو تفجير سوريا الذي يتناقض مع جوهر الاستراتيجية الكونية لإيران.

فوق هذا فقد اجتمع حد أدنى بين التفكير الغربي خارج الصهيوني وجزء من الصهيوني يتقبل الثورات بمجملها لإعادة رسم المنطقة وضمان حل سياسي لقضية فلسطين يمكنها من تصفية القوى المعارضة لإسرائيل ويضمن هيمنة غربية من خلال تقسيم جديد للمنطقة. لكن تبين عدم توافق ذلك مع رأي أصحاب القرار الصهيوني بسبب معارضتهم تقديم ما يتطلبه الحل من تنازل عن أراض الضفة الغربية والجولان. وبسبب تعقد الأوضاع في ليبيا وسوريا قامت إسرائيل بهدم المعبد الاميركي على أوباما وتبين استحالة تنفيذ أي وعود محتملة مع الإسلام السياسي. إنها عودة لنقطة الصفر. ولتقييم ذلك نود توضيح وتحديث موقف الدول ذات العلاقة.

مصر: نجحت الثورة كمرحلة أولى وهناك رغبة بالتغيير تشمل قطاعات واسعة من الشعب لكن ليس واضحا مدى عمق التغيير على مستوى الإقليم أو اتجاهات السياسة المصرية نحو إسرائيل. رغم هذا من المتوقع أن يكون الوضع أفضل من عهد مبارك وبملامح رئيسة:

  1. داخليا: نظام حكم أقل فسادا من العهد السابق مع تركيز على توزيع أعدل للثروة وهناك وجهتي نظر: الأولى محاولة تقليد النموذج التركي من خلال رأسمالية متنورة وملتزمة وطنيا. والثانية توجه قومي على نمط الناصرية يأخذ بالاعتبار اختلاف المعطيات وضرورة احترام العهد الشعبي الجديد. هناك توازن قوى الى حد كبير. وهذا يحقق الشرط الأول لتحقق ديموقراطي معقول.
  2. خارجيا: هناك مشاكل كبيرة فإسرائيل تحاول فرض أجندات على مصر الجديدة وهناك قوى غربية كثيرة تقف معها. وهناك محيط مصر غير المستقر في السودان وليبيا وفلسطين طبعا. كل هذا يقلل فرص استقلال القرار المصري. وإذا أضفنا صعوبة الوضع الاقتصادي والاختراق الخليجي للوضع المصري هناك وضع صعب وليس من المؤكد خروج الثورة من الطوق. وإذا نجح الإخوان في الحكم ضمن ظروف اهتزاز الاستقلال فربما يكون النموذج أقرب للأول داخليا لكنه أكثر تبعية للخليج. أما إذا نجح المحيط في تخفيف الضغط عن مصر فربما ينجح التيار الآخر في تعميق الدور المصري التاريخي القومي والإسلامي. وهذا يعتمد على نتائج معركتي ليبيا وسوريا فإن نجحت الثورات هناك سيكون الوضع المصري صعبا جدا. التوقعات: الاحتمالات متقاربة في ليبيا وميل لفشل ثورة سوريا.

ليبيا: المطلوب تغيير نظام الحكم بمجموعة موالية للمشروع الغربي وفي أحسن الأحوال على نمط الخليج. ولأن المعارضة لم تستطع تجنيد أغلبية معقولة حتى الآن وهناك احتمال كبير بنجاح مؤيدي القذافي بأية انتخابات نيابية أو رئاسية فقد حدد الغرب شرطا مسبقا لأي انتقال للسلطة من خلال فرض إزاحة القذافي مسبقا. وهذا يعني ضرورة زوال الكتلة الصلبة المؤيده له لفتح المجال لتأسيس جمهورية أو إمارة موالية. وإن لم يتحقق ذلك فلا مانع من انقسام حتى يسقط النظام. وهذا يفسر قبول القذافي وقف النار والانتخابات ورفض الغرب المطلق لذلك.

التوقعات: يستمر القذافي طالما بقي حيا بالتأثير على قطاع كبير من الشعب وضمان أغلبية موالية في الانتخابات. وعليه لن يوافق الغرب على الانتخابات وهذا يفسر الرغبة بقتله.  التوقعات: الاحتمالات متساوية.

سوريا:  لم يحقق الثوار إنجازات مهمة على المستوى الميداني والحل الأمني يساعد النظام حاليا على الأقل.  لأن سوريا دولة قوية عسكريا وسياسيا من الصعب إصدار مجلس الأمن قرارا مثل ليبيا وهذا يعطي فرصة معقولة للنظام.

الوضع في سوريا يختلف عن ليبيا خارجيا وداخليا مع أن الغرب استخدم وسائل مشابهة للتصعيد. ففي سوريا يكتفي مؤيدو الغرب بطلب تعددية الأحزاب وإجراء انتخابات حرة لأن هناك احتمالا بفقدان سيطرة حزب البعث والطبقة الحاكمة. وهذا الأمر مفهوم من قبل النظام الذي يعتبر التنازل عن قيادة حزب البعث للدولة بمثابة انتحار سياسي. لن يقبل النظام هذه النقلة وسيقبل ما أقل من ذلك. لن يستطيع الغرب صنع ظروف مشابهة ضد سوريا لسببين رئيسين:

  1. قرب سوريا من إسرائيل بمعني أن أي عدم استقرار في سوريا ينعكس بشكل كبير على أمن إسرائيل وهذا لا يعني أن بقاء النظام الحالي يمثل مصلحة لإسرائيل لكنه يعني أن محاولة هدم النظام ستكلف إسرائيل غاليا.
  2. الدعم السياسي الدولي والإقليمي لسوريا أكبر ورفض التحكم بها من قبل بعض الدول العظمى ربما يمنع عقوبات دولية قانونية أو مبادرات حربية جدية.

التوقعات: سينجح النظام بالبقاء ولن يتنازل جوهريا ولن تستطيع قوى المعارضة التي اجتمعت في أنطاليا أو بروكسيل تجنيد قطاع هام من الشعب أو تغيير التوازن الدولي إلا إذا حصل انقلاب في الموقف الروسي. لكن حتى هذا لن يضمن هجوما على سوريا بسبب قوة الموقف العسكري النسبية لسوريا وحلفائها.

اليمن: تداخلات متعددة. ليس هناك طرف واحد يمكنه ادعاء السيطرة لأن هناك انقسامات عديدة في المواقف. فوق هذا ليس هناك اختلاف هام بمواقف الأطراف من نواحي العلاقة بالخليج أو الغرب وهذا يعني عدم وجود جهة مفضلة لهم. وبحكم وجود أجندات انفصالية أو طائفية لبعض الأطراف يأمل الغرب انقسام اليمن لمجموعة من الدول الموالية للغرب على نمط إمارات الخليج. الانقسام الأهم الآن بين القبائل التي مثلت قاعدة صالح الذي فقد الكثير وليس هناك ضمان لبقائه ضمن منظومة قبائل الشمال. لكن ربما من التسرع توقع سقوطه ومؤيديه ما لم يقرر عدم العودة وهذا مستبعد. التوقعات كل الاحتمالات مفتوحة.

موقف تركيا: تغير الموقف التركي بدرجة ملحوظة. ففي البداية أيدت تركيا ثورات مصر وتونس كما الحال لمعظم لاعبي المنطقة وتحفظت على ما يدور في ليبيا. لكنها بعد فترة وجيزة سكتت وبدت أكثر تأييدا للموقف الغربي. وبخصوص سوريا فقد حصل تراجع كبير حين سمحت لقوى المعارضة عقد اجتماعات في تركيا وهذه إشارة غير طيبة. طبعا تبرير اردوغان أن تركيا مفتوحة لاجتماعات مؤيدي النظام السوري لا يعني كثيرا فسوريا لا تحتاج لأرض تجتمع فيها لتدعم نفسها.

سبب التغيير في اعتقادي ليس تغير قناعات فعلية لدى اردوغان أو أغلو أو غول. لكنه يعكس تأثيرات خارجية وداخلية تتلخص في ازدياد الضغط الغربي وتحريك قوى انفصالية وتهديد بدعم المعارضة العلمانية وخطر الانقلاب العسكري فوق تمايزات داخل التيار الإسلامي الذي يتراوح بين مؤيدين لوجهة نظر الإخوان الدولية جزئيا وتأثير ذلك على الانتخابات القريبة.

كل هذا العوامل أضعفت قدرة اردوغان على المناورة وسمحت لتيارات محسوبة على الإسلاميين بمهاجمة سوريا بشكل غير مقبول. لكن في اعتقادي إذا نجح حزب العدالة في كسب الانتخابات سيظهر موقف تركي أقرب للموقف السابق لكنه لن يكون فعالا كما كان أصلا. بكلمات أخرى لقد خسرت تركيا من الآن جزءا هاما من زخمها الذي حققته بسبب دعمها لفلسطين وموقف سوريا الذي فتح لها البوابة العربية.

موقف إيران:  يبدو أنها ارتكبت أخطاء استراتيجية في فهم ديناميكية الثورات العربية وربما راهن خامنئي كثيرا على الحلف الإسلامي عابر الطوائف والذي كان يتحدث عنه بتفاؤل بشعار الصحوة الإسلامية وظهر معقولا في مصر وتونس. لكن تبينت استحالته بمفترق الطرق في سوريا والبحرين بالدرجة الأولي وبدرجة أقل في ليبيا عندما ظهر الدور الأوروبي والصهيوني في تحديد “مستقبل “ثوار ليبيا”. وهذا خلق حالة توهان في إيران ربما عبرت عن نفسها في المرحلة الأولي بالخلاف بين نجاد وخامنئي. ولا أستبعد أن يكون سبب ذلك تحفظ نجاد على جدية التحالف مع الإخوان وعندما ظهر ضعف ذلك للعيان تحسنت أوضاع نجاد مرة أخرى. يبقي هذا تحليل يحتمل الخطأ لكنه لا يغير كثيرا من النتيجة النهائية. إيران تعيش الآن إعادة تفكير في الاستراتيجية التي اندمجت معها. وفي اعتقادي أن موقف إيران المحسوم بدعم سوريا لن يسمح لها بالتمادي في التعاطي مع “الثورات الأوروبية الصنع” ويشمل هذا ليبيا التي لا تكن إيران لنظامها أي ود.

التوقع العام:

هناك احتمال بنجاح المشروع الغربي في ليبيا بنسبة 60% وبسوريا بنسبة 40% ونجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد بنسبة 40% بحد أقصى. ومع أن هذا يبدو مطمئنا نسبيا إلا انه مخيف أيضا لأن نجاحه يعني انهيار منظومة الاستقلال العربي لفترات طويلة بما يهدد أي مشروع وحدودي على المدى المنظور. الخوف هنا انغماس تركيا وإيران بإغراء من هذا النوع للسماح بحصوله. وهذا يمثل الطامة على الجميع بما فيهم تركيا وإيران بل حتى روسيا.