أبو عمار وحماس وانابوليس

February 3, 2025 Off By Salman Salman

أبو عمار وحماس وانابوليس

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

14-11-2007

ذكرى “أبو عمار”

كانت ذكرى أبو عمار مناسبة مميزة. فقد جاءت قبل أيام من موعد انابوليس وهو مؤتمر يراهن عليه تيار الحل كثيرا للخروج من ورطة السلطة وأزمة العلاقات مع حماس وضحالة شرعية النظام السياسي الفلسطيني بمجمله.

أرادت فتح بكافة تياراتها إحياء ذكرى الشهيد. تيار الحل يأمل أن يتلفع بعباءة شرعية “الختيار” لإثبات انه يسير على نفس الخطى وانه لن يتنازل عن الثوابت ومناسبة إحياء ذكرى أبي عمار أفضل فرصة للم الشمل حول الحل. وتيار المقاومة في فتح يريد التذكير أن أبا عمار صمد في كامب ديفيد وفضل الشهادة على التنازل ويعتبرون مشاركتهم بالذكرى تأكيدا على مرجعية موقف أبي عمار بعده. وجماهير الشعب العادية من أنصار فتح أو المستقلين من صوت منهم لفتح أو حماس يريدون تذكير الطرفين من حماس وفتح بضرورة إتباع طريق وسط ويعتبرون طريق أبا عمار ما يحتاج الشعب في مرحلة صعبة لم يمر مثيلها بالشعب منذ عام 48. منذ أيام المعارضة والمفتي.

هل تذكرون تلك الأيام. كان الشعب منقسما وضاعت فلسطين في ذروة الانقسام وعندما أعلنت حكومة عموم فلسطين كانت الناس تعرف أنها مجرد غشاء لن يوقف الانهيار. وهكذا انهارت القضية في حينه واستغرق الأمر أكثر من ستة عشر عاما حتى يعاد تشكيل كيان يمثل فلسطين من خلال منظمة التحرير الذي تزامن مع انطلاقة فتح كمحرك ديناميكي من الشعب لتوجيه بوصلة المنظمة الرسمية التي مثلت الطبقة السياسية والعلاقة بالعرب بالدرجة الأولي.

اجتمعت قوى الشعب في ذكرى أبي عمار وكان الدليل صارخا فمهرجان غزة كان مميزا. رغم سقوط السلطة قبل اشهر فقط ورغم أن غالبية الشعب انتخبت حماس قبل اقل من سنتين إلا أن مسيرة الذكرى كانت اكبر من كل ذلك.

بالطبع كانت هناك أكثر من رسالة من تلك المسيرة. وكل كان يريد تجييرها لصالح وجهة نظره.

وجاءت حماس ممثلة السلطة والسيطرة في غزة. حذرت أن هناك مؤامرة للتصعيد من خلال الذكرى ولكنها تصرفت كمن يريد التصعيد فعلا. من غير المعقول تبرير ما حصل من طرف حماس. سلوك حماس كان فاشلا بمعظم المقاييس. فإذا كانت هناك جهة تتآمر لتحويل المسيرة للعنف والفوضى إلا أن حماس وسلطتها لم تتصرف بحذر من يريد إفشال المؤامرة. كانت ردة الفعل خوافة أكثر منها متحكمة وكان السلوك عدائيا لفتح أكثر منه حريصا على قطع دابر الفوضويين. كانت حماس بسلوكها مذعورة والمذعور يتصرف بغير اتزان.

لماذا كانت حماس مذعورة. كان الأحرى بها أن تكون من يحيي ذكرى الشهيد. فهي من تعلن تمسكها بثوابت القضية التي قضى الرجل في سبيلها. لماذا تخاف حماس من مسيرة مؤيدي أبي عمار الرمز الفلسطيني مهما كان موقف الجهات منه. وهو رمز يمثل مرحلة طويلة ومن غير الممكن حذف كل هذه المرحلة. لماذا تخاف حماس من فتح التي تحيي ذكراه الصمود والتضحية.

ينتابني الشك أحيانا ممن تخاف حماس أكثر. هل تخاف من فتح المقاومة أو فتح الحل. سألت يوما احد نشطاء حماس هل تفضلون ترشح فتح بكتلة موحدة أم بكتلتين واحدة تمثل موقف تيار المقاومة وأخرى تمثل تيار الحل. كنت اعتقد انه سيفضل ترشح كتلتين بأمل تحالف مع تيار المقاومة لصناعة أغلبية مانعة.

ذهلت عندما قال أن حماس ربما تفضل كتلة واحدة. لأن تلك الكتلة ستكون منضوية ضمن قيادة تيار الحل وعليه فلن تنتخبها جماهير الشعب ولا جماهير فتح المقاومة. وهذا يضمن لحماس الفرصة للنصر. من المفهوم ذلك من نواحي حزبية ومن المألوف القيام بذلك حينما يكون تنافس الأحزاب على سياسيات داخلية أو اقتصادية. لكن استخدام نفس التكنيك لقضايا استراتيجية يمثل ضيق الأفق. ربما هذا هو الوصف الأول الذي يخطر على البال. انغلاق حماس يجعلها غير مؤهلة للحكم الشعبي.

تصرفت حماس بخوف من مسيرة الذكرى ونسيت أنها تمثل المقاومة وان الشعب اعترف لها بقيادة المسيرة من خلال الانتخابات. الشعب تعامل مع حماس منذ اوسلو أنها من يحمل راية الكفاح والمقاومة واعتبر أن فتح تتخلى عنها. تصرفت فتح طبعا أنها تتمسك بالمقاومة وطبعا يؤمن جزء من الناس أنها لم تتخل عن المقاومة. لكن عميقا في وجدان الشعب ترسخت مقولة أن حماس هي من تمثل مسيرة المقاومة دون مناورات.

عندما يعتبرك الشعب حامل اللواء ستحقق مكاسب كثيرة دون جهد يذكر. عندما تهزم يعذروك وعندما تخطئ يسامحوك وعندما تناصب احد الأطراف العداء يعتبرون موقفك الأصل وعلى الآخرين التفسير. ولكن أيضا عندما تنتصر يتوقعون منك الانتصار لكل الشعب.

هكذا كانت فتح منذ عام 65 وحتى إعلان اوسلو. شكك بها وناصبها العداء الكثيرون. وهزمت في أكثر من معركة وتجاوزت وارتكبت أخطاء لكن ضمير الشعب تعامل معها أنها صاحبة اللواء. ولم يكن سهلا على أي تنظيم آخر مواجهة فتح حتى لو كان موقفه أكثر حقا وكلنا يذكر المواقف مع سوريا وغيرها حينما اختلفت مع فتح. كان السبب ببساطة أن فتح هي حاملة اللواء. وقد تمتعت فتح بهذا الامتياز واستغل كثير من الفاسدين هذه السطوة والميزة فعاثوا في الأرض فسادا وتحملتهم الجماهير.

لكن عندما تم إعلان اوسلو بدأ سؤال الناس مختلفا. هل فتح هي صاحبة اللواء. طبعا استطاعت فتح خلال فترة انتقالية بحكم التاريخ والسلطة والمال تجنيد ما يكفي لاستمرار زخمها. لكن عميقا في وجدان الشعب تآكلت صورة فتح الغلابة وهزمت من شعبها للمرة الأولي عام 2006 بشكل رسمي. والهزيمة كانت لصالح تنظيم حديث العهد نضاليا قديم العمر سياسيا. كانت حركة الإخوان موجودة طوال وجود فتح لكن لم يعرها الشعب التفاتا منذ عام 65 وحتى 1987 عندما انطلقت حماس المقاومة. حينها وقف جزء من الشعب معها لكنه لم يعتبرها عام 87 حمالة اللواء بل فصيل مناضل ضمن فصائل. بعد اوسلو فقط اعتبرت حماس حاملة اللواء.

وعندما نجحت حماس في 2006 اعتقد الشعب انه سلم أمره لحاملة اللواء وان الرائد لن يخذل أهله.

وتعرضت حماس لحملة معقدة خلال عام 2006 و2007 تفهم فيها الناس أنها أمام خصم عنيد وان هناك تآمر يتزايد عليها. وبقي متعاطفا معها رغم عجزها في قيادة الشعب لأي اتجاه مثمر. تحمل الشعب عجز حماس من منظور أنها حركة مناضلة و تتعرض للمؤامرة.

حماس ومؤشرات في الأداء

مرحلة ما قبل انهيار الوحدة الوطنية:

لكن بعض الإشارات كانت منذ البداية غيرة مبشرة. منذ نجحت حماس في الانتخابات لم تقم بالمتوقع منها ويمكن تلخيص أهم معالم فشل حماس للفترة 2006- وحتى 6-2007 بالتالي:

عجز التشريعي أن يمثل قوة رافعة أو مؤثرة على القرار الفلسطيني: ولا نحاسب التشريعي هنا من منظور تجاوزات الآخر لكننا نحاسبه على عجزه في استصدار قوانين سهلة التمرير وكان من الممكن أن يوافق عليها عدد غير قليل من القوى الأخرى. كان من المتوقع إن يصدر قرار عن التشريعي يثبت فيه بشكل قاطع اعتبار المعتقل من النواب حاضرا ويحتسب في النصاب وان بامكانه التصويت من خلال الانتداب وليس فقط من خلال الوكالة المفتوحة. ما الذي منع صدور هذا القانون.

الحقيقة أن من المعيب على النظام الفلسطيني سماحه بوجود هذه الثغرة منذ البداية وإلا ما معنى اعتبار الأسرى رمز التضحية والنضال. ولماذا يتم ترشيح الأسرى للانتخابات أصلا ما داموا غير فاعلين. كان بإمكان حماس بغالبتها الكبيرة تجنيد ما يلزم لضمان الثلثين. وكان من المستبعد حصول الرفض من فتح ما دام رئيس كتلتها معتقلا. ونفس الأمر انطبق على الشعبية. ولأصبح من المحرج لأي نائب رفض مثل هذا القانون. ما الذي منع حماس من المبادرة. طبعا فوائد القانون ظاهرة وأولها تحييد دور الاحتلال في هذا الأمر. بل إن ذلك كان سيوفر للنواب تقليل فرص اعتقالهم بسبب مواقفهم السياسية.

المشكلة الأخرى كانت موقف حماس من تشكيل الحكومة: منذ البداية وحتى قبل نتائج الانتخابات كان الموقف الأميركي والإسرائيلي والدولي واضحا: لن نتعامل مع حكومة لا تقبل باوسلو وسنحاصر تلك الحكومة. وكانت حماس تعرف أنها ستتعرض لحصار شامل بمجرد إعلان حكومتها. وكان الأولى لحماس تشكيل حكومة من خارجها إن هي أرادت الصمود والتمسك بالموقف المقاوم وفي هذا تكون على حق.

كان يمكنها تشكيل حكومة من المستقلين بل المقربين منها. تفوضهم وتسمح لهم بالمناورة السياسية اللازمة لضمان عدم حصول الحصار دون أن تضطر هي إلى الاعتراف بأي اتفاقات. وكما سمحت حماس بتفويض أبي مازن للتحرك السياسي وهي تعرف مواقفه كان يمكنها السماح لحكومة تعطيها الثقة المشروطة بالتحرك ضمن هوامش أوسع مما تقبل هي لنفسها وأضيق مما تقبل من أبي مازن مع توفر الإمكانية دائما لإسقاط الحكومة إذا انجرفت أكثر من اللازم.

كان يمكن لحماس عند ذلك تلافي الدخول في صراعات لها أول وليس لها آخر مع قوى سياسية كثيرة ومع جماهير منضوية ضمن فتح. كان بامكانها الانفتاح على أبناء فتح وجماهيرها وليس اختصارها بابي مازن أو من يمثلها في مفاصل القرار. لو تم ذلك لاستطاعت حماس كسب الشارع ولتمكنت من التحالف مع تيار المقاومة من فتح ولاضطرت قوى تيار الحل الرضوخ لإرادة شعبية واسعة تشارك بها قوى من كل الفصائل بل من فتح. بل لربما استطاعت كسب ما تراءى للناس أهم الأهداف من مشاركتها وهي كشف الفساد وإيقاف التدهور السياسي وبثمن لا يقارن بما تدفعه الآن.

لو تم ذلك “ولو تفتح عمل الشيطان” لتمكن الشعب كله من تجاوز الأزمة ولما استطاعت الرباعية فرض الحصار ولتمكنت فتح ربما من حسم نفسها بشكل آخر. بتلك البيئة كان يمكن لتيار فتح المقاوم طرح نفسه بقوة. ما حصل فعلا كان الاستقطاب الحاد والمناكفات التي جعلت ابن فتح المقاوم في وضع لا يحسد عليه. فهو من جهة لا يقبل طروحات تيار الحل لكنه لا يريد ولا يستطيع دعم موقف حماس وهي تشد الرحال لأي موقف يبخس من فتح كلها وليس من تيار فيها.

ورغم محاولات حماس التمييز في كثير من الأحيان بالقول أنها تستهدف جهات محددة من فتح إلا أن سلوكها الفعلي كان ينبئ بأمور أخرى غامضة فيها عدم ثقة بكل أبناء فتح مهما كانت مشاربهم وهي حساسية مفهومة بسبب تاريخ التنافس الطويل لكنها غير مقبولة ممن يحمل اللواء. كان ذلك مفهوما ربما قبل نجاحها في الانتخابات لكن بعد ذلك لم يكن ممكنا أبدا.

فشلت حماس في مواجهة الأزمات المالية المتفاقمة: وكانت حجتها طبعا انه حصار جائر لكنه حصار جائر ومتوقع. فما دامت اختارت التمسك براس الحكومة لا بل قبلت السيطرة على كل مقاعدها كان الأولى توقع الحصار وكان من المفترض بها الاحتياط بأموال كافية للصمود لسنة واحدة على الأقل. وإلا فلا معنى استلام الحكومة كمن يريد الولاية دون المسئولية. هذا لا يصح إلا للملوك والأباطرة ولم ينتخب الشعب حماس لذلك.

فشلت حماس في تجنيد الشارع أو القوى السياسية لإعادة بناء منظمة التحرير: ومع أن حماس أعلنت كثيرا استعدادها بل مطالبتها بإعادة تشكيل المنظمة حسب اتفاق القاهرة ووثيقة الأسرى إلا أنها لم تبذل الجهد المطلوب ولم تركز على مفاصل الموقف لتجعل المسألة أساس التحرك. ظهرت حماس في بعض الأحيان كأنها تقبل تسوية المنظمة بشروط إعادة الانتخاب كشر لا بد منه وليس كمطلب تؤمن به. ولم يتوقف طوال فترات الحديث عن إعادة تشكيل المنظمة صدور تصريحات أو أصوات حمساوية تشكك في شرعية المنظمة من أساسها.

والحقيقة أن تيارا رئيسا داخل حماس لا يؤمن حقا أن المنظمة مهما تم إصلاحها تمثل الحل المثالي. وهم يفضلون زوال المنظمة والاعتماد على شرعية جديدة. مع أن ذلك لا يصلح بالعرف السياسي ويتطلب طبعا رحلة عذاب أخرى كما كانت رحلة العذاب الأولى منذ سقوط حكومة عموم فلسطين حتى قيام منظمة التحرير.

الموقف الرسمي لحماس تبني طبعا موقف إعادة بناء المنظمة وهو موقف يعكس درجة من تفهم الموقف السياسي. لكن بقاء الأصوات الأخرى مثل نقطة ضعف خاصة أن الطرف الآخر لا يرغب أصلا بالموضوع من أساسه.

فشلت حماس بتحقيق أي إنجاز عملي لكشف الفساد:  أو إصلاح التركيب الاجتماعي الاقتصادي ولم تتصرف كحركة شعبية تمثل مصالح الفقراء من نواحي الدخل والاقتصاد والفروق الطبقية بل ربما تكرست منذ نجاح حماس هيمنة طبقية لم يحصل لها مثيل منذ الخمسينات. فشلت حماس أن تكون ممثلة للفقراء وكل حركة تحمل اللواء يجب أن تمثل الفقراء. وفشلت في رؤية أن أبناء فتح من الفقراء يعانون أكثر من أبناء حماس وظهرت حماس حركة نخبوية بدرجة غير مناسبة.

وطبعا عندما نذكر العيوب والفشل لا بد من التنوية للنوايا. ربما لم تقصد حماس الوصول للفشل وربما لم تتوقع النتائج لكنها كانت ترى أن الأمور تتدهور وان الأخطار تهدد أصول الموقف الذي تدافع عنه. تصرفت حماس بخبرة محدودة لكنها لم ترغب التعلم بنفس الوقت.

أهم ما يحسب لحماس في المرحلة السابقة كان تثبيت صمود الموقف السياسي. وحتى 14-6-2007 ظلت حماس رغم كل الأخطاء ينظر لها كحركة تحمل اللواء ولا بد أن تتعلم القيادة. صمودها السياسي جعل الناس تتسامح معها لكن القلق كان يتزايد كل يوم. القلق كان لماذا البطء في تعلم المطلوب. كان هناك خطر فشل كل الأهداف  وانتهاء الأمر بفقدان الثوابت التي يستخدم السلوك مبررا من اجلها.

مرحلة انهيار الوحدة الوطنية

وجاءت مرحلة أخرى بعد 14-6- 2007 أطلقت عليها حماس مرحلة الحسم والتخلص من دايتون وأطلقت عليها الجهات الأخرى الانقلاب أو ما هو أكثر من ذلك. المرحلة الجديدة كان لها تحدياتها ودخل النظام السياسي بإجماله بالأزمة الشاملة – راجع مقالة الكاتب: الموقف الفلسطيني أزمة النظام العام. الحقائق اللندنية:

http://alhaqaeq.net/defaultnew.asp?rqid=2&secid=8&art=78103

وقد كان التوقع أن حوارا لن يحصل وان الصراع سيستمر بين فتح وحماس ضمن مقارعة في الموقف السياسي. وان مؤتمر انابوليس سيمثل نهاية المرحلة سلبا أو إيجابا لكل طرف وسيتم حسم توجهات سياسية.

حماس كانت بالخلفية التي شرحنا وعندما حسمت الأمر لصالحها انقلابا أو دفاعا تصور بعض المتفائلين قيامها بجهود غير عادية لإثبات نجاح تجربتها وكان التقدير أن فشل حماس في كسب الجمهور هي المسئولة عنه ومن غير المقبول التعذر بالحصار والتآمر لأنها في النهاية من يحكم. ومن يحكم عليه التحمل والتضحية خاصة إذا كان من يحمل لواء الثورة النضال. كان التقدير أن فشل حماس سيكون فشلا لما بعد ذلك.

وقد توقعنا قيام حماس بمبادرات مميزة نحو أبناء فتح وان تخفض لهم جناح المحبة والرحمة وان تقوم بتكريم عزيز قوم ذل.

لكن حماس اصطدمت مع الجهاد وال حلس وعائلات أخرى. كيف يعقل ذلك. على ماذا كان الصدام مع آل حلس – أنهم محسوبون اقرب لتيار المقاومة في فتح بل إن أبا ماهر اتهم بالتواطؤ من قبل التيارات الأخرى في غزة. فكيف تسمح حماس بالصدام مع عائلته وهو يمثل هذه المفصلية وعلى ماذا. على سيارة مسروقة. فلتكن مسروقة ولتذهب تلك السيارة إلى الجحيم.  تصرفت حماس كأنها في موقع أبي بكر عندما أعلن الحرب على المرتدين ولو بسبب عدم دفع عقال كانوا يدفعونه زمن الرسول (ص). لا اعتقد أن حماس اعتقدت بذلك لكنها تصرفت بحرفية غير مقبولة. نفس الأمر حصل مع الجهاد والجهاد تعتبر أكثر جهة تمثل المقاومة. لا يهم الحجم هنا والاهم أنها تمثل الجهة الأكثر استهدافا.

فشلت حماس في كسب جماهير غزة. واستعدت لتحمل العقاب في الضفة وتعرضت فعلا لكثير من التجاوزات في الضفة وظلمت. لكن سلوكها في غزة لم يكن مرتبط بذلك أصلا وما ظهر أن ما يحصل في غزة لا علاقة كبيرة له بالوضع في الضفة وان المسالة تتعلق بتثبيت الحكم والسيطرة.

فشلت حماس وفشلها الآن هو الأسوأ لأننا أمام استحقاق انابوليس. بماذا تتسلح حماس لمواجهة انابوليس. بإطلاق النار على مسيرة ذكرى أبي عمار. كم هو هزيل هذا الموقف.

انابوليس: قضية فلسطين الآن في ورطة كبيرة

انابوليس غير مؤهل للنجاح بسبب تناقض موضوعي بين الموقف الإسرائيلي والفلسطيني (راجع مقالة الوضع الفلسطيني أعلاه) لكن تيار الحل مستعد مبدأيا للدخول في صفقة تسوية دائمة. ومعالم هذا الصفقة مقبولة إسرائيليا من ناحية مبدأية والحل يمر على خطوط وثيقة بيلين أبو مازن أو جنيف. وهي حلول لا تصطدم برفض إسرائيلي ولا تتجاوز الثوابت الإسرائيلية. إسرائيل مستعدة لبذل جهود كبيرة للوصول لتسوية من هذا النوع.

لكن إسرائيل تظهر عدم اهتمامها وتحفظها ولا تبدو مستثارة. ونسمع يوميا تصريحات أن انابوليس لن يكون أكثر من إعلان. هل فعلا إسرائيل لا تريد حلا وهل فعلا تريد فشل المؤتمر. وهل يعقل تصديق أن بوش يقبل فشلا في هذا الوقت. فوق هذا فانابوليس مهم بالنسبة لتيار الحل لان الفشل يعني الموت. وإذن فهذه الأطراف معنية بنجاح حقيقي.

الظروف الدولية لا تساعد لكن لدى إسرائيل وأميركا وتيار الحل إمكانيات كافية للوصول لتسوية وهذا هو المخيف في الأمر.

من غير المجدي اعتقاد المقاومين بفشل المشروع في النهاية. سيفشل المشروع: هكذا قالوا عندما حصل اوسلو. واوسلو فشل فعلا لكن كم كلف وكم يكلفنا هذا الفشل الآن. خسائر الشعب الفلسطيني من فشل اوسلو تساوي الخسائر من نجاحه. هكذا الأمر لسوء الحظ والسبب أن اوسلو فشل لأسباب تتعلق بخلل في آليات تنفيذه من جهة ولرفض عرفات قبول تسوية نهائية تتناغم مع ما كان متوقعا إسرائيليا ممن وقع على اوسلو. وفشل اوسلو مدمر لكنه لم يصل لدرجة التنازل عن الثوابت.

الأمور الآن مختلفة فأي تسوية بعد الآن لا بد أن تتطرق للثوابت. وأي تنازل سيصبح تنازلا نهائيا والاعتقاد بان هناك إمكانية للوصول لتسوية تقبلها إسرائيل دون التنازل عن الثوابت عبارة عن وهم. وعليه إما أن يكون هناك صفقة تشمل تنازلات أهمها حق العودة أو فشل ذريع يؤدي إلى سقوط الحل وتياره.

المتوقع ضمن هذه الصورة أن يبذل تيار الحل المستحيل للوصول لحل وهو سيكون أكثر استعدادا للتنازل في انابوليس عنه قبل ذلك.  التسوية متوقعة فلسطينيا بل هي مطلوبة من تيار الحل.

لا شك أن حصول التسوية بالنسبة لإسرائيل ممتاز بدون تحفظ والفشل سيكون مصيبة دون حدود وعليه فإسرائيل ستبذل كل الجهد لتحقيق الحل التاريخي الذي تطمح له وما دام هناك طرف مستعد فما المانع.

المانع الحقيقي أمام إسرائيل هو الخوف من عدم قدرة الطرف الفلسطيني على الاستلام الفعلي. وإسرائيل بهذا التخوف وهو حقيقي تضغط السلطة لمزيد من إثبات القدرة مسبقا وتطالب بمواقف حاسمة تمنع التراجع. لكنها تعرف أن الإصرار على الحل بهذا الشكل ربما يسقط كل ورقة تيار الحل. وعليه فهي في حيرة من أمرها.

أميركا تريد الحل ولا تتردد في تنفيذه فهي فرصة العمر لإسرائيل ولا داعي للتردد وما دامت السلطة والشعب تحت القبضة فلا داعي للخوف. والتخوف من سيطرة شبيهة لغزة غير ممكن لأسباب كثيرة وعليه لا ترى أميركا مبررا للتردد. لكن إسرائيل مترددة في التفاصيل.

ملامح تسوية انابوليس

التسوية المتوقعة ضمن هذا الوضع اخذين بالاعتبار الظروف الإقليمية تتطلب اتفاقا مفصلا لكن معظمه غير معلن. إسرائيل تريد تسوية دائمة لكن غير ملزمة لها. بمعنى آخر تريد توقيع تسوية تضمن الثوابت الإسرائيلية قانونيا لكن دون تعهد إسرائيلي بالانسحاب دون ضمانات مستقبلية مؤكدة بالنجاح في الخطوات السابقة. وهي تفضلها تسوية غير معلنة التفاصيل لتقليل الإحراج للطرف الفلسطيني ومقابل هذا التسهيل للفلسطيني فهي لا تريد أن تكون ملزمة رسميا بها. كلام يبدو غريبا لكنه ليس غريبا مع الإسرائيليين.

ببساطة إنها تسوية إذعان

تلتزم فيها إسرائيل وأميركا بدعم السلطة ماديا وعسكريا وسياسيا طالما هي قادرة على تنفيذ بنودها خطوة بخطوة. وفي حالة أي توقف فلسطيني تعتبر الاتفاقية غير قائمة.

التسوية تشمل انسحابات إسرائيلية طويلة المدى يتحقق فيها قيام دولة فلسطينية تنمو ببطء وبدون عودة لفلسطين التاريخية وعودة غير كبيرة وبطيئة لأراضي السلطة ووضع خطة توطين شاملة عالميا.

لا تلتزم إسرائيل بالتسوية بشكل رسمي وهي غير ملزمة بتقديمها للإقرار من الكنيسيت إلا بعد الوصول لتنفيذ مستحقات انسحاب.

المستحقات المطلوبة من الفلسطيني يقابلها تسهيلات كيانية ومالية وسياسية وتمثيل دولي. إنها مشروع دولة مؤقتة فعلا لكن دون قول ذلك.

الأميركي لا مانع عنده والفلسطيني لا بديل عنده.

وهكذا هناك إمكانية لعقد صفقة حقيقية بإعلان نوايا حول إقامة دولة دون الدخول في تفاصيل معلنة تتعلق بالتنفيذ مع وجود هذه التفاصيل دون إعلان.

ما الذي سيمنع هذا الحل يا ترى:

حماس بالوضع الحالي غير مؤهلة إلا إذا غيرت النمط الذي وقعت به. حماس الحالية لا تصلح لمواجهة الموقف وهي ليست بحجمه.

المواجهة الوحيدة الممكنة تكون من خلال كل الشعب وتعاون جماهيري. ولكن كيف يتم ذلك بالعقلية التي تتحكم بفتح وحماس الآن. هذا هو سؤال المليار. أدعو الله أن أكون على خطأ.