الوضع الفلسطيني – أزمة النظام السياسي العام
الوضع الفلسطيني – أزمة النظام السياسي العام
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
19-7-2007
منذ انفجار الوضع وسيطرة حماس على مجريات الوضع الأمني والمعيشي في غزة وردة الفعل من قبل الرئيس الفلسطيني بإقالة حكومة الوحدة وتشكيل حكومة إنفاذ لحالة الطوارئ التي أعلنها وما صاحب ذلك من تشديدات في الضفة على مؤسسات حماس وإصدار التوجهات بسحب شرعية الفصائل المسلحة ومطالبتها بتسليم سلاحها –وتسير الأمور كل يوم نحو مأزق جديد.
لا يتجاوب الرئيس مع دعوات الحوار العربية ويصر على مجموعة مطالب يعرف أن حماس لن تقبلها. ويلجأ أبو مازن لسلسة من المراسيم تصنع وضعا إداريا وسياسيا جديدا لا علاقة له بالنظام الأساسي أو حتى العرف السياسي الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة في الستينات.
وتكرر حماس انها لجأت للحسم مضطرة وبان إجراءها الاستباقي امني فقط وأنها مستعدة للعودة لاتفاق مكة وإعادة تأهيل القوات الأمنية ومن ثم تسلمها حسب الجهة المخولة بذلك. وحماس تعتبر حكومة فياض كأن لم تكن وفياض يعتبر حكومة هنية في حكم المنتهية الصلاحية فعلا وقولا وقانونا.
وحماس تسيطر على غزة ضمن حصار مطبق. لكنها تأمل أن لا يصل الأمر لمجاعات بحكم أن إسرائيل لا تستطيع تجاوز حد معين للحصار. تراهن حماس علي قدرتها على الصمود حتى يتغير الوضع ومن مؤشرات ذلك رفضها مثلا فتح معبر كرم أبو سالم بديلا ولو حتى مؤقتا عن معبر رفح الذي تفترض أن فتحة يجب أن يكون قرارا مصريا فلسطينيا فقط. وتعتقد حماس أن قبول التنازل ولو مؤقتا الآن في رفح رحمة بستة آلاف عالق سوف يعلق لزمن يطول كل المسافرين من غير كرم سالم.
وتؤمن حماس أن أبا مازن يفقد شرعية حكمه بسرعة وان الرياح لن تجري بما تشتهي سفنة. وهم بالتالي يراهنون على ضغط الواقع وتردد الدول العربية في دعم صريح له ليضطر أخيرا للرجوع للحوار.
أبو مازن بتصرف كمن قرر الانتهاء من حماس مرة وللأبد. وهو لا يريد معها أي تفاهم ويتصرف بغضب وانفعال يبدو شخصيا. وكان تأثير محاولة الاغتيال التي وجه فيها الاتهام لحماس يحرك سلوكه.
وهو قد لجأ لتجاوزات صريحة للنظام الأساس للسلطة الفلسطينية. وهو يعرف بتجاوز النظام عند تشكيله حكومة الطوارئ وتعليقه العمل ببنود من النظام. وعندما يحاول الاستعانة بالمركزي فانه يعترف ضمنا بنقص قانونية إجراءاته ويريد من المركزي تغطية النقص بافتراض مرجعية المنظمة العامة للسلطة. ويراهن أبو مازن على استمرار الضغط على حماس وتحسن النفوذ في الضفة لترضخ حماس وتعود صاغرة بل ربما هو لا يريدها صاغرة أو غير صاغرة.
ليس واضحا حتى الآن على ماذا يراهن أبو مازن لتحقيق النجاح. فهل يراهن مثلا على تنازلات إسرائيلية جوهرية بمستوى خطة السلام العربية تحقق انسحابا كاملا من الضفة. وماذا عن حق العودة. هل يعتقد انه يستطيع حل هذه العقبة بقبول فلسطيني صريح يسمح له الانتقال لمراحل إقامة الدولة فعلا.
من الصعب على أبي مازن أن يفحم حماس شعبيا بأقل من تحقيق انسحاب شامل من الضفة والقطاع والإعلان عن دولة ذات سيادة مع المحافظة على الحد الأدني من حقوق العودة حسب القانون الدولي. بأقل من ذلك لن ينجح أبو مازن في كسب قبول فلسطيني أو عربي يفقد ورقة حماس قيمتها.
يحتاج الأمر لتحليل سياسي عميق للموقف الدولي بحيث نصل الى نتيجة بنسبة إمكانية تحقق هدف أبو مازن أو حماس للانطلاق من بعد ذلك بتصورات ذات معنى على الصعيد الدولي والتفاهم الاجتماعي والوطني.
وربما لا يبدو هذا الأسلوب مألوفا. فالدعوة البريئة للحوار تبدو أكثر منطقية. لكن الحقيقة السياسية ليست كذلك. ولن يتنازل أي من الطرفين عن موقفه حبا وتوددا. والأسباب فوق ما سبق تعتمد التالي:
حماس وصلت مرحلة من الحصار دفعت فيها ثمنا كبيرا وهي لن تقبل تحت أي ظرف التنازل عن غزة هكذا وتسليمها لجهات هي تعتقد انها متآمرة ضدها أو ضد القضية الفلسطينية بالإجمال.
فوق هذا فان الجهات التي تدعم حماس شعبيا أو عربيا أو إقليميا لا يمكن أن تشجعها على التنازل بشكل يؤدي الى فقدان ورقتها. وخاصة أن المعروض دوليا لا يبدو واعدا بما يكفي للضغط.
وعليه فمعنى الحوار من منظور حماس هو قبول أبي مازن لنتائج الحسم في غزة والاعتراف بحقها في الحكم كونها تمتلك الأغلبية الشعبية. فوق قناعها انها من يمثل الشرعية الثورية الآن وان الآخر فقد كل مبررات شرعيته بعد التنازل عن المقاومة واعترف بالكيان الصهيوني على معظم الأرض الفلسطينية ومارس فسادا طويل الأمد افقده حتى ولاء المنتفعين منه. ويفسرون سقوط غزة السريع كتعبير حقيقي عن شرعية حماس.
وبمثل هذه المواقف من الصعب تصور حوار مثمر حقا. وبسؤال بديهي مع من سيكون الحوار. هل مع من تم الصدام المسلح معهم. وان لم يكن كذلك فليس هناك خصومة مع بقية فتح أو السلطة كما تقول حماس نفسها.
ما يظهر أن حماس تريد حوارا مع أبي مازن كرئيس للسلطة والمنظمة. وما عدا ذلك عليه أن يقبل بسيطرة حماس هكذا دون روتوش.
بالمقابل فان موقف أبي مازن مقيد أكثر. فهو مقيد من المجموعة المحيطة به وهي مجموعة ضغط متنفذة من نواحي كثيرة ولها اتصالاتها الذاتية الكافية لممارسة دورها الضاغط. وأبو مازن مقيد أيضا بالموقف الإسرائيلي الأميركي الذي استغل ضعفه الحالي ليعتصر منه شروطا أصعب لاستمرار الحديث معه. فقد أوضح أولمرت دون لبس انه لن يسمح لأبي مازن بالحوار مع حماس وانه سيربط التعاون بل عدم حصاره بالتزام الأخير بمقاطعتها.
الموقف الأميركي جاء مساندا لنفس الموقف. ففي إعلان بوش عن الدعوة للاجتماع الدولي يشترط بمن يحضر عدم تأييد حماس أو خطها وان عليه تحقيق مطالب الرباعية وثوابتها. وإذن فأبو مازن لا يملك من أمره أكثر من الخضوع للضغط أو اللجوء للعرب أو الاستقالة. وهذا يفسر ضيق خياراته وانفعاليته.
عامل الوقت هام جدا. فالقيد على بوش بضرورة إنهاء الملف قبل بداية حملة الانتخابات الأميركية مع بداية الربيع القادم يتطلب منه إنجاز موقف فلسطيني يحقق المطالب الإسرائيلية قبل نهاية العام. وهذا يضع ضغطا هائلا على حكومة فياض لتنفيذ متطلبات خطرة وكثيرة في فترة قصيرة دون ضمان بتحقيق أي شيء حقا على مستوى إقامة دولة الحد الأدنى.
الحوار الحمساوي مع أبو مازن إذن سيكون حوار موازين القوة. وهذا سنراه خلال الستة اشهر القادمة بأشد وسائله الضاغطة.
نود أولا توضيح بعد النقاط التي ربما تربك الفهم المنطقي للوضع الداخلي الفلسطيني:
- لا يمكن افتراض خيانة قوى رئيسة ذات وزن رئيس في الشارع الفلسطيني وبالتالي من غير العملي تخوين فتح أو حماس. ربما يمكن فهم تخوين رموز أو توجهات ضمن تيار رئيس لفتح أو حماس لكن هذا التخوين لا يقبل التعميم ليشمل تنظيما كاملا.
- من الصعب قبول شرعية الرئيس بينما شرعية التشريعي منقوصة بسبب اعتقال الإسرائيلي لعدد من أعضائه. وأي سلوك وطني مقبول يجب أن يحترم الأعضاء المعتقلين. ومن المستغرب عدم وجود صيغة لمشاركتهم رغم الاعتقال. وإلا ما معنى ترشح مروان البرغوثي وزملائه للتشريعي رغم وجودهم داخل المعتقل أصلا. ليس من المعقول إعطاءهم حق الترشيح ومن بعد ذلك حرمانهم حق المشاركة في صنع القرار. بل أسوا أن نقبل تحييد نائب بسبب اعتقاله. وهذا الموقف مبدأي يجب ألا يخضع لموازين فتح أو حماس. وهناك صيغ كافية لضمان التمثيل الحقيقي والتعبير المناسب للنواب قيد الاعتقال.
- العنف بكافة أشكاله مدان وغير مقبول من أي جهة. ومن المفروض محاكمة كافة حالات استخدام العنف ضمن لجنة حيادية متخصصة تنبثق عن الجامعة العربية بحيث تصنف أعمال العنف الى مستويات جنائية وسياسية. وتتم محاكمة المستويات الجنائية حسب القانون المدني. والسياسية ضمن محكمة مختصة.
- مرجعية منظمة التحرير مقبولة مبدأيا. لكن الصعب قبول واعتماد مرجعية الهيكل القائم الذي لا يمثل واقع الشعب حقا. وإذا كان من الضروري إعادة الانتخابات التشريعية التي لم يمض عليها أكثر من عام ونصف بسبب معضلة تواجه الموقف السياسي فمن الأولى إجراء انتخابات شاملة للمجلس الوطني تكون أم الشرعيات الأخرى. فإذا تمت تلك الانتخابات تصبح كافة أجهزة المنظمة ممثلة للشرعية ويمكن عند ذلك حسم مشاكل الحكم في الضفة وغزة بأقل التكاليف.
- كافة الإجراءات التي تمت منذ إعلان حالة الطوارئ لا تستطيع الصمود أمام ضغط الواقع الميداني أو التشريح القانوني الفلسطيني المستقل عن العوامل الدولية. ومن الأولى حلها من خلال حوار وطني لا يتنازل فيه أي طرف عن مواقفه إلا بعد تقرير الخطأ أو عدمه من خلال تحقيق عربي ربما يتبعه استفتاء شعبي أو تأجيل البت في القضايا الى ما بعد إعادة تشكيل المنظمة لتكون مرجعية مطلقة لكل المواقف الأخرى.
- الاعتماد على سياسة الأمر الواقع في كل من غزة والضفة يساعد فقط على ترسيخ عمق الانفصام ويمنع التفاهم لاحقا. وأي ترسيخ لهذا الوضع هو عمل صريح ضد وحدة الشعب الفلسطيني.
- الموقف الدولي فعال وجوهري في التأثير على موقف الشعب لكن من غير المقبول لاي جهة حاكمة في فلسطين مصادرة حق الشعب في التعبير الحر عن موقفه من القضايا المفصلية بعذر أن الموقف الدولي لا يحتمل ذلك. من يقرر ذلك هو الشعب وليس النخبة.
- مشاركة راس المال السياسي الهزيلة في كل مراحل النضال السابقة ومحاولتها الآن تملك كل مصادر السلطة من خلال وضع حالة الطوارئ بعذر سهولة الاعتماد على مستقلين لا يحمل قيمة عملية دون قبول الحد الأدنى من القوى التنظيمية الفعالة. فوق هذا فان قطاع المستقلين لا يختصر بقطاع ضيق من أصحاب راس المال أو موظفيهم من خلال مؤسسات الأنجزة حسب مصطلح د. عادل سمارة.
- رغم هزال الموقف العربي في تحقيق الدعم الايجابي للمواقف الفلسطينية المعارضة أمام الموقف الأميركي إلا أن الأمر يختلف عند توقع مواقف ايجابية تجاه الموقف الموالي للموقف الأميركي. من الأسهل على الدول العربية عدم التعاون مع موقف فلسطيني لا ترضى هي عنه رغم الدعم الأميركي له وهذه احد مشاكل أبي مازن حاليا مما حدا ببوش الاتصال والضغط على زعماء مصر والسعودية والأردن لمزيد من الدعم لتحركات أبي مازن الأخيرة.
- من غير المناسب توصيف الانفصام الفلسطيني كأنه تعبير عن صراع إقليمي بين أميركا والعرب المعتدلين من جهة وبين إيران وسوريا وحماس من جهة أخرى. الوضع ليس كذلك مع أن هناك تأثيرات بذلك الاتجاه. واهم أسباب عدم الأخذ بهذا الشكل أن الموقف العربي متعدد وليس بالضرورة متطابق مع الموقف الأميركي بل أن الموقف الأميركي نفسه متعدد والموقف السوري والإيراني كذلك. من الأفضل دراسة بنود الموقف الفلسطيني بناءا على معطيات فلسطينية أساسا. ومن ثم إدخال التأثيرات الأخرى والوصول لنتيجة المصلحة العملية.
عودة للتحليل السياسي:
في مقالة سابقة تم تحليل العلاقة بالأردن وأساسيات التحليل قائمة حتى الآن رغم التغير الميداني بسبب الموقف الجديد في غزة والطوارئ. أسس الموقف الإقليمي تبقى حسب المدرج أدناه.
تطور أو انحطاط تعريف المشروع الوطني الفلسطيني
المقصود هنا هو مشروع تحرير فلسطين الأصلي والذي تصاغر أو “تطور” حسب رأي من يرغب ليصبح مشروع دولة في الأراضي المحتلة منذ عام 67 وبثوابت مرتبطة بحق العودة والقدس والمستوطنات يتفاوت فهمها بين الفرقاء من الاستعداد لمسحها كليا إلى التمسك الحرفي بها.
مميز المشروع الوطني الرئيس أو نقطة تعريفة المحددة انه مشروع فلسطيني مستقل عن الارتباط بالدول العربية المحيطة وهو مشروع يقصد حق تقرير المصير أصلا والقرار المستقل لاحقا والإنفراد أمام العدو الإسرائيلي والعالم والعزلة عن العرب أخيرا.
المشروع الوطني إذن مهدد في جذوره التعريفية. والتهديد متعدد الجوانب فعلا. سنحاول هنا بلورة الرؤية لهذا المشروع من وجهة نظر كافة القوى ذات العلاقة.
القوى العربية المحيطة:
الأردن:
الموقف الأردني حائر وسيظل حائرا بحكم التداخل الفلسطيني الفعلي والانفصال الاقتصادي والإداري والقانوني. وبالتأكيد فان النتيجة النهائية للموقف الأردني تتأثر كثيرا بموقف إسرائيل والغرب وشروط الحل بخصوص حق العودة وسيادة الكيان الفلسطيني والحدود والقدس.
وهناك اجتهادان رئيسيان في الساحة الأردنية بتداخل ملفت لموقف مكونيها الأردني والفلسطيني ومختلف أطياف النظام السياسي:
- الاجتهاد الأول يتمسك بمبدأ الفصل بين الأردن أرضا ونظاما عن القضية الفلسطيني قانونيا وسياسيا. وهو يمثل الموقف الرسمي الحالي. ولكن يتفاوت الموقف بين القوى المختلفة في كيفية التعامل مع امتدادات القضية وخاصة وضع الفلسطينيين في الأردن وحق العودة وطبيعة العلاقة مع الفلسطينيين في الأرض المحتلة في الوقت الراهن. وهذه متفاوتات كبيرة تتراوح بين التطابق مع المشروع الوطني الفلسطيني إلى التماهي مع الفهم الإسرائيلي.
- الاجتهاد الثاني لا يؤمن بإمكانية الفصل فعلا بين الأردن وفلسطين. ويؤمن بضرورة العودة لوحدة أردنية فلسطينية كاملة والتزام أردني فلسطيني بوحدة حقيقية. ويتفاوت موقف القوى التي تؤمن بهذا التوجه في كيفية ممارسة التكتيك السياسي الذي يعكس اختلاف الوضع القانوني للفلسطيني في الأرض المحتلة عن الأردن. ويشمل ذلك الظروف الأمنية والتدخل الإسرائيلي وحق المقاومة.
لكن المؤكد أن النظام في الأردن لن يقبل تحمل مسئولية تحقيق الحل الفلسطيني مع إسرائيل. فهو لن يقبل أن يكون جزءا من أية اتفاقات بين إسرائيل والفلسطينيين بخصوص تحديد الحدود أو التنازل عن حق العودة. والسبب بسيط فالأردن لا يستطيع تحمل مسئولية التنازل عن حق العودة أو تحديد حدود الكيان. وبشكل عام لن يكون صعبا تحقيق أي شكل من أشكال العلاقة مع الأردن يتم التوصل إليه برضى من القوى الدولية وبضمان كاف من القوى السياسية العربية الفاعلة بين الأردنيين والفلسطينيين ومستقبل النظام الحاكم.
الرؤية السورية:
سوريا تؤمن فعلا بوحدة بلاد الشام وهي لا تقبل الانسحاب عن هذا الوحدة رغم أنها لم تنجح كثيرا في تجاوز حدود سايكس بيكو بل دفعت ثمنا غاليا عندما حاولت ربط لبنان ضمن مشروع وحدوي كان فوقيا ومتزامنا مع تحرك سياسي أميركي إسرائيلي سمح لها بذلك ضمن معادلات تحجيم القضية الفلسطينية.
وكما يبدو فان قراءة الرئيس بشار الأسد أكثر وضوحا في هذا المجال. وهو كما يبدو مؤمن فعلا بضرورة العمل على ترسيخ علاقات وحدة أكثر عمقا تقوم على وحدة سلاح المقاومة أساسا. وعليه فربما يظل الموقف السوري متحفظا على أي وحدة أردنية فلسطينية ربما تخوفا على الدور السوري ضمن الموقف الفلسطيني وبخلفية أن أي وحدة أردنية فلسطينية لا تصب ضمن موقف المقاومة بل ستكون ابتعادا عنها.
لكن تجربة سوريا في لبنان كانت عميقة الأثر بحيث تتردد سوريا الآن في اتخاذ مواقف حاسمة من قضايا الوحدة على المستوى التكتيكي بما يفتح المجال ربما بتقبل سوري أكثر لعلاقة أردنية فلسطينية تقوم على مفاهيم متوازنة بين المقاومة والوحدة المصيرية وبضرورة وجود نوع من القول لسوريا في تطور هذه الوحدة وفي هذا لهم حق بالتأكيد. سوريا ستعمل بالتأكيد على دعم حوار فلسطيني لكنها تعرف انه ليس ذا صلة دون الأخذ بالاعتبار الموقف المحيط. وبشكل عام تميل سوريا لكيان فلسطيني مستقل.
لبنان:
بشكل عام لا يهم لبنان كثيرا تعريف عمق العلاقة مع الفلسطيني. ولكن ظهرت أخيرا قوى في لبنان تميل إلى توطين الفلسطيني من منطلق حفظ التوازن الطائفي. وبشكل عام تميل الحكومة في لبنان لحل فلسطيني يتناسب مع الطرح الدولي مع الاستعداد لاستيعاب الفلسطينيين في لبنان ضمن تسوية لحق العودة. وفي هذا هناك تقارب مع الموقف الأردني الرسمي.
بالمقابل فان قوى المقاومة اللبنانية تتمسك بالقوى المقاومة الفلسطينية وعليها بذلك سلوك إجباري لفتح القنوات مع الفلسطينيين في لبنان. رغم ذلك فإن روية القوى المقاومة من هذا المنظور غير واضحة وابعد ما يفكرون به في المرحلة الحالية إيجاد صيغة شراكة مقاومة داخل لبنان بل هم لا يبذلون جهدا كبيرا في تعريف العلاقة بالفلسطينيين في لبنان بشكل عام. وهذه نقطة ضعف رئيسة في الموقف اللبناني المقاوم.
مصر
غير معنية إطلاقا حسب النظام الحالي بأية مسئوليات عن الفلسطينيين. وأي علاقة قائمة حاليا محكومة بالجوار والضغط الطبيعي للأحداث والضغط الإسرائيلي الذي يطالب مصر بدور مساند في تهدئة الوضع الفلسطيني. وأكثر من ذلك لا تبدو مصر معنية بتدخل حقيقي في الموقف الفلسطيني وهذا نقطة ضعف في الموقف المصري. قضية الفلسطيني أكثر تعقيدا من أن يتم التعامل معها بدرجة من الهامشية استراتيجيا.
بعد أحداث غزة تعيش مصر هاجسا أكثر واقعية. وكما يبدو فهي أكثر ميلا الآن لصيغة حوار تضمن في النهاية كيانا فلسطينيا مستقلا مع انها لن تقف ضد شراكة مع الأردن شريطة بقاء حالة نفوذ خاصة لمصر على غزة على الأقل مع شك البعض بعدم تقبل أي دور أردني مهيمن في فلسطين وغزة تحديدا.
المؤكد هنا أن مصر لن تقبل كما الحال بالأردن تحمل مسئولية أية تسوية مع إسرائيل باسم الفلسطينيين أو قبل حل فلسطيني واضح المعالم بخصوص القضايا النهائية.
موقف السعودية
حائر نسبيا. فهي تريد التجاوب مع الموقف الأميركي لكن دون الدخول في مستنقعات التعامل مع إسرائيل وهي تريد تفاهما فلسطينيا داخليا حقيقيا يضمن حلا يتناسب مع المبادرة العربية السعودية الأصل وبما يضمن لها هيبة معنوية ومالية في النظام الفلسطيني كما الحال في لبنان في التسعينات لكنها لا تريد تجاوز ذلك. وهي تفضل كيانا فلسطينيا مستقلا عن الأردن مع أنها لن تعمل جديا لمحاربة أي توجه لو حصل الأمر فعلا.
موقف الدول العربية الأخرى محدود الفعالية ميدانيا رغم التأثير المالي والمعنوي على القرارات العربية. وبشكل عام لا يبدو في هذا المرحلة تمسك صارم حيال الفلسطينيين.
موقف إسرائيل:
إسرائيل من جهة لا تريد نموا أو تواجدا فعليا لأي كيان فلسطيني فاعل ضمن أراضي فلسطين التاريخية أو دول الجوار. إسرائيل لا تطمئن للفلسطيني لأنه عدوها المركزي. وتتفاوت المفاهيم الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية حسب الرؤية والبدائل.
- الطرح العام يؤمن بضرورة تفريغ الأرض الفلسطينية من الفلسطينيين الفاعلين سياسيا على المدى البعيد وان الأردن هي المكان الطبيعي البديل مع ضرورة ضبط تحكم الفلسطينيين بالكيان الأردني وبقاءهم ضمن حالة انفعالية وليس فاعلة مع تشجيع انتشار الفلسطيني بعيدا عن الحدود مع إسرائيل وهذا هو الموقف الأكثر تأييدا من ناحية مبدأية لمعظم الإسرائيليين.
- لكن هذا الطرح يصطدم بصعوبات كبرى: فزيادة الضغط على الفلسطيني تنعكس على استقرار النظام في الأردن ونشوء كيان فلسطيني هناك يفتح المجال ليصبح راس حربة لحرب دائمة ضد إسرائيل حسب النموذج الفيتنامي. بالمقابل فإن بقاء الفلسطينيين في الأرض المحتلة ونموهم السكاني السريع يهدد الهوية اليهودية غرب النهر وهذا مزعج أكثر. وإقامة كيان فلسطيني غرب النهر له أضرار وفوائد متعارضة.
- وقد تبلور موقف إسرائيلي عام يتقبل فكرة التعامل مع نشوء كيان فلسطيني غرب النهر لأسباب كثيرة أهمها ضغط الموقف الدولي وصعوبة التهجير الفعلي الكبير لأسباب لوجستية ولعناد الفلسطينيين واصررهم على البقاء.
- وتأمل إسرائيل عند النظر بهذا الحل أن يكون الكيان الفلسطيني بأضعف صوره وان يمثل قوة طاردة للفلسطينيين. ويأملون تحقيق ذلك من خلال شروط سيادة مطعونة وتقطيع في الامتداد الجغرافي وفقر مستمر واعتماد على الرحمة الإسرائيلية وضمن شروطها بحيث يكون هذا الكيان دافعا لأهلة للهجرة بحكم بؤس الحياة.
- تعتقد إسرائيل بإمكانية هذا الحل مع منافع أخرى ستحصل عليها مقابل إقامة دولة ولو مسخ غرب النهر. والمنافع الكثيرة تستحق المغامرة المحسوبة: فالتطبيع الدولي والعربي مهم جدا وتعميم الانطباع القانوني بحصول حل للقضية الفلسطينية يمسح عن إسرائيل للمرة الأولى مشكلة شرعيتها والتي لا تشعر بالاطمئنان لها طالما بقي الفلسطينيون متمسكين بأرضهم وخاصة حق العودة.
الموقف الإسرائيلي الشامل يختلف بالاجتهادات التفصيلية لكنه يتفق على مجموعة مواقف تمثل الثوابت الإسرائيلية:
- أن يظل أي كيان فلسطيني غرب النهر ضعيفا اقتصاديا وعسكريا وتحت الهيمنة الإسرائيلية.
- أن تظل علاقة الكيان الفلسطيني غرب النهر ضعيفة مع المحيط العربي.
- أن تكون ظروف حياة الكيان الفلسطيني طاردة وليست جاذبة للفلسطينيين.
- يجب التنازل عن حق العودة قانونيا ودون لبس قبل أي تسوية تسمح بإقامة الدولة.
- خيار دولة فلسطينية بهذه الشروط أفضل بالتأكيد من إقامة كيان فلسطيني ولو حتى موال لإسرائيل في الأردن لان الكيان الفلسطيني غرب النهر سيظل قوة طاردة للزائد من الفلسطينيين بحيث يمتصهم الأردن لاحقا ولكن بسرعة بطيئة لا تؤدي إلى عدم استقرار في الأردن.
الرؤية الإسرائيلية إذن لا تؤمن بدولة فلسطينية حقيقية غرب النهر أو شرقه.
لكن الرؤية الإسرائيلية صعبة التحقيق فهناك ديناميكيات بسبب قسوة الاحتلال تؤدي إلى استمرار المقاومة وهذا بدورة يهدد كل أسس التسوية التي تخدم إسرائيل.
بعض الاجتهادات الجديدة ( العمل ولفني) تشك أن فرض تسوية على الفلسطينيين في الضفة والقطاع ضمن شروط إسرائيل غير ممكن بل ربما يؤدي لانهيارات أكثر في السلطة وان حلا يساعد في تنفيس الوضع يمكن التعامل معه: لماذا لا تتم العودة للعلاقة مع الأردن كما الحال قبل 67 مع إجراء التعديلات الإسرائيلية المطلوبة في الحدود والقدس وباشتراط التنازل المسبق عن حق العودة قبل أي تسوية من هذا النوع. لا يهم كثيرا سيناريو الوصول لهذه النتيجة: هل يتم من خلال إلغاء السلطة أو تفاهم بين السلطة والحكومة الأردنية.
الاجتهاد الأخر ( أولمرت) لا يرى جدوى من إضاعة الوقت لتسوية من خلال الأردن لان أي تنفيس عن الفلسطيني من خلال علاقة جديدة مع الأردن سيعطي الفلسطيني رئة جديدة تجعله اقل استعدادا لقبول أية تسوية فيها تنازل عن حق العودة. ومن الأفضل إبقاء الضغط على الفلسطينيين وأخذ التنازلات المطلوبة منهم قبل أي حل مع الأردن مع الاستعداد للتعامل مع أي حل أردني يدخل على الخط يضمن مستقبلا تنازلا فلسطينيا عن حق العودة.
من الواضح أن الاجتهادين ملتزمان بالثوابت الإسرائيلية والاختلاف فقط في خطوات الوصول للتنازل الفلسطيني هل تتم بالتعاون مع الأردن أم بتسليم الأمر جاهزا للأردن بعد الحصول على التنازل. الحقيقة أن الموقف الثاني أسهل للأردن لكنه صعب التحقيق في نفس الوقت.
الموقف الأميركي
لا يخرج عن الاجتهادين الإسرائيليين. ومع أن الموقف الرسمي الأميركي يتبنى حل الدولتين حسب خارطة الطريق إلا أن هناك تيارا فاعلا في السياسة الأميركية وخاصة من خارج إدارة الرئيس الحالي يتبنى رؤية دور أردني مواز حاليا, لمنع الانفجار ولتسهيل دور أردني محتمل في المساعدة على حل مسألة حق العودة.
وهذا الموقف الأميركي تاريخي وليس وليد اللحظة. لكن رؤية بوش أكثر ضيقا في افقها وتقترب من موقف أولمرت تحديدا وتراهن على الاستفادة من الضغط الحالي على الفلسطينيين بأمل الوصول لتسوية تلغي دور حماس المعارض من خلال تنازلها أو طردها من الحكم. وبعد ذلك إيجاد تسوية على المقاس الإسرائيلي يقبلها الموقف الفلسطيني المهيأ في تلك الحالة. وهذا الحل أفضل إسرائيليا من الحل الآخر حسب وجهة نظر بوش والمحافظين الجدد. المشكلة انه أكثر صعوبة ويحمل بذور انهيار للمشروع بمجملة كما الحال في العراق. وهذا مشكلة المحافظين الجدد في كل معاركهم.
يبدو أن هناك موقفين متداخلين في الموقف الغربي والإسرائيلي. وتفاعل ذلك وتقاطعه مع الموقف الأردني والمصري والسعودي يتطلب تحركات متوازية تبدو متناقضة وربما تكون كذلك أحيانا.
الموقف الفلسطيني أكثر تعقيدا
فوصول حكومة الوحدة للفشل يفرض على الفلسطينيين بدائل كلها أصعب من بعضها وتتلخص في التالي.
- قبول الطرح الدولي والأميركي وهذا يمثل الحد الأقصى من التنازل وفرص تحقيق منافع للقضية محدودة كما سنرى فيما يتبع.
- رفض الحل الدولي المطروح وبقاء حالة التوتر القائمة ومشاغلة الأمور حتى تظهر ظروف استراتيجية تسمح بتعديل في الموقف الدولي. انه صمود مفتوح وهذا صعب بحكم تعقيدات ديناميكية الوضع.
- رفض الحل الدولي مع تصعيد في المقاومة لا يأخذ بالاعتبار انعكاس ذلك على إمكانية حل السلطة وما يحمل ذلك من فرضيات ممكنة والدخول في مرحلة غير يقينية. ويبقى هذا الحل رغم صعوبته على الفلسطينيين أفضل من الأول.
- العمل على حل السلطة رسميا والانضواء ضمن حل إقليمي أردني مصري مباشر دون الخوض في حلول دائمة مع إسرائيل.
بالنسبة لأبي مازن فالحل الأول هو الأمثل وفي هذا ففتح الرسمية تبذل كل جهدها لإخراج حماس من المعادلة بأسرع وقت بسبب قصر الفسحة المتوفرة لمثل هذا الخيار والمرتبط بنفوذ الرئيس بوش.
حماس تريد المشاغلة والصمود المفتوح وهناك موقف آخر بها يريد الحسم حسب البديل الثالث مع ترك الأمور مفتوحة. وهذا ربما يلتقي مع الموقف السوري والإيراني.
أما الخيار الرابع فهو خيار فشل الخيارات الأخرى. والسؤال هل هو كذلك فعلا.
بالنسبة للجمهور يبدو مهيأ لهذا التوجه من منطلق تخفيف الحصار وإعطاء فترة تنفس للوضع السياسي ولا يحشر الفلسطينيين في زاوية الحل المطروح وربما يعطي مهلة من الوقت تسمح بالمناورة فوق انه ربما يساعد في تخفيف الاحتقان والفلتان السياسي والأمني الداخلي. طبعا هذه في اغلبها أمنيات أكثر من حقائق متوقعة من الخيار الرابع.
لكن هذا الطرح أيضا تتبناه قوى سياسية من فتح وحماس بنفس خلفيات التحليل الشعبي. وهناك قوى سياسية تتبناه بديلا بحكم القبول الأميركي المستقبلي ربما. وعليه فالطرح تتجاذبه قوى مختلفة.
دعاة هذا الطرح لا يفترضون التخلي عن الحل الأول – حسب خارطة الطريق – بالضرورة وعليه فهم يتحركون بهامش واسع. كما يبدو فان تكتيك هذا التحرك يعتمد الإقناع لكل وجهات النظر أن مشاركة أردنية فعالة الآن هي الأمثل للأسباب التالية:
- المشاركة الأردنية الفعالة تخفف من احتمالات الانهيار التام المتوقع في الوضع الفلسطيني. وهذا التحرك يحمل الاحتمالين فهو من جهة يضمن إسنادا للموقف الفلسطيني وفي نفس الوقت يساعد تيار الحل ويضعف موقف المعارضين للتسوية السياسية. وهي تمثل حلا احتياطيا لانهيار السلطة المفاجئ أو الناجم عن صراع غير مضبوط بسبب صراع حماس مع فتح أو بسبب المقاومة أو الحصار. وهذا يضمن استمرار الحياة الفلسطينية بحدها الأدنى.
- وللمتمسكين بعدم التنازل عن حق العودة فالمشاركة الأردنية تخفف الضغط السياسي على الفلسطيني للتنازل الآن. وهذا يعطي فسحة وقت لإعادة ترتيب الموقف الفلسطيني. وبالمقابل فالمساهمة الأردنية تجعل مشكلة حق العودة غير ملحة لإسرائيل بل تعطي وقتا لتسوية تضمن بقاء معظم الفلسطينيين في الأردن دون الحاجة لفرض تسويات تتطلب بالنص التنازل عن حق العودة بدلا من الطرح الحالي الذي يحشر الفلسطيني: إما التنازل عن حق العود ة أو منع الأكل واستمرار الحصار والحرب الأهلية.
- بالنسبة للمتخوفين من الأردنيين من مخاطر الاندماج الأردني بدور مسبق على الوضع الفلسطيني وما يحمل ذلك من مسئولية على الأردن ربما تحمل في طياتها تهديدا لتوازن النظام القائم فان هناك ما يكفي من الضوابط لمنع تحولات دراماتيكية ومن السهل ضبط الإيقاع لأن الأردن يملك أوراقا كثيرة ويمكنه الانسحاب من المعادلة حسب متطلبات الواقع.
- التحرك الأردني الفعال الآن لا يشترط بالضرورة إيقاف التحرك الآخر لكنه يفترض وقف الحصار وعدم الرهان على الحرب الأهلية لحل المسالة الفلسطينية. ولا يمثل التحرك الأردني بالضرورة تهديدا لحماس بل ربما يستوعب دورها من خلال موقف فلسطيني أردني عام يخفف الخلاف بين النظام الأردني والقوى الإسلامية الداعمة لموقف حماس.
وبذلك يبدو التحرك من خارج موقف النظام الأردني الرسمي لكنه مدعوم بما يكفي لإمكانية تداخل مع موقف النظام إذا توفرت فرص لهذا التوجه. التحرك الأردني قبل شهرين كان يصب ضمن هذا الرؤية وموازيا لتحرك داعم لأبي مازن في تحركه نحو التسوية. وزيارة الملك لرام الله ربما كانت إعلانا بالبدء لدور أردني.
لكن الزيارة ألغيت وغزة تفجرت وتوقف التحرك الأردني. وهو سيبقي متوقفا حتى تتوضح صورة الموقف الفلسطيني والعربي والإسرائيلي. ولن يقبل الأردن تفعيل الدور أعلاه خوفا من مردوده السلبي طويل الأمد.
القوى غير المتحمسة للدور الأردني كثيرة:
الدور الأردني يحمل موقفين في نفس الوقت مما يصعب قبوله حمساويا بل هناك تردد في قبوله من أبي مازن لأنه يحمل فرضية سقوط السلطة وانتهاءها أخيرا. وهو لا ينال موقفا إسرائيليا موحدا بسبب اختلاف رؤية أولمرت وتفضيله تسوية تقوم على إلغاء حماس أو اندماجها ضمن مسيرة الحل المطروح. ومصر طبعا لا تبدو متحمسة لهذا الدور الأردني المزدوج. وسوريا وإيران لا نتوقع منهما دعما للدور الأردني.
تعدد أوجه الدور وازدواجيته تصعب قبوله بهذه الطبيعة. لو تم الحسم بموقف إسناد بديل للسلطة مع عدم العمل على تسهيل إلغاء حق العودة فهذا سيجد قبولا فلسطينيا شعبيا واسعا لكنه سيصطدم بانغلاق إسرائيلي يلغيه. التحرك الأردني رغم هذا سيظل خيارا مطروحا لأسباب كثيرة: صعوبة ومحدودية البدائل الأخرى. وتوجه أميركي رئيسي بدعم دور أردني. ورغبة الفلسطينيين فعلا بعلاقة وحدة على المستوى الشعبي. وصعوبة نجاح تسوية على المقاس الإسرائيلي حسب ما ورد سابقا.
وتبقى مجموعة مواقف:
- موقف حماس وفتح الصراعي لن يحسم مهما طال الصراع لكن ربما يؤدي ذلك إلى تغير في موازين موقف فتح وهذا جوهري.
- الدور الأردني ضروري لكن دون اشتراط التنازل عن الثوابت الفلسطينية وأهمها حق العودة وإزالة المستوطنات والقدس. تستطيع الأردن لعب دور مفيد للفلسطينيين دون دفع ثمن من استقرارها. وليس من الضروري للأردن المساهمة في حل حق العودة للاستفادة. وهذا ما تحاول بعض الدوائر الإسرائيلية والغربية إقناع الأردن به. واستقرار النظام الأردني ممكن من خلال علاقة جديدة بين الأردنيين والفلسطينيين تقوم على الاحترام الكامل لحقوق الطرفين مع تسوية تسمح بنظام إدارة حديث يعكس توازن القوى الفلسطينية والأردنية وترسخ الدور الملكي حسب النمط الأوروبي.
- لو قدر لمشروع بوش أولمرت النجاح واستطاع اخذ التنازلات المطلوبة من أبي مازن حساب الخيار الأول فلن يكون الكيان الفلسطيني قابلا للعيش إلا من خلال اتحاد مع الأردن لان الكيان الفلسطيني سيكون هشا بحيث يحتاج الى حماية دولة ذات خبرة بالحكم.
- انهيار مشروع بوش أولمرت يمكن أن يؤدي الى انهيار مشروع الدولتين. والاعتماد على الخيار الرابع أو المراوحة لفترة من الزمن تسمح بتحرك أميركي سعودي ذا فعالية منسقة مع إيران وسوريا ضمن تحرك إقليمي جديد حسب تقرير بيكر هاملتون يختلف جوهريا عن السياسة المتبعة حاليا ويضمن هيمنة أميركية وديعة نسبيا على نمط كلينتون وباستراتيجية بيكر. وبشكل عام سيكون للسعودية دور رئيسي في حالة فشل مشروع بوش أولمرت. مصر ستجد نفسها قريبة من الموقف السعودي بسبب انهيار الزخم في المشاريع الأخرى.
بناءا على كل ما سبق ستشهد المرحلة القادمة توترا وضغطا إسرائيليا مستمرا على حماس وأبي مازن. وحسب توقعي فلن ينجح مشروع بوش أولمرت وسيضطر أبو مازن للعودة للحوار بشروط السعودية ومبادرة السلام العربية. ويبدو أن انتخابات المنظمة هي أقصر الطرق لتوفير الجهد والوقت ودون حاجة احد للتنازل للآخر. فنتيجة تصويت كل الشعب ستعطي الحكم دون محكمة ومرافعات أو وساطات.