العلاقة الحائرة بين حماس والتيار المقاوم بمنظمة التحرير الفلسطينية

May 29, 2006 Off By Salman Salman

العلاقة الحائرة بين حماس والتيار المقاوم بمنظمة التحرير الفلسطينية

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

التاريخ 29-5-2006

إذا اعتبرنا أن مبررات التحالف بين القوى الوطنية والإسلامية تقوم على تقارب الأهداف و المواقف والمبادئ فمن المفترض أن تكون هناك علاقات استراتيجية بين حماس وتيارات المقاومة ضمن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. وان تكون درجة التوافق متناسبة مع درجة تطابق تلك الأهداف والمواقف.

وما يحصل من تجاذبات في العلاقات التي يفترض أنها مبدأية لا يبشر بخير ويظهر أن العلاقات محكومة بمنطق المصالح الآنية الحزبية أو الذاتية وكأنها مصالح دول مختلفة.

وحالة التصادم بين القدومي والزهار مثال على ذلك. كيف تصل الأمور لحد التشهير وكيف يمكن فهم موقف حماس أن القدومي يشارك في حصار حماس أو أن الزهار مبتدئ في السياسية وان من يشترك في الانتخابات يعتبر قابلا لاوسلو.  ما الذي يحصل حتى تتدهور العلاقة الى هذه الدرجة.

إن أهم أسباب نجاح المقاومة والصمود تعتمد على تحالف التيارات الإسلامية التي تعلن مواقف واضحة بخصوص الثوابت مع من يعلن نفس الموقف من فصائل المنظمة.

والقدومي يمثل رمزا أو عنوانا لتيار معارضة اوسلو وتبني المقاومة نهجا. وحماس تعلن رفضها لاوسلو بل أكثر من اوسلو يوميا. وكلاهما يعاني من حصار يدفع الشعب ثمنه راضيا مقابل صمودهم. وهم يتهمون الدوائر الغربية وبعض الحلفاء العرب والفلسطينيين بالضغط لأجل استسلام الموقف الصامد.

فهل يستحق ما حصل في كوالامبور هذه الدرجة من التشنج في مثل هذه الظروف وكيف نأمل إعادة بناء للمنظمة تقوم على أساس التمسك بالثوابت إذا انحدرت العلاقة الى هذه الدرجة بين أقطاب موقف الصمود.

من حق القدومي أولا أن يتمسك بقيادته للوفد كونه رئيس الدائرة السياسية. وشرعية تمثيل القدومي تنبع أولا من موقفه السياسي وثانيا من موقعه الرسمي. بمعنى آخر لو اعتمد القدومي موقعه الرسمي وكان موقفه السياسي مناقضا لموقف المقاومة يمكن عند ذلك تفهم سلبية حماس منه كما الحال من ياسر عبد ربه مثلا.  ولكن بشخصية القدومي وموقعه النضالي وصفته الفتحاوية لا يجوز اعتباره خصما مهما كانت التبريرات. وشرعية موقع القدومي نضالية أولا وبقاؤه في موقع ضمن مؤسسة فقدت الكثير من افقها وشرعيتها المؤسسية (وهذا ما يقوله القدومي نفسه) مبرر مؤقتا لأنه يطالب بإعادة بناء المنظمة ويمثل موقفا سياسيا مميزا وشرعية النضال تسبق كافة الشرعيات.

ومن حق الزهار أن يكون فعالا ونشطا في الساحة الدولية لأنه يمثل موقفا سياسيا يتعرض لحصار ولموقف غير متعاون من نصف السلطة, وبرئاسة لا تقبل التعامل معه ولكن ليس مقابل القدومي.

شرعية الموقع للزهار التي تنبع من منصبه القانوني كوزير في سلطة تخضع أصلا لاوسلو لا تزيد عن شرعية الموقع للقدومي رئيسا للدائرة السياسية ضمن مؤسسة انتهت صلاحياتها القانونية وانتهجت طريقا للحل يتناقض مع كل معتقدات القدومي ومواقفه.

فإذا كان قبول الزهار للوزارة ضمن سلطة مقيدة قانونيا باوسلو يلزمه قبول سقف اوسلو فنفس الأمر ينطبق على القدومي والعكس صحيح.  وإذا كان للزهار شرعية نضالية وانتخابية فللقدومي شرعية مؤسس ونضالي وأمين سر تنظيم رئيسي. إذا اعتمدنا شرعية النضال فكلا الرجلين يستحق موقعه لكن بأحقية القدومي الشمولية.

أساس التحرك يجب أن يظل الموقف التاريخي والنضالي وإذا تساوى الموقفان يتم اللجوء للموقف القانوني وهذا ما يجب أن يحكم شركاء النضال والموقف السياسي المقاوم.

أما إذا اختلفت المنطلقات الفكرية والموقف السياسي أو سيطرت المصلحة الحزبية فوق الموقف السياسي فلن تكون الشرعية النضالية مرجعا وما سيحكم وقتها شرعية قانونية أو قدرة ونفوذ سياسي لا علاقة له بالحق بالضرورة. وإذا بدأ التعامل بهذا لشكل نعود لمنطق المناكفة الحاصل الآن في السلطة مع كل المضاعفات الناجمة.

إذا قبلنا المنطق القانوني فوق شرعية النضال سوف تخسر حماس ويخسر معها مشروعها النضالي لان السلطات القانونية بيد فتح مجتمعة تنظيما ورئاسة ومنظمة تحرير إضافة الى الموقف الدولي سوف يسمح لفتح بالهيمنة. بل إن تيار الحل في فتح وحده يمكن أن يسيطر على الموقف.

المطلوب والمتوقع من شركاء النضال تبني منطق شرعية النضال والموقف الشعبي ووحدة الموقف المقاوم الذي يتجاوز الحدود الحزبية. عند ذلك ربما ينجح اصطفاف يقف أمام هيمنة مواقف الحل المتطرفة ويحيد مواقف الغرب وإسرائيل.

إن اكبر فرصة لنجاح تيار المقاومة تتم من خلال إعادة بناء منظمة التحرير بتحالف عريض يضمن تطابق الشرعية القانونية مع الشعبية المؤسسة قبل كل شيء على الشرعية النضالية.

ووصول الشعب الفلسطيني وتوفير تطابق الشرعيات الثلاث ضمن مؤسسات منظمة التحرير الشاملة أو مؤسسات السلطة الجزئية هو الضمان الوحيد لصمود سفينة المقاومة ومصلحة الشعب الشاملة لتجاوز تحديات المرحلة القادمة.

ما حصل في كوالامبور لا يسر الصديق.  و إذا عزلت حماس نفسها عن حلفائها الطبيعيين فسوف تغرق وتغرق الجميع معها. على حماس أن تفكر عميقا بالأولويات. ولا يعقل أن تقود مرحلة صمود رئيسي ولا تستطيع تمييز حلفائها من منافسيها أو أن يصل الأمر الى خلط بين الأعداء والأخوة. على حماس أن تفكر وتركز أكثر بكثير مما يظهر منها.

إن شرعية منظمة التحرير الكيانية قائمة ولا يمكن لأحد سحبها منها إلا قرار شعبي شامل يقبل إلغاءها.  وشعب الضفة والقطاع عندما قرر إعطاء حماس الفرصة لا يريد شطب الخارج وإلغاء شرعية المنظمة بل ربما حرصه وخوفه على وحدة الشعب الفلسطيني هو ما شجع على اختيار حماس.

نعم لإعادة بناء وتشكيل المنظمة على أسس شرعية قانونية ونضالية وشعبية.  ولكن لا لهدم المؤسسة. وتأسيس منظمة من الصفر غير ممكن قانونيا وعمليا  وربما نحتاج 40 عاما أخرى وتنازلات أسوأ  مما حصل لتحقيق ما تم سابقا.

وبنفس المنطق لا يمكن أن نقبل من أي جهة نضالية تمثل المنظمة الطعن في شرعية أي جهة نضالية حصلت بتفويض شعبي على موقع في السلطة.

السلطة مؤسسة رسمية ناتجة عن اوسلو. ولكن الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره في ارض فلسطين لا سقوف قانونية له إلا شرعية حقه.

وإذا لم تتوفر لأهل الضفة والقطاع فرصة التحكم في مصيرهم إلا من خلال مؤسسات السلطة فلهم الحق بالسيطرة عليها دون تبعة ضرورة الالتزام بنصوص اوسلو لان شرعية الشعب في الضفة والقطاع تسبق. واستخدام أي وسيلة للسيطرة على مستقبلهم حق لا يمكن إنقاصه من خلال اتفاقات لم يبد رأيه بها بأصول أو يجتمع على قبولها كل الشعب.

فوق ذلك إن للشعب الحق في صياغة مستقبل فلسطين لأنه جزء منها.  ولان مركز الفعل في المرحلة الحالية في الداخل فمن المتوقع أن يتحمل الداخل دورا أكبر من نسبة عدده بشرط إلا يصبح قرار الداخل أو استفتاؤه مبررا لاتخاذ قرارات تعمم على الشعب كله ( لماذا لم يتم الاستفتاء عام 93 أو عند تعديل ميثاق المنظمة عام 96).

يستحق أبناء الشتات وعرب فلسطين 1948 المشاركة الكاملة مثل أهل الضفة والقطاع. وقرار الشرعية الوطنية الشامل لا يتم إلا من خلال مؤسسة تمثل الجميع. والمنظمة قادرة على ذلك ولكن بعد إعادة انتخابها.

إن التمسك بمنظمة التحرير شرط مسبق لضمان استمرار وحدة الشعب وحقه الموحد. ولكن السماح بسيطرة تيارات غير معتمدة شعبيا أو نضاليا هو ما انقص شرعية المنظمة وهدد وجودها.

وإذا نجحت حماس في التمسك بحكومة تمثل شعب الداخل فلا يعقل أن تعمل على تجاوز محركات نضالية لشرعية مجمل الشعب.  من الممكن فهم تصادمها مع الرئاسة لان الخلاف يقوم على شكليات قانونية لها أساس تناقض في الموقف السياسي.  أما إذا أصبح الأمر سيان مهما كان الموقف السياسي وسيطر مفهوم التعامل المؤقت فهذا بداية الانهيار.

على تيار المقاومة إعادة ترتيب أولوياته وان لم ينجحوا هذه المرة فعلى الصمود والمقاومة السلام لأنهم سوف ينقسموا ويتشرذموا.  وسوف يسيطر تيار الحل على كل المؤسسات القانونية.  وسيفشل ذلك التيار في تقديم حل يرضي الشعب وبذلك نخسر حقنا وأنفسنا معا.

قال تعالى:

“ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم”) الأنفال 64)

“وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا” (الإسراء 16)

صدق الله العظيم