الانتخابات الفلسطينية –النظام والفرص

April 10, 2005 Off By Salman Salman

بسم الله الرحمن الرحيم
الانتخابات الفلسطينية –النظام والفرص
إعداد د. سلمان محمد سلمان
أستاذ فيزياء الطاقة العالية والدقائق الأولية – قلقيلية 10-4-2005

مقدمة:
بعد تجديد ولاية بوش الرئاسية يمكن توقع الخطوط العامة للموقف الدولي في المنطقة وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية. هناك أولا تحالف قوي بين شارون وبوش سوف يمنع أي محاولة حقيقية لتحقيق حل جوهري مقبول للفلسطينيين. ويبدو أن موقف شارون سيتركز أكثر ويستطيع الاستمرار بالحكم دون تحديات من حزب العمل بعد الانضمام للحكومة. وسوف تعمل إسرائيل على محاولة تثبيت خطة الانفصال لتصبح الحل النهائي الدائم أو الطويل الأمد على الأقل.

بعد الانتخابات الرئاسية الفلسطينية والسهولة النسبية في توفير دعم مقبول لمرشح فتح وانسحاب حماس من السباق وعدم وجود بديل استراتيجي يبدو أن خيار فتح هو التعامل مع الموقف الدولي حسب توجهات الحل السابقة مع التركيز على الثوابت. وهذا يعني قلة الوضوح في توقع مجريات الحل. وفي اغلب الأحيان سيتم التعامل مع المعطيات الدولية بقبول نسبي مع اعتبار خطة الفصل كجزء من خارطة الطريق دون أمل كبير بتقدم بعد ذلك. وهذا سيضع الرئاسة الفلسطينية بموقف صعب ويتطلب بنية قوية من الجسم التشريعي وحركة فتح ومنظمة التحرير لاتخاذ ما يلزم من المواقف الاستراتيجية بعد ذلك.

ستأخذ الحرب في العراق منحى مستمرا نحو التصعيد من قبل المقاومة ومحاولة التدجين من قبل الأمريكيين. ولن تظهر نتائج الموقف في العراق إلا بعد وضوح الموقف الأوروبي وهل سيقبل الهيمنة الأمريكية على النفط العالمي. وسوف يستفيد بوش من ولاء معظم الأنظمة العربية التي أبدت دعما ظاهرا له. وسيحاول بوش إيجاد حل يضمن قدرة هذه الأنظمة على البقاء. ولن يكون هناك إصلاحات سياسية في المنطقة العربية. وسيظل عامل الحسم لاتجاه المستقبل مربوط بالموقف في العراق.

الموقف الفلسطيني ليس سهلا وخيارات المقاومة أصبحت أكثر محدودية. ولكن هذا لا يعني نفض اليد من الثوابت والتهالك أمام الأمريكان. لان ذلك لن ينتج شيئا مفيدا للشعب الفلسطيني إذا أخذنا بالاعتبار سقف الحل المعروض إسرائيليا.

الجهد الفلسطيني يمكن أن يتركز على تقليل خسائر المرحلة الاستراتيجية. مع معالجة أسلوب المقاومة بوسائل أكثر إبداعا ومناسبة للمرحلة مع التركيز على الإصلاح الداخلي الوطني من اجل مقاومة الهجمة المتوقعة لمحاولة فرض توجهات مرتبطة.

الانتخابات ضرورية من وجهة النظر الإسرائيلية والأميركية لخلق شرعية جديدة بكل الوسائل من اجل تهميش التيارات المقاومة.

ويمكن للشعب الفلسطيني رغم ذلك ممارسة دور سياسي متنور من خلال مزيج من القبول للحدود السياسية المفروضة من جهة وضمان إفراز قيادات فلسطينية أكثر التزاما من جهة أخرى.

1- هل تخدم الانتخابات مصالح الشعب الفلسطيني.

والأسئلة الأساسية المرتبطة تتعلق بتأثير الانتخابات على وضع الشعب الفلسطيني سياسيا, وعلى توازنات المجتمع المستقرة, وأداء السلطة في خدمة الشعب ومقارنة الأمر بانتخابات 1996.

من الناحية السياسية تبدو الايجابيات أكثر من السلبيات: فإجراء الانتخابات سوف يحل مشكلة شرعية الحكم الحالي وسيوفر فرصة للشعب لاستبدال ما يرى مناسبا من مواقف سياسية تراكمت منذ اوسلو. سيكون ممكنا للشعب التعبير عن رأيه السياسي بالمرحلة السابقة بوضوح أكثر من المرة الماضية. ففي الانتخابات السابقة ورغم وجود مؤشرات سلبية في كل مشروع اوسلو إلا أن الشعب أمل أن وجود السلطة ربما يغير الموازين. وربما انبهر الشعب أيضا برؤية قوات فلسطينية على الأرض الفلسطينية.

ومع أن القوى السياسية المعارضة اختارت مقاطعة الانتخابات إلا أن المشاركة الشعبية بقيت مرتفعة. ومع أن النتائج تعتبر مقبولة من الناحية القانونية إلا أن اختيار الممثلين لم يتم تعبيرا عن الموقف السياسي بمقدار التعبير عن الولاء الجغرافي أو العشائري أو الشخصي التنظيمي. ورغم كل السلبيات إلا أن وجود جسم تشريعي يعتبر تطورا نوعيا في علاقات الحكم.

المرحلة الراهنة تحمل بصمات أخرى. فالشعب أكثر إحساسا بوطأة التجربة السابقة وبعد أربع سنوات من الانتفاضة أصبح الوعي الشعبي مختلفا ويبدو أن اختيار الشعب سيكون قائما أكثر من السابق على أساس سياسي مع أن ذلك لن يلغي الأسس العشائرية أو الو لاءات الأخرى.

المسالة الأخرى تتعلق بالموقف الدولي: الوضع الشرعي للسلطة بحاجة لتجديد. وأوروبا تبدو في مرحلة مراجعة للموقف أكثر منها كجهة دعم. وخارطة الطريق تتراوح مسيرتها وترتبط بخطة الانفصال التي تبدو صعبة التنفيذ إسرائيليا.

إجراء انتخابات وتغيير البنية المشوهة للسلطة وإفراز اطر فكرية وسياسية مختلفة سوف يساعد الشعب على إعادة النظر في التزاماته السابقة داخليا أو خارجيا. ومع أن النتائج ليست مضمونه لأحد إلا أن اختيار الشعب – حتى للمعارضة – سيتم بناء على وعي نسبي وسيتحمل الشعب نتائج خياراته مما يوفر الدعم الشعبي لأي موقف أكثر وضوحا ويوفر القدرة على اتخاذ مواقف استراتيجية.

والسؤال كيف سيكون الموقف الدولي إذا اختار الشعب اتجاهات غير مقبولة النجاح دوليا. هل سيتم التخلي عن الدعم للفلسطينيين أو يتم سحب المنافع. وإذا اختار الشعب قوى مناوئة لاتجاه الحكم الحالي كيف يمكن للطبقة المتنفذة القبول بالتنحي وألا ينذر ذلك بجزائر صغيرة. والسؤال الثالث يتعلق بانعكاس قبول إجراء الانتخابات تحت تهديد الاجتياح. وكيف سيفهم الشعب والعالم ذلك. المسالة تحمل مختلف وجهات النظر.

وبشكل عام يبدو أن خيار الانتخابات سيكون اقل الطرق خسارة عند محاولة إفراز قيادات ملتزمة مع الاعتراف بإمكانية تحقق العكس إذا لم يتم التعاون بين كافة القوى الوطنية والدينية نحو تحقيق الوصول لبنية قيادية ملتزمة.

2- خريطة المواقف السياسية والقوى والمحاور الانتخابية:

قوى فتح:
التيار المقاوم
يمثل تيارا ضروري التواجد لكنه محدود القدرة على الحسم السياسي. ويمكن لهذا التيار التأثير كثيرا لحسم خيارات فتح الداخلية وتحديد مواصفات المرشح الوطني.
تيار الحل
يمثل هذا التيار أمرا واقعا بسبب التوازن الدولي. ولا يمكن الاستغناء عنه مع انه حسب تركيبته منذ اوسلو يعتبر عاجزا عن توفير حلول معقولة وخاصة انه مقسم لأكثر من اتجاه وضعيف الانتماء جماهيريا وتنخر به توجهات وصولية وفساد رئيسة. وأفضل التوجهات دمجه بنفوذ التيارات الأخرى دون إعطائه درجة الهيمنة المطلقة.
تيار الوسط
وهو تيار فتح العام أساسا ويمكن ممارسة التوازن بتقييمات أخرى. ومن المفترض أن يكون هذا التيار الموجه لسياسة فتح. ويمكن لهذا التيار أن يقود المرحلة من خلال استيعاب الغطاء السياسي للمرحلة, دون ابتلاع محتوى الوكيل للقوى الخارجية الأخرى مع الإصرار على تصفية أو إضعاف القوى الوصولية. ويتم اختيار المرشحين لقيادة المرحلة من خلال قبولهم من قبل التيار المقاوم مع عدم رفضهم من القوى الدولية وهذه معادلة صعبة حقا لكنها غير مستحيلة.

القوى الحزبية الإسلامية
تبدو القوى الإسلامية أكثر استعدادا من السابق للانضواء ضمن مسيرة الحكم مع أنها متحفظة على برنامج الحل. ومع أن شيئا جوهريا لم يتغير بخصوص الموازين السياسية وسقوف الحل الممكن إلا أن استعداد القوى الإسلامية للانضواء ضمن تجربة الحكم نابع أساسا من اعتقادها بإمكانية الحصول على نسبة تمثيل عالية وتوقعها ممارسة دور ميداني تستحق القيام به بعد كل هذه التجربة خلال الانتفاضة.

حماس والإخوان
برنامج حماس يقوم على فكرة استمرار التيار المقاوم مع إمكانية المشاركة في حلول جزئية مثل حالة الانسحاب من غزة مع الاستعداد للمطالبة بالمشاركة الفعلية بالحكم على كافة المستويات. وتحصل حماس على دعم صلب يتراوح حوالي 20% وربما تستطيع رفع ذلك الى 35% من الرأي العام مع فرص لتجيير التصويت لصالح مرشحين غير رسميين للحركة بسبب التزام مؤيدي حماس.

الجهاد وحزب الله
نفس مواصفات حماس مع فارق رئيسي بالحجم وربما تصل النسبة الى حوالي 5%.

حزب التحرير والسلفيين
لم يكن لهذا التيار قيمة سياسية في المراحل التاريخية السابقة. لكن ذلك يبدو مختلفا هذه الأيام فالتحرير يحرم الانتخابات ويستطيع حجب حوالي 3% من الصوت الانتخابي. ويتمركز في قلقيلية والخليل. وأنصار هذا التيار لن يختاروا فتح أساسا وان كانوا بنفس الدرجة من الاستعداد لعدم اختيار أي جهة أخرى. وعليه يمثل هذا التيار عامل حجب أكثر من تفضيل لتيار على حساب الآخر.

أما السلفيون فيراوحون بين الرفض لدعم أي جهة الى إمكانية التحالف مع حماس. وتيار صغير جدا ربما يتحاور مع فتح جزئيا. وحجم هذا التيار لا يزيد عن 2%.

اليسار
يمثل اليسار تيارا صغيرا نسبيا من الحجم الجماهيري ولا يزيد بمجمله عن 10% مقسم الى حوالي 7% لتيار الديموقراطية والشعبية والباقي لتيار الشعب وفدا والنضال. ومن غير المستبعد أن يستطيع تيار البرغوثي تأطير نسبة دعم اكبر ويعتمد ذلك على سياسات فتح والقوى الإسلامية.
اليسار بشكل عام يتشكل من قوى صغيرة لكنها تخترق بنية منظمة التحرير وتستطيع ممارسة نفوذ اكبر من حجمها بسبب علاقاتها مع فتح من خلال منظمة التحرير وحاجة فتح لمشاركتها.

الشعبية والديموقراطية
تتبنى الشعبية والديمقراطية برنامج التيار المقاوم دون أفق حقيقي لفرص النجاح. وهي تلتقي بذلك مع حماس وتيار فتح المقاوم. لكنها تختلف عن التيارات الأخرى باستعدادها التام للحصول على اكبر تمثيل ممكن فصائليا أو انتخابيا ضمن مؤسسات الحكم وبشكل اقرب للموقف الوصولي منه للسياسي. وسوف تحاول تحقيق اكبر المكاسب بغض النظر عن موقف الحكم السياسي.

فدا والنضال وحزب الشعب
بالإضافة الى رغبة المشاركة بالحكم تستعد هذه الأطر لقبول الموقف سياسي الذي يتم تبنيه من قبل الحكم. وهي تمثل بالتالي تيارا نفعيا بنسبة كبيرة. ومع أن ووزنها التمثيلي في الشارع قليل ويعتمد تواجدها بالحكم على استعداد الجهة المتنفذة لاحتوائها, الا انها تتميز بتمركز كبير في مستويات القرار القيادي العليا وبالاتصال الخارجي و الدولي بشكل اكبر من تمثيلها الجماهيري.

المبادرة والبرغوثي :
بعد حصول البرغوثي على نسبة دعم عالية نسبيا مقارنة بحجم اليسار التقليدي ليس من المستبعد قيام هذا التيار بتصميم استراتيجيات جديدة تميل أكثر للنمط الفكري الجماهيري. لكن حجمه النهائي سيعتمد الى درجة كبيرة على طبيعة ادوار فتح والحركات الإسلامية.

الدول العربية المجاورة:
الأردن ومصر:
للأردن ومصر ارتباط تاريخي بالقضية الفلسطينية وهو موضوعي أيضا. ومع أن مستوى الدور اختلف نوعا أو قيمة على مر السنين إلا أن تأثير القضية على الدولتين يصل الى درجة التداخل مع الأمن الإقليمي لكل منهما. وهذا يعني ارتباط هذه الدول مع مجريات الأمور في فلسطين بغض النظر عن وجهة نظر الحكم ومنظوره السياسي. ويمكن تقسيم مواقف الأردن ومصر ضمن 3 مستويات متداخلة مع الفروق بين وجهات النظر المصرية والأردنية:

التوجه الوسطي: ويميل للتعامل مع القضية الفلسطينية من خلال قبول موقف القيادة الفلسطينية طالما لم يتناقض ذلك مع المصلحة الوطنية القطرية. ووضع الضوابط لمنع حصول شرخ عميق في العلاقة مع القضية الفلسطينية. ويمثل هذا التوجه 50 % من ممارسات العلاقة بين فلسطين وتلك الدول وسبب انخفاض تأثيره ناجم عن تأثيرات دولية وإقليمية عديدة.

التوجه ألاختراقي:
ويميل الى الاعتقاد بعدم انفصال الموقف الفلسطيني عن الموقف القطري للدولة ذات العلاقة. ويعتقد أن أفضل ضمان للمحافظة على منع مفاجئات هو اختراق بنية القرار الفلسطيني من خلال الاختراق السياسي أو الأمني وفي بعض الأحيان المعيشي. وفي معظم الأحيان يجد هذا التوجه رفضا ومقاومة فلسطينية تتراوح بين انفجار مواقف شعبية الى خلل في ممارسة علاقة طبيعية. مع أن الطرفين يعودان لاحقا للتعايش بحكم الضرورة. وبشكل عام فان مصر تمارس الاختراق السياسي أكثر من الأردن وتحاول الأردن الاختراق الأمني والمعيشي. ونسبة تأثير هذا التوجه تتراوح بين 20 -30 % من العلاقة الفلسطينية مع تلك الدول.

التوجه المحايد: ويتراوح بين الانسحاب وعدم التدخل بسبب الرغبة في نفض اليد من القضية الفلسطينية أو الحياد الايجابي الذي يقوم على عدم التدخل في القرار الفلسطيني الداخلي مع الدعم إذا مثل ذلك فائدة. وحجم هذا التيار محدود بسبب صعوبة التعامل بحياد مع القضية الفلسطينية

وبناء على التحليل أعلاه من المتوقع أن تمارس كل من مصر والأردن دورا مهما في التأثير على مجرى الانتخابات وطريقة اختيار المرشحين تتراوح بين محاولة اختراق الأطر السياسية المتنافسة الى دعم تيار على حساب الآخر. وسوف يعتمد ذلك على طبيعة العلاقة مع التكتلات أو الأفراد.

وبحكم العلاقة التاريخية بين الإخوان المسلمين والأردن فان من المتوقع أن تقوم الأردن بدعم مبطن لقوى اخوانية ليست من حماس رسميا أو بشكل فعلي. وشرط الدعم مرتبط بمقدار إيجاد علاقة تنسيق مع تلك القوى على المستوى السياسي والمعيشي.

نفس الأمر محتمل لدعم أفراد من فتح تمثل استعدادا للتنسيق مع التوجه الأردني أو محسوبة علية ولكن هذا الدعم سيكون بشكل مختلف وسوف يتركز على الأفراد.

بالنسبة لمصر سوف تقوم بدور مشابه في غزة مع تغلغل اقل واستعداد لتقبل توجهات فتح بشكل عام.

موقف سوريا ولبنان:
الموقف السوري يتعرض لتغيرات رئيسية بعد التطورات في العراق ولبنان واستمرار الحكم لبوش. ومن المتوقع أن لا تخرج سوريا عن خطوط السياسة المفروضة مع أنها سوف تحاول التعامل مع الحدث كأمر واقع من خلال تقليل الخسائر.

وربما تلتقي سوريا في هذا مع التوجهات الفلسطينية ومن الممكن إيجاد قواسم مشتركة لتوفير دعم سوري للقيادة الفلسطينية التي تعبر عن البعد التاريخي للقضية الفلسطينية. ومن المحتمل إن تبتعد سوريا عن دعم تياراتها الخاصة في الساحة أو تخفف محاولة تبني المعارضة دون الاعتبار لتاثيرذلك على مستقبل الجميع. حالة الطوارئ يمكن أن تساعد الفلسطينيين لتوسيع دائرة اللقاء مع السوريين.

لبنان سوف تتعرض لمحاولة نزع سلاح حزب الله ومزيدا من الحصار للفلسطينيين. ويبدو ان دور لبنان سوف يتأرجح بين مقاومة الحل الدولي إلى العمل على مقاومة الدور السوري. ولن يخرج عن هذه الحدود لمرحلة حسم قريبة. والأسباب كثيرة لمثل هذا التوقع لا داعي لسردها هنا.

موقف إسرائيل
بعد انتصار بوش سيستمر حكم شارون وان حصل تغيير سيكون من نفس بنية الليكود (ربما نتنياهو) ولا يبدو أن إسرائيل سوف تقدم أكثر من خطة الانفصال وستحاول فرضها كحل نهائي من خلال محاولة إيجاد وترسيخ أوضاع فلسطينية تقبل الحل.

سوف تستمر إسرائيل باستخدام الحصار والإرهاق. وسوف يرتبط ذلك بمدى التجاوب الفلسطيني مع الطروحات الإسرائيلية وستضعف فرص العمل المقاوم في إيجاد تأثيرات استراتيجية على التوجهات العامة للسياسة الإسرائيلية.

موقف أوروبا والولايات المتحدة:
تم التطرق للموقف الأمريكي في المقدمة. أما الموقف الأوروبي فسيكون حائرا لفترة وربما تتم المحاولة لإيجاد أرضية مشتركة مع الموقف الأمريكي.

3- عوامل التأثير في الانتخابات

العامل السياسي والفكري:
تيار الحل مقابل تيار المقاومة:
ويتم الفرز بناءا على ما يطرح فهناك تيار الحل الذي وجه اوسلو وأوجد السلطة ويطرح نفسه تيارا واقعيا يتعامل مع الأمر القائم وان الاستمرار بالمقاومة سوف يؤدي الى مزيد من التعقيد في الوضع الفلسطيني.

مقابل ذلك يطرح التيار المقاوم نفسه بديلا لتيار الحل بافتراض أن إسرائيل سوف تضطر الى الانسحاب أمام ضغط المقاومة وتغير الموقف الدولي وان الاستمرار بالمقاومة هو الضمان الوحيد.

رأي الشارع يتراوح بين الدعم العاطفي والمعنوي لتيار المقاومة والخضوع الفعلي لتوجهات الحل (قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية) مما يعقد القدرة على توقع كيفية الانتخاب في النهاية.

الواقع هو أن الشعب يؤمن بحق المقاومة ويقدر من يقوم بها لكنه غير واثق من النصر ويخاف من تدمير معادلة الصمود والبقاء التاريخية والتي جاهد للحفاظ عليها مقابل التنازل عن مواقف اقل أهمية.

والشعب يريد معادلة تضمن الصمود والبقاء أولا دون التنازل التاريخي عن الحق ثانيا واستخدام المناورة لتحقيق ذلك بأي وسيلة ممكنه. وسيختار الشعب بالتأكيد من يعتقد بقدرتهم على خلق التوازن المطلوب.

تحتاج فتح الى نمط ولاء عناصر وقيادة حماس لضمان عدم التفتت الاستراتيجي. وتحتاج حماس إلى نمط مناورة فتح لضمان عدم الانهيار الاستراتيجي فهل تدرك القوى الفلسطينية ذلك.

التيار القومي مقابل الإسلامي
ويتلخص الموضوع في كيفية اختيار الشعب لفكرة المخلص والوطني والمسلم. ويبدو أن هناك توجها يزداد نموا بتفضيل اختيار الوطني الإسلامي دون الفصل بينهما بعكس عادة التيار القومي أو الديني التقليدي. ومع أن هذا يبدو طبيعيا إلا انه ليس كذلك على مستوى النخب السياسية للأحزاب القومية أو الإسلامية على السواء. والسؤال هل سيجد التوجه الجديد تعبيرا اكبر واظهر في اطروحات فتح أو حماس مع الاعتبار أنه سيجعل كليما متشابهين أكثر من مختلفين.

العامل الاقتصادي
ويمثل عاملا أساسيا لتوفير الصمود والبقاء. وهو ليس ترفا أو تهالكا من المواطن كما يظهر في فهم بعض القيادات له. حيث يتم التعامل مع الأمر كأنه توفير المنح والمساعدات الطارئة والتي تصل في معظم الأحيان للعناوين الخطأ ولطبقة من الوصوليين.

العامل الاقتصادي يحقق دورا رئيسيا في ضمان الصمود لو أمكن تجيير معظم المال المتوفر لبناء مؤسسات تنموية تساعد على البقاء وتم صرف المال بجدول أولوية يختلف طبعا عما تم خلال ال 10 سنوات الماضية.
يجب على جدول الأولوية أن يقوم على مبدأ دعم الصمود والبقاء أولا. وتفصيل ذلك بشكل يضمن البقاء أو يشجعه على الأقل. وبعد وفوق هذا أن يتم الصرف بعدالة وبمصداقية وشفافية.

المتوقع هنا هو أن يكون لأي برنامج اقتصادي دور حقيقي في دعم الصمود. وفرص النجاح الانتخابي ستعتمد على ذلك. مع أن الشعب سوف يتعامل بشك كبير مع أية برامج تنموية بحكم الخبرة السلبية السابقة.

العامل الحزبي
العامل الحزبي سيكون مؤثرا بالدرجة القصوى عند حماس والأحزاب الإسلامية واليسارية بحكم صلابة الولاء. وسيكون بأضعف أوضاعه في حالة فتح وهذا معروف تاريخيا. الجديد هنا هو أن فتح أصبحت تمثل تيارات مختلفة فعلا في الطرح السياسي والمستوى الاجتماعي.

وبشكل عام هناك تحفظ كبير وحقيقي على نخبة فتح المفروزة منذ اوسلو. ولكن الولاء لفتح قابل للتحقق إذا تم فرز قيادات لا ترتبط عضويا بالمرحلة الماضية.

العامل الجغرافي والعشائري
سيستمر هذا العامل فعالا في الترشيح والانتخاب. وسيكون دوره أكثر وضوحا من المرة السابقة في تحديد ولاء الوحدات الجغرافية ( قرى مقابل مدن أو مخيمات). لكن هذا الولاء سيتأثر بالمتوفر لكل دائرة إقليمية ( في الانتخابات المحلية ودوائر المحافظات للتشريعي).

وسوف يختار الناخب بحرية إذا توفرت له الخيارات السياسية حسب العوامل أعلاه. وسيكون أكثر سعادة إذا استطاع الاختيار من عشيرته فوق ذلك. وفي حالة التعارض سوف يتم توزيع الصوت بشكل متساوي الولاء للحزبي والعشائري والسياسي.

4- من يكسب الانتخابات.

هل تكسب فتح الانتخابات:

فازت فتح في الانتخابات السابقة بشكل كبير. واهم الأسباب تتلخص في عدم منافسة المعارضة وهيمنة فتح للمرحلة وانتشار السلطة وانبهار الشعب بفكرة العودة المسلحة ولو بقيود وتسهيل إسرائيل الأمر وتعاونها مع إجراء الانتخابات.

ورغم أن الكثير من مرشحي المستقلين كانوا من فتح إلا أن مرشحي فتح الرسميين فازوا بنسبة عالية مما يعكس موازين القوة لصالح التنظيم وهيمنته.

المسالة الآن مختلفة. فهذه المرة تبدو القوى الأخرى راغبة في المنافسة وليس الدافع فقط توقعهم لموازين قوى أفضل أو اعتقادهم بعدم جدوى الاستمرار خارج المعادلة. ولكن أيضا بسبب توقعهم احتمال الانتصار وليس المساهمة الجزئية. وإن حصل هذا فسيمثل أول تحول جذري منذ بداية الثورة الفلسطينية ويحتاج الى المزيد من التحليل.

بالمقابل فقد فقدت العملية السياسية بريقها وأصبحت كابوسا للكثيرين. وتحولت الانتفاضة الى نقمة على السلطة بدرجة كبيرة. وهناك تململ كبير من ممارسات مسئولي السلطة وفتح تدفع الثمن طبعا. وهناك انسلاخ فعلي عن واقع الناس وانفصال عن معاناتهم على مستويات النخبة السياسية المتنفذة بالإضافة الى سلبيات ممارسات الأجهزة المسلحة وكتائب الانتفاضة المختلفة.

والسؤال كيف سينعكس ذلك على الانتخابات:

يمكن الادعاء وببعض الأدلة أن الشعب بشكل عام يميل أكثر للتيار الوطني رغم كل المظاهر التضخيمية بغير ذلك. والميل للوطني ليس حبا لممارسات الممثلين لتلك القوى أو الاقتناع بموقفهم السياسي أو الأمل بإبداعهم حلولا متميزة.

يكمن السبب في اعتدال الشعب دينيا ومقاومته لفكرة هيمنة حزبية على مصيره. وهذا يعكس طبيعة الشعب ونظرته الاجتماعية وقيمه وهو متوارث منذ زمن. ولا أتوقع انقلابا حادا في توزيعه.

السبب الآخر هو اعتقاد الشعب أن تسليم الأمر لحماس مثلا ربما يؤدي الى ردود فعل غربية أكثر عدائية. مما سيفاقم فرص الحل المقبول أو حتى الصمود.

والسبب الثالث هو الخوف من الحرب الأهلية. حيث أن يخاف البعض من احتمالات الصدام إذا تسلمت حماس البنية الهيكلية الفوقية وأرادت التحكم بالأجهزة الأمنية والتمويل الموالي لقوى أخرى.

ورغم أن حماس تحاول التأكيد على العقلانية وحسن علاقاتها بدول الخليج وعدم قطيعتها مع الغرب, إلا أن التردد سيستمر خوفا من المغامرة بانقلاب شامل.

لا يعني هذا طبعا أن الشعب راض عن السلطة أو فتح. بل يمكن القول أن ما يعادل 20 % من مؤيدي فتح قد حولوا على مدى السنوات دعمهم من فتح لقوى إسلامية. واختار 20 % آخرون الانزواء وعدم ممارسة أي دور. وهذا يعني أن فرص فتح ليست قوية من ناحية أساسية.

سيعتمد فوز فتح في الانتخابات على طريقة الأداء والبرنامج السياسي والقدرة على إفراز البدائل الوطنية وتهميش التيارات الوصولية.

وإذا اختارت فتح الطريق الآخر بتوصيف الحل قياديا وفرز أسماء على طريقة الانتخابات السابقة فربما تكون قد اختارت أسوأ الخيارات. لان ذلك سيجعل الرفض لفتح بحده الأقصى وسيجعل حماس والقوى الأخرى تبدو أفضل الخيارات الممكنة.

بالمقابل فان احتمالات فوز فتح في حالة اختيار الطريق التفاعلي مع الشعب سوف يعتمد على التوصيفة والطرح. وفي أفضل الأوضاع ربما تحصل فتح على نسبة 60% من السيطرة على التشريعي. وفي أسوأها ربما لن تحصل على أكثر من 30%.

إذا لم تكسب فتح فمن يقود وما علاقة القوى المنتخبة مع جهاز السلطة التنفيذية.

في حالة فشل فتح في توظيف أفضل ما لديها وأصرت على فرز مرشحيها بطريقة فوقية ولم ينجح ذلك في الانتخابات سوف نواجه وضعا شبيها بما حصل في الجزائر مع الفروق الموضوعية طبعا.

الفشل الفتحاوي في الانتصار سوف يجعل الطبقة المتنفذة أكثر إحساسا بالعزلة وسيزيد ذلك من نفوذ تيار الحل ليميل الموقف أكثر للتقارب مع الطرح الإسرائيلي أو الغربي. وسيصبح الاستقطاب أكثر حدة وهذا يسرع حالة الحسم الداخلي الفلسطيني المطلوبة إسرائيليا.

وحيث أن تركيبة الشعب الفلسطيني مختلفة عن الجزائر فلن يكون صراعا عنيفا معزولا بأرض الدولة أو بنفس الدرجة أو حتى النوع. ولكنة سوف ينعكس بشكل فوضى يمكن لإسرائيل استغلالها لتمرير ما ترى من حلول وسوف يمثل ذلك قاع الهزيمة لفتح والقضية معا.

فرص حماس والقوى الأخرى:

كما تم التوضيح سابقا فان فرص التنظيمات الأخرى سوف تتأثر جزئيا بأداء فتح لكن هناك درجة متوقعة من الدعم لحماس والقوى الأخرى لن تتأثر كثيرا بالعامل الداخلي لفتح مع أن التأثير سوف يستمر بشكل غير مباشر.

يمكن القول أن نسبة الدعم الصلب لحماس تصل لحوالي 20% بغض النظر عن برنامجها أو موقف فتح. ويمكن لهذه النسبة أن تصل الى 50% إذا كان أداء فتح سيئا. ويمكن الاستفادة من النسبة الصلبة 20% في حالة وضع فتح لبرامج تتجانس بشكل عام مع الشعور الوطني الديني العام وتجيب على العوامل المؤثرة بشكل جيد.

وعلى ذلك فان فرص تمثيل حماس في المجلس التشريعي بعد خوض الانتخابات ستتراوح بين 20% الى 45% معتمدة على أداء فتح. والنسبة الفعلية سوف تعتمد بشكل هام على آلية نظام الانتخاب القائم. مع الأخذ بالاعتبار تمركز حماس في المدن الكبيرة بشكل عام.

والسؤال إذا قررت حماس التعويم وعدم تقديم مرشحين رسميين عنها فهل سيكون التأثير أفضل لها ام لا. الاعتقاد أن ذلك سوف يسمح لتحالفات مع الأطر الأخرى ربما تحسن نسبة نجاح بعض المرشحين ولكنها بالمقابل سوف تسحب الغطاء عن البعض الآخر بسبب عدم التبني الرسمي مما سوف يضعف فرص الاستفادة من الصوت المحسوم لصالح المرشحين غير المعتمدين رسميا. وبشكل عام من المتوقع أن تتراوح النسب بين الحدود التي ذكرت سابقا واهم عامل للتأثير هو أداء فتح.

نصيب القوى الأخرى لن يكون عاملا جوهريا إذا خاضت حماس الانتخابات ولكنة سيختلف إذا مارست حماس دورا مشابها لدورها في انتخابات الرئاسة مع أن ذلك مستبعد.

5- مشروع نظام الانتخابات

تم منذ فترة قبول المشروع الجديد لنظام الانتخابات بالقراءة الأولى بالتشريعي. وتركز المشروع على زيادة عضوية المجلس من 88 إلى 132 عضوا وبتقسيم 88 للقوائم المحلية مقابل 44 عضوا يتم انتخابهم ضمن قوائم وطنية موحدة وتعبر عن البني الحزبية أساسا.

وقد تم التأكيد على المطالبة بزيادة تمثيل القائمة الواحدة ضمن مفاوضات الحوار الفلسطيني في القاهرة إلى درجة الدعوة لإلغاء القوائم المحلية لصالح القائمة الواحدة. وقد تم تفويض الأمر للتشريعي للبت به ولا يبدو انه ينال دعما قويا بالتشريعي حتى الآن.

لماذا تطالب الفصائل بالقائمة الواحدة. ولماذا الدعوة لها أو تقبلها على مستوى الحركات الأخرى. تبدو المسالة للوهلة الأولى متعلقة بمنافع حزبية. ولو كانت كذلك فقط فليس هناك قيمة مطلقة لصالح نظام على الآخر بالنسبة للشعب. المشكلة تكمن في إمكانية نشوء مخاطرة أكثر مما نعتقد.

بعض الديموقراطيات الغربية تتبنى نظام الدائرة المحلية ( أميركا وبريطانيا) أو المختلط ( فرنسا ألمانيا) أو النظام الموحد ( إسرائيل) ويبدو ان لكل نظام مميزاته وليس هناك نظام أفضل من غيره بشكل مطلق. ويتعلق الأمر بتركيبة المجتمع- مشترطين طبعا حريته أساسا.

أنظمة الدوائر المحلية تركز على تفضيل الجغرافيا على الايدولوجيا. وتعكس تركيبة سكانية مستقرة تاريخيا وتركيبة اجتماعية مميزها الرئيسي الجغرافيا بحيث يظهر لكل منطقة خصوصيتها.

والمحلية تفضل الفرد على الحزب- وبذلك يكون للمحلى الرأي الأكبر في اختيار ممثليه. وهي أيضا تلغي الخاسر من حسابها وتفضل الأقوى محليا وتهمش الأحزاب الصغيرة المنتشرة جغرافيا. ومن الصعب لحزب ان يهيمن على المجتمع إلا إذا كان منتشرا فعليا وبأغلبية في كل المواقع.

وبالتالي فهي نظام يقوي المحلي ويضعف المركزي. و في حالة وجود الاحتلال تبدو صمام أمان إضافي من الاحتكار. مع أنها طبعا تسمح بدرجة بنجاح مرتبطين محليا.

بالمقابل فان نظام الدائرة الواحدة ( أو النسبي ) يعبر عن المواقف الايدولوجية أكثر من الجغرافيا وعن مجتمع شديد التأطير حزبيا ولكن ليس له مميز جغرافي. وإسرائيل تمثل أكثر الأنظمة تفضيلا وتعبيرا لهذا لنظام.

فمجتمع إسرائيل لا يتميز جغرافيا بشكل جوهري وذلك بسبب حداثة الانتماء الجغرافي للمهاجرين. وحيث ان استيطان هؤلاء المهاجرين يتم بشكل جغرافي منتظم بشكل عام فان التوزيع لا يعبر عن أي مميز. فوق هذا فان المجتمع الإسرائيلي مؤطر سياسيا وحزبيا بدرجة فوق عادية وهذا متوقع من مجتمع نشا على فكرة إنشاء كيان من مهاجرين من أنحاء العالم. والعامل الثالث ان المجتمع الإسرائيلي حر إلى درجة كبيرة ومن الصعب توقع قيام دول متنفذة محاولة تجيير سياسته مع ان ذلك حتى لو تم سيكون صعبا.

تعتبر المجتمعات الأميركية والبريطانية مهد الديموقراطية الحديثة ومعاقلها. وهي تتبع نظام الدوائر المحلية لأنها مجتمعات ذات مميز جغرافي وبها جاليات لها مصالحها الخاصة أو اثنيات لها مميزاتها. ولأن الديموقراطية نشأت ذاتيا في تلك البلاد فمن الطبيعي ان تقوم على آلية الدائرة المحلية لأنها أكثر تعبيرا عن مصالح الفئات أو الأفراد.

مميزات نظام الدائرة الواحدة تظهر في مجتمع شديد التنظيم السياسي ضعيف التميز الجغرافي وقادر على تطبيق الأسس الديمقراطية داخل أحزابه وتمثل الأحزاب نسبة عالية من أفراد مجتمعه. إنها آلية مجتمع الأحزاب.

مميزات نظام الدوائر المحلية تظهر في مجتمع شديد التميز الجغرافي وضعيف التنظيم السياسي وتمثل الأحزاب فيه مؤسسات تعبر عن مصالح جغرافية أو اثنية ولا تمثل تغطية عالية للمجتمع. وهي إذن آلية مجتمع الأفراد والمجموعات العرقية أو الدينية.

عيوب نظام الدائرة الواحدة في حالة تطبيقها بمجتمع الأفراد أنها ستمثل تحالفا للأحزاب لحكم الشعب أو احتكارا للقرار السياسي من قبل تلك الأحزاب. وتمثل قاعا للفشل عندما يكون المجتمع فاقدا لحريته لأنها ربما تستخدم لتمرير سياسات خارجية من خلال تلك الأحزاب. ويصبح الأمر في غاية الخطورة إذا كانت الأحزاب غير مؤطرة ديموقراطيا ضمن لوائحها الداخلية. عند ذلك يبدو نظام الدائرة الواحدة اقرب لنظام الكوتا الطائفية أو العشائرية ويمثل اقل المستويات تعبيرا عن الديموقراطية أو مصالح الشعب.

عيوب نظام الدوائر المحلية في حالة تطبيقه بمجتمع الأحزاب أنها ستقتل الأحزاب الصغيرة لصالح الأحزاب الكبيرة وستفتح المجال لتمرد القيادات المحلية ضد المركز وستضعف التوجه المركزي للحكومة وتسمح لذوي المصالح الخاصة المميزة جغرافيا باعتصار الأحزاب.

وبالمقارنة تبدو مميزات النظام المحلي أكثر فائدة في حال تطبيقها في مجتمع الأفراد وعيوبه اقل ضررا في حالة التطبيق في مجتمع الأحزاب من حالة نظام الدائرة الواحدة الذي يبدو اقل فائدة عند تطبيقه بمجتمع الأحزاب وأكثر ضررا عند التطبيق في مجتمع الأفراد.

يبدو ان نظام الدوائر المحلية أكثر رحمة بشكل عام.

هل يمكن الاستفادة من النظام المختلط:

النظام المختلط محاولة للاستفادة من مميزات النظامين وتلافي عيوبهما مع ان من الممكن حصول العكس بحيث يتم تضخيم عيوب النظامين أمام تلاشي مميزاتهما. ويتم ذلك إذا تمت الخلطة عكسيا. ففي حالة مجتمع مكون بنسبة 30% حزبي و 70% فردي فان وصفة 30% دائرة واحدة مقابل 70% دوائر محلية يعتبر بشكل عام أفضل من اختيار أي من النظامين منفردا. لكن اختيار العكس ( 70% دائرة واحدة مقابل 30% دوائر محلية) سيجمع عيوب النظامين ولن يختلف كثيرا عن تطبيق العكس كاملا.

المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع:

يبدو المجتمع أكثر ميلا للتوزيع الجغرافي بحكم التاريخ. فمعظم سكان الضفة يعيشون منذ مئات السنين (وربما آلاف للبعض) في توزيعاتهم الجغرافية والعائلية ومحاولة تهميش هذه البنية ستكون مخسرة أكثر من مربحة.

والمجتمع الفلسطيني متمايز جغرافيا بحكم الاحتلال. حيث لكل محافظة مشاكلها مع الاحتلال وتحتاج لمن يعبر عن مشاكلها بشكل مباشر.

ومع ان غزة تبدو اقل اعتمادا على الجغرافيا وأكثر انصهارا حزبيا إلا ان ذلك صحيح بالمظهر فقط. فالمخيمات تعبر تاريخيا عن التوزيع الجغرافي لمناطق الهجرة الأصلية بشكل كبير.

والمجتمع الفلسطيني مؤطر سياسيا بنسبة لا تزيد عن 30% بشكل ملتزم والباقي يمثلون جهات مناصرة قابلة لتغيير مواقفها ( إحصائيات الالتزام التنظيمي لا تعكس أكثر من ذلك).

وهو مجتمع تحت الاحتلال عمليا ويتعرض لمؤامرة كبرى بتهميش مستقبله وقضم جزء من أراضيه. مما يتطلب تمثيلا حرا وعادلا لحماية مصالح كافة التجمعات.

من خلال كل ما سبق يبدو ان خيار النظام المختلط بنسبة 2 إلى 1 لصالح الدوائر المحلية يقدم الحد الأقصى من تمثيل الدائرة الواحدة بمخاطرها ولفائدة واحدة فقط وهي ضمان انضواء الأحزاب الصغيرة بها. وزيادة التمثيل عن هذه النسبة للدائرة الواحدة سوف تجلب الضرر دون المنافع. وتمثل نسبة 2 إلى 1 استنفاذا لمطلق فوائد نظام الدائرة الواحدة بالنسبة للمجتمع الفلسطيني.

وبالتأكيد فان اختيار نسبة أعلى أو اختيار نظام الدائرة الواحدة شاملا سوف يمثل أسوأ الخيارات على الإطلاق. وسيفتح المجال لإمكانية نشوء تحالفات حزبية نخبوية خطرة على مستقبل القضية وإمكانية تهميش الجغرافيا ومصالح المحافظات وخصوصيتها. وسيحرم الشعب من اختيار من يمثله إذا أخذنا بالاعتبار ان معظم الحركات والأحزاب لا تمارس الفرز داخليا بشكل حر وتمثيلي لمصالح أعضائها. فكيف يصبح الأمر عندما نريد تحقيق مصالح الأغلبية غير الممثلة بالأحزاب.

ان تطبيق نظام الدائرة الواحدة يمكن أن يمثل كابوسا على حرية الشعب في مقاومة هيمنة الأحزاب من جهة أو استخدام تلك الأحزاب لتمرير مشاريع خارجية من جهة أخري. والشعب بإجماله يبقى أكثر ضمانة من أي قيادة حزبية مهما كان تاريخها.

تتلخص فوائد استخدام نظام الدائرة الواحدة جزئيا في فتح المجال لمعرفة وزن الأحزاب السياسي لأغراض التمثيل بمنظمة التحرير واستخدامها كبوصلة لمجتمعات الشتات. بالإضافة إلى فتح المجال للأحزاب الصغيرة للمشاركة ولمنع العشائرية من التحكم بشكل اكبر من المحتمل على القرار المحلي.

وبما عدا ذلك فهي لا تلزم.