قراءة في مؤتمر السيد حسن نصر الله
قراءة في مؤتمر السيد حسن نصر الله
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
10-8-2010
سأحاول الاختصار قدر الاستطاعة. ما الذي يحاول أمين عام حزب الله الوصول له من خلال الحملة الإعلامية المتصلة منذ حوالي ثلاثة أسابيع؟.
- يريد أن يوضح أنه لن يقبل اتهام حزب الله عرضا أو أساسا لأنه مقتنع بأن المتهم يقع في موقع آخر وهو يؤكد بلغة واضحة أن رفض الاتهام يساوي وحدة لبنان وبقائه.
- يريد أن يؤكد فساد موقف المحكمة الدولية وانتقائية وتنوع متهميها حسب المطلوب من السياسة الدولية المسيطرة. وهو بالتالي لن يتعامل معها مع أنها مقبولة لديه طالما قبلت بها حكومة لبنان وطالما لم يهدد تحركها أهم أساس لوحدة لبنان وظل كذبها قابلا للتحمل والتجاوز.
- يريد من خلال التحليل والمعطيات توجيه النظر للمستفيد الأكبر واللاعب الأخطر بالمعادلة اللبنانية. وأن اتهام إسرائيل لا يعتبر فكرة طارئة بل هو ضمن معطيات التفكير الاستراتيجي لأي جهة وطنية عاقلة ومتزنة وتقيم الأمر بموضوعية.
- يريد إثبات نفاق العالم في تجاهل كافة المؤشرات نحو إسرائيل وخوف أطراف لبنانية من التحدي الذي يحمله اتهام إسرائيل. وهو يقر بذلك ضمنيا أن الكثير من مواقف القوى اللبنانية والعالمية محكومة بالنفاق الطوعي أو الخوف. وعليه فهو يحاول جعل ثمن قبول اتهام الآخرين دون أي مؤشر حقيقي مكلفا أيضا لمن يريدون استسهال اتهام الأضعف كما يعتقدون. وهذه خطوة معقدة لكنها تبدو ظاهرة من خلال تسلسل الموقف من قبل حزب الله.
- يريد استباق الاستحقاق بعد إعلان المحكمة من خلال رأي عام يقف ضد توجهات المحكمة ويضع أمام الفريق الآخر اللبناني بدائل تحدد نفوذ وحجم الثقة التي يجب أن تعطى لمحكمة دولية موجهة سياسيا بالأساس.
ومن الطبيعي أن تثار الشكوك من قبل المختلفين معه لخصومات حزبية داخلية أو لأسباب تبعية دولية خارجية. ويمكن تلخيص مواقف الأطراف المشككة بالتالي:
- مشككون من خلال المعسكر الإسرائيلي: وهؤلاء سيرفضون النظرية من أصلها ويستمرون في تصعيد الموقف ليصب في النهاية باتجاه خلق قناعة كافية ضد حزب الله في الشارع العربي واللبناني للتهيئة لاتهام دولي يجعل الحزب مطاردا قانونيا وجنائيا فوق محاربته من قبل قوى دولية كبيرة.
- مشككون من خلال المعسكر الغربي وهم لا يختلفون كثيرا عن الموقف الأول فيما عدا ربما إثارة انفصام بين الموقف من سوريا وحزب الله. ففي السنوات الأولى تركز الاتهام لسوريا وكان شديدا وقاسيا. ولم يتطرق الاتهام في حينه لحزب الله الا ضمنيا. أما الآن فالمؤشرات تتجه لإلغاء اتهام مباشر لسوريا مقابل تركيز الاتهام لحزب الله وهذا يقع ضمن سياسة فرق تسد مع الاستهداف الحقيقي لكل الأطراف ضمن معسكر المقاومة.
- مشككون من خلال الفروق الطائفية الضيقة والعداء المذهبي. وهؤلاء يلتقي بعضهم مع الطرحين السابقين مع اختلاف في تقييم المردود المباشر على لبنان وهم نوعان: الأول: لا يكترث ويتمنى تصفية حزب الله مهما كلف الثمن ودافعهم تعصب وغباء أو ارتباط مع إسرائيل والغرب. النوع الآخر ربما لا يهمهم كثيرا مستقبل حزب الله ويتمنون زواله لكنهم يخافون فعلا من نتائج مغامرة تحدي وتهديد لوجود حزب الله وقوته. وهؤلاء سيميلون مع الموقف الأقرب للتحقق ميدانيا لتقليل خسائر لبنان لكنهم لن يتعاونوا مع حزب الله.
- وأخيرا مشككون بجدوى المشروع الذي يقوم به حزب الله من منظور حيادي يقيم الأمر من خلال موازين المواقف والمؤشرات الدولية. ومع انه بشبه الموقف الثاني ضمن النقطة السابقة الا انه يختلف في تعامله مع الأمر لأنه ربما يخدم موقف حزب الله إذا وجد المؤشرات الواقعية تدعم نجاحه. وهؤلاء لا يحملون موقفا مسبقا من حزب الله. وضمن هذا التيار تقع بعض الدول العربية والغربية وبعض القوى اللبنانية.
ومقابل ذلك هناك مواقف داعمة لحزب الله تتلخص بالتالي:
- الشارع الداعم للمقاومة عربيا ويتمركز في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي ويجد صدى مؤثرا أيضا بالخليج العربي. ويتلخص الموقف بالإيمان بمصداقية حزب الله فعلا ويطالب بصيغة تفاهم بين الطوائف اللبنانية لتفويت الفرصة على الفتنة ولوضع إسرائيل في فقص الاتهام. وهذا يتماهى مع موقف حزب الله وهو دور جماهيري داعم مع أن خلفية هذا الموقف لا تلتقي بالضرورة مع مواقف المقاومة دائما.
- قوى سياسية أهمها سوريا وإيران وقوى المقاومة الفلسطينية. وهي تدعم حزب الله في موقفه ولا نرى مؤشرا للتخلي عنه مهما كلف الأمر وهذا يزيد من فرص نجاح موقف حزب الله في النهاية.
- القوى الحليفة في الساحة اللبنانية وهي ستدعم موقف حزب الله أقل من درجة الدعم السوري مثلا لكنها لن تتخلى عن حزب الله بسهولة.
- بعض الحكومات العربية التي تميل لتجاوز الفتنة بسبب عدم الاقتناع فعلا بمسئولية حزب الله من جهة ولتقديرها أن حزب الله تحديدا ومعسكر المقاومة بشكل عام يعتبرها مسالة مصيرية. وفي هذا ربما تقع مواقف قطر والسعودية وبدرجة أقل ربما مواقف الأردن ومصر.
موقف الحكومة اللبنانية: سوف يتأثر بمجمل المواقف المشككة والداعمة لأن هناك من يتبنى كافة المواقف ضمن النسيج اللبناني. واعتقد أن موقف الرئيس اللبناني أميل لتسوية تمنع الفتنة. الحكومة أيضا ربما تميل لتسوية سلمية لكنها لن تستطيع منع القوى المختلفة داخلها من التعبير بأشكال ربما تزيد الحرارة وتثير الشكوك. وستحاول قوة محدودة إثارة الفتنة فعلا.
ما سيؤثر بشكل قريب جدا على الموقف اللبناني الداخلي سيعتمد على ردة فعل إسرائيل وسلوكها. وكما أرى فضربة للبنان من قبل إسرائيل سوف تخدم حزب الله أكثر مما تؤذيه. وعليه استبعد لعبا إسرائيليا مباشرا. وذلك لا يقلل طبعا من قيامها بمحاولات إثارة فتنة من خلال ضربات موجهة وغير مباشرة.
أما الموقف الدولي فأعتقد أنه لا يرغب في تصعيد الصراع لأن هناك إحساسا واعترافا بهزال أساس اتهام المحكمة لحزب الله.
نأمل أن ينجح الرئيس الحريري الابن في تجاوز أصعب أزمة يواجها لأنه من جهة لا يستطيع رفض معطيات المحكمة الدولية بحكم انه من طالب بتشكيلها وأعطاها الثقة. ومن جهة أخرى فهو لا يرغب دفع ثمن اتهامات لحزب الله لا تقوم على أسس مقنعة بل ربما هو مقتنع أنها ليست حقيقية.
المخرج للجميع هو الإصرار على الأدلة القطعية في لائحة اتهام المحكمة الدولية وفتح تحقيق حكومي مواز لتقييم أداء وحيثيات المحكمة الدولية ولكشف أية معطيات خارج سياقها.
أتمنى أن تمر هذه الأزمة بأقل الخسائر لكل أهل لبنان فهم يستحقون راحة بعد كل السنوات الماضية. ونأمل للبنان كل الخير والسلام.