إلى برنارد ليفي وحلفائه من المسلمين: انتصرتم في ليبيا… ولكن

August 27, 2015 Off By Salman Salman

إلى برنارد ليفي وحلفائه من المسلمين: انتصرتم في ليبيا… ولكن

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

27-8-2015

يتسابق الكتاب العرب والسياسيون والدول والأحزاب الثورية والرجعية على حد سواء في إظهار تأييدهم لثوار الناتو ولانتصار الحلف الأطلسي على ليبيا وكأنهم بذلك يضمنون ولاء ثوار الناتو لهم أو أنهم يخافون من تهمة التلكؤ في دعم الحزب المقدس لابن ليفي.

نفس الأمر لفت انتباهي عندما تسابقت الدول العربية والإسلامية في عروض الاعتراف بجنوب السودان وكأنهم يعتقدون أن تسارع الاعتراف يحول الأمر لصالحهم ويترجمون بطريقة تعيسة مقولة البراغماتيين “إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون” مع أن الوضع هنا مختلف. فالمقولة معقولة من براغماتيين يقبلون الأمر الواقع ويتعاملون معه في أمور لا تعتبر مصيرية بالنسبة لهم بينما هنا يتسابق العربان في الاحتفال بمن يضع القيد بأيديهم.

على ماذا يحتفلون!  يتسابقون بوصف القذافي بالطاغية وينسون أنهم يجلسون في فم الوحش. وهل تحتمل ساعة سقوط ليبيا أمام العدو الأطلسي الواضح كل هذه الشماتة. قديما قالت العرب الشماتة لؤم وهي كذلك حتى لو كانت المصيبة عقابا لمستحقها من قبل أصحاب الحق فكيف يكون الأمر عندما يشمتون بأبناء جلدتهم عندما يهزمهم أعداء التاريخ والأمة.

بماذا تهنئ حماس مجلس الناتو ولماذا تخرج قيادات الجهاد الإسلامي محتفلة بنجاح برنارد ليفي بينما يقوم ابن عمه نتنياهو بقصفهم وقتلهم. وعلى ماذا تفرح إيران: هل هي التي أسقطت النظام الليبي بخططها والتها العسكرية. وماذا يأمل حزب الله عندما يطلب من مجلس الناتو كشف من قتل موسى الصدر بينما يقوم سيد الناتو بإعداد لائحة الاتهام ضدهم ويحفر الأرض لإسقاط حاميتهم سوريا. وعلام تسارع مصر وتونس الثورات في الاعتراف بالمجلس قبل حسم المعركة. وعلى ماذا تبتهج جماهير الإخوان و تكبر أم أنها تعتقد كالعادة أن الله سخر ليفي لخدمتها وتحقيق أهدافها.

يمكن فهم اعتراف الدول نوعا ما فالدبلوماسية تتطلب ذلك أحيانا لكن لا أفهم التسابق في ذلك. لن يطير العالم لو أجلوا ذلك على الأقل. هل يعقل تسابق الدول بالاعتراف قبل معرفة وضع العاصمة. وفي هذه يصبح موقف من أعلن الدعم مبكرا أعلى من موقف من يلحق بالركب بطريقة مبتذلة. فإن كان دعمهم مبدأيا لماذا لم يدعموا من البداية. ليس هناك سبب الا النفاق.

كم هو هزيل موقف العرب وكم هم تافهون. ليس هناك أي شجاعة في التسابق في إدانة من أعلنت الحرب عليه من الغرب أو التقرب المتهافت من القوة الجديدة بهدف كسب بعض النقاط. لا استبعد أن أكون مع الأقلية ولكن في هذه لا يشرفني أن أكون مع أغلبية القطيع.

ولكن لنفكر فليلا وتحاول معرفة ما يدور:

السؤال الأول الا يثير الانتباه أن كثيرا من قيادات ثوار الناتو ينسلون من رجالات القذافي السابقين: فإن كان مجرما فهم شركاؤه وإن كان مظلوما فهم خوانون وفي كلا الحالين فهو أفضل منهم. فكيف يأمنون تسليم مقاليد الأمور لهم (وهذا كله حتى لو نجحوا دون دعم الغرب فكيف يكون الأمر فوق ذلك). ألا يثير تهافتهم الشك. ألم يكونوا هم أنفسهم رجالات النظام في تهافته مع الغرب في السنوات الماضية بل ربما كانوا هم سبب تحول النظام كذلك. الا يذكرنا هذا بثورة عبد الحليم خدام.

السؤال الثاني لماذا سقطت طرابلس بهذه السرعة: هناك ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول: أن يكون الشعب قد أجمع على دعم الثوار مما أفقد القذافي أي قدرة على المقاومة وإن كان الأمر كذلك فلن تطول مقاومته.  المؤشرات على الأرض لا تؤكد هذا واختفاء الجيش لا يعني نهايته بالضرورة وسيحتاج الأمر لأكثر من الشهر لمعرفة ذلك.

الاحتمال الثاني: أن يكون القذافي قد قرر الهروب والانسحاب من المعركة وهذا لا يبدو واقعيا بعدما تكلم بوضوح أنه سيقاتل حتى النهاية فوق وجود قوى مؤيدة له في العاصمة وغيرها.

الاحتمال الثالث: أن يكون قد اتخذ القرار بالبدء بحرب عصابات وهذا مألوف بأوضاع مشابهة. طبعا من الصعب وصف التحول لحرب عصابات بالنصر وهو يحمل في طياته اعترافا بعدم القدرة على الحكم والاستمرار في العلن لكنه لا يعني النهاية بالضرورة.

فقد سقطت أفغانستان خلال أيام دون مقاومة تذكر وبأعداد هزيلة من الأميركيين لكن قوة طالبان المقاتلة تستمر بعد 10 سنوات بالهجوم. وفي العراق أبيدت معظم وحدات الجيش عسكريا ( الإبادة عسكريا تعني تفكك دور التشكيلة وليس موت أعضائها) ولم يكن هناك أي جدوى من مواجهات غير متكافئة تؤدي إلى مقتل كل عناصرها لكن المقاومة أرهقت الأميركيين وأفقدتهم معنى النصر وهي موجودة حتى الآن.

فقد القذافي السيطرة وهذا نوع من الهزيمة لكنه لا يعني نهاية معركة ليبيا. فعندما يتعرض الحكم لقوة غير متكافئة ليس أمامه الا الاستسلام أو الاختفاء. أما الاستمرار في الجلوس كبطة يستقبل الهجوم تلو الهجوم فهذا وصفة الفشل فقط. لذلك يمكن قراءة ما يحدث في ليبيا ضمن الاحتمالات الثلاثة ولن يطول الأمر حتى تظهر المؤشرات.

فإذا كان دعم القذافي الشعبي كبيرا فعلا فلن يطول الأمر حتى يظهر نوع من المقاومة وإذا استطاعت قوات ثوار الناتو كسب القبائل فسوف تتوقف الثورة. ولأن الأمر بسيط هكذا فلا داعي للتهافت.

يعتبر موقف روسيا الأكثر تعبيرا عن السياسة الواقعية (ويشبه هذا الموقف بنسبة ما موقف الاتحاد الإفريقي وبريكس وبعض جنوب أميركا والجزائر وسوريا) حين يضع مجموعة من الشروط على المنظمة الدولية.

التصريح الروسي يقول أن “روسيا ستقبل التعاون مع النظام الجديد وتحويل حقوق الدولة الليبية له فقط إذا استطاع توحيد ليبيا وتحييد أي معارضة”. والرسالة “إن لم يحصل ذلك فستمنع روسيا أي رفع للحظر على السلاح أو إلغاء تجميد الأرصدة الدولية. وهذا سيمثل قيدا كبيرا على الحكم الجديد الذي سيصبح البطة الجالسة والقذافي وداعميه في موقع الهجوم إذا فشل في توحيد الموقف الشعبي.

لذلك لا داعي للتهافت أيها المثقفون العربان وعيب عليكم إعلان الولاء لبرنارد ليفي لأن الرابح المعلن الآن هي قوات الناتو ومؤشرات الأرض كلها تقول ذلك. ولعل تقبيل العلم الأميركي والدعس على العلم الأخضر يقول الكثير عن مقومات الموقف الآن.

وإن ظن البعض ( كما يحصل مع مثقفين – منير شفيق) أن سرعة دعم الثوار ستضمن عدم انجرافهم بالولاء للناتو فهم مخطئون.  فالناتو هو صاحب الكلمة مع الثوار لأسباب كثيرة أهمها الميدان والغطاء الجوي والتمويل ولو فكر الثوار في التحدي يمكن للناتو إنهاءهم بسهولة.

ربما انتصر الناتو الآن لكنني لا أرى نصرا دائما الا إذا اعتبرنا احتلال أميركا لأفغانستان والعراق وفيتنام تمثل أنواعا من الانتصار.