ردا على رهانات الأزمة السورية بقلم د. جيمس زغبي
ردا على مقالة رهانات الأزمة السورية بقلم د. جيمس زغبي
منشورة في عرب تايمز يوم 25-7-2011
27-7-2011
د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين
فوجئت من النمطية التي كتبت بها مقالتك وكأنك موظف في الخارجية الأميركية وهذا مذهل من ناشط أعرفه منذ 1983 منذ بدايات اللجنة العربية لمكافحة التمييز وعهدي بك أكثر وضوحا وعدالة. أنتقد مقالتك لأنها ليست موضوعية أو متوازنة أو مفيدة معلوماتيا ( not informative).
هل أدافع عن النظام في سوريا: بالتأكيد لا فليس لي معرفة بالنظام وقد كتبت مقالة تحليلية لوضع سوريا منذ بداية الاضطرابات أوضحت فيها موقفي بشكل أعتقد أنه كان متوازنا لكن ضمن انتماء عربي واضح ( مقالة يا شام هذا المجد: عرب تايمز). لم أدافع في تلك المقالة عن النظام ولم أهاجم المحتجين لكنني أوضحت أين يقف كل طرف وأين تقع الخطوط الحمراء.
الحقيقة أنني فوجئت من تجاوب النظام بقبول إلغاء المادة الثامنة من الدستور وكنت أعتقد أنها خط أحمر. وفوجئت أيضا من الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية بهذه السرعة.
لماذا الاستعداد للإصلاحات الآن وليس منذ 2002. هذه هي المقولة التي يكررها المعارضون دون معنى. فحتى لو لم يقم النظام بالإصلاح إلا بعد الاحتجاج فهذه نقطة تحسب له أنه يتجاوب. أم هل تريدونه متعنتا ليسهل اتهامه.
ولكن رغم هذا أعتقد أن سبب التأخير يتعلق بما تعرضت له المنطقة وسوريا تحديدا منذ عام 2003 بسلسة متصلة من التهديدات الوجودية لها: من حرب تدمير العراق الذي يبدو أنك تتناسى تأثيرها القاتل على كل المنطقة إلى مقتل الحريري الذي دفع بإخراج سوريا من لبنان 2005 إلى متعرجات المحكمة الدولية إلى تأثير الحملة على الحليف الإيراني بخصوص التكنولوجيا النووية والتهديد الدائم بالحرب إلى حرب لبنان عام 2006 والى حرب غزة 2009.
من المجنون الذي يمكن أن يفكر بتغيير داخلي ضمن هذا الجو الحربي المشدود. لقد كان كل العالم ينتظر على أعصابه لحظة زوال الآفة الكبرى جورج بوش الابن وشلة المحافظين الجدد. وكان التفاؤل أن عهد أوباما سيشهد تحولات مفيدة تشجع الناس على الإصلاح والتغيير ضمن مشهد دولي يشجع على ذلك دون الخوف من الدمار.
ولم تمر فترة طويلة حتى تبين عجز أوباما في تغيير معادلة أميركا الداخلية ناهيك عن سياسة الشرق الأوسط التي يلعب فيها اللوبي الصهيوني وأغنامه من أعضاء الكونغرس الذين صفقوا بصفاقة منقطعة النظير لنتنياهو وهو يردد أن لا انسحاب من القدس أو الضفة (بمعنى آخر وهو يهدد بالحرب).
بل تبين أن الليبرالية المتحولة لمحافظة جديدة السيدة هيلاري كلينتون قد فقدت دليلها السياسي وأصبحت رهينة الموقف الصهيوني وناطقة باسم المحافظين الجدد أكثر من بوش السابق. وأصبحت تستبق أوباما في رسم الخطوط وتورطه لمجاراتها. وقد ظهر ذلك جليا في استباقها له في تصريحات تدجين الموقف في تونس ومصر واليمن والبحرين وتصعيده في ليبيا وسوريا.
وكانت دائما تشد باتجاه التصعيد ومثلت تيارا صقوريا خارج موقف الإدارة. وظهر ذلك في اختلافها المكشوف مع وزير الدفاع بخصوص ليبيا. وتمادت عندما بدأت بإصدار صكوك الشرعية كيفما يحلو لها وردد صدى أقوالها (أو ربما العكس) كل من كاميرون وساركوزي بطريقة قبيحة تثير الاشمئزاز وتحول أي معارض محترم لأي نظام إلى مؤيد. وتصاعد موقفها تجاه سوريا لحد التدخل الوقح من السفير الأميركي ومن ثم تصريحها المكابر الذي استلزم ضغطا دوليا من روسيا والصين للتوقف عن هذه السياسة التصعيدية. أتساءل لماذا يا سيد زغبي لم تقرع السيدة كلينتون على صفاقتها المستمرة لأكثر من أربعة اشهر. إنها إبنة حزبك ويحق لك تقريعها وأعتذر سلفا إن قمت بذلك.
بخلفية من هذا النوع وبمواقف بشعة من النيتو في ليبيا وبمؤتمرات من نوع أنطاليا ولوكسبمرغ وقيادة طليعية لبرنار ليفي للثورات العربية من الصعب على أي معارض وطني احتمال اللعبة فكيف بمؤيد للنظام وكيف بمشاعر الشعب العامة.
هل تريد يا مستر زغبي أن يكون الخليفة القادم للأمة السيد ليفي أم شبيه عربي. وهل يسعدك السقوط بهاوية الفوضى وهل كنت ستشعر بالاطمئنان لو صدر قرار دولي يدين سوريا كما حصل مع ليبيا. وإلا لماذا هذه المقولة المتكررة بأن التغيير بطيء وأنه أصبح غير مقبول من المعارضة. من هي هذه المعارضة الملوكية التي ترفض الإصلاح إن تأخر شهرا وكانت صامتة دهرا. ليس هناك ما يمنع أي معارضة وطنية من المشاركة والنجاح وإثبات أغلبيتها الكاسحة جماهيريا إن توفر لها ذلك.
في ليبيا يعرف الجميع أنه لو جرت انتخابات غدا فسوف ينجح مرشحو القذافي بأغلبية واضحة ليس تأييدا له بالضرورة لكن هروبا من نار النيتو وحلفائه. ولأن النيتو يعرفون ذلك فهم لا يقبلون بإجراء الانتخابات وإنما يصرون على سقوط القذافي قبل ذلك ويفضلون قتله أكثر وهذا يفسر استهدافه شخصيا.
لو كان الموقف الأوروبي منسجما مع نفسه ومنطلقا من مواقف معقولة (ليس بالضرورة صادقة) في حربه ضد القذافي لما قبل التحالف مع مجموعة كانت بأكملها تعمل مع القذافي وشاركته في خيره وشره. فإذا كان القذافي مجرما فهم شركاؤه ويستحقون العقاب وإن كان مناضلا فهم خانوا عهد قائدهم فكيف بمكن الركون لهم. طبعا السؤال يوجه للقذافي كيف كنت محاطا بهذه الكمية من الأعداء ولم تدرك ما يدور حولك.
تفسير ذلك أن دول النيتو لا تبحث عن ثوار عقائديين وأصحاب مواقف لكنهم يريدون مجموعة سهلة الابتزاز لينة التوجيه وقابلة للهدم بسهولة في مراحل لاحقة. فلو سقط القذافي لن يحصل من كان ضمن حلفائه المتحولين على أي قيمة. ويتم استخدامهم وقودا لمرحلة الهدم كما يتم استخدام كل الإسلام السياسي الذي يعرض خدماته على الغرب لنفس الغرض.
كنت أعتقد أن إصرار المعارضة على طرح تعديل الدستور بإلغاء المادة الثامنة سيوقع النظام بمصيدة لأنه لن يستطيع ذلك وكنت أعتقد أنها نقطة حرجة سيكون ممكنا للمعارضة تجنيدها للطعن في شرعية وتوجهات النظام نحو “الديموقراطية الغربية المقدسة”. وكأن ذلك النمط من الديموقراطية هو الحل الوحيد للإنسانية مع أنه أثبت الفشل بشكل كبير( مقالة: الأنظمة الديمقراطية في العالم).
حال الغرب وعبوديته لمجموعة صغيرة من أصحاب المصالح والأجندات الخاصة دليل ساطع على فساد الديمقراطية الغربية وتآكلها. إنها ماكينة مستهلكة وسيخلعها الغرب خلال فترة قصيرة من زمن التطور نحو مجتمعات ما بعد الرأسمالية (دراسة متكاملة منشورة على حلقات في عرب تايمز ومواقع أخرى) وكالعادة سيجد العرب أنفسهم يتصارعون على أدوات مستهلكة و قديمة ورابش.
المفاجأة كانت تجاوب النظام في سوريا: ويبدو أن هناك سببين لذلك الأول محاولة تخفيف الضغط الخارجي وخاصة من الأصدقاء الذين يريدون تغييرا يرجح موقفهم الداعم ولتحييد الخصوم الذين يتصيدون الفرص من دول الجوار. لكن هذا لن يكفي ما لم يصل النظام إلى اعتقاد قوي بشعبية الرئيس الكافية لهزيمة المعارضين الذين احترقت كثير من أوراقهم. وفي مثل هذه الحالة سيرفض المعارضون هذا الحل الذي طبلوا له طوال الفترة الأولى وسيبررون الرفض بالتأخر وسنسمع الاسطوانة نفسها “بأن الشعب يريد”.
الحقيقة أن تجاوب النظام مع الإصلاح كان سريعا ومن العيب “أن يصبح العيب أنه وافق”. وهذا النمط من التلاعب تطرحه عادة جهات لا تريد حلا أصلا وبغرض التعجيز أو أنهم بلهاء لا يحترمون أنفسهم ويعتبرون التجاوب معهم حالة ضعف واستسلام تتطلب المزيد من الضغط.
المسألة الأخرى التي أثرت وهي تقليدية “أنه يستخدم العنف ضد شعبة”. وهي مقولة تعتبر أقصر الطرق للإدانة دون بحث. لا أريد الدخول في تفاصيل الأحداث: وبالمناسبة استغرب وانتقد تردد الإعلام السوري في كشف الأوراق بشكل أفضل. فلماذا يظهرون دائما كأنهم يخفون شيئا ولو قليلا ولماذا يفتحون المجال للتشكيك الذي تثيره المعارضة.
طبعا هذا لا يعني قبول معظم ادعاءات المعارضة الكثيرة التي تذكرني “بتبرير الامويين مقتل عمار بن ياسر ومن تكون الفئة الضالة”. فربما مقابل كل تشكيك معقول تثيره المعارضة هناك عشرة ادعاءات فاقعة. وسبب معظم التشكيك المعقول هو تقصير في التوضيح الرسمي للنظام.
من الأفضل لسوريا (معارضة وحكومة وشعبا) السماح للإعلام النزيه بتغطية أفضل أو على الأقل أن يقوم الإعلام السوري نفسه بتغطية أكبر من المعروض. لا أدعي المتابعة الدائمة لكنني أجد بعض الثغرات. فمثلا لماذا لم تصور كاميرات التلفزيون السوري حادثة القطار لحظة إنقاذ الركاب ولماذا لم تبثها للجمهور بطريقة كافية تقطع الطريق على ادعاءات الفبركة كما يقول الإعلام المعارض.
في جسر الشغور كانت التغطية أكثر إقناعا لكنها أيضا لم تكن موفقة بشكل كاف. فمشهد الجرافات وهي تحمل جثث الشهداء من المقبرة الجماعية يستفز المتعاطف أيضا. كان من الأولي احترام الشهداء وعدم عرضهم بذلك الشكل الفج.
أنا لست خبيرا بالنظام لكنني أحب سوريا كما أحب كل شبر من الأرض العربية. يقال أن هناك الكثير من التكلس في بنية النظام في سوريا لكن ذلك لا يعني نسيان أن هدم سوريا أسوا أو يساوي هدم العراق.
كم كنت أنتقد من كانوا يتشفون بسقوط صدام دون تفكير بمن يقوم بذلك. فالمسألة ليست هل تحب صدام أم البعث بل هي أكبر من ذلك. يراهن البعض طبعا أن العراق الآن أفضل وأنه سينتهي حليفا لقوى الممانعة في المنطقة. ربما سيحصل ذلك فقط إذا نجحت سوريا وإيران وتركيا في تكوين حلف مناوئ للغرب. وهذا موقف عملت عليه سوريا كثيرا ( وهو موقف يحفظ للنظام) منذ عام 2004 لكن لا يبدو الأمر حتى الآن واعدا. فوق هذا علينا ألا ننسى الثمن المدمر فهل يمكن تبرير قتل مليون عرافي مهما كانت النتيجة الآن.
سيد زغبي كنت آمل منك الكتابة بلغة أخف من مساعد وزيرة الخارجية لكنك فشلت وهذا سيء.