لماذا تقبل أميركا دورا مهما للإسلاميين في حكم مصر

May 10, 2011 Off By Salman Salman

لماذا تقبل أميركا دورا مهما للإسلاميين في حكم مصر

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

10-5-2011

لا تصلح مقولة أخلاقية وديموقراطية الولايات المتحدة لتفسير ذلك. فلو كانت لما وقفت طوال الوقت ضد أبسط حقوق الفلسطينيين أو دمرت العراق أو دعمت العنف المسلح في سوريا. ولما سكتت على حرق وتدمير سرت الذي يتم بشعار حماية المدنيين.

وطبعا من الأصعب تصديق أن الغرب يمكن أن يؤمن بتحالف استراتيجي مع الإسلاميين فهو لا يحبهم ولا يرغب بهم. وإن قبل تشغيلهم فعلى مضض ولفترة مؤقتة وهذا مشهود له منذ سقوط الدولة العثمانية.

من الصعب أيضا تصديق أن الولايات المتحدة اكتشفت أن الإسلاميين يمثلون الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه (كما يرغب الإسلاميون تسويق ذلك) وأن قبولهم يمثل سياسة الأمر الواقع. فقد حصلت حماس على أغلبية مطلقة ولم يسمح لها بالحكم بل حوصرت. وفاز الإسلاميون في الجزائر ولم يسمح لهم أيضا. وعندما نجح الإسلاميون في تركيا بقيادة أربكان لم يسمح له الاستمرار وسمح لهم بقيادة أردوغان (الذي اتهمه أربكان بالخيانة) وها نحن نرى الدور التركي الملغوم.

ونستدل بشكل كبير من تجربة حماس:

دفعت حماس ثمنا مقدما (عدم منافسة أبي مازن) مقابل المشاركة بالانتخابات الفلسطينية. وقام التصور الإسرائيلي الأميركي على خطتين: هناك احتمالان لنتائج الانتخابات الفلسطينية:

خطة أ: تتوزع الأصوات بين فتح وحماس بنسبة 35 % تقريبا ويحصل الآخرون على الباقي مع احتمال حصول كتلة الطريق الثالث على 20%. بهذه التركيبة من المستبعد اتفاق حماس وفتح ولن تستطيع أيا منهما تشكيل الحكومة دون مشاركة الطريق الثالث الذي سيكون بيضة القبان ويفرض الأجندة. وبذلك تجد حماس نفسها مجبرة على قبول قرارات قانونية لمجلس تشريعي وافقت عليه. وأهم القرارات إلغاء الفصائل العسكرية واعتراف الحكومة بإسرائيل والتنسيق الأمني..

خطة ب: إذا حصلت حماس على أكثر من 50% (وهذا ما حصل) تخير بين قبول الأجندة الإسرائيلية الأميركية وتفقد تميزها أو ترفض وتحاصر وتنفذ نتيجة الخطة أ كأمر واقع. وهذا ما حصل فعلا بل أكثر من ذلك عندما تحقق انقسام وتمزيق لم يحصل من قبل.

إذن ليس السبب أخلاقيا أو استراتيجيا أو قبولا للأمر الواقع.

التفسير الأقرب للواقع يتلخص في ثلاثة أسباب تكتيكية:

  1. قبول الإسلاميين القيام بدور جوهري في دعم الثورة في سوريا وليبيا (وتوفير غطاء شعبي وديني للتدخل الغربي رغم وضوح انسجام أهداف تلك الثورات مع مخططات الغرب) يزيد الثقة بجدوى استخدام الإسلاميين مما يتطلب توفير حد أدنى من المشاركة وخاصة أن مشاريع الغرب في ليبيا لم تستقر بعد وفي سوريا لم تتقدم أكثر من خطوة.
  2. تجنيد الإسلاميين مقابل الليبراليين (أي منهما يمثل مجموعة مصالح خاصة إلى درجة كبيرة بحكم تركيبتها ونوعية من يقودها ويمولها) كقوى وحيدة في المسرح السياسي والتغييب المقصود للقوميين ومن يمثلون الشارع العادي (وهذا يتكرر في ثورة تونس وأكثر وضوحا في ليبيا ومعارضة سوريا) مما يسهل تمرير أجندة الغرب في تحييد الإرادة الحقيقية للأمة ويدفع بكثير ممن لا يقبلون بحكم إسلامي إلى الاستجارة بالليبراليين بما يعزز دورهم بأكثر من وزنهم الفعلي.
  3. جر الإسلاميين إلى ممر وحيد الاتجاه بحيث يقبلون مقدما اتفاقيات مصر مع إسرائيل والدول الغربية ويتخلون عن برامجهم المعلنة المعادية لإسرائيل. وبذلك يفقدون ميزتهم عمن سبقهم وثاروا عليه كموال للغرب. وإن رفضوا يحاصرون ضمن معادلات ليبرالية وعسكرية وخاصة أن إسلاميي ليبيا يعلنون الولاء مقدما مما يضع ضغطا كبيرا على إسلاميي مصر لقبول الأجندة الأميركية بحيث يفقد شعار “الإسلام هو الحل” أي قيمة عملية.

أستبعد تحقق هذا السيناريو لجملة أسباب:

  1. لن يستطيع الإسلاميون الحصول على أغلبية مطلقة وسيحتاجون إلى تحالفات مع آخرين. وهذا يزيد من فرص تحقيق الهدف الغربي بتحييد الإسلاميين دون تغيير في السياسة المصرية تجاه إسرائيل خاصة والغرب بشكل عام.
  2. لن تقبل القوى الأخرى (القومية وتداخلاتها مع أعضاء الحزب الوطني المحلول) تغييبها أو تحييدها وسيحصلون على نسبة هامة من الصوت الانتخابي. ومع أن هذه الكتلة غير متجانسة إلا أنها ستمثل ورقة ضغط ضد الإسلاميين بالأساس.
  3. لن يستطيع المجلس العسكري تمرير رغبة الولايات المتحدة هذه بحكم تركيبة الجيش وخلفيته القومية والوطنية خارج حدود الحزبية الإسلامية أو الليبرالية.
  4. لن يترجم الفقر المدقع الذي تعاني منه شريحة كبيرة من المجتمع المصري تلقائيا لدعم الإسلاميين. فكثير من هؤلاء ينتمون لروابط قبلية ومناطقية وجزء هام موالون للحزب الوطني.

ما مدى قوة التيار القومي: بالأعداد قوي. لكن كترجمة عملية ضمن معادلات الوضع المصري استبعد أن ينظموا أنفسهم ليحصلوا على وزنهم الفعلي في الانتخابات القادمة وأتمنى أن أكون مخطئا. رغم هذا من الصعب استيعاب كل الشعب المصري ضمن وعاء الإسلاميين أو الليبراليين فقط (راجع دراسة مستقبل الثورة المصرية حيث تم توضح حدود النفوذ الفعلي للإسلاميين أو الليبراليين.

أتوقع تطور الأمور في مصر كالتالي:

في حال استمرار عدم الاستقرار في سوريا أو حسم الموقف لصالح الناتو في ليبيا:

  1. يعدل العسكر الدستور بشكل يرضي الإسلاميين لكنهم لن يقبلوا إبعاد معظم فعاليات الوطني. وربما يتم إبعاد عدد محدود من الأسماء الفاقعة والتي لن تنجح أصلا لو ترشحت. وسيحتفظ الحزب المنحل بقاعدة نفوذ مؤثرة ربما توفر لمشتقاته 25% من الصوت الانتخابي.
  2. لن يحصل الإسلاميون على أكثر من 40% من الصوت الانتخابي وبنسبة مقاربة في البرلمان. لكنهم لن يمثلوا كتلة صلبة وسيختلفون في توجاهتهم الاستراتيجية وخاصة بما يتعلق بإسرائيل.
  3. يستفيد اللبراليون من مجمل الأمر بزيادة نسبتهم من الطبيعية 10% إلى 20% ويتوزع الباقي على المستقلين من خارج القوى أعلاه.

بالتركيبة أعلاه لن تستطيع قوة واحدة تشكيل الحكومة ( وهذا يشبه الحالة الفلسطينية) وسيتم ابتزاز الجميع ويظل مشروع العلاقة مع إسرائيل في الحفظ من أي تهديد. أتوقع انقسام الإسلاميين بخصوص الموقف من إسرائيل بحيث يفقدون وزنهم وستكون تجربة مصر الأولي مكلفة بشكل أساسي لهم.

ولكن اخذين بالاعتبار إمكانية سقوط ساركوزي فربما يخفف ذلك حدة الموقف الأوروبي ضد ليبيا وسوريا مع تعزيز الموقف في سوريا لصالح النظام واستمرار مقاومة مؤيدي القذافي في ليبيا. اختلاف المعطيات ربما يساعد التيار القومي في تحقيق نتائج على حساب الإسلاميين واللبراليين. وربما ينجح القوميون في تسلم الحكم.