مقولات ومبررات الثورات العربية

August 12, 2011 Off By Salman Salman

مقولات ومبررات الثورات العربية

12-8-2011

يبرر بعض مؤيدي الثورات العربية دعمها بالجملة دون تمييز أن كل الأنظمة المستهدفة ديكتاتورية عائلية ترغب بالتوريث وتتصرف كالملوك (لا يتساءلون لماذا ليس هناك ثورات ضد الملوك الذين تدان الأنظمة الأخرى لتشبهها بهم) ويغضون الطرف عن الفروق بينها بخصوص المواقف الوطنية من خلال تسخيف تلك الفروق والتعميم بموالاة الجميع للغرب بنفس الدرجة.

وهم لا يقبلون رؤية الفروق الجوهرية في دور وطبيعة جهات دعم التغيير أو رؤية الخلل الكبير في دور النيتو في قتل الليبيين بشعار حمايتهم ولا يستغربون وقوفه عسكريا وبصورة مناقضة حتى لقرار تفويض الأمم المتحدة مع طرف ضد آخر واستهداف عوامل قوة للنظام مقابل تدعيم أي ضعف للمتمردين. ويبرر البعض بصورة غير معقولة شرعية الاستعانة بالأجنبي بأن “النظام عميل ولا مانع من الاستعانة بسيده لإسقاطه”. وأخيرا فهم لا يرغبون مناقشة الثمن مقابل الدعم لهم والذي سيضمن كونهم العميل المؤكد لأن وصولهم للسلطة مرتبط مباشرة وبدون أي إخفاء بدعم الغرب.

ويصرون على الدور الوطني رغم أن استهداف سوريا وليبيا تحديدا يصب في مصلحة الغرب الاستراتيجية. هؤلاء لا يسمعون إلا وعود الغرب بالسماح لهم بالحكم وأعماهم حبه وعشقه. ورحم الله الغزالي حين قال أن أقوى الشهوات شهوة الحكم وهم وقعوا بتلك الشهوة التي سوف تقضي عليهم.

سنقيم أربع ثورات مختلفة يصر مثقفو النيتو الإسلاميون منهم والليبراليون على أنها متماثلة. مرددين كالببغاوات ما يريدهم الغرب قوله مع انه يعترف بتلك الفروق. إنها ليست متشابهة لكن المشترك هو العدو والطابور الخامس. نستخدم يقول ذلك الطرف حقيقيا ومجازيا ففي الأساسيات نستعين بتصريحات ذوي العلاقة وفي بعض الأحيان نعبر عن لسان حالهم.

مصر:

يقول الثائرون:  نحن مضطهدون سياسيا ولم نملك حرية اختيار من يمثلنا. وتم اغتصاب ثروة مصر الشحيحة من قبل طبقة صغيرة لم تنتج شيئا مما تحتكر مما صنع فقرا واسع الانتشار. ويستمر الطعن بكرامتنا لأن عدونا الذي تم إقناعنا وخداعنا بالصلح معه يستهتر بنا ويمتلك قرارنا بمبررات واهية ويشمل التحكم بقدرتنا على اتخاذ قرارات سيادية ونهب ثرواتنا وربطنا بعجلة أميركا وإسرائيل.  نحن نفقد كرامتنا واقتصادنا دون مقابل. صبرنا فترة طويلة دون تغيير بل تفاقم الأمر بمحاولة الحاكم التوريث لابنه وفقدت أحزابنا قيمتها الرقابية أو حتى الناقدة.

نحن شعب كبير العدد ومهم الدور التاريخي وليس أمامنا إلا الخروج للشارع لطلب التغيير ولن نحقق النجاح إلا إذا استطعنا تحييد المتحكمين بنا من قوى غربية ومحلية. سنقوم بثورة سلمية ونحاول كسب القوى الفعالة وتحيد القوى المتحكمة. وقد استطعنا تغيير الحاكم بضحايا فرضها علينا النظام ولكننا لم نستقو عليه بقوى خارجية مع أننا نعرف أن من بيننا من يستقوي بالغرب لكن أحدا لم يحتج لذلك وهذا يحفظ للوطنيين كرامتهم وللوطن استقلاله.

ما قاله النظام: لم يكن أمامنا إلا قبول الانتقاص من سيادتنا لصالح العدو لنضمن حياده ولم يكن هناك ثروة كبيرة توفر الرفاه للحاكم دون نقص من قوت الناس ومن الأفضل توريث الحكم لأنه اضمن للاستقرار السياسي ولمنع ابتزاز أكبر من العدو الذي تصالحتا معه.  وثورة الشعب غير ممكنة إلا إذا رغبت أميركا بها. ونشك بقبول أميركا التخلي عنا بعد تحالفنا الطويل معها وتخليها عنا يعني أن لديهم بدائل أفضل لكنهم لن يجدوا أفضل منا لذلك فالثورة مستحيلة وان حصل التغيير فهو من مخططات أميركا غير المفهومة بالنسبة لنا.

وتقول أميركا وحلفاؤها: لقد مثل نظام الحكم أفضل متعاون معنا ولدينا الكثير من المتعاونين ونستطيع تغيير الحاكم دون ضرورة تغيير النظام المطاوع لنا. لذلك لن نخسر كثيرا من تغيير مضبوط. وعلينا إفهام الشعب انه لن يستطيع الخروج عن نفوذنا لأن لدينا كثير من الضوابط. فقد رأس النظام فعاليته بسبب السن ورغبته المستحيلة بالتوريث وفساد الطبقة الحاكمة تجاوز قدرتنا على دعمها بحيث أصبحت تكلفة النظام اكبر من فائدته.

وما دمنا نستطيع ضبط الأمور فلنسمح للشعب بممارسة دورة الطبيعي لكن علينا مقابل ذلك تحقيق مكسبين الأول ضمان ضبط النظام ضمن حدود خطوطنا الحمراء والثاني الاستفادة من ظهورنا داعمين للثورة لنصبح مصدر شرعية للثورات في المنطقة بما يضمن لنا تغيير أنظمة نعتبرها معادية وليس لنا عليها دالة والمكاسب الكبيرة المتوقعة تستحق قيامنا بمغامرة محسوبة بتأييد الثورة.

ويقول بعض الثائرين المتنورين: نعرف نفوذ أميركا لكننا سنحاول الحصول على شروط أفضل لحياتنا وكرامتنا ولن نخسر أكثر مما نحن خاسرون الآن وليس علينا رفض التغيير لأن أميركا تقبله ما دمنا نحترم سيادة وطننا ولا نقبل للقوى الأجنبية أن توصلنا للحكم.

ويقول الإسلام السياسي: إنها فرصة لكسب نفوذ كبير ويبدو أن أميركا والغرب سيحتاج لدورنا المهم في تغيير الأنظمة القومية خصوصا وسيقبل أن نحقق نفوذا. وهذه فرصتنا التاريخية للسيطرة على الحكم في المنطقة وسنقدم للغرب ما يرضيه الآن لنضمن التغيير الجذري ونحاول الاستقلال لاحقا.

التقييم: ثورة مصر شعبية حقيقية لم تحتج تلويث نفسها بدعم من الأجنبي. وقبول الأجنبي للتغيير لا يدين الثورة مع أنه يثر التخوف من مؤامرات لاحقة مما يتطلب وعيا غير عادي إن أريد للثورة الاستقلال.  الوضع المائع يسمح باختلاط الشرفاء بالعملاء فليس كل من يقف مع الثورة وطني وليس كل متحفظ عليها رجعي أو عميل.  لكن الثورة واعدة بما يكفي لتستحق الدعم رغم المخاطر.

 

تونس

يقول الثائرون: الوضع كما مصر والنظام آيل للسقوط ويكفي حياد غربي ليتمكن الشعب من إسقاط النظام وللثورة أن تنجح ضمن ضوابط غير معادية للغرب وهذا مقبول لدينا. ومع أن نجاحنا ربما يشجع الغرب للتغيير في ليبيا والجزائر إلا أن هذا ليس مسئوليتنا ونحن لسنا جزءا من ذلك.

ويقول رأس النظام: أنا اضعف من الوقوف ضد الغرب فما داموا ويريدون تغييري فالرسالة وصلت وليس إمامي إلا الرحيل والهرب.

ويقول الإسلاميون: هذه فرصة جيدة تصب لصالحنا ودعمنا للثورة سيعطينا دفعة دعم وطني دون خسائر تذكر ولن تحتاج إلى دفع ضريبة التعاون مع الغرب.

ويقول الغرب: استثمار تونس أصغر تأثيرا من مصر لكنه يساعدنا في تحقيق مكاسب أخرى. وفساد نظام الحكم مشابه لمصر مما يسهل سقوطه دون خسائر أو تهديد لمصالحنا بل سنكسب سمعة جيدة بين الجماهير بوقوفنا مع مطالبهم. وستكون تونس سابقة كما مصر لتبرير التغيير في المواقع التي نريد تغييرها فعلا ولدينا نفوذ كاف لضمان عدم خروج الثورة عن خطوطنا الحمراء.

التقييم: ثورة تونس وطنية كما حال مصر لكن قبول الغرب لها يتطلب حذرا كبيرا من اختطافها لخدمة إسقاط الجزائر وليبيا.

ليبيا

يقول الثائرون: حكم القذافي طويلا وهو ديكتاتور متمرس ويريد توريث الحكم لأبنائه ويبذر ثرواتنا على مغامرات افريقية وغيرها ويكسب عداء الغرب لنا دون فائدة. وهو على كل استسلم للغرب وفقد تميزه لذلك لا نقبل منه التحكم دون هدف مشروع.

المشكلة التي تواجهنا انه يمتلك قاعدة دعم معقدة وخليط من البنية القبلية والقوات الموالية له وليس هناك جيش بالمعنى التقليدي لنستفيد منه في إسقاط النظام كما حال مصر بل من السهل أن يتفوق علينا شعبيا بسبب تركيبة المجتمع القبلية والبنيوية.  ورغم هذا نريد إسقاطه لأن هناك فرصة.

ليس أمامنا إلا تشجيع انشقاقات كبرى ضمن نظامه ويمكننا الاستعانة بالغرب لذلك. ولا بد من استخدام القوة للتغيير لأن الحل الديموقراطي لن يوصلنا للحكم وعلينا تغيير قواعد اللعبة أولا من خلال إسقاط النظام ومن يقف معه.  لن يقبل النظام الانسحاب دون استخدام القوة لكن قوتنا العسكرية والتنظيمية ضعيفة بما لا يسمح حتى بالتعادل ناهيك عن النصر.  لذلك لا بد من الاستعانة بقوى دولية وعربية هامة ليفقد النظام شرعيته وقوته وهناك الكثيرون ممن يرغبون بمساعدتنا وسنقبل بذلك رغم أن الثمن سيكون فادحا. فلتكن إذن معركة مسلحة نستعين فيها بدعم كل من يستعد لذلك.

ويقول رأس النظام: نعم تحكمنا بالشعب طويلا وهناك نفوذ للأبناء لكن هذا النفوذ ضروري لضمان وطنية النظام. فبعد انهيار السوفييت ليس لدينا دعم خارجي. ورغم تنازلاتنا الكبيرة للغرب منذ عام 2003 إلا أن ذلك لم يجد ويبدو أنهم يستهدفوننا. وما داموا مستعدين للتخلي عن حلفائهم كما في مصر وتونس فمن المؤكد أنهم سوف يستهدفوننا ونحن لسنا حلفاءهم.

لكن القذافي قائد الثورة وليس رئيسا لذلك لن يستطيع أحد المطالبة باستقالته.  ولدينا دعم شعبي كبير نضمن به عدم قدرة أي قوى إسقاطنا من الداخل.  وحتى لو استعانوا بالقوى الدولية سنقاوم لأننا نعرف أن التدخل الغربي يستهدف ثروات وكرامة ليبيا ودورها الوطني والدولي وليس التغيير الديمقراطي فعلا والذي نقبله. وثورات العرب الحالية تقع ضمن مشروع تحكم غربي صهيوني لكننا سنفشل مخططاتهم لأن القوى المناوئة لنا معادية للغرب ولن يستطيع دعمها. لن نستفز إسرائيل وسنحاول تحييدها.

والغرب وحلفاؤة يقولون: تنازل القذافي كثيرا لنا وهو ديكتاتور سهل المهاجمة وليس له أصدقاء عرب ويمكننا الاستفادة من النظام العربي لإسقاط شرعيته وسندعم ونسلح من يثور عليه. نريد تغيير القذافي لأنه غير مأمون الجانب فهو قضى معظم حكمه عدوا لنا ولم يتنازل لنا إلا مرغما.

نحتاج لنظام موال وثروات ليبيا أخطر وأهم من أن تظل بتحكم مغامر كالقذافي الذي يريد بناء أفريقيا المستقلة ولديه الاستعداد للاستثمار في ذلك بمبالغ طائلة ربما تساعد في تحرر أفريقيا من قبضتنا. ثروات أفريقيا الكبيرة أهم من أن نسمح له ولبعض القوى كجنوب أفريقيا والجزائر قيادتها.

فوق هذا فضبط الثورة في مصر يستعجل إسقاط القذافي لأنه في النهاية سيكون حليفا مع توجهها نحو استقلال أو انتماء للعروبة أو أفريقيا وهذا غير مسموح البتة. سنعمل على استصدار ما يلزم من قرارات دولية ونتوقع سهولة ذلك بسبب هوجائيته وتسرعه الذي سيعطينا مبررات إسقاطه فوق قلة أصدقائه بين القوى الكبرى.

ويقول الإسلاميون: إنها فرصة أخرى لإسقاط نظام آخر وسنجد في الغرب حليفا جاهزا. ومع أن هذا سوف يثير شبهة تحالفنا مع الغرب إلا أن محاربة القذافي من قبل قوى عربية كثيرة ستطغى ولن نبدو قوة شاذة عند قبولنا للدعم الغربي. ضعف القذافي سوف يساعدنا على التحكم بمصر وسيطرتنا على ليبيا ستوفر لنا تمويل حكمنا في أكثر من دولة. لا بد من الهجوم على القذافي دون رحمه ويمكننا الاستفادة من وطنية ثورة مصر لرد أي اتهامات بمشبوهية ثورة ليبيا ولجوئها للقوى الغربية.

التقييم: نظام القذافي مستهدف غربيا لسبب تاريخي رغم محاولته التأقلم مع الغرب وتنازله. ولدى النظام ما يكفي من الدعم الشعبي ولن تستطيع قوى محلية إسقاطه ذاتيا دون تدخل دولي. وما دام النظام قد استعد لإجراء انتخابات حرة فليس هناك أي مبرر أخلاقي لأحد بمحاربته. لذلك فتأييد الثورة الموجهة والمدعومة من القوى الغربية يمثل تعارضا صارخا مع المصالح الليبية والعربية العليا.

سوريا

يقول الغرب: مواقع التغيير ذات الأولوية التي نريدها عربيا هي ليبيا وسوريا والجزائر ومن ثم تركيا التي لا تحتاج لثورة فعلا إذا نجحنا في التغيير العربي لأننا نتحكم بكثير من مفاصلها وسيفهم إسلاميو تركيا رسالتنا وسيضطرون للتعاون معنا وخاصة عندما يروا أننا نقبل دورا للإسلاميين العرب ضمن هذه الثورات. أما إيران فسوف تفقد الكثير من قوتها إن سقطت سوريا ولن تستطيع التهديد كما الحال وسوريا ضمن معادلة إيران. ورغم أن النظام في سوريا لم يدخل في مواجهات مع الغرب أو إسرائيل منذ زمن طويل وتحالف معنا في حرب الخليج إلا أن دوره التاريخي العام غير موال للغرب ودعمه لحزب الله وتحالفه مع إيران يمثل ورقة ضغط دائمة ضد إسرائيل.

التعاون الاستراتيجي بين إيران وسوريا وحزب الله يمثل تحالفا حرجا تستطيع إيران استثماره لتقوية نفسها بأقل فرص مهاجمتها بحكم أن سوريا وحزب الله يمثلان تهديدا تدميريا لإسرائيل إذا تعرض أي منهم لمحاولة إسقاط أو إنهاء. لذلك لا بد من ثورة في سوريا تقوم على الطعن في شرعية النظام بنفس شعارات الثورة في مصر وليبيا. فالحكم طويل الأمد والتوريث حصل بل يضاف إمكانية الطعن في شرعيته بشبهة التوجه الطائفي وهناك تعبئة في المنطقة وسوريا بما يكفل فوضى كافية.

المشكلة عدم وجود بنية ثوار فعلية تستطيع تحدي النظام القوي. ومن الصعب توقع انشقاقات في الجيش أو تمرد رئيس له كما حال مصر. وسوريا ليست موالية لنا لنمارس ضغطا عليها بل لها علاقات هامة مع روسيا تدفع بروسيا لدعمها في المحافل الدولية على الأقل ولن يكون ممكنا مهاجمة سوريا عسكريا إلا خارج شرعية الأمم المتحدة وهذا غير مقبول الآن بعد حربين فاشلتين في العراق وأفغانستان فوق أن إيران لن تقف مكتوفة اليد.

لا بد من دعم استراتيجي من الإسلاميين فهم أقوى تجمع مناوئ لتثوير الشارع السوري باستخدام المبررات الأنفة فوق التركيز على أن مقولة مقاومة النظام فارغة ونأمل أن يستطيع الإسلاميون سحب شرعية المقاومة من النظام. لا نخاف من سيطرة الإسلاميين رغم سماحنا لدور لهم في كل مواقع الثورات العربية والسبب أننا من نضع شروط اللعبة وهم مستقبلون أكثر من مبادرين.

وتقول روسيا ومعسكر بريكس: تعاونا مع الغرب في عدم نقض إصدار قرار بحماية المدنيين بسبب هوجائية القذافي وخوفنا من مذبحة في بنغازي حين قام بمهاجمتها في نفس ليلة مناقشة القرار مما اجبرنا على عدم الاعتراض على القرار الذي استغله الغرب بطريقة فظيعة لإعلان حرب حقيقية على ليبيا ولدعم عملائهم. ولنعترف أن لدينا نقاط ضعف: فمدفيدف رجل نواعم موال للغرب ربما أكثر من ولائه لروسيا. وكما يبدو فقد اخطأ بوتين باختياره رئيسا مطاوعا ليضمن عودته بعد أربع سنوات وها هو يمارس لعبة لضمان انتخابه ضد بوتين الذي صنعه ولأجل تحقيق ذلك فهو يغازل الغرب لكنه لا يستطيع تجاوز بعض الحدود.

تجربتنا في ليبيا تمنعنا من التكرار في سوريا ومن الأفضل لنا وللسلم الدولي ألا نسمح لأي قرار من مجلس الأمن يفهم منه إدانة سوريا لأن ذلك سيشجع التمرد أكثر. وقد سمحنا لقرار ناعم بالصدور لأننا رسخنا ضمن ذلك القرار وحدة سوريا وحصر الحل بالسوريين دون تدخل أجنبي. ولكن يبدو مرة أخرى أنهم يريدون استغلال القرار لتصعيد كبير والرسالة التي فهمت من تصريح مدفيدف حين حذر الأسد من نهاية حزينة تشجع الغرب على التمادي بعكس مصالحنا الاستراتيجية. الحقيقة أنا حائرون قليلا ولكننا لن نسمح بقرار شبيه بحالة ليبيا.

ويقول الإسلاميون: ما دمنا نعادي هذا النظام طوال تاريخنا ونؤمن أنه طائفي وحليف للشيعة ورغم أن حماس مدعومة منه إلا أن قوتنا الرئيسة تكمن في الحصول على دعم خليجي وغربي وهذا ربما يهز النظام لكنه ليس كافيا لإسقاطه لذلك نحن بحاجة إلى دعم تركيا الجارة القوية وسنحتاج من البداية لتصعيد أمني ولن ينفع التحرك السلمي مع أننا سنعلنه كذلك. هنا أيضا الغرب بحاجة ماسة لنا وهذا مكسب آخر للسيطرة على معظم مفاصل النظام العربي. إنها فرصتنا التاريخية وهي أفضل من فرصة الثورة العربية ضد الدولة العثمانية. لا نخاف من خداع الغرب لاحقا لأننا سنمسك بمفاصل النظام في أكثر من دولة.

وتقول قوى معارضة من خارج الإسلاميين: مللنا من النظام ومقاومته غير المفيدة ولكننا لا نرغب بحكم الإسلاميين فإن تم ضمان إسقاط النظام وحكم الليبراليين فهذا خير لكننا نشك في ذلك. لن نغامر كثيرا وسننتظر لنرى كيف تتطور الأمور. لكن قيادة الإسلاميين للثورة الآن تعقد الأمور مستقبلا. لذلك نترك الامر للغرب وخططه.

وتقول تركيا: نحن مرتبكون فعلا فالتغيير في مصر وتونس كان جميلا حيث اكتسب الإسلاميون النفوذ دون خسائر أو شبهة التواطؤ مع الغرب. أما ليبيا فقد مثلت إحراجا كبيرا للجميع وقد اضطررنا مجاراة الغرب رغم محاولتنا بداية مقاومة ذلك.  وفي حالة سوريا فإن مصالحنا ومعرفتنا لقوتنا داخل تركيا تفرض علينا عدم تحدي الغرب.

ورغم أن سوريا وقفت معنا وفتحت لنا أبواب العرب الكثيرة واكتسبنا الكثير من التقدير بسبب دعمنا للمقاومة العربية التي تقودها. ورغم أن تخلينا عن سوريا يمكن أن يمثل إحراجا إلا أننا لا نستطيع تحدي الغرب. لذلك سنقوم بدور مزدوج بحيث نبقي شعرة معاوية مع النظام وندعم الثوار بكل ما يمكن دون الوصول إلى نقطة القطيعة مع النظام إلا إذا تأكد فشلة.

نحن نعلم أن أي تدخل عسكري ضد سوريا سيكون خارج شرعية الأمم المتحدة لذلك نستبعد أن نضطر لذلك. سندعم الإسلاميين الذين يبدو أنهم متحمسون ويقبلون بل يطلبون دعم الغرب رغم الشبهة ولن نضطر للدفاع عن أنفسنا ما دام الإسلاميون العرب يقبلون الدعم الغربي والتدخل.

ويقول النظام: نعم نحن نظام غير موال للغرب ونعترف أننا لم نتمكن من محاربة إسرائيل منذ خروج مصر من معادلة الحرب وأكثر ما يمكننا عمله رفض السلام مع إسرائيل دون استرجاع كامل حقوقنا. ولدينا عوامل قوة من إيران وحزب الله وحماس وقوتنا الذاتية لحماية أنفسنا. لكننا لن نغامر بحروب مع إسرائيل ضمن خلل ميزان القوى.

نعترف أن هذا يفتح باب النقد لنا بعدم جدية مقولة المقاومة لكننا ندعم حزب الله الذي أثبت مقاومته وأفشل مشاريع الغرب في لبنان وحافظ عليه وطنيا عصيا. ورغم خلفية حماس الإخوانية وعداوة الإخوان لنا إلا أن دعمنا لها يؤكد أننا نميز بناء على المقاومة وليس على الطائفية.

ربما من السهل على خصومنا الطعن ببعض جوانب شرعيتنا لكن أوراقنا قوية أيضا وسنقاوم حتى النهاية ولن نستسلم أبدا مهما كلف الأمر. نعرف إمكانية تجنيد قطاعات شعبية وازنة ضدنا وهذه معركة علينا حلها بوسيلتين: الحل الأمني موازيا للإصلاح الذي يسحب مبررات الأعداء مع أننا نعرف أن كل مطالباتهم ليست جدية فهم يريدون إسقاط النظام وتغيير سياسة سوريا القومية.

التقييم: تعتبر سوريا مناوئة للغرب مهما قيل عن عدم جديتها ومستهدفة رغم تعاونها السابق في حرب الخليج وتمثل تهديدا لمشاريع الغرب بسبب موقفها التاريخي ومحاولتها تجنيد تركيا ضمن محور إيراني سوري تركي. لذلك فالتعاون مع الغرب ضد سوريا يمثل طعنة لمصالح سوريا والأمة العربية العليا. ورغم عيوب النظام واستبداده إلا أن هذه العيوب قابلة للإزالة من خلال الإصلاحات التي تبناها.  لذلك فأي ثورة مسلحة ضد النظام هي خدمة مجانية للغرب.