الربيع العربي إعادة قراءة
الربيع العربي إعادة قراءة
د. سلمان محمد سلمان أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية- فلسطين
15-4-2012
كتبت أكثر من مقالة تتعلق بالربيع العربي وعند بداية الثورة المصرية كان السؤال في حينه لماذا تدعم أو على الأقل تقبل الولايات المتحدة ثورة مصر مع أن مبارك حليفها.
استبعدت مقولة أن ثورة المصريين كانت كاسحة بحيث لم يجد الغرب إلا ركوب الموجة. طبعا كنت مشجعا للثورة في مصر رغم احتمال موافقة الغرب عليها أو حتى توجيهه لها. وكان الأمل أن تفرز أفضل من القائم. وما دامت لم تستعن بجهات غربية لتأمين انتصارها واعتمدت البعد الجماهيري كما حال تونس أيضا فمن المناسب تشجيع التغيير.
بعد ثورة ليبيا وتحولها الصاروخي إلى تمرد مسلح وسقوط بنغازي ومسراطة وبلدان أخرى خلال أيام كان واضحا أنها ليست سلمية. وبسبب اعتماد الثوار أساسا على الدعم الغربي كانت ثورة مختلفة. كتبت دراسة أخرى تم فيها تقييم مجمل البلاد العربية واحتمالات الفشل والنجاح للثورات وأين لا يمكن نجاحها إلا بدعم مطلق من الغرب.
وظهرت في حينه بوادر صفقة كبرى بين الإخوان والإسلاميين بشكل عام والغرب لم تكن معالمها واضحة تماما لكن مؤشراتها كانت تدل على رغبة غربية بفتح صفحة علاقة جديدة مع الإسلاميين. وقتل ابن لادن ربما قصد منه إعلان نهاية العلاقة بين الإرهاب والإسلام السياسي,
تبين بعد فترة قصيرة عمق الصفقة ومدى ضلوع الإسلاميين بها بكل الأبعاد واستعدادهم لدفع أي ثمن مطلوب تقريبا مقابل المشاركة بالحكم. وتعاظم الدور القطري الذي بدا متغطرسا ومختالا وانكشف الموقف السعودي الفعال وراء الستار بعد سوريا.
الأمور الآن واضحة بشكل كبير وصفقة الإسلاميين مؤكدة البداية لكنها غير واضحة النهاية. ومع تطور الأمور أفرز الجمهور العربي عدة مواقف وليس موقفين فقط كما الحال عندما يحصل التطرف. سبب تعدد المواقف الآن هو ظهور بوادر فشل المشروع الغربي الإسلاموي.
في البداية وخاصة بتونس ومصر لم يكن هناك إلا أن تكون مع الثورات أو مع الحكام. وبحكم قوة الموجة أصبحت المقولة شعارا لا يجوز تجاوزه حتى لو كانت المعطيات بالعكس تماما. ولأن فرصة صمود الحكم فيها كانت قليلة كان من مصلحة المتعامين إنكار ملاحظة الأخطاء الكبيرة وكان مكلفا للعقلاء طرح المنطق بأبعاده وكتب على الجميع القبول بمنطق أرعن لا يحتمل التقييم العملي أو الموضوعي.
جزء كبير ممن لحقوا بالتطبيل بدأوا يحسون بصعوبة الموقف فصحا جزء هام منهم. لكن القطيع بقي كبيرا لأن الإسلاميين يعملون ليل نهار على ترسيخه فوق الإعلام الغربي وتحقيق نجاحات هامة لهم في مصر وتونس وليبيا.
من وجهة نظر غربية يعني الفشل في سوريا تضاؤل قيمة المشروع الذي أصبح لا يستحق الاستثمار فيه. ورغم أن الغرب لم يدفع إلا القليل وكسب كثيرا في ليبيا إلا أن الفشل في سوريا ربما يعيد تفكيك كل ما أنجز. وبعد إفلات الجني من القمقم لن يستطيع أحد التحكم به رغم إمكانية تحريكه. في النهاية ورغم عقلية القطيع التي تحكمت بالجماهير إلا أن مصالحها تستلزم الصحوة. والفشل في سوريا طرقات كبيرة وطويلة على باب غرفة النوم.
وتبقى أسئلة: لماذا التردد النسبي في الموقف الأميركي العام. فالعسكر لم يكونوا متحمسين في ليبيا رغم صراخ هيلاري وجوزيف ليبرمان ومكين. وفي تلك الحرب كان صقور الموقف أوروبا ساركوزي وكاميرون وظهرت كلينتون قائدة للسياسية الأميركية أكثر من أوباما. تحفظ العسكر تحديدا في كل من ليبيا وسوريا. وقطع رئيس الأركان ديمبسي الطريق على كلينتون في سوريا بالقول أنها مختلفة ولا يمكن مقارنتها بليبيا مثلا.
سوريا كانت قوية فعلا وساعدها الموقف الروسي الصيني الثابت في المناورة الدولية واستعادة المبادرة. موقف روسيا والصين قلب موازين كثيرة. لكن هذا لا يفسر تردد المؤسسة العسكرية الأميركية التي تعتبر القوة الحقيقة الوحيدة الممثلة للغرب.
الرؤية المنقحة للموقف:
اخذين بالاعتبار التحليل المطول بدراسة سابقة ( سوريا: معركة فاصلة نكون أو لا نكون ومقالات مرتبطة) نطرح هنا بعض التوضيحات التي ربما كانت ملتبسة أو تغيرت بحكم طول الفترة:
- الصفقة الرئيسة بين الإسلاميين والغرب تمت من خلال بريطانيا والتنظيم الدولي للإخوان أولا ووافق أوباما عليها مترددا ومتأخرا وتبنتها فرنسا بنسخة صهيونية أقوى تم تطبيقها بنجاح في ليبيا. وشروط الصفقة التي بادر الإسلاميون بعرضها تمثلت في السماح بتغيير مضبوط في تونس ومصر اللتان تتبعان الغرب مقابل المساعدة في إسقاط ليبيا وسوريا وما يتبع ذلك.
- هناك موقفان في السياسة الأميركية: موقف العسكر(المؤسسة العسكرية الصناعية) متحفظ على تقوية التيار الإسلامي أو الصهيوني وسبب ذلك تجارب العراق وأفغانستان وعدم ثقته أن تبعية أميركا لإسرائيل يمكن أن توفر استقرارا. الثاني تمثل في موقف ايباك الصهيوني ومن تبعهم من الكونجرس وأمثال كلينتون التي عملت كناطقة باسمهم. دور أوباما لم يزد عن موازن بين الموقفين وأينما ترجح الكفة كان يتبع. طبعا اختلاف الموقفين لا يعني عدم تداخلهما في قضايا كثيرة لكن العسكر بشكل عام أكثر تحفظا لأنهم يدفعون ثمن الفشل. أما الصهيوني فلا يدفع شيئا فإن نجحت الخطة يكسب وإن فشلت فعلى الشعب الأميركي تحمل النتائج.
- ساد الموقف الثاني ( الصهيوني) منذ بدء معركة ليبيا وأخذت صفقة بريطانيا مع الإسلاميين مداها. وتدخل ساركوزي الفج كشف العلاقة بين أطراف الصفقة.
- دخلت قطر بقوة منذ البداية. في تونس ومصر كانت بالإعلام أساسا. ولكن دورها تضخم ليشمل التمويل والتسليح والتدخل كممثل للإسلاميين مما يؤشر إلى ارتباط دورها بالإسلاميين والإخوان تحديدا من خلال فتح قناة تنسيق مع الغرب مما سهل على الإسلاميين الاندماج مع المشروع الغربي الذي جمع نقائض قبول التوجيه الصهيوني والادعاء برفضه.
- لم ترغب السعودية أن تكون جزءا من المشروع لكنها ألزمت بالانضواء ضمنه كما حال تركيا ومصر فهذه الدول لا تتحكم بأمرها ومقيدة.
- محور اللعبة هم الإسلاميون وتحديدا الإخوان (تحاول السعودية تنمية السلفيين في الوقت المتبقي) من خلال التنظيم الدولي والارتباط القطري مع الغرب وتحديدا فرنسا وبريطانيا وايباك من جهة والعسكر الأميركي من جهة أخرى.
- علاقة العسكر الأميركي بالعسكر المصري تحديدا مميزة مما سهل على الثورة نجاحا دون تكاليف والعلاقة المتوترة منذ استلام المجلس العسكري مع الإسلاميين والقوى الأخرى تعكس توتر الموقفين الأميركيين.
- نجاح سوريا الكبير في امتصاص الصدمات سوف يقوي دون قصد موقف العسكر ويضعف الموقف الصهيوني لكنه لن يوقفه. سيستمر الهجوم ولن تكون هناك استراحات استرخاء لكن العاصفة بدأت بالاندحار.
- هناك كثير من الأوراق تحتمل إعادة نظر بحسب تطور الموقف الغربي المنقسم: ففرنسا تحتمل التحول بسقوط ساركوزي ( نجاحه سيكون مفاجأة واعتراف باليأس من إمكانية تحويل ديموقراطي حتى لو كان معظم الشعب ضده) وبأسوأ الأحوال لن تكون فرنسا رأس حربة. تراجع الموقف الفرنسي سوف يضعف الحماس البريطاني الذي يظهر متهالكا منذ الآن وصمود سوريا يعطي فرصة للموقف الأميركي المتحفظ استلام زمام المبادرة لتغيير الاتجاه. طبعا هذا لا يعني تراجعا عاما في الموقف الغربي فالمشترك بين الموقفين كبير والتفاوت في العادة على الآليات لكن اختلاف التحليل بين الموقفين في حالة سوريا له أبعاد تساوي الاختلاف الاستراتيجي.
- من المتوقع تراجع الغرب عن دعم الإسلاميين للوصول للحكم لكن هذا لا يعني العمل على إسقاطهم فوجودهم في الحكم واحتدام الصراع بينهم وبين القوميين والقوى الأخرى يمثل فرصة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للغرب. سيفشل الإسلاميون استراتيجيا لأن من الصعب عليهم إعلان تحدي الغرب بعد الصفقة. وسينعكس التراجع على توازن واستقرار الخليج وقد بدأت بعض دول مثل الإمارات والكويت وعمان التبرؤ من سياسات الربيع العربي.