إلى شعب مصر الطيب والذكي: احرصوا على جيش مصر
إلى شعب مصر الطيب والذكي: احرصوا على جيش مصر فهو ضمان وحدتكم
22-6-2012
د. سلمان محمد سلمان أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية- فلسطين
أسئلة برسم الإجابة
- لماذا الاستقطاب الحاد بين شفيق ومرسي وتحوله لمعركة بين الثورة والعسكر. ولماذا يصر الإخوان والإسلاميون على استباق نجاح مرسي ولا يعطون الثقة للجنة الانتخابات.
- لماذا اعتمد الجيش حل البرلمان والإعلان الدستوري التكميلي المقيد للرئيس بنفس يوم الانتخابات وليس قبل ذلك.
- لماذا يفترض الإسلاميون دعم الجيش لشفيق رغم أن العسكر من فتح الباب وسمحوا لهم بالسيطرة على البرلمان.
- لماذا يصطف الليبراليون ضد الجيش ويكتشفون عشقهم المتأخر لمرسي الآن.
- لماذا تعلن بريطانيا وخارجية أميركا مواقف ناقدة للمجلس العسكري وتتهمه بمحاولة السيطرة. ولماذا يجند الإعلام الصهيوني لمهاجمة الجيش وهل اكتشف الغرب حبه المفقود للإسلاميين مرة واحدة.
لا يمكن تفسير الأمور بحب الديموقراطية من أي جهة ذات علاقة.
كنا نفهم قبلا تبني الغرب لموقف الثورة ضد مبارك لأن إسقاطه جزء من صفقة أكبر. وكانت ضمانة الصفقة وجود الجيش وتعاون الإسلاميين. الآن اختلف الإسلاميون مع الجيش. فلماذا يقف الجزء الأكثر عداء لفلسطين من الغرب مع الإسلاميين ضد العسكر المتهم أصلا بقيادة معركة النظام السابق الموالي للغرب. الأمور لا تنطبق وفوق ذلك ليس كل الغرب ضد العسكر.
قبل البدء بالمقالة اقترح الإطلاع على مقالات سابقة ذات علاقة: الربيع العربي إعادة قراءة
منذ بدأت ثورة مصر ورغم وصولها لمراحل من التصعيد إلا أنها اعتبرت سلمية مقارنة بغيرها. فقد تغلبت جماهير الميدان وأعجزت الأمن المركزي وتنحى مبارك مغلوبا على أمره. لم يكن ذلك ممكنا لو تدخل الجيش. ولم يتدخل الجيش لسببين:
السبب الأول: عقيدة الجيش المصري لم تتغير منذ عام 1952 رغم اتفاقيات السلام. وحسب كثير من الدراسات فالجيش المصري بقي نقيا إلى درجة كبيرة نسبيا وسلسلة الأوامر فيه بقيت معقولة. لا يعني هذا أن الجيش لم تعتريه انحرافات. ففترة التحول منذ السادات وطوال فترة مبارك كانت كافية لتغيير الكثير لكنها لم تصل للقلب ولم تلغ العقيدة.
وظهرت وحدة الجيش من خلال عدم انشقاق العسكر طوال الثورة. طبعا يفسر البعض المسألة بدهاء قيادة العسكر وأنه لعبها جيدا حيث وضع نفسه بالوسط بين الشعب والنظام وظهر معتدلا. لكن هذا لا يمنع الانشقاق لو كان لمبارك حلف قوي داخله. ولم يكن لمبارك حلف قوي لأن وحدة الجيش وسلسلة الأوامر كانت سليمة نسبيا.
السبب الثاني: من الضروري الاعتراف أن قيادة الجيش كانت على تفاهم كاف مع نظيرها الأميركي. وبذلك ضمنت حياد العسكر الأميركي إن لم يكن دعمه وحياد الشعب المصري إن لم يكن دعمه وهذا ضمن الانتقال المعقول للسلطة.
وكما ذكرت بمقالات سابقة ازداد اقتناعا كل يوم بالتحليل الذي يعتمد مقولة وجود موقفين في الولايات المتحدة:
الموقف الأول: يتمثل بالمؤسسة العسكرية الأمنية والصناعة المرتبطة بها: ويتحفظ على استلام الإسلاميين ويريد بنفس الوقت ضبط النفوذ الصهيوني إلى حدود. وهو يمثل الموقف الأميركي التاريخي الذي ساد بالحرب العالمية.
الموقف الثاني يتمثل بالموقف الصهيوني: الذي سيطر على الكونغرس والإعلام والخارجية ممثلة بكلينتون وهو موقف مسيطر إعلاميا ومرعب سياسيا لكنه لا يمتلك أظافر باطشة دون الجيش.
هل يعني هذا انقساما. طبعا لا فالجيش في النهاية يخضع للأمر السياسي. ولأن الأمر كذلك فبقاء اوباما في الوسط يكفي الجيش لتحييد الكثير من خطط الموقف الصهيوني. ولكن هل يعقل تصديق هذا التمايز. طبعا يمكن. فالسياسة الصهيونية لا تتطابق مع الأميركية وإذا مر حين من الدهر كان هناك تبعية من الصهيوني للأميركي فقد انتهت تلك الأيام. وأي نظرية تطرح إسرائيل والصهيونية كمخلب للإمبريالية لا تعرف كيف تدار الأمور في أميركا.
العسكر الأميركي يمثل أقل القلاع المخترقة من الصهيونية في أميركا. طبعا هو مخترق لكن أقل من الكونغرس بالتأكيد وسبب ذلك طبيعة تنظيمه وعقيدته القتالية. وهذا ربما يفسر لماذا قام بريمر بحل الجيش العراقي أولا فالجيش عادة يكون الأكثر محافظة والأصعب اختراقا بسبب البنية والعقيدة بخلاف الأجهزة السياسية وخاصة ديموقراطية البنية.
موقف اوباما متوسط فعلا فإن رجحت الأمور للعسكر يصمت عن الكلام والتصريحات الهجومية وإن رجحت للآخر تصبح تصريحاته غير متزنة وصدى لتصريحات كلينتون. ولكل من الموقفين عوامل قوة وضعف داخلية لكن ما يرجح الأمر بين موقف وآخر يعتمد على عوامل داخلية وخارجية تشمل موقف الحلفاء الأوروبيين و الميدان في الدول ذات العلاقة وموقف روسيا والصين وعوامل اقتصادية وأمنية داخلية. وطبعا لا يحدد المواقف بين الطرفين التنافس فقط فكثير من الأحيان يلتقيان وفي النهاية فما تقرره أميركا يمثل محصلة الموقفين.
كان معروفا للجميع أن الولايات المتحدة تسيطر على مسار الأمور في مصر منذ عام 1978 على الأقل وخلال آخر عهد مبارك تسارعت سيطرة الموقف الصهيوني أكثر على مصر. وتجاذبت الثورة منافسات الموقفين لكن الجيش المصري استطاع من خلال تنسيق كاف مع الجيش الأميركي تحييد الموقف الآخر إلى درجة كبيرة.
وقد رد الموقف الصهيوني على سير الأمور لصالح الموقف الأول في مصر بإشعال الثورة في ليبيا من خلال تحالف فرنسي بريطاني صهيوني مما حصر موقف العسكر الأميركي الذي بدا متبرما وغير راغب بالتدخل. وقد حسم الأمر لصالح الصهيونية بسبب تردد الموقف الروسي والصيني وضعف الموقف الليبي الداخلي وتشرذمه. الموقف العربي بشكل عام كان مع الموقف المسيطر وساعد على الأمر كثيرا تجند الإسلاميين لتحقيق نفس الهدف.
انعكس انتصار الموقف الصهيوني في ليبيا على الموقف داخل مصر وظهر العسكر مترددا وضعيفا ومواليا بدرجة كبيرة للإسلاميين الذين استفادوا من النصر في ليبيا وقطفوا البرلمان بمباركة من كل عواصم الغرب. وهذا يعكس تزامن بدء تحالف غير مقدس بين الإسلاميين والموقف الثاني تحديدا من خلال صفقة شيطانية مع بريطانيا تم تجييرها من قبل فرنسا ساركوزي وبقيادة فكرية مكشوفة لبرنار ليفي وكان النفوذ الصهيوني واضحا في هذه المعادلة.
في نهاية مرحلة سقوط ليبيا هيمن الموقف الصهيوني على السياسة الأميركية وتضاءل الموقف الآخر وبدا مستعدا لقبول الهزيمة. وانعكس ذلك على المجلس العسكري المصري وتعاظمت قوة الإسلاميين في تونس ومصر وليبيا واليمن وكان يمكنهم السيطرة أكثر لولا تعطل قطار التغيير في سوريا.
الموقف في سوريا مختلف جدا عما سبق. فقد وقفت روسيا بقوة أضعفت الموقف الصهيوني وخاصة بعد سقوط ساركوزي. ولأن العسكر الأميركي لا يتعاون مع الجيش السوري لم يكن ممكنا إسقاط النظام بنفس الطريقة التونسية أو المصرية أو اليمنية. تردد العسكر الأميركي في خوض المعركة سببه الأهم موقف الروس والصين وقوة النظام.
ورغم أن الجيش لم يكن بنفس الحماس للمعركة كالموقف الصهيوني بحكم معرفته بنتائج المعركة إلا أنه أيد الدفع باتجاه الحلفاء ليصعدوا ما استطاعوا ولم يكن هناك اختلاف جوهري في العمل على إسقاط سوريا بين الموقفين الأميركيين. لكن قيود الموقف الروسي لم تعطهم الكثير من الفرص. وقد تردد الموقف الصهيوني بسبب الخوف من الانعكاس على إسرائيل. ولم يبق أمام الغرب إلا التهييج الإعلامي والرهان على العرب والإسلاميين مما دفعه لحرق حلفائه في المنطقة وظهر ما ظهر من مواقف عربية وإسلامية.
وهكذا تراوحت الثورة في سوريا بنكد غير مسبوق وضحايا بدون نتائج. وانعكس هذا ضعفا على الموقف الصهيوني مما سمح لفرصة جديدة لتحسن موقف العسكر وخاصة بعد ضعف موقف الإسلاميين بشكل عام بسبب ممارستهم وفشل إسقاط سوريا وفشل ليبيا المروع ما بعد الثورة مما أعطى فرصة للعسكر المصري لالتقاط الأنفاس وبدء حملة لتحجيم الإسلاميين مسنودة بقناعات شعبية أكثر وضوحا وهذا يعني أن معركة مصر عادت للمربع الأول: فإسرائيل لا تريد استمرار حكم العسكر لكنها أيضا ليست متحمسة للإسلاميين وهي تريد بأفضل الأوضاع تمزقا مصريا ينهي الجيش. والبديل المقبول توزع السلطة بين الإسلاميين والعسكر لكن هذا لا يمكن الركون إليه. وإذا كان لا بد من اختيار بين سيطرة الجيش غير الموالي للصهيونية أو الإسلاميين الموالين للقرضاوي فالأخير أفضل.
بدأت معركة كسر العظم بين الجيش والإسلاميين لخدمة 3 أهداف على الأقل: حسم المعركة داخليا وتسهيل إسقاط سوريا في حالة نجاح الإسلاميين والقضاء على الجيش المصري. وهذا يفسر المواقف الغربية الغريبة: فاعتراض كلينتون وبريطانيا يصب ضمن خدمة الموقف الصهيوني. وتجنيد الإعلام الصهيوني في الغرب ينسجم مع ذلك وتحول الليبراليين وانعكاس توجههم مرة واحدة يطرح تبعيتهم.
المعركة في مصر الآن تدور أميركيا بين موقفين (وهذا لا يعني طبعا حصر النتائج بينهما فقط):
- الموقف الصهيوني ومصلحته بنجاح ثوار الإسلاميين والليبراليين وهو تحالف لا يتطلب التنسيق مع عدم استبعاد درجة من التنسيق بين قيادة الإخوان والليبراليين مع مقابليهم من قيادات موالية للصهيونية ليست معروفة بالضرورة.
- والموقف العسكري الأميركي وحلفائه العسكر المصري والقوميين بشكل عام وبنفس عدم ضرورة التنسيق المباشر مع عدم استبعاد التنسيق بين قيادة الجيشين.
ولكن لماذا لم يقم العسكر بتحييد الإسلاميين والإعلان التكميلي بوقت أبكر قبل الانتخابات الرئاسية أو خلال الفترة الفاصلة بين الجولة الأولي والثانية للانتخابات الرئاسية ولماذا اختار التوقيت الدقيق. السبب في رأيي مدروس تماما: فقبل انتخابات الجولة الأولى لم يكن أحد يعرف موازين الانتخاب وكان منطقيا التخوف من سيطرة الإسلاميين على 70% من الشارع. وحل البرلمان في تلك الفترة يمثل مغامرة كبيرة فوق أنه ربما يوحد كل القوى التي تعتبر نفسها ثورية ضد الخطوة رغم أن القوميين واللبراليين اظهروا درجة من التحفظ في تلك الفترة.
بعد الجولة الأولى تراجع أداء الإسلاميين. فمجموعهم الانتخابي لم يتجاوز عشرة ملايين من أصل 23 مليونا (مجموع مرسي وأبو الفتوح) وظهرت إمكانية هزيمتهم. لكن كيف يمكن تجنيد القوميين (الذين يعلنون ليل نهار معارضتهم للعسكر) ضد مرسي. من المؤكد أنها ستكون أسهل للعسكر لو تم التنافس بين صباحي ومرسي لكن ذلك لم يكن سهلا لأن إسقاط نتائج الانتخابات يتطلب اعتماد قانون العزل وهذا خطير على العسكر وأنصار شقيق والنظام السابق وليس هناك ثقة كافية بصباحي. وعليه أصبح الطريق وحيد الاتجاه بعد انتخابات الجولة الأولى.
توقيت الإعلان يوم الانتخابات يعتبر الأقل ضررا وهذا ما تم. وتعتبر خطوات العسكر بعد الجولة الأولي إجبارية إلى درجة كبيرة. ربما يقبل الجيش رئاسة مرسي مقابل تمرير الإعلان التكميلي وحل البرلمان لكن الإسلاميين يعلنون رفضهم وتحديهم ويصرون على نجاحهم المسبق ولا يعتدون أو يقبلون برأي لجنة الانتخابات إلا إذا أكدت نجاح مرسي. وهذا ابتزاز بكل المقاييس حتى لو كان مرسي ناجح فعلا. بالنسبة لجزء من الإسلاميين على الأقل فهم يعتقدون أن المواجهة بدأت ولا بد من استسلام العسكر وإعادة السلطة لهم وهذا مستحيل كما يرغبون. من سينتصر؟ ربما الجيش وهذا أفضل لمصر.
غرائب بعض مواقف الأطراف الإقليمية بسبب سوء الفهم أو النوايا:
- إيران تهاجم العسكري باعتقاد مبرر أن العسكر الأميركي معهم لكنها لا ترى أنها تقف مع الموقف الصهيوني.
- وروسيا حيادية لأنها تعرف أصول اللعبة وأن النفوذ الأميركي يحرك الأمور في مصر وفي الحيادية أفضل النتائج.
- والخليج حيادي نسبيا بما عدا قطر لأن الأمر ضمن الموقف الأميركي بشكل عام.
- والصهيونية منفعلة لدرجة المطالبة بتسريع تفجير سوريا لأن سقوطها يضمن سقوط مصر وغير مصر طبعا.
- وسوريا تأكل الحصرم ولا يدرك الكثيرون أنها تقوم بحماية مستقبلهم وأولهم مستقبل مصر.
- وجماهير الربيع العربي ترعى في الحقول ولا تدري.
الربيع العربي إعادة قراءة
د. سلمان محمد سلمان أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية- فلسطين
كتبت أكثر من مقالة تتعلق بالربيع العربي وعند بداية الثورة المصرية كان السؤال في حينه لماذا تدعم أو على الأقل تقبل الولايات المتحدة ثورة مصر مع أن مبارك حليفها.
استبعدت مقولة أن ثورة المصريين كانت كاسحة بحيث لم يجد الغرب إلا ركوب الموجة. طبعا كنت مشجعا للثورة في مصر رغم احتمال موافقة الغرب عليها أو حتى توجيهه لها. وكان الأمل أن تفرز أفضل من القائم. وما دامت لم تستعن بجهات غربية لتأمين انتصارها واعتمدت البعد الجماهيري كما حال تونس أيضا فمن المناسب تشجيع التغيير.
بعد ثورة ليبيا وتحولها الصاروخي إلى تمرد مسلح وسقوط بنغازي ومسراطة وبلدان أخرى خلال أيام كان واضحا أنها ليست سلمية. وبسبب اعتماد الثوار أساسا على الدعم الغربي كانت ثورة مختلفة. كتبت دراسة أخرى تم فيها تقييم مجمل البلاد العربية واحتمالات الفشل والنجاح للثورات وأين لا يمكن نجاحها إلا بدعم مطلق من الغرب.
وظهرت في حينه بوادر صفقة كبرى بين الإخوان والإسلاميين بشكل عام والغرب لم تكن معالمها واضحة تماما لكن مؤشراتها كانت تدل على رغبة غربية بفتح صفحة علاقة جديدة مع الإسلاميين. وقتل ابن لادن ربما قصد منه إعلان نهاية العلاقة بين الإرهاب والإسلام السياسي,
تبين بعد فترة قصيرة عمق الصفقة ومدى ضلوع الإسلاميين بها بكل الأبعاد واستعدادهم لدفع أي ثمن مطلوب تقريبا مقابل المشاركة بالحكم. وتعاظم الدور القطري الذي بدا متغطرسا ومختالا وانكشف الموقف السعودي الفعال وراء الستار بعد سوريا.
الأمور الآن واضحة بشكل كبير وصفقة الإسلاميين مؤكدة البداية لكنها غير واضحة النهاية. ومع تطور الأمور أفرز الجمهور العربي عدة مواقف وليس موقفين فقط كما الحال عندما يحصل التطرف. سبب تعدد المواقف الآن هو ظهور بوادر فشل المشروع الغربي الإسلامي.
في البداية وخاصة بتونس ومصر لم يكن هناك إلا أن تكون مع الثورات أو مع الحكام. وبحكم قوة الموجة أصبحت المقولة شعارا لا يجوز تجاوزه حتى لو كانت المعطيات بالعكس تماما. ولأن فرصة صمود الحكم فيها كانت قليلة كان من مصلحة المتعامين إنكار ملاحظة الأخطاء الكبيرة وكان مكلفا للعقلاء طرح المنطق بأبعاده وكتب على الجميع القبول بمنطق أرعن لا يحتمل التقييم العملي أو الموضوعي.
جزء كبير ممن لحقوا بالتطبيل بدأوا يحسون بصعوبة الموقف فصحا جزء هام منهم. لكن القطيع بقي كبيرا لأن الإسلاميين يعملون ليل نهار على ترسيخه فوق الإعلام الغربي وتحقيق نجاحات هامة لهم في مصر وتونس وليبيا.
من وجهة نظر غربية يعني الفشل في سوريا تضاؤل قيمة المشروع الذي أصبح لا يستحق الاستثمار فيه. ورغم أن الغرب لم يدفع إلا القليل وكسب كثيرا في ليبيا إلا أن الفشل في سوريا ربما يعيد تفكيك كل ما أنجز. وبعد إفلات الجني من القمقم لن يستطيع أحد التحكم به رغم إمكانية تحريكه. في النهاية ورغم عقلية القطيع التي تحكمت بالجماهير إلا أن مصالحها تستلزم الصحوة. والفشل في سوريا طرقات كبيرة وطويلة على باب غرفة النوم.
وتبقى أسئلة: لماذا التردد النسبي في الموقف الأميركي العام. فالعسكر لم يكونوا متحمسين في ليبيا رغم صراخ هيلاري وجوزيف ليبرمان ومكين. وفي تلك الحرب كان صقور الموقف أوروبا ساركوزي وكاميرون وظهرت كلينتون قائدة للسياسية الأميركية أكثر من أوباما. تحفظ العسكر تحديدا في كل من ليبيا وسوريا. وقطع رئيس الأركان ديمبسي الطريق على كلينتون في سوريا بالقول أنها مختلفة ولا يمكن مقارنتها بليبيا مثلا. سوريا كانت قوية فعلا وساعدها الموقف الروسي الصيني الثابت في المناورة الدولية واستعادة المبادرة. موقف روسيا والصين قلب موازين كثيرة. لكن هذا لا يفسر تردد المؤسسة العسكرية الأميركية التي تعتبر القوة الحقيقة الوحيدة الممثلة للغرب.
الرؤية المنقحة للموقف
اخذين بالاعتبار التحليل المطول بدراسة سابقة ( سوريا: معركة فاصلة نكون أو لا نكون ومقالات مرتبطة) نطرح هنا بعض التوضيحات التي ربما كانت ملتبسة أو تغيرت بحكم طول الفترة:
- الصفقة الرئيسة بين الإسلاميين والغرب تمت من خلال بريطانيا والتنظيم الدولي للإخوان أولا ووافق أوباما عليها مترددا ومتأخرا وتبنتها فرنسا بنسخة صهيونية أقوى تم تطبيقها بنجاح في ليبيا. وشروط الصفقة التي بادر الإسلاميون بعرضها تمثلت في السماح بتغيير مضبوط في تونس ومصر اللتان تتبعان الغرب مقابل المساعدة في إسقاط ليبيا وسوريا وما يتبع ذلك.
- هناك موقفان في السياسة الأميركية: موقف العسكر(المؤسسة العسكرية الصناعية) متحفظ على تقوية التيار الإسلامي أو الصهيوني وسبب ذلك تجارب العراق وأفغانستان وعدم ثقته أن تبعية أميركا لإسرائيل يمكن أن توفر استقرارا. الثاني تمثل في موقف ايباك الصهيوني ومن تبعهم من الكونجرس وأمثال كلينتون التي عملت كناطقة باسمهم. دور أوباما لم يزد عن موازن بين الموقفين وأينما ترجح الكفة كان يتبع. طبعا اختلاف الموقفين لا يعني عدم تداخلهما في قضايا كثيرة لكن العسكر بشكل عام أكثر تحفظا لأنهم يدفعون ثمن الفشل. أما الصهيوني فلا يدفع شيئا فإن نجحت الخطة يكسب وإن فشلت فعلى الشعب الأميركي تحمل النتائج.
- ساد الموقف الثاني ( الصهيوني) منذ بدء معركة ليبيا وأخذت صفقة بريطانيا مع الإسلاميين مداها. وتدخل ساركوزي الفج كشف العلاقة بين أطراف الصفقة.
- دخلت قطر بقوة منذ البداية. في تونس ومصر كانت بالإعلام أساسا. ولكن دورها تضخم ليشمل التمويل والتسليح والتدخل كممثل للإسلاميين مما يؤشر إلى ارتباط دورها بالإسلاميين والإخوان تحديدا من خلال فتح قناة تنسيق مع الغرب مما سهل على الإسلاميين الاندماج مع المشروع الغربي الذي جمع نقائض قبول التوجيه الصهيوني والادعاء برفضه.
- لم ترغب السعودية أن تكون جزءا من المشروع لكنها ألزمت بالانضواء ضمنه كما حال تركيا ومصر فهذه الدول لا تتحكم بأمرها ومقيدة.
- محور اللعبة هم الإسلاميون وتحديدا الإخوان (تحاول السعودية تنمية السلفيين في الوقت المتبقي) من خلال التنظيم الدولي والارتباط القطري مع الغرب وتحديدا فرنسا وبريطانيا وايباك من جهة والعسكر الأميركي من جهة أخرى.
- علاقة العسكر الأميركي بالعسكر المصري تحديدا مميزة مما سهل على الثورة نجاحا دون تكاليف والعلاقة المتوترة منذ استلام المجلس العسكري مع الإسلاميين والقوى الأخرى تعكس توتر الموقفين الأميركيين.
- نجاح سوريا الكبير في امتصاص الصدمات سوف يقوي دون قصد موقف العسكر ويضعف الموقف الصهيوني لكنه لن يوقفه. سيستمر الهجوم ولن تكون هناك استراحات استرخاء لكن العاصفة بدأت بالاندحار.
- هناك كثير من الأوراق تحتمل إعادة نظر بحسب تطور الموقف الغربي المنقسم: ففرنسا تحتمل التحول بسقوط ساركوزي ( نجاحه سيكون مفاجأة واعتراف باليأس من إمكانية تحويل ديموقراطي حتى لو كان معظم الشعب ضده) وبأسوأ الأحوال لن تكون فرنسا رأس حربة. تراجع الموقف الفرنسي سوف يضعف الحماس البريطاني الذي يظهر متهالكا منذ الآن وصمود سوريا يعطي فرصة للموقف الأميركي المتحفظ استلام زمام المبادرة لتغيير الاتجاه. طبعا هذا لا يعني تراجعا عاما في الموقف الغربي فالمشترك بين الموقفين كبير والتفاوت في العادة على الآليات لكن اختلاف التحليل بين الموقفين في حالة سوريا له أبعاد تساوي الاختلاف الاستراتيجي.
- من المتوقع تراجع الغرب عن دعم الإسلاميين للوصول للحكم لكن هذا لا يعني العمل على إسقاطهم فوجودهم في الحكم واحتدام الصراع بينهم وبين القوميين والقوى الأخرى يمثل فرصة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للغرب. سيفشل الإسلاميون استراتيجيا لأن من الصعب عليهم إعلان تحدي الغرب بعد الصفقة. وسينعكس التراجع على توازن واستقرار الخليج وقد بدأت بعض دول مثل الإمارات والكويت وعمان التبرؤ من سياسات الربيع العربي.