سوريا: الحديث الصعب

February 19, 2012 Off By Salman Salman

سوريا: الحديث الصعب

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين

 19-2-2012

مثل نقض القرار المقدم لمجلس الأمن قبل أيام وإعادة التصويت على مثيله من قبل الجمعية العامة تحديات كبيرة بين روسيا والصين من جهة والغرب والعرب من جهة أخرى. وقد نجحت روسيا والصين في تثبيت دورهما القانوني لمنع التحكم القطبي الواحد ونجحت أميركا في إثبات اختراق غير مسبوق للمجتمع الدولي حين استطاعت تجنيد أكثر من ثلثي أصوات الدول التي كان يصوت معظمها ضد أميركا قبل عقود قليلة.

لن يغير القرار مواقف روسيا والصين وسوريا لكنه يعطي إشارة كبيرة أن العولمة سيطرت واخترقت النظام العالمي بشكل كبير. وقد مثل تصويت الهند وجنوب أفريقيا مع القرار واختفاء البرازيل ضربة كبيرة لمفهوم الشراكة بين دول بريكس. فالتصويت الأخير كان يعني تحديا للصين وروسيا وتصويت الشركاء ضمن بريكس يرسل إشارة تساؤل كبيرة عن مستقبل المجموعة.

كتلة البوليفارية ظهرت شجاعة أمام العالم وأثبتت التزامها حتى النهاية ضد الرأسمالية الغربية.  وأثبتت أفريقيا خواء وهزالا غير مسبوق وشارك العالم الإسلامي بالحلف مع أميركا حتى الثمالة.

يتطلب الأمر إعادة قراءة التحالفات. ومع أن عددا ممن صوت مع القرار أرفقه بملاحظات تأكيدية ترفض تفسيره بما يبرر استخدام القوة إلا أن الرسالة وصلت. تنتصر الرأسمالية بسرعة لكنها أيضا تسارع الخطى نحو النهاية وسنرى الكثير من المتغيرات خلال الأعوام القادمة.

كيف سينعكس ذلك وغيره على الوضع في سوريا. سيعتبر معظم مؤيدي الثورة حديثي أدناه ناعما بحق الحكومة والسلطة. وربما يعتبر جزء من مؤيدي الحكم أسئلتي ظالمة. لكن الأسئلة الصعبة تفرض نفسها ومن الضروري مواجهتها وخاصة ممن يؤمن أن إسقاط سوريا ضمن المعطيات الحالية خطيئة وخيانة للسوريين وبلاد الشام والعروبة والإسلام والإنسانية.

أولا: الأسئلة

  1. إلى متى يستمر نزف الدم وكم عدد المتمردين أو الثوار ولماذا كلما تم تنظيف منطقة يبرزون مرة أخرى. هل الشعب يفرزهم وهل هناك تربة دعم تقبل أي شيء مقابل سقوط النظام وكم لها من نفوذ نسبي بين الجماهير.
  1. هل هناك حل أمني ممكن وهل الجيش العربي السوري متماسك بما يكفي ليتجاوز المحنة وينشر الهدوء ضمن حدود الدولة. سنقبل تعريفا متساهلا للهدوء بحيث لا يتطلب ضرورة وقف العمليات الإرهابية أو التسلل الحدودي. ما نقصده هنا هل يمكن ضبط الشعب.
  1. هل هناك فرز طائفي بحجم يهدد الوحدة الوطنية. لن أشتري دعوى أن النظام يضخ في الصراع الطائفي فهو أكبر من يخسر من ذلك. لكن السؤال يبقي هل أثمرت جهود الطائفيين ما يكفي من الفرز الطائفي للوصول إلى نقطة اللاعودة أم أن الأمر تحت السيطرة وسهل العودة. علينا أن نتذكر أن الناس تتغير إذا تعرضت للضغط والخوف لفترات طويلة.
  1. أين المعارضة الوطنية التي تتمسك بسوريا وترفض التدخل العسكري الخارجي واللجوء للإرهاب. وهل هناك وجود لمثل هذه المواقف خارج النظام فعلا ولماذا لا تظهر هذه القوى بوضوح في سوريا. هل ينكر عليها النظام دورا أم أنها غير موجودة.
  1. كيف سيتم تجاوز العزلة العربية والغربية وهل هناك استعداد للصمود لسنوات. لا نقصد هنا صمود النخبة وإنما الصمود الشعبي الواسع بنسبة لا تقل عن 60% من مجمل الشارع السوري.
  1. كيف يمكن تفسير التصويت الكاسح بالجمعية العامة ولماذا أيدت الهند مثلا مع العلم أن التصويت في جوهره ضد روسيا والصين. كيف سيتطور الموقف الروسي والصيني وهل سيستمران.
  1. كيف سيتطور الموقف السوري الداخلي من ناحية العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهل الإصلاحات المقترحة والمقرة من قبل السلطة ستوفر حلا حقيقيا ومقنعا لذوي العلاقة من الجماهير. وهل هناك استعداد من المترفين أو النخبة للتنازل الفعلي وهل هناك ثروة وخيارات سياسية كافية لتوفير العدالة وهل سينجح استفتاء 26-2 على الدستور.

ثانيا: إجابات متوقعة من أنصار دور سوريا القومي:

أتمنى أن تكون الإجابات بما يضمن لسوريا تجاوز المحنة. والإجابات أدناه مثالية ويمكن للنظام النجاح لو تحققت بنسبة 70% فقط. لكن إذا تحققت بأقل من 50% فهناك مشكلة حقيقية. سيجيب متطرفو المعارضة بما يتناسب مع عقيدة سقوط النظام دون أي تحليل واقعي وسيتصرفون برعونة كبيرة ولن يميزوا بين الكذب والتخيل والحلم والواقع. وربما يتشابه معهم جزء من المؤيدين المتطرفين لكن لا تهمنا هنا إجابات المتطرفين. نأمل الحصول على إجابات واقعية حريصة ومتزنة ومن زاوية من يؤمن بسوريا ولا ينكر المؤامرة عليها.

  1. سيتوقف النزيف خلال أشهر ونسبة المتمردين لا تتجاوز 15% وتناسلهم له علاقة بحجم الهجمة الخارجية لكن دور الشعب المفصلي ايجابي.
  1. نعم الحل الأمني ضروري والجيش العربي متماسك وسينتصر لأن الشعب يدعمه.
  1. هناك فرز طائفي قديم وجديد ونسبة من يتبعون الفرز الطائفي الآن لا تتجاوز نسبة المتآمرين لكن في حالة إسقاط النظام بطريقة ترسخ الدور الخارجي أو العنيف سيكون الفرز الطائفي كبيرا ومؤكدا وأسوأ من حالة العراق وسينعكس بشكل تلقائي على لبنان والعراق ومجمل المنطقة. أما تغيير رأس الحكم بطريقة ديمقراطية فلن يؤدي إلى أي ردة فعل سلبية. لم تثمر جهود الطائفيين كثيرا والسبب الرئيس قوة الجيش السوري وكثافة وسهولة كشف الكذب الخارجي وتخوف الشعب الحقيقي من التدخل الأجنبي.
  1. المعارضة الوطنية التي تريد تحولا ديمقراطيا متماهية مع النظام بشكل كبير ولا تبدو متميزة بمواقفها عنه. المعارضة الوطنية التي تريد سقوط النظام قبل التطبيق الديمقراطي ولا تقبل التدخل الخارجي مشلولة بسبب موقفها غير العملي في حالة الاستقطاب القائمة. فهي لا تستطيع القيام بدور ايجابي في داخل سوريا لأن النظام لن يقبل التنحي كشرط مسبق وهي لا تؤثر على المعارضة الخارجية الموجهة من القوى الدولية بسبب رفضها التدخل الأجنبي. ولو طور هؤلاء موقفهم قليلا وتقبلوا الانتقال الديمقراطي حتى مع التأكيد على ضرورة تغيير النظام فكرا أو نخبة يمكنهم عند حصول الانتخابات إسقاط النظام إن ملكوا دعما كبيرا. مشكلتهم أنهم لا يمثلون قاعدة كافية لإسقاط النظام انتخابيا ولن يكون لهم وزن لو سيطرت المعارضة الخارجية لذلك فهم حائرون ضائعون ويربكون المشهد ويعطلون الحسم.
  1. العزل العربي لا يؤثر بل ربما من الأحسن لسوريا التخلص من دور العربان منهم لأن ذلك الدور لم يكن ايجابيا أبدا بل حتى استثماراتهم كانت ملوثة وأضرت بالعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة وساعدت على نمو طبقة طفيلية تدعي انتماءا للنظام وهي أول من يهجره إذا تغيرت الموازين. أما بقية العرب فهم نوعان: أنظمة موالية للعربان من إخوان وملكيات سابقة أو أنظمة مغلوبة على أمرها. لن تستمر الأمور هكذا وسيستمر التعاون مع العرب الشرفاء. لا شك أن الضغط الغربي يؤثر معنويا وإجرائيا لأنه يقيد الكثير من حركة الناس والسلع لكنه لا يمثل أزمة غير قابلة للتجاوز. وإذا استمر الموقف الروسي والصيني فهناك إمكانية تسريع نشوء بدائل تساعد في تجاوز الأزمة وتفتح مجالا للقوى الناشئة لتجريب دورها المستقل عن الغرب في التحكم بالاقتصاد والسياسية الدولية.
  1. نعترف أن قرار الجمعية العامة محرج معنويا لكن هذا لن يجعلنا نتراجع أو نستسلم. علينا تذكر أنه خلال الحرب الباردة وقفت معظم دول العالم ضد الغرب ومع السوفييت والصين وفي النهاية انتصر الغرب. ما يظهر الآن من إذعان للغرب من كثير من القوى سببه تجارب السنين العجاف منذ بروز غورباتشوف وتراجع دور الروس وعدم التأكد بعد من صلابة وجدية البديل القادم. ستقبل سوريا دورا رياديا في تجربة تحدي الغرب والدفع بتعاون كاف مع القوى الجديدة. نأمل استمرار الموقف الروسي والصيني بإيجابياته وسنقدم ما يتطلب الأمر.
  1. الموقف الداخلي والعدالة: يقوم نجاح الحكم على هذا الأمر ورغم أن كثيرا من الأنظمة الفاسدة لا تتعرض لأية هزات والموقف الدولي منها ايجابي فهذا يؤشر على فساد عام بالنظام العالمي ولا يدل على هيمنة العدالة. معظم دول العالم أصبحت بيادق للغرب والعولمة. ولو استمعنا لتبريرات مندوبين يتكلمون بعكس ما تم التصويت عليه فهذا يعطي إشارة واضحة أن بنية الأمم المتحدة تعاني من انهيار كبير وبداياتها كانت في لجان حقوق الإنسان. لا تعني حظوة دولة عند المنظمة العالمية أنها على حق ولا عزلتها أنها فاسدة. لكن هناك فرقا كبيرا بين عزلة من العالم المنافق وأنت على حق مع شعبك أو أن تكون كذلك وأنت مخطئ. بنية المجتمع السوري تشوهت كثيرا خلال السنوات الماضية بسبب تغول الاقتصاد العالمي وهذا لا يمكن إنكاره. نعترف أيضا أن محاولة التأقلم مع النظام العولمي أجبرتنا على مجارة المستثمرين العولميين الذين شوهوا بنية النظام القائم حين نمت طبقات طفيلية. وقد تداخلت الأمور بما شل استمرار النظام القائم عديم الكفاءة بسبب التشويهات الجديدة أو تبني الجديد العولمي الذي لا يتناسب مع طبيعة نظام سياسي يعارض أرباب الرأسمالية اقتصاديا ويقف مقابلها سياسيا بسبب الهيمنة الصهيونية. لا بد من حسم إما أن نستسلم للنظام العولمي وعندها تسحق مفاهيم العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتسود فقط مفاهيم الليبرالية المتصهينة أو أن نقف صامدين ونتحمل انسحاب الاستثمارات النجسة. علينا إعادة التوازن من خلال توزيع أكثر عدلا للثروة ومساواة بين مكونات المجتمع دون محاباة طائفية أو نخبوية وحرية اختيار الجميع من يرغبون بالحكم من خلال نظام سياسي منفتح على الحق الديمقراطي للشعب. لكننا لن نتنازل أبدا عن استقلالنا ولن نصبح تابعين للغرب وسنتعاون مع الأقطاب الجديدة لعالم أكثر عدالة.

ثالثا: إجابات الواقع: كيف سيجيب الواقع  وكيف تتطور الأمور.  نترك هذا للأخوة القراء.